• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الوعي الاصطناعي

كوثر الزين

الوعي الاصطناعي

◄منذ أن امتلك الإنسان الآلة وهي تملكه، وكلما طوّر فيها ازداد سلطانها عليه، حتى بات محالاً عليه الخروج عن طوعها. نتساءل أحياناً: من صنع من؟

هل الإنسان هو الذي صنع آلته، أم الآلة هي التي صنعت أجيالاً وأجيالاً من المخترعين الذين كلما امتلكوا أسرارها حفزتهم ودفعتهم إلى التطوير والتحسين والزيادة في إبداعها كمّاً وكيفاً إلى أن أوشكت على أن تستقل بذاتها وبقدراتها بعد أن بلغت درجة ما أصبح يطلق عليه "الذكاء الاصطناعي".

وإذا كان تعريف الذكاء هو امتلاك ملكة الفهم، فهل الذكاء الاصطناعي سوى قدرة الآلة على الفهم وتجاوزها مرحلة التنفيذ إلى مرحلة التحليل والاستيعاب؟

مهما بدا الأمر غريباً في البداية، لكن أي غرابة بقيت بعد أن تفوق الحاسوب على أبطال العالم في الشطرنج أكثر من مرة، وبعد أن أصبح قادراً على تنفيذ أعقد العمليات التي يستصعبها الدماغ وبسرعة تفوق سرعته بمليون مرة، حيث تقدر بالنانون ثانية، (وتساوي واحداً على ألف مليون من الثانية)، في حين تقدر سرعة الدماغ بالميللي ثانية (واحدة على ألف من الثانية). فهل نحن نعيش يا ترى ذلك اليوم الذي تنبأ فيه مهندسو الذكاء الاصطناعي بتفوق ذكاء الآلة الإلكترونية على ذكاء الإنسان، كما تفوقت قبل ذلك الآلة الميكانيكية على قوة عضلاته؟ وهل انتصرت الآلة على صانعها؟ سؤال يطرح نفسه.

وبعضهم يقرّ بذلك، وبعضهم الآخر ينكره، ويرى أن ذكاء الآلة هو من صنع الإنسان، وأن لا ذكاء لها من دون ما يضعه في جعبتها المبرمجون والعلماء، وبذلك فهي امتداد لذكائه غير المستقل عنه. لكن لو احتفظوا بما وضعوه فيها في عقولهم، فهل كانوا سيحققون نفس النتائج ويتوصلون إلى نفس الحلول المعقدة وبنفس السرعة؟ سؤال يطرح نفسه أيضاً.

قد يجيب بعض المتحيزين لتفوق الذكاء الاصطناعي على ذلك بقولهم، إنّ العقل البشري أيضاً لا يعمل من فراغ، بل يعبّأ بالمعلومات على امتداد سنوات وعيه، وأنّه لا يختلف عن الآلة من حيث قابلية التخزين والاسترجاع مع تفوقها في الدقة والسرعة.

لعل هذه الأسئلة قد فقدت جزءاً كبيراً من بريقها بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي حقيقة ملموسة، والأجهزة الذكية كائنات معترف بها في شتى المجالات. وبات علينا أن نندهش ونبحث في صنف جديد من الأسئلة والتوقعات التي بدأ يتردد صداها على لسان علماء ومهندسي الذكاء الاصطناعي، كجزء من طموحاتهم وأطروحاتهم المستقبلية، ومنها الوعي أو السلوك العاطفي للأجهزة الذكية.

صعب على دهشتنا ألا تثار ونحن نسمع الحديث عن "الوعي الاصطناعي" المنتظر الذي يعدنا بأن تعي الآلة ذاتها وما حولها، فتحس وتشعر وتتفاعل، وربما تحب وتكره وتغضب وتحقد وتتسامح، علينا ألا نستغرب في غد آتٍ إذا سمعنا عن "روبوت" يبكي لفراق قريب، أو عن آخر عاشق هيمان بصاحبته أو مترنح ضحكاً أمام فيلم كوميدي، أو لو بلغنا خبر جهاز انفجر من الغضب فدمّر ما حوله وانتقم من خصومه. وقد يطلع علينا غداً مبدعون إلكترونيون فنفاجأ بشكسبير آخر اصطناعي أو بموزارت من فصيلة السيلكون!

قد يبدو الوعي الاصطناعي ضرباً من ضروب الخيال العلمي المحض لدى بعضه، وحقيقة حتمية تنتظر على مفترق مستقبل قريب لبعضهم الآخر، ومن حقنا في هذه الحال أن نتساءل: أي نوع من الوعي سيكتسبه الجيل القادم من الآلات؟

 هل سيحمل الوعي الاصطناعي إذا تحقق نفس وعي بيئته وصانعيه بكل ما يحمله من روح الاستعلاء وعقدة التفوق وحبّ السيطرة فنجد أنفسنا مستقبلاً في صراع جديد ضد العنصرية والاضطهاد أمام آخر تنتجه المصانع بالآلاف كلّ يوم؟

هل سيرغمنا الوعي الاصطناعي، الغربي المولد والمنشأ، على صراع جديد، أم هو امتداد لصراع أنجبته العنصرية لم ينته بعد؟►

ارسال التعليق

Top