• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السيِّدة زينب (عليها السلام).. صانعة التاريخ

عمار كاظم

السيِّدة زينب (عليها السلام).. صانعة التاريخ

أطلّت السيّدة زينب (عليها السلام) على الدنيا في الخامس من شهر جمادى الأوّل في السنة الخامسة للهجرة في بيتٍ أذن اللهُ أن يُرفع ويُذكر فيه اسمُه. سمّاها خاتم الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) «زينب». ولكنّ من غير المعهود أنّ الأب أو الجدّ إذا رُزِق ولداً أو حفيداً بكى وانتحب وذرف الدموع سِخاناً، فيحدّثنا التاريخ أنّ الحسين (عليه السلام) حَمَل إلى أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بشارة ولادة أخته زينب، وأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بكى لمّا بُشّر بولادتها، فسأله الحسين (عليه السلام) عن علّة بكائه، فأخبره أنّ في ذلك سرّاً ستبيّنه له الأيام. ثمّ حُملت الوليدة الطاهرة إلى جدّها الحبيب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاحتضن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الطفلةَ الصغيرة وقبّل وجهها، ثمّ لم يتمالك أن أرخى عينيه بالدموع. وكان جبرئيل (عليه السلام) الذي هبط باسم «زينب» من ربّ العزّة قد أخبر حبيبه المصطفى (لى الله عليه وآله وسلمص) بأنّ هذه الوليدة ستشاهد المصائب تلو المصائب، وأنّها ستُفجَع بجدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبأُمّها فاطمة سيِّدة النساء (عليها السلام)، وبأبيها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبأخيها الحسن المجتبى (عليه السلام) سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ تُفجع بمصيبةٍ أعظمَ وأدهى، هي مصيبة قتل أخيها الحسين (عليه السلام) سيِّد شباب أهل الجنّة في أرض كربلاء. من حيث عبادتها كانت تقضي ليلها بالصلاة والتهجّد، ولم تترك نوافلها حتى في أحلَك الظروف وأصعبها، فقد روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: إنّ عمّته زينب ما تَرَكت نوافلها الليلية مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقهم إلى الشام. لم تَقعُد بها تلك المصائب الراتبة التي تَهدّ الجبال عن أن تتهجّد وتُناجي ربّها الكريم. ونُقل عن ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الإمام الحسين (عليه السلام)، أنّه لمّا ودّع أخته زينب (عليها السلام) وَداعَه الأخير قال لها: «يا أُختاه، لا تنسيني في نافلة الليل». وعن فاطمة بنت الإمام الحسين (عليهما السلام) أنّها قالت: «... وأمّا عمّتي زينب فإنّها لم تَزَل قائمة في تلك الليلة ـ أي ليلة العاشر من المحرّم ـ في محرابها تستغيث إلى ربّها، فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رَنّة «. وروي عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين (عليهما السلام) إنّه قال: «إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من قيام ـ الفرائض والنوافل ـ عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك، فقالت: أصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال؛ لأنّها كانت تُقسّم ما يُصيبها من الطعام على الأطفال، لأنّ القوم كانوا يدفعون لكلّ واحد منّا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة». وفي هذا دلالة لا أوضح منها على أنّ السيِّدة زينب (عليها السلام) كانت من القانتات اللائي وَقفنَ حركاتهنّ وسكناتهنّ وأنفاسهنّ للباري تعالى، فحصلن بذلك على المنازل الرفيعة والدرجات العالية التي حَكَت برفعتها منازل المُرسلين ودرجات الأوصياء. السيِّدة زينب حفيدة الرسول (ص)، هي أوّل سيِّدة في دنيا الإسلام صنعت التأريخ، وأقامت صروح الحقّ والعدل.

ارسال التعليق

Top