حديثنا عن القرآن الذي هو كتاب الله، والذي هو كلام الله.. ولابدّ عندما نريد أن نتحدث عن القرآن الكريم أن نعطي مقدمة حتى نصل إلى القرآن، فمن الضروري الاتصال بالقرآن.. ومن الضروري التمسك بالقرآن.. ومن الضروري التعلق بالقرآن.. ومن الضروري أن يكون القرآن كلّ حياتنا، وأن يأخذ القرآن كلّ قلوبنا، وأن يملأ القرآن كلّ نفوسنا وكلّ عقولنا وكلّ فكرنا وضمائرنا.. هذه المقدمة من أجل أن نقول:
أنّ الإنسان لابدّ له من معرفة مبتدئه ومنتهاه، لابدّ أن يعرف كيف أتى؟.. وإلى أين يذهب؟.. ومن أشد أنواع الجهل، أن يجهل الإنسان من أين بدأ حياته؟.. وإلى أين سيصير؟.. ذلك هو الجهل الكبير، ذلك يعني أنّه لا يعرف نفسه، وإذا كان لا يعرف نفسه، فلا يمكن أن يعرف ربّه، لأنّه:
"مَن عرفَ نفسه، فقد عرفَ ربّه"
يعني ذلك، من جهل نفسه، فلا يمكن أن يصل إلى ربّه، فإذا أردنا أن نعرف أنفسنا، وإذا أردنا أن نعرف مبدأ وجودنا ونهاية مصيرنا، فلابدّ أن نعرف الكون وما فيه، لابدّ أن نعرف الحياة وما فيها.
وليس على وجه الأرض فلسفة شاملة، تفسر لنا الكون وما فيه بأجمعه والحياة بكاملها والإنسان من مبتدئه إلى منتهاه، تُفسِّر لنا كلّ ذلك على أساس، لا يملك العقل السليم إلّا الإذعان والتسليم الكامل لله – تعالى – وذلك كالفلسفة الإسلامية، فهي التي تعطي صورة واضحة للكون، للحياة، للإنسان، لبدايته، لمصيره، لما بينهما بالشكل الذي لا تدع مجالاً للشك والريبة، وذلك لقوة برهانها وضخامة حجتها (لمن ألقى السمع وهو شهيد).
فقد استهدف الإسلام الذي هو دين الله، والذي بعثَ به سيّد الرسل محمّد (ص) ربطَ الإنسان بربّه وبمعاده، لأنّهما هما الأساس.
فأوّلاً: ربط الإنسان بالإله الواحد الأحد الحق الصمد الذي تشير إليه الفطرة الداخلية في الإنسان (فطرة الله التي فطرَ الناس عليها) وأكّد وحدة الإله الحقّ وشدَّدَ على ذلك لكي يقضي على كلّ أنواع التأله المصطنع، على كلّ أنواعه وألوانه وأشكاله ومصاديقه، على كلّ اللات والعزّى، وذلك ليجعل من كلمة التوحيد والتي هي (لا إله إلّا الله) شعاره الرئيسي.
وباعتبار أنّ النبوّة هي الوسيط الوحيد المباشر بين الخلق والخالق، بين الأُمّة وخالقها وبارئها وموجدها ومكونها، بين الفرد وربّه، فشهادة هذه النبوة التي هي الوسيط الوحيد، بوحدة الإله والخالق وارتباطها بالإله الواحد الحقّ، تعتبر أساساً كافياً لإثبات التوحيد.. فلو كان هناك غير الله إله، لأتتكم رسله.
فالأوّل: هو ربط الإنسان بالإله الواحد والتمسك بالشعار، بشعار التوحيد الذي هو (لا إله إلّا الله).
ثانياً: ربط الإنسان بالمعاد، ربط الإنسان بالآخرة، ربط الإنسان بمصيره، بنهايته، بمنتهاه، ربط الإنسان بآخرته، لماذا؟..
لكي تكتمل بذلك الصيغة الفريدة والصيغة العظيمة والصيغة الوحيدة والصيغة المتميزة القادرة على الجمع بين الدنيا والآخرة والسعادة فيهما، والتي تُحقِّق هذه الصيغة الفريدة العظيمة الشاملة الكاملة، تحقِّق العدل الإلهي بكلّ أبعاده وصوره ومصاديقه في الحياة الدنيا وفي الآخرة.. فكان الربط الأوّل بالإله الواحد.. والربط الثاني بالقيامة والمعاد.
وهنا نرى أنّ للرسالة الإسلامية (لهذا الدين السماوي الإسلامي) خصائص وسمات تَميّز بها عن كلّ الرسالات والديانات السماوية وكلّ ما لها من سمات وصفات، ولهذا نرى أنّ هذه السمات التي اختصت بها الشريعة الإسلامية، جعلت منها، حدثاً فريداً في التأريخ لم يسبقها أي حدث قبلها، ولا يمكن أن يأتي أي حدث بعدها، بمستواها، فهو الحدث الفريد في التأريخ، وهو الحدث الأعظم في التأريخ، وهو الحدث الأقوى في التأريخ.. لانّه كان انتقال مرحلة، وهذه النقلة، كانت نقلة فريدة لا تشابهها أي نقلة، ولهذا اعتبرت الرسالة الإسلامية حدثاً فريداً في تأريخ البشرية..►
المصدر: كتاب كيف نعتني بالقرآن في شهره.. وبيته
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق