• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رحلتا الإسراء والمعراج.. دروس وعبر

عمار كاظم

رحلتا الإسراء والمعراج.. دروس وعبر

إنّ الله تعالى عندما اصطفى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) للرسالة، أراد منذ البداية أن يمنحه في عقله وروحه وكلّ عناصر شخصيته الأسرار التي يستطيع من خلالها أن يقوم بالرسالة في كلّ أبعادها الثقافية والتربوية والروحية والسياسية والاجتماعية، لأن رسالته (صلى الله عليه وآله وسلم) ليست رسالة محدودة بزمان أو مكان، أو بقوم دون قوم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً).

ولذلك، لا بدّ أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ عناصر شخصيته، الإنسان الذي يستطيع أن يمنح الإنسان كلّ حاجته من الثقافة والقيم والاستقامة والصلابة والوعي، وكلّ ما يحقِّق التوازن للحياة وللإنسان في الحياة. ولذلك تعهّده الله تعالى منذ كان فطيماً، فوكّل به ملكاً من أعظم ملائكته يلقي إليه في كلّ يوم علماً، وتعهده الله بالتربية حتى قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أدّبني ربي فأحسن تأديبي»، وأنزل الله عليه الكتاب من أجل أن يملأ كلّ عقله به، فهو دستور الحياة كلها في الزمن كله، في العقيدة والشريعة والمنهج وكلّ مواقع الحياة: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا)، (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل).

أراد الله تعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعيش تجربة الإسراء والمعراج، استكمالاً لثقافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ـ ليأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال هذه الرحلة المباركة التي ربطت بين المسجد الحرام، الذي هو قاعدة إبراهيم (عليه السلام) منذ أن بناه إبراهيم في الخط الرسالي، وتحرك حتى وصل ليكون قاعدة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرسالة الإسلامية، ليربط بذلك بين موقع الرسالة الجديدة القديمة هنا، وبين موقع الرسالات هناك، ولتتحرك القربى الرسالية بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الأنبياء. وقد جاء في بعض الآثار التاريخية، أن الله تعالى جمع بين رسوله وبين الأنبياء في إسرائه في بيت المقدس ـ لنريه من آياتنا)، ليطّلع على الآفاق التي نشر الله فيها كلّ آياته التي تدل على عظمته، وتربطه بكلِّ تاريخ الرسالات والرسل، حتى ينطلق ليكون الرسول الخاتم والرسالة الخاتمة..

لقد كان اختيار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرحلة الإسراء والمعراج كتنويه بعظمة شخصيّته، وأنّه بلغ الدّرجة الّتي أهّلته لمعاينة العالم الآخر بتفاصيله الدّقيقة، وأنّ على المسلمين والنّاس اتّباعه والإفادة منه روحيّاً وأخلاقيّاً، فأين المسلمون اليوم من روح رسولهم وشخصيّته ووصاياه؟..

في رحلة الإسراء والمعراج دروس وعِبَر، منها البعد الرّوحيّ للإنسان وأهميّته ودوره في حياة الفرد والجماعة، وأنّ الجسد ولغته واتّباع ما يبغي من أهواء ورغبات، تحطّ من القوّة الرّوحيّة لدى الإنسان، وتقتل جذوتها، وتعمل على تغييب الإنسان عن فاعليّته ودوره في إعمار نفسه وواقعه والسّير قدماً نحو الترقّي والعروج الرّوحيّ والكمال..

ارسال التعليق

Top