واليس د. واتلس/ ترجمة: خالد شلهوب
كلّ ما قد يُقال في مدح الفقر، فالحقيقة تبقى أنّه لا يمكن لأحد أن يعيش حياة هانئة وناجحة ما لم يكن ثرياً، لا يمكن لأحد أن يصل إلى أقصى الطاقات الممكنة من تطوير الذات والمواهب ما لم يمتلك الكثير من المال، لأن تطوير الذات والموهبة يستلزم استخدام الكثير من الأشياء، ولا يمكن امتلاك هذه الأشياء حتى تدفع المال في مقابلها.
الإنسان يتطور بجوانبه العقلية والروحية والجسدية بالاستفادة من أشياء عدة، والنظام الحياتي داخل المجتمع يحتم عليك امتلاك المال لتمتلك هذه الأشياء، وهكذا، فإن أسس الارتقاء بالذات تستند إلى علم الثراء.
التطور غاية كلّ حياة، وكلّ كائن حي له الحق المطلق في أي تطور قادر على إنجازه.
حقّ الإنسان في الحياة يعني حقه في أن يستخدم بحرِّية ومن دون قيود كلّ الأشياء التي ربما تكون ضرورية لتطوره الكامل من الناحية العقلية والروحية والجسدية؛ أو، بكلمات أخرى، حقه في أن يصبح ثرياً.
فالثراء لا يعني أن تكون راضياً أو قانعاً بالقليل، لا يفترض بأي كان أن يكون راضياً بالقليل إذا كان بمقدوره الاستفادة من الكثير والتمتع به، فالطبيعة ترمي إلى تطوير الحياة وجعلها أبسط، ويجب على كلّ إنسان أن يمتلك ما من شأنه أن يسهم في قوة وأناقة وجمال وإزدهار الحياة، فمن الإثم الاقتناع بالقليل.
الثري هو من يمتلك كل ما يريد ليعيش الحياة القادر عليها بكل جوانبها، ومن لا يمتلك الكثير من المال لن يمتلك كل ما يرغب فيه. لقد تطورت الحياة كثيراً وأصبحت معقدة لدرجة أن أي إنسان عادي رجلاً كان أو امرأة يلزمه مبالغ ضخمة ليعيش بالطريقة التي بالكاد تقترب من الكمال، إن كل إنسان ميّال بطبعه لأن يصبح ما هو قادر عليه. هذه الميول لإدراك الإمكانات المتأصلة في الداخل هي ميول فطرية في الطبيعة البشرية؛ فنحن لا نستطيع كبح رغبتنا في أن نكون ما نحن قادرون على أن نكونه، عدا نجاحك في الحياة هو فيما ترغب أن تكونه.
بإمكانك أن تصبح ما ترغب أن تكونه فقط بالاستفادة من أشياء عديدة، ويمكنك التصرف بحرية بهذه الأشياء فقط عندما تكون ثرياً بالدرجة التي تسمح لك بشراء هذه الأشياء، ففهم علم الثراء هو الأكثر أهمية من كل أنواع المعرفة.
ليس من الخطأ أن ترغب في أن تصبح ثرياً، فالرغبة في الثراء هي في حقيقة الأمر رغبة في حياة أكمل وأكثر ثراءً ووفرةً – وتلك الرغبة تستحق التقدير، الإنسان الذي لا يرغب في حياة أكثر وفرةً هو إنسان غير طبيعي، وكذلك من لا يرغب في امتلاك المال الكافي لشراء كل ما يرغب.
هناك ثلاثة دوافع نسعى لإشباعها: الدافع الجسدي، الدافع العقلي، الدافع الروحي، وأي من هذه الدوافع ليس أفضل أو أقدس من غيره؛ فكل منها مرغوب بالدرجة نفسها، وأي من هذه الثلاثة الجسد، العقل أو الروح – لا يمكن أن يُعاش بشكله الأكمل بمعزل عن الآخر، ليس من الصواب أو من النبل أن نشبع الجانب الروحي وأن ننكر العقل أو الجسد، ومن الخطأ أن نشبع الجانب العقلي وأن ننكر الجسد والروح.
كلّ منا يعلم العواقب الوخيمة لإشباع الدافع الجسدي وإنكار كلاً من العقل والروح، فالحياة الحقيقية تعني التعبير الكامل لما يمكن أن يقدمه الإنسان عبر الجسد والعقل والروح، ومهما قيل، فلا يمكن لأي أحد أن يكون سعيداً أو راضياً ما لم يكن جسده يقوم بكل وظائفه على أكمل وجه وما لم يكن الأمر نفسه صحيحاً بالنسبة لعقله وروحه، حيثما توجد إمكانية مكبوتة أو وظيفة لم تؤدى، فهناك رغبة غير مشبعة، الرغبة هي إمكانية تنشد التعبير عن نفسها أو فعل ينتظر الإنجاز.
لا يستطيع الإنسان أن يعيش بصحة جيِّدة من دون طعام جيِّد وملابس مريحة ومأوى يوفر الدفء والابتعاد عن الجهد المضني، الراحة والاستجمام هي أيضاً عناصر ضرورية لحياته البدنية.
لا يستطيع الإنسان أن يعيش حياة عقلية بحته من دون الكتب وتوافر الوقت الكافي لقراءتها، ومن دون فرص للترحال والملاحظة أو من دون أصدقاء بالمستوى العقلي نفسه.
لينعم الإنسان بحياة عقلية تامة يجب أن تتوافر له المتع الفكرية، وأن يحيط نفسه بكل ما يخص الفن والجمال والتي يكون قادراً على تقويمها والاستفادة منها. ليحيا الإنسان حياة روحية تامة لابدّ له من الحب، والحب يلغيه الفقر.
تتحقق سعادة الإنسان القصوى بمنح الفائدة لمن يحب؛ يتجلى الحب بمعناه الطبيعي والعفوي في العطاء، من لا يمتلك شيئاً ليعطيه لا يمكنه أن يكون زوجاً أو والداً أو مواطناً، لا يمكنه أن يكون إنساناً.
باستخدامه للعناصر المادية يستطيع الإنسان أن يحيى لجسده ويطور عقله ويفصح عن جانبه الروحي، وهكذا فالأهمية القصوى لكل شخص هو في أن يصبح ثرياً.
إنّه من الحق المطلق أنك يجب أن ترغب بالثراء، فلا يمكنك مقاومة هذا إذا كنت شخصاً طبيعياً، من الحق المطلق أن تولي علم إدراك الثراء كلّ الاهتمام، لأنه العلم الأنبل والأكثر ضرورة من بين كلّ موضوعات البحث، إذا أهملت هذه الدراسة، فأنت مقصر بواجبك تجاه نفسك وتجاه الخالق والإنسانية، لأنّه ليست هناك خدمة أعظم تقدمها للخالق وللإنسانية من أن تصنع الأفضل من نفسك.
المصدر: كتاب علم إدراك الثراء
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
محمد بن عبد الله
قول جميل و أفكار ثقيلة ،أثارت إهتمامي بطبيعة الموضوع و كبر أبعاده ، و بالرجوع في أخد و رد إلى الأفكار المشار إليها ، سأجد نفسي مع طريقة لوك في التدرج النقدي فإن أردنا أخاه معالجة مفهوم الثراء و علاقته بالجوانب و الأبعاد الإنسانية فسننصب في دوامة مفاهيم أخرى شائكة و الثراء. فالمادة هي في الأصل مكتسبة ليس لها اي ارتباط بالذات الفطرية ، و بالتالي لا يمكننا اعتبارها سوى وسيلة مفتعلة لا غير قد تقربنا أحيانا من الغاية المنشودة و قد لا تفعل أحيانا أخرى ، و رجعة إلى أسطر الموضوع نجد ارتكازا حول فكرة مفادها أن الجانب المادي و المتجسد في الثراء يطغى على مكونات الذات و التي تنحني لمسميات الروح و العقل و الجسد حيث بمقدور الإنسان المادي تكميل يرى فيه نقصا فقط بماله ، و أن الكائن البشري لايمكنه أن يعيش حياة هانئة و سعيدة في بعده عن الثراء و غياب الجانب المادي عن حياته . نظرية لا تستمد مصداقية بنظري إعتمادا على التجربة ، و باستنطاقها و تأمل و تأمل مجريات الطبيعة ، نجد أن الإنسان هو الأصل في تكوين مادة أو عدم تكوينها (عن فقره أو عن غناه و ثرائه ) وفقا لمؤهلاته النفسية و العقلية و الجسدية ، أي أن الذات البشرية هي من تخلق المادة و العكس بالعكس زلل ، فالمادة لن تخلق ذات اة تكمل صفات . وقد سبق و جاء في مطارح الأفكار المشار إليها في الموضوع ، أنه لا يجدر بفقير أن يقع في الحب إن لم يكن مستحيلا بالنسبة له. إلا أن الرجوع عبر بوابة الزمن ينافي ذات القول و يتبث تميز الجانب الفطري و بعده عن العالم المكتسب . فهناك روايات عن الحب ،عن قيس و ليلى و عنترة و عبلة و وائل و الجليلة (...) كل هؤلاء عاشوا أروع قصص الحب و الغرام و هم لا يملكون شيئا عدا قلب و كرامة و طموح و أمل في المستقبل، في انعدام الجانب المادي في حياتهم .و لعل قصة وائل بن ربيعة و الجليلة بنت مرة ستقرب القارئ من الصورة المنشودة التي أريد بيانها ، هما العشق بصفاته كانا على قرابة عمومة ،يعيشان في قبيلة لا يأكل فيها الرجل إلا ما اسطاده و لا ينتعل إلا نعال من قتل ،و ذات يوم جاء ملك اليمن لطلبة الجليلة للزواج فقال له أبوها أنها لإبن عمها وائل ، فغضب الملك اليماني و فرض رغبته بجاهه و ماله و قوته فلم يكن لأبيها سوى طلب مدة تجهيز العروس و هي 3 أشهر ، فلم يكن لوائل فيها سوى العذاب و سهر الليالي مع حب سيضيع و كرامة مسح بها بلاط اليماني و ذل لم يكن له أن أصاب محبا ، إلا أنه وجد طريقا لسترداد ما ضاع منه و الحفاظ على ما بقي بحوزته ، وكان طريقه عبر واد الموت ضلائل القتال هو ومن تبعه من قبيلته. فاستطاعوا دخول القصر ب حسن التخطيط و قتل كل من فيه بقوة الذراع و تحققت الغاية بنقاء الروح . ورجع وائل و من معه القبيلة و الجليلة زوجت وائلا . هنا يتضح لنا أن الجانب الإنسانية باستطاعته التغلب و العيش في كمال دون الحاجة إلى ما هو مفتعل و خارج على مكونات الذات . أخي المخلوص منه واضح و الرد منتظر و الإفادة شائعة ،فالجانب المادي لا يساوي و لا حتى بمقدوره أن يوازي أحد مكونات الذات .