القراءة عنوان كلّ حضارة، ووسيلة تقدّم وريادة أي مجتمع، وطريق للارتقاء والصدارة..
فبالقراءة تستنير العقول وتزدهر، وتزداد البشرية عِلماً ومعرفة، فيرتقون في أفكارهم وسلوكهم وعطائهم، وبارتقاء الأفراد ترتقي المجتمعات والأوطان، وأُمّة الإسلام أُمّة القراءة، وأوّل آية نزل بها الروح الأمين على سيِّد المرسلين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) مُصدَّرة بالأمر بالقراءة، في قوله تعالى: (اقْرَأْ)، وهذا الأمر بالقراءة الذي افتُتحت به رسالة الإسلام كان دافعاً للمسلمين لبناء حضارة عظيمة، امتدّت أنوارها في مختلف أرجاء العالم، لتمدَّ البشرية بالتطوّر والنهضة الأخلاقية والروحية والمادّية. كما إنّ القراءة ترفع قيمة الإنسان، وأنّ شرف الإنسان بشرف العلم الذي يحمله، قال الإمام عليٌّ (عليه السلام): «لكلّ شيء قيمة، وقيمة المرء ما يُحسنه».
وممّا يعين المجتمع على الإبداع في القراءة توخي الإستراتيجيات الصحيحة فيها، ومن أهمّها اختيار الكُتُب الهادفة، التي تزخر بالعِلم النافع والفكر الصحيح والترفيه المفيد. والكتاب كالغذاء، فكما أنّ سلامة الغذاء سبب لسلامة الجسم والبدن، فكذلك سلامة الكتاب سبب لسلامة العقل والفكر. ومن إستراتيجيات القراءة الصحيحة أيضاً مُراعاة القراءة التدبرية الواعية، بتدبّر المقروء والتأمّل فيه، ومعرفة دلالاته ومعانيه ومقاصده، واستخلاص الفوائد والعِبر منه. قال سبحانه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) (ص/ 29)، وقال عزّوجلّ: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)، وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها ثمّ بلَّغها عني».. لنتعوّد بذلك على القراءة التدبرية المثمرة، التي تراعي الألفاظ والمعاني. وقد أثبتت البحوث التربوية أنّ تمكّن الناشئة من القراءة واكتساب مهاراتها وتنمية ميولها وغرس عاداتها من أهم العوامل التي تؤثّر تأثيراً إيجابياً في فاعلية التعليم لديهم.. ولأهميّة القراءة وأثرها الكبير في بناء الحاضر والمستقبل.
القراءة هي الوسيلة الأساسية للاتصال بين الأفراد والمجتمعات، فهي أداة الإنسان لكسب المعارف والتعلم، وهي أداة المجتمع للربط بين أفراده، وهي أداة البشرية للتعارف بين شعوبها مهما تفرقت أوطانهم، وبين أجيالها مهما تباعدت أزمانهم. وإذا كان الكتاب هو الخزانة التي تحفظ الخبرات المتراكمة من الأجيال الماضية، فإنّ القراءة هي المفتاح الذي يتيح الانتفاع بهذه الخزانة. قال النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «أقرأ وارتقِ»، ومعناه أنّك على قدر قراءتك تنال من الرُّقي.
إنّ الرهان الأساسي، هو تحويل القراءة إلى سلوك ثقافي وعادة اجتماعية وقيمة من القيَم؛ فلا يكفي أن تبقى مجرد نشاط طُلابي أو واجب مدرسي أو مهني؛ وذلك من دون أن ننسى أن للقراءة بُعداً علاجياً قوياً جداً، ضمن ما يُسمى «العلاج بالقراءة». ولئن رأى البعض أن زمن القراءة تقلَص لمصلحة الوسائط الاجتماعية، فلا ينبغي أن ينسينا ذلك ما توفره هذه التقنيات من مجالٍ واسع للقراءة يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية والإيديولوجية والثقافية. المشكلة إذن ليست في الإنترنت، بل في سوء استعماله وتوظيفه، حيث بالإمكان صرف كلّ هذا الجُهد في الكُتب الرقمية والمجلات الإلكترونية المُختصَة...إلخ. المطلوب إذن، بناء مجتمع القراءة والمَعرفة، لأنّه رهان اليوم والغد، فنحن بحاجة إلى استنبات ثقافةٍ جديدة عبر مَداخل التنشئة الاجتماعية، بالتشجيع على القراءة والكِتابة وقيَم احترامهما معاً، مثلما نحن بحاجة أيضاً إلى تعزيز مَكانة ثقافة العَين مقارنة بثقافة الأذن والمُشافَهة. بكلمة واحدة، نريد مجتمعاً يقرأ فيه الجميع، وليس التلميذ والطالِب والمدرِس فقط؛ فليست القراءة مجرد تَرف، بل حاجة أساسية وضرورة ثقافية ووجودية يومية ملحة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
محمد رموز
القراءة منهج حياة و أوكسجين القارئ. فالأمة التي لا تقرأ تموت قبل فوات آوانها وأول آية نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:"اقرأ باسم ربك الذي خلق:"