من الغريب أنّنا لا نقدر صحتنا قدرها ونهتم للاحتفاظ بها إلا متى تعرضنا لفقدها. يقول المثل "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى". ومَن منّا لا يبذل الغالي والنفيس في سبيل صحته متى أصيب بمرض يعرض حياته للخطر أو يشله عن الحركة والحياة الطبيعية، ولا عجب لأنّ الصحة أثمن شيء نملكه ولكن البعض منا يطرحون صحتهم جانباً بسبب الإهمال أو الجهل بنواميس وقوانين الطبيعة.
لا شيء يقوم مقام الصحة. انّها هبة ونعمة من الله لا تقدر بثمن فإذا خسرناها لا تقدر أن ترجعها إلينا كنوز الأرض بأسرها. وإنّ مستقبل كلّ فرد منا يتوقف على الاحتفاظ بعقل سليم في جسم سليم.
إذا نظرت إلى المستشفيات في أنحاء العالم وجدتها ملأى بالذين يهملون ويخالفون القوانين الصحية والنواميس الطبيعية. انّ البعض يدرك القوانين الصحية ولكن يهملها اعتقاداً منه انّه يقدر أن يتجنب العواقب، وربما نجح إلى حين من الزمن ولكن في النهاية لابدّ لأقوى الأجسام بنية من الانهيار. فكم من مريض مزمن كان بوسعه أن يتمتع بصحة جيدة طول حياته لو انّه اهتم أن يتجنب أخطار المرض ويراعي القوانين الصحية والنواميس الطبيعية.
المرض يتسرب إلى أجسادنا بطرق مختلفة بعضها عن طريق الجراثيم كالملاريا والتيفوس والسل والندرن الرئوي. وبعضها عن طريق عارض مادي ككسر في العظام أو تمزق الأنسجة الجسدية أو الحروق أو لسعات الحيوانات السامة والحشرات.
ومن حسن الحظ انّ الطب الحديث قد أصبح قادراً على السيطرة على هذه الأمراض والإصابات كّلها تقريباً بإعداد العلاج الخاص لكلّ منها.
وللأسف هنالك أمراض تصيبنا من جراء رعونتنا وعاداتنا السيئة في العيش كعادات الأكل والشرب والإفراط المتواصل الذي ينهك قوى الجسم ويتركه عاجزاً عن مقاومة الجراثيم وهذه أسباب لأكثر الأمراض والآلام. وترانا نرغب ونسرع في التخلص من عواقب المرض أكثر من رغبتنا وإسراعنا في إزالة أسبابه، ولاسيّما إذا كان السبب ناتجاً عن عادة عزيزة علينا نتردد في الإقلاع عنها. وما أغرب تفكيرنا عندما نجد الأعذار لأنفسنا من تصرفاتنا الخاطئة التي تضر بصحتنا الجسمية والنفسية.
لنذكر أنّ معظم الأمراض تولد الضعف والآلام وهذه بمثابة إنذار من الطبيعة تحثنا بواسطته على تغيير عاداتنا المضرة. ولكن للعجب عوضاً عن أن نصغي إلى هذا الإنذار ونعتبره نهرع إلى الأدوية المسكنة لأننا أكثر اهتماماً بأن نتخلص من عذاب المرض وآلامه من أن نهتم بإزالة أسبابه. قد يكون هذه الأدوية ضرورية لوقف الآلام المبرحة الشديدة بعض الأحيان انما يجب عدم تعاطيها إلا بأمر الطبيب وإرشاده. وعلينا أن لا نخدع أنفسنا، فهذه الأدوية المسكنة والمخدرة للألم لا تشفي الأمراض ولكن تموه وتخفي حقيقة المشكلة بإزالة الإزعاج مؤقتاً بينما تبقى العوامل والأسباب المرضية الهدامة تفعل فعلها دون رادع أو مقاومة من الجسم.
إنّ الخطر الكامن في استعمال المسكنات والمخدرات إلا في الأحوال الضرورية الطارئة هو أنها تزيل الألم فيشعر المريض بالراحة ويهمل المعالجة الطبية الصحيحة. فالمريض يعتقد انّه يسير نحو الشفاء غير مدرك انّ هذا الشعور أو الاعتقاد خداع يؤخر الشفاء لأنّ تراكم السموم في الجسم من جراء المرض يعوق عمل الكليتين والكبد فيصعب الشفاء.
الكاتب: د. أحمد توفيق
المصدر: كتاب أيقظ قوة عقلك الخارقة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق