• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العيد.. ما الذي يجعله جميلا في نظرنا؟

تحقيق: ريما كيروز

العيد.. ما الذي يجعله جميلا في نظرنا؟
لقاءات عائلية وموائد عامرة وزيارات للأهل والأصدقاء في العيد، يلتقي الناس ويتبادلون التهاني ويزورون أهلهم وأقرباءهم وأصدقاءهم. وفي العيد تُضاء البيوت بالفرح والسعادة. ويكون لكل فرحة سبب، وحده صاحبها يعرفه. ما هي هذه الفرحة التي تغمر البيوت والقلوب؟ وما هو أجمل شيء في العيد بالنسبة إليك؟ الابتسامة في كل مكان. إنّه العيد. صلوات ترفع إلى السماء، ملابس جديدة، هدايا، معايدات، عيدية، زيارات واستقبالات، وموائد عامرة بالأطايب وبما لذّ وطاب. تقاليد وعادات الدول العربية كافة، هي الحاضرة أبداً، وفي كل شيء. عيد الفطر الذي يزور المسلمين كل عام، حاملاً مكافأة رب العالمين إليهم، فرحاً وبركة، ما هو أجمل شيء فيه؟ سؤال نطرحه في هذا التحقيق، حيث تتعدد الأجوبة وتتشعب، ولكن مضمونها يتمحور حول الفرح والفرح ودائماً الفرح. دامت أيامكم فرحاً دائماً، وكل عام وأنتم بخير.   - فرحة اللقاء: يفكر قاسم حسين (مندوب علاقات عامة، متزوج منذ 28 عاماً ولديه 4 أولاد) في عيد الفطر، فلا يجد إلا أن يقول: "أنا عراقي أعمل في الإمارات، وعائلتي تقيم في سوريا. العيد الحقيقي هو بالسفر إلى حيث تقيم عائلتي، أي زوجتي وأولادي والاجتماع بهم". تترقرق عينا قاسم بدموع التأثّر، يكمل بتردد: "الغربة صعبة جدّاً، ولكن ما باليد حيلة. أشكر الله أنني لا أفوت عيداً من دون زيارتهم. في الواقع لن أشعر بالعيد هذا العام، إذا لم ألتق بهم، وأغدقهم بالهدايا وأحقق رغباتهم كلها". تلمع نظرات قاسم بالفرح فجأة، يعلق: "لشدة سعادتهم بقدومي، يحضّرون لي كعك العيد وأطيب الحلويات، إضافة إلى كل الطعام الذي أشتهيه". "العيد هو فرحة لي ولأولادي"، يعرب فرحاً: "كل ما أتمناه من الله هو أن يجمعني بهم، لنفرح ونسعد، كما أدعو بالسعادة لكل الناس".   - عيد الإنسانية: يكلل الفرح عيني منى منصور (مدرسة لغة عربية متزوجة منذ 20 عاماً ولديها 3 أولاد) عندما نسألها، ما أجمل ما في عيد الفطر؟ ترد في لحظة: "أجمل ما في هذا العيد هو المحبة والتسامح ولقاء الأحبة. ما من شيء أجمل من لقاء أو زيارة من نحبهم. كما أننا في هذا العيد نجدد علاقتنا بالله، فتتجدد حياتنا فرحاً وسلاماً داخلياً". وإذا كانت فرحة العيد لا تكتمل إلا بالاجتماع حول مائدة منى، فهي وعلى حدّ قولها "مستعدة لها". وتشير منى إلى أن "مائدة العيد مميزة بالتأكيد، ومن عاداتنا في سوريا، أن نحضّر المأكولات الشعبية المشهورة في بلدنا، مثل ورق العنب باللحم، والكبة، إضافة طبعاً إلى معمول العيد المميز جدّاً، وأقراص الكعك المحشوة بالتمر". و"تغلب السعادة على كل ما نفعله في يوم العيد"، تقول منى وتضيف: "تحل السعادة على الأكل والثياب والمعايدات، ولهذا نسميه عيد الفطر. ندعو الله أن يحل هذا العام بالسلام على وطننا العربي بأكمله، ويتحول إلى عيد للإنسانية جمعاء".   - معنى: معاني العيد لا تختلف كثيراً عن سواها، عند فضيلة حافظ (متزوجة منذ 40 عام ولديها 7 أولاد) التي تعرب قائلة: "إلى جانب المعنى الديني، أعتبر أن اجتماعي بأولادي يوم العيد هو أجمل ما فيه". تستدرك فضيلة كلامها معلنة: "صحيح أنني أرى أبنائي دائماً، ولكن اللقاء بهم في العيد، له معنى آخر يثلج قلبي ويفرحه. لذلك تراني أحضر لهم ما لذّ وطاب من المأكولات الفلسطينية المحببة إلى قلوبهم، مثل "المنسف"، والـ"أرز بقدرة" وهو عبارة عن أرز وزعفران وحمص ولحم. كما أحضر لهم "السماقيّة" المكونة من اللحم والسلق والبصل والحمص والطحينة والسمّاق". تعطينا فضيلة وصفة مأكولاتها، وتبلع بريقها، وكأنها وصلت إلى حدّ تذوق ما تحضره ليوم العيد، تضيف: "تحضير الأطايب للعيد، تقليد أساسي في مجتمعنا، نتناقله من سنة إلى سنة، فهو إرث آبائنا وأُمّهاتنا الذي نحاول الحفاظ عليه، لأن له معناه الكبير في ذاكرتنا. ربنا يهدئ سر النفوس، ويجعل عيدنا مباركاً، وينشر السلام في العالم لتكتمل سعادتنا".   - لقاء: بالنسبة إلى فهد قاسم (مندوب علاقات عامة) فإنّ "الاجتماع مع الأهل هو أجمل ما في العيد". ينطق فهد بهذه الجملة ويبتسم، وكأنّه يعيش لحظة اجتماعه بأهله. يتابع بتأثر: "لا أزور أهلي كثيراً في الأيام العادية، بسبب مشاغلي الكثيرة، ولكنني في العيد أستمتع بلقائهم للاحتفال معاً، هذا إضافة إلى أنني أخرج معهم مرة أو أكثر خلال أيام العيد إلى أحد المتنزهات، وهذا أمر يمتعني كثيراً، وأنتظره من عيد إلى عيد". فـ"العيد هو البهجة والسرور في القلوب"، يعلق فهد قبل أن يمضي في طريقه: "أعاده الله على كل المسلمين".   - تقاليد: تفرح آمنة محمد (متزوجة منذ 21 عاماً ولديها 10 أولاد) عند سماع السؤال: وترد سريعاً: "كل شيء في العيد جميل، وكلنا نفرح به، خصوصاً حين نجتمع مع أولادنا في ثياب العيد الجديدة، وهي الزي الوطني العماني الذي هو تقليد من تقاليد العيد عندنا". تنظر آمنة إلى أفراد عائلتها الذين يقفون إلى جانبها، تراهم يبتسمون لها، فتكمل كلامها: "من عاداتنا أيضاً في سلطنة عمان، أن نذبح خروفاً أول أيام العيد، ونجتمع مع الأهل والأقارب للاحتفال معاً. كما أننا نطهو صباح يوم العيد بعد إتمام الصلاة، أكلة تسمى "العُرسيّة" وهي من المأكولات الشعبية في بلدنا، وتتكون من الأرز والدجاج والسمن البلدي، وهي من تقاليد العيد التي لا نتخلّى عنها". التقاليد هي من العادات المهمة في رأي آمنة التي تشدد على أن "علينا أن نتمسك بها لأنها تغني عيدنا وتسعدنا، وتجعلنا نتذكر أهلنا وكبارنا، وهذا أجمل ما في العيد". - حصاد: "نعم أوافق على أنّ التقاليد توثق ارتباطنا بكبارنا"، يؤكّد زوج آمنة، يتابع: "فرحة الأطفال هي أجمل ما في العيد، لأنها تعكس في قلوبنا فرحتهم البريئة، فنفرح بدورنا ونسعد بالعيد". يضيف: "في الحقيقة أنا أحب كل شيء في العيد، من الملابس الجديدة إلى اجتماعنا بالأحبة إلى المعايدات والزيارات، وغير ذلك من طقوس نقيمها في العيد الصغير". ينظر جمعة بدوره إلى أسرته وهي تحيط به، ويقول: "عيد الفطر هو حصاد جهد وصبر المسلم على الصوم، وهو أيضاً المكافأة التي نرجوها من الخالق. أتمنى أن يعاد علينا جميعاً بالخير والبركة".   - سهر: للشباب مشروعات أخرى خلال العيد، يتكلم عنها محمد وسيم (مندوب أجهزة طبية) بكثير من الحماسة قائلاً: "أنتظر أول أيام العيد للخروج مع الأصدقاء للسهر، وفي العادة لا نخطط للأمر، ولا نحدد المكان الذي نريد أن نقصده ولا الأشخاص، لأننا في كل عيد نلتقي بأشخاص جدد، وما يهمنا هو الخروج للالتقاء والاحتفال". إلا أنّ الخروج مع الأصدقاء للسهر، لا يعني إسقاط "زيارة الأهل بعد صلاة العيد، وقضاء النهار معهم"، يضيف محمد لافتاً إلى أن "هناك شعوراً بالراحة الجميلة يتملّكني يوم العبد، وقد انقضى شهر الصوم. أعاده الله عليّ وعلى أهلي وجميع الناس بالفرح".   - أناقة: ولأن أجمل ما في العيد يختلف بين شخص وآخر، تؤكد هالة محمد (طالبة في السنة الرابعة/ تصميم غرافيك) أنّها تعتبره "مناسبة خاصة وخاصة جدّاً"، تصرّح هالة بحماسة، راسمة على ثغرها فرحة واضحة: "الحصول على ملابس جديدة وجميلة يوم العيد، هو من أولوياتي. فأنا مغرمة بالثياب والأزياء، ويوم العيد يكون أجمل في عينيّ، بأناقة تبدأ من رأسي إلى أخمص قدمي". تسرح هالة قليلاً ثمّ تضيف: "عيد الفطر مناسبة لكل المسلمين، للاحتفال بانتهاء الصوم المبارك. وشخصياً أفرح بإتمامي واجباتي الدينية، وهذا في حدّ ذاته العيد بعينه. كل عام وأنتم بخير".   - العيدية: "أجمل شيء في العيد هو العيدية". بعفوية شديدة تعلن آمنة صالح (طالبة إعلام/ سنة رابعة) رأيها هذا، وتعلق: "لا يقصّر أهلي في موضوع مصروفي طيلة أيام السنة، ولكن العيدية لها طعم آخر، مختلف وجميل، لا بل أكثر من جميل". نسأل آمنة ماذا تفعل بالعيدية؟ فتجيب بخجل: "لا شيء مميّزاً، أنفقها كما أنفق مصروفي المعتاد في الأيام العادية. ولكن إنفاقها يكون عزيزاً على قلبي لأنّها عيدية، وتأتيني من الغالين على قلبي". تضيف بسعادة ظاهرة: "عيد الفطر جميل بكل أشكاله وطقوسه، هو في نظري، يجمع أهل والأقرباء والأصحاب على السعادة والفرح، ومجرد التفكير في ذلك، يشعرني بدفء أسري لا يمكنني وصفه".   - إجازة: أما حسن نافع (أستاذ تربية متزوج منذ 5 أعوام) فأجمل ما يحبه في العيد، فضلاً عن الإجازة التي يقول إنّه ينتظرها بفارغ الصبر، هو "رؤية الوجوه المبتسمة في العيد الصغير والتي نلتقي بها في كل مكان". يضم حسن يديه إلى بعضهما ويصرح: "أنا من الأشخاص الملتزمين دينياً، وللعيد طقوسه الخاصة في نفسي، فبعد الصبر في الصيام وإقامة الواجبات الدينية على أكمل وجه، أستقبل العيد بالفرح والسكينة النفسية. كل ما أريده هذا العام من العلي القدير، هو أن يوفقني في أجازتي، لأنني سأسافر مع زوجتي إلى مصر لأقضي عطلة العيد مع أمي وإخوتي".   - حيرة: ببراءة الأطفال، تعلن إيثار جمعة، ابنة الثلاثة عشر عاماً موقفها من العيد قائلة: "أحب عيد الفطر كثيراً، لأننا نزور أعمامي أوّل أيام العيد، فيقدمون لنا كعك العيد والحلوى، ويعطونني أنا وأخوتي عيدية العيد". تحني إيثار رأسها بخجل طفولي، تنظر إلى الأرض بينما تستمر في كلامها معلقة بصوت متقطع: "أحب كل شيء في عيد الفطر. أنا حائرة، لا يمكنني أن أختار أمراً لأميزه عن أمر آخر، فكل ما نفعله في هذا العيد ممتع وجميل، ويبعث في قلوبنا نحن، السعادة العارمة. ليت أيامنا كلها تكون أعياداً في أعياد، لنبقى سعداء على مدار عام كامل".   - دائرة البهجة: هل يختلف يوم العيد عن أي يوم عادي من الناحية النفسية؟ سؤال يجيب عنه استشاري الطب النفسي الدكتور محمد النحاس، الذي يشير إلى أن "فرحة الوالدين في الإعداد ليوم العيد والاحتفال به، وتنظيف البيت وشراء الملابس الجديدة وتبادل الهدايا، تدخل البهجة والسرور إلى نفوس الأولاد، لا بل أفراد العائلة كلها". ويقول: "نعتبر هذه الحالة من التغييرات الإيجابية. فحين يكون الأب من النوع الشديد الصارم، يجده الأبناء في يوم العيد حنوناً ومتعاطفاً معهم، فيشعرون إذن بالتغيير لمصلحتهم. كما إن مجرد وجوده وسط أبنائه يوم العيد، يجعل أفراد الأسرة كلهم، يشعرون بالدفء الأسري والاحتواء العاطفي". "في العيد الجميع يلتقون في نقطة الفرح، يقول د. النحاس. يضيف: "لكن، للأسف، لا يدرك الأب المثقل بالأعباء، أن تصرفاته البسيطة قد تبهج ولده، لذا أنا أدعوه إلى مراقبة سعادة ابنه، عندما يتصرف معه بعطف يوم العيد، والانتباه إلى انعكاس الأمر عليه وعلى زوجته تلقائياً بالرضا، لأنهما استطاعا أن يحققا هذه البهجة". يتابع: "باختصار شديد أقول، إن يوم العيد هو مناسبة تجمع الأسرة بكل أفرادها في دائرة واحدة مغلقة، وعنصرها الأساسي والرئيسي هو البهجة والسرور". أما عن الشعور الذي يغمر الإنسان يوم العيد، فيوضح الدكتور النحاس: "أولاً فرحة الأطفال هي المؤشر الذي ينعكس بالرضا على الأهل. ثانياً، تلعب الرؤية الدينية الدور الكبير في تعزيز الشعور بالسعادة في هذا اليوم، ففرحة المسلم فرحتان، الأولى بإفطاره بعد الصيام، والثانية بانتهاء الشهر الكريم والفرحة الكاملة تتأتى من هدف العيد، ويتجسد ذلك في إحساس الإنسان بالإنجاز من خلال طاعة ربه، والانصياع لأوامره، وامتحان قدرته الشخصية على الصبر". ويشير د. النحاس إلى أن "هذا كله يعزز السعادة النفسية ويملأ القلب بالحبور". ويقول "لذلك، ننصح الأهل بأن ينبّهوا أولادهم إلى هذه الأسباب ليشعروا مثلهم، بالرضا المتبادل بين الرب وعبده، وبين العبد والعبد". ويتحدث الدكتور النحاس عن الطقوس التي يشعر الناس بأن لها طعماً آخر في يوم العيد، فيقول: "نستطيع أن نقوم بطقوس العيد في أي يوم من أيام السنة، ولكن الأمر سيكون بمثابة الاحتفال بعيد ميلاد أحدهم يومياً، أو في غير تاريخ ميلاده، ما يفقد المناسبة بهجتها ورونقها. إذن لابدّ أن يكون للمناسبة معنى. والنفس البشرية جبلت على الارتباط ما بين المثير والاستجابة، ومن هنا كان انتهاء الصيام مثيراً لاستجابة الفرح والرضا".

ارسال التعليق

Top