العاطفة هي الرابطة، أو العلاقة النفسية بين الإنسان من جهة، وبين الله والناس، والأشياء التي تحيط بالإنسان من جهة أخرى. فهذا الإتجاه النفسي – إتجاه الحبّ والكراهيّة – هو الذي يحدّد الموقف النفسي للإنسان نحو نفسه وغيره.. وهو الذي يكوّن نوع الرابطة أو (العاطفة).
وتتميّز العواطف الإسلاميّة بأنّها عواطف إنسانيّة نبيلة، تتّسم بالنقاء، والسلامة من الانحراف، والميل العدواني، وتنبثق عن فكرة الإيمان بالله وتوحيده. فالمسلم يرتبط بعاطفة الحبّ مع الله، والناس، والعالم من حوله؛ على أساس واضح، وحسب مقياس ثابت. فهو يحبّ الله، ويبني على أساس هذا الحبّ كلّ عواطفه، وميوله النفسية من الحبّ والكراهيّة، فيحب الخير والجمال، ويحب الناس والأشياء التي يرتبط بها، وتتفاعل أحاسيسه، ومشاعره معها.. ويكره الظلم، ويعطف على المظلوم.. ويشارك بإحساسه الوجداني الإنسان المتعرّض للألم..، ويشاطر الآخرين الفرح، والسرور؛ فيتألم إذا رأى فقيراً جائعاً، أو مريضاً يتضوّر ألماً، أو إنساناً ألحّت عليه المحنة، أو متسافلاً يمارس رذيلة. ويُسَرُّ إذا رأى السرور يملأ قلوب الآخرين.. ويفرح إذا رأى غيره يعمل الخير، ويتمتع بالنعم.. ويمتلئ قلبه سروراً إذ شاهد شيئاً جميلاً.. ويعطف على الحيوان، ويشمله برعايته إذا تعامل معه.. لأنّ في كلِّ هذه المواقف حبّاً لما يحبّ الله، وكرهاً لما يكره.. فالمسلم الملتزم يتعامل مع كلِّ شيء يشاهده، أو يحسّه بعاطفة إسلاميّة تقوم على أساس العلاقة بالله.. فهو يحب، ويكره لله..، ويقترب من الآخرين، ويبتعد عنهم على أساس علاقتهم بالله. لذلك فإنّ العاطفة الإسلامية تتميّز بأنّها عاطفة إنسانية نبيلة، تقوم على أساس من إرشاد العقل، وإتجاه المعتقد، واستقامة الخطّ، وإتّزان الانفعال. فالمسلم يحب في الله، ويبغض في الله، خصب العاطفة، يقظ الوجدان، سليم الإتجاه، متّزن الانفعال. وقد أوضح القرآن الكريم طريق العاطفة، ورسم لها مسار التعبير عن شحناتها النفسية الخيّرة، فقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة/ 165). (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات/ 7).
فهاتان الآيتان الكريمتان رسمتا طريق العاطفة الإسلاميّة وأكّدتا للمسلم أنّ حبّه حبّ لله، وهو حبّ صادق شديد الإخلاص، يدلّه على حبّ الخير، واستحسانه، وكراهية الشر والفساد وأهله، وأنّ هذا الحبّ والكره لا يقوم على أساس ميل انفعالي تافه، ولا يصدر عن شطط نفسي عائم، بل يتحدّد وفق خط واضح، ويلتزم بمقياس دقيق وصفه الإمام عليّ (ع) بقوله: "لا يحيف على مَن يبغض، ولا يأثم في مَن يحبّ". فهو يحبّ كلّ ما أحبّه الله، ويبغض كلّ ما أبغضه الله؛ من غير أن يخضع هذا الحبّ، والكره لانفعالاته النفسيّة، أو لاندفاعاته التي لا تستطيع التمييز بين الخير، والشرّ في حالات طغيان الأنانيّة، أو سيطرة الرّضى، والغضب، أو رجحان الربح والخسارة الذاتية الضيّقة، أو الحسابات الآنية العاجلة. ومن أجل الحفاظ على هذا الإتجاه العاطفي المتّزن ازداد تأكيد القرآن على هذه النقطة الحساسة في العواطف، واهتم بالتنبيه عليها: قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 216). فهذه الآيات الكريمة تعطي التحليل الأعمق لإتجاه النفس الإنسانيّة، وتشير إلى أنّ هذا الاتجاه قد يقع في تخبّط وضياع عاطفي غير محسوب؛ فيحبّ الإنسان ما هو شرّ له، ويكره ما هو خير له، بسبب جهله، أو طغيان دوافعه وانفعالاته على وعيه، وبسبب غياب تقويمه الدقيق، وتواري مقياسه العقلي السليم، لذا فإنّ القرآن ربط عواطف الإنسان المسلم بمؤشر عقائدي، وبقيادة عقليّة واعية، ليستر بعواطفه على خط العقيدة الواضح، ويسقيها وينميها بحرارة الإيمان، وحبّ الله، فتغدو حيّة، واعية متدفّقة. وقد جاءت الأحاديث النبوية الشريفة شارحة لهذا المعنى، ومعمقة لمضمونه، ليكون حقيقة حيّة تعيش في نفس الإنسان المسلم، وتتأصل في وجدانه. فقد رُوي عن الرسول الأعظم (ص) قوله: "وِدُّ المؤمن للمؤمن في الله أعظم شعب الإيمان، ألا ومَن أحبّ في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله، فهو من أصفياء الله". ورُوي عن الإمام محمّد الباقر (ع) أنّه قال: "إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبُّ أهل طاعة الله، ويبغض أهل معصيته، ففيك خير، والله يحبّك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله، ويحبّ أهل معصيته، فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من يحبّ".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق