• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

فن التحدث والإنصات

فن التحدث والإنصات

اعلم جيداً أنّ الذي يتحدث إليك يكتشف عدم انتباهك أو عدم فهمك أو عدم متابعتك لكلامه. وأنّه يستاء جداً من ذلك. أنّ بعض الناس بكلّ أسف لا يستمعون إلى ما يقال لهم بقدر"سرحانهم" في إعداد ما سيقولونه في أول فرصة يستطيعون اقتناصها لمقاطعة المتكلم. أن هؤلاء الناس لم يتعلموا فن الإنصات، بل إن قدرتهم على الإتصال بالناس سوف تظل ضعيفة، وسوف يستمر الناس في تجنب لقائهم وتوجيه الحديث إلى غيرهم اذا جمعهم واياهم مجلس واحد.

وترتبط القدرة على الكلام بالقدرة على الاستماع. وينبغي لنا أن ندرك جيداً أن القدرة على الكلام لا تقاس بكثرته بل بنوعيته. وهناك إلى جانب حسن الإنصات شروط أخرى بنبغى أن يتمكن منها المرء تماماً حتى يتسنى له بعد ذلك أن يصير متحدثاً لبقاً.

يجب أن يحس المتكلم بحاجة المستمع إلى ما يقوله. وهناك في الواقع أشخاص لديهم قدرة فائقة على إثارة المستعمين بطريقتهم الخاصة، بينما هناك أشخاص آخرون لا يحب أحد الاستماع إليهم على الإطلاق مهما أوجزوا في كلامهم.

والمتحدث اللبق يفهم ما يقوله فهماً جيداً. فهو لا يلقى الكلام على عواهنه ولا يذكر شيئاً كحقيقة إلا إذا كان موقناً بصحته. إنك عندما تكتشف أن المتكلم يناقض نفسه أو أنه لا يفهم أو يدرك ما يقوله فهماً وإدار كاً واعياً مدققاً، فإنك سرعان ما تفقد ثقتك فيه وتأخذ في الإنصراف عنه أو قد تجامله بالتظاهر بالإهتمام بما يقوله تأدباً منك فحسب.

 والمتحدث اللبق لا يقاطع غيره من المتحدثين وإنما ينتطر حتى يصل غيره الى نهاية مراده من الكلام، ثم يبدأ هو في التعبير عن خلجاته وأفكاره. لا تعتقد أنك تفهم ما لا يستطيع غيرك فهمه، ولا تتعجل في عرض طرائفك وحججك وآرائك. إنك ستأخذ حظك من الكلام قطعاً. وحتى اذا لم تنل حظك في هذه الجلسة أو في تلك الزيارة، فلسوف تنال حظك في جلسة أو زيارة قادمة.

والمتحدث اللبق لا يعرف المقدمات والحواشي وبين قوسين فيما يقول. إنه ذلك الشخص الذي يستخدم الأسلوب المباشر. ولكن هذا لا يعني أن الشخص اللبق يأخذ في التكلف فيستعين بالإسلوب المنطقي الذي لا يعرف الطلاوة والجمال. إن العكس هو الصحيح. ذلك أن المتحدث اللبق يستطيع استشفاف مواطن اهتمام المستمعين فيأخذ في التركيز عليها، بينما هو يعرف عن الجوانب التي يجدهم لا يأبهون بها ولا يعيرونها كثير اهتمام. إن المتحدث اللبق أشبه مايكون بالغني أو الموسيقار الألمعي الذي يؤكد على ما يأخذ بلب المستمعين فيعيده أو يأتي بما يشابهه، بينما هو يوجز في تقديم الألحان التي لا تلقى الاستحسان الكافي.

والمتحدث اللبق يتجنب اللوازم فيما يسوقه من كلام. واللازمة قد تكون كلمة أو اشارة أو حركة تتكرر بمناسبة في حديث الشخص. فتجد بعض الناس يستخدومون كلمة "مثلا" بين كل وأخرى. أو يمطون شفاههم أو يهزون أحد الكتفين أو يحركون أيديهم بطرقة رتيبة منفرة أو يهزون أرجلهم بطريقة معينة وما إلى ذلك من لوازم تسيطر عليهم ولا يستطيعون السيطرة عليها. لقد كان المفروض أن تكون الكلمات والاشارات والحركات طيِّعة وخاضعة لسلطان المتكلم يستعين بها في الإبانة عن أفكاره ومشاعره، ولكنها في بعض الحالات – وهي حالات كثيرة بالأسف- تأخذ بناصية الشخص بحيث لا يستطيع الفكاك منها والتخفف من وطأتها.

وعلى الرغم من يأس الكثيرين من أمكان التخلص مما أصابهم من لوازم لفظية أو حركية، فإن الواقع يقول لنا إن بامكان كلّ إنسان أن يعدل من سلوكه بالتخلص من لوازمه إذا هو اتبع الطريق السليم للعلاج.

وأول خطوة في علاج داء اللوازم اللفظية والحركية هي تحديد تلك اللوازم وذلك بطريق أحد الأصدقاء أو المقربين اليك. ذلك أن كثيراً من الناس لا يدر كون ما أصابهم من لوزام وإن كانوا يحسون بإنصراف الناس عنهم أو التبرم بأحاديثهم.

 وبعد الوقوف على ما أصبت به من لوزام، عليك أن تبدأ بواحدة منها فقط للقضاء عليها. إنك لا تستطيع أن تهاجم أعداءك جميعاً دفعة واحدة وإلا هُزمت في ساحة الوغى. فالحكمة تقتضيك أن تنفرد بعد واحد من أعدائك وتأخذ بخناقه وتأتي عليه حتى يلفظ أنفاسه. إنك تستطيع  القضاء على لازمة واحدة  في الوقت واحد. نعم قد يأخذ منك ذلك وقتاً طويلاً وقد يتطلب منك تركيز انتباهك فيما تقول أو تعمل. ولكن ثق أنك لن تندم على ما تبذله من وقت وجهد، بل إنك سوف تحس السعادة الغامرة بعد أن تبلو من مرضك. ذلك أن الإصابة باللوازم لا يعدو أن يكون مرضاً مما يصيب الشخصية يجدر التخلص منه بأسرع وقت ممكن.

 

الكاتب: يوسف ميخائيل أسعد

المصدر: كتاب شخصيتك بين يديك

ارسال التعليق

Top