• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الضَعف الإنساني

السيد سابق

الضَعف الإنساني

◄الإنسان جسد وروح:

الإنسان مكوّن من جسد وروح.

فبالجسد يتحرك، ويحس.

وبالروح يدرك، ويعي، ويفكِّر، ويعلم، ويريد، ويختار، ويحب، ويكره.

ولكلّ منهما مقوّمات ورغائب.

فمقوّمات البدن، ورغائبه – الطعام، والشراب، وغيرهما من الشهوات المادّية واللذائذ الحسية.

ومقومات الروح، ورغائبها الإيمان بالله، وتنفيذ وصاياه، وبالتخلق بالفضائل التي تسمو بالنفس، وتصل بها إلى الغاية من التأديب والتهذيب.

وبالروح تميز الإنسان من غيره في هذا العالم، وصار عالماً وحده.

وبالروح أسجد الله للإنسان ملائكته، وسخّر له ما في السماوات، وما في الأرض جميعاً منه، وجعله سيد هذا الكون، وخليفة عنه في الأرض.

(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70).

 

إغفال الجانب الروحي:

ولكن الإنسان غفل عن هذا الجانب الروحي، وجهل مقوماته ورغائبه.

واندفع وراء شهواته المادّية، ولذائذه الحسية، اندفاعاً صرفه عن إصلاح نفسه وأخذها بالتربية والتقويم.

وكان من أثر ذلك أن بلغ شأوا بعيداً في الرفاهية المادّية والنعم الظاهرة، وتخلف تخلفاً معيباً عن القيم الصالحة، والمعاني الإنسانية الرفيعة.

ولهذا جاء القرآن ينعى على الإنسان هذا الأسلوب الشائن، ويوجه نظره إلى مراضه وعلله، ونقائصه ورذائله. ليتخلص منها، ويتنزه عنها... ويسلك السبيل القويم الجدير بالإنسان كخليفة عن الله في الأرض.

 

أمراض النفس:

وما أكثر الآيات التي جاءت في القرآن الكريم لتعالج هذا النقص، وتنبه على ضرورة التخلص منه.

يقول الله سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء/ 28).

فالضعف طبيعة من طبائع النفس الإنسانية، فالإنسان لا يكاد يستقر على شيء، ولا يثبت على قاعدة، بل يستجيب للمؤثرات المتعارضة، ويتلون بألوان مختلفة، ويبدو بوجوه متعددة.

ويقول سبحانه: (وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ) (يونس/ 12).

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) (هود/ 9).

(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) (هود/ 10).

(إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (هود/ 11).

(فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الزّمر/ 49).

(وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) (فصّلت/ 51).

وهذه الآيات تكشف عن مدى عتو الإنسان، وتمرده على الله عند الرخاء، ومدى قلقه واستكانته عندما تنزل بساحته النكبات!!.

وهذا لون من ألوان الضعف النفسي.

ويقول: (إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم/ 34).

فهو كثير الظلم لنفسه، ولغيره. بالغ النهاية في الكفر بأنعم الله.

فهو لا يعدل، ولا يعرف الجميل لصاحب الجميل.

ويقول: (وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا) (الإسراء/ 11).

أي: أنّه طائش العقل يتأثر على عجل دون تريث أو أناة، وأنّه يطلب من الله الشر كما يطلب منه الخير، وهذا منتهى الحمق!!.

ويقول: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا) (الإسراء/ 100).

ما أوسع خزائن رحمة الله، وما أكثر ما أودع فيها من آراء، ومع ذلك لو ملكها الإنسان لأمسك عن الإنفاق خشية نفاد ما فيها؛ لشح الإنسان، وبخله؛ إذ أنّ البخل جزء من كيانه!!.

ويقول: (وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) (الكهف/ 54).

والجدل مظهر من مظاهر مرض القلب بالشكوك والشبهات.

ويقول: (وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) (مريم/ 66-67).

فهو ينسى ماضيه وحاضره، ويتنكر للحقائق الإلهية، ولا يتذكر آيات الله فيه وبراهينه في نفسه!!.

ويقول: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72).

الظلوم: هو الذي من شأنه أن يعدل، ولا يعدل.

الجهول: هو الذي من شأنه أن يعلم، ولا يعلم.

ويقول: (أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (يس/ 77).

شديد الخصومة مجاهر بها.

ويقول: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) (المعارج/ 19-21).

أي: سريع الجزع عند الشر، شديد المنع عند الخير، فهو لا يصبر في البلاء، ولا يشكر في الرخاء.

ويقول: (قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) (عبس/ 17-23).

أي: ما أشد كفر الإنسان؛ إذا إنّه لم يؤد حقّ الله عليه، ولم يقض ما أمره الله به!!.

ويقول: (فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) (الفجر/ 15-16).

فالإنسان إذا ما ابتلاه ربّه بالنعم ظن أنّ ذلك ضرب من التكريم، وإذا ضيق عليه في الرزق اعتقد أنّ ذلك نوع من الإهانة، والحقيقة أنّ الله – سبحانه – يبتلي بالرخاء والسعة، كما يبتلي بالبلاء والضيق؛ ليظهر ما تنطوي عليه نفس الإنسان من الشكر، والصبر.

ويقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (التين/ 4-6).

أي أنّ الله – سبحانه – خلق الإنسان في أصل فطرته سوياً لا عوج فيه، ولا انحراف..، ولكنه بعمله السيِّئ يخرج عن نظام الفطرة، فيرتكس إلى أسفل سافلين، ويتدلى تدلياً يصل به إلى أحط من مستوى الحيوان.

ويقول: (كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق/ 6-7).

أي أنّ الإنسان يتجاوز الحد إذا رأى نفسه غنياً بما وهب الله له.

ويقول: (إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات/ 6-8).

أي: أنّ الإنسان جحود لنعم الله، فلا يعترف بفضله عليه..، وأعماله، وأحواله تشهد عليه، وهو شره في حب المال.

(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).

وهذه جملة الأمراض النفسية المستخلصة من الآيات المتقدمة:

الضعف، واليأس، والقنوط، والبطر، والفرح، والعجب، والفخر، والظلم، والبغي، والجحود، والكنود، والعجلة، والطيش، والسفه، والبخل، والشح، والحرص، والجدل، والمراء، والشك، والريبة، والجهل، والغفلة، واللد في الخصومة، والغرور، والإدعاء الكاذب، والهلع، والجزع، والمنع، والتمرد، والعناد، والطغيان، وتجاوز الحدود، وحب المال، والافتتان بالدنيا.

ولابدّ من معالجة النفس حتى تبرأ من هذه الأمراض جميعها، وتعود إليها الصحّة والعافية، وتكون نفساً مطمئنة بالحقّ والخير، وفي ذلك فلاحها.

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (الأعلى/ 14).

(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 7-10).

(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر/ 27-30).

وإنما يتم العلاج عن طريق تقويم الخلق.►

 

المصدر: كتاب عناصر القوّة في الإسلام

ارسال التعليق

Top