• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قواعد أساسية في التعامل مع العائلة

خليل الموسوي

قواعد أساسية في التعامل مع العائلة

◄كلمة "العائلة" تطلق على من يعيلهم الرجل، وينفق عليهم، وهم الزوجة والأولاد، ومن ينتسب إليه من أبيه، كالأخوان. والأهل هم العشيرة. وذوو القربى، وتطلق مخصوصاً على الزوجة، فأهل الرجل هي زوجته.

 

العائلة نقطة الانطلاق:

وحيث أنّ أفراد العائلة هم أقرب الناس وأوّلهم بالنسبة للإنسان، وحيث أنهم يعيشون في محيط مشترك، سواء على صعيد القرابة، أو على صعيد الأسرة الواحدة، والمنزل الواحد، فإن علاقاتهم الاجتماعية، وتعاملهم فيما بينهم يلزم أن تكون قائمة على أسس متينة. وذلك لأنّ التعامل الحسن هو الحالة المطلوبة من جهة، ومن جهة أخرى أنّ التعامل الحسن مع أفراد العائلة يشكل نقطة الانطلاق في التعامل مع الناس. فمن يحقق نجاحاً باهراً في تعامله مع عائلته، فإنّه يحقق نجاحاً في التعامل مع عموم الناس الآخرين، وعكس ذلك صحيح.

والنجاح والسعادة في ميدان الاجتماع كلّ لا يتجزأ، ويشمل النجاح والسعادة في التعامل مع العائلة، ومع الأصدقاء، ومع عموم الناس على اختلاف فئاتهم. فمن يحقق نجاحاً في تعامله مع الناس، أو مع أصدقائه، ولكنه يسيء التعامل مع أفراد عائلته، فإنّه لا يعتبر ناجحاً وسعيداً. فلكي تدخل السعادة من أوسع أبوابها، واجبك أن تسعد نفسك على جميع هذه المحاور، وأوّلها التعامل مع أفراد العائلة.

وقواعد التعامل مع كلّ تلك المحاور، ومع أفراد كلّ واحد منها، كثير منها مشترك، وتبقى بعض الخصوصيات التي ترتبط بالفرد وموقعه. فعلى سبيل المثال: أن قواعد: الاحترام، والتقدير، وإظهار الاهتمام المخلص، والحب للنفس كما الحب للغير، والكره للنفس كما الكره للغير، وترك التوبيخ واللوم، واستخدام الرفق، و... هي قواعد مشتركة وضرورية للتعامل مع عموم الناس على اختلاف فئاتهم وحرفهم، ومع الأصدقاء، ومع أفراد العائلة، كالوالدين، والزوجة، والأولاد، والإخوان ، ومع عموم الأهل والأقارب، كالأعمام، والعمات، والأخوال، الخالات، و...

 

قواعد أساسية في التعامل مع العائلة:

 

القاعدة الأولى: الحب والمودّة:

قد تسأل: إذا كنت أعيش مع أبي، وأمي، وزوجتي، وأولادي، ألا تكفي قرابتهم لي عن كلّ شيء؟

والإجابة:

أنّ علاقة الإنسان بعائلته ليست علاقة ميكانيكية، بل هي علاقة قائمة على الإنسانية، والحب المتبادل بين كلّ فرد وآخر فيها. والحب غريزة موجودة في كلّ فرد من أفراد العائلة تجاه كلّ فرد آخر فيها، فالأب يحب زوجته، وكلاهما يحب الأولاد، والأولاد يحبون الآباء، إلا أنها قد تضيق في إطار القرابة، وهذا غير صحيح.

إنّ القرابة مهما كانت قوية فإنّها لا غنى لها عن الحب، وليست بديلاً عنه، فهي بحاجة إليه أكثر مما يحتاج هو إلى القرابة. فكم من أناس متحابين متوادين، هم أصدقاء من دون أن تربطهم قرابة عائلية، وكم من أقرباء ليسوا متحابين بالشكل المطلوب!

وفي هذا المضمون يقول الإمام عليّ (ع):

"القرابة إلى المودة أحوج من المودّة إلى القرابة".

فلكي تحسن معاملة عائلتك يلزمك أن تقيمها على الحبّ، وازدهاره.

 

القاعدة الثانية: الصداقة مع العائلة:

المعلوم أنّنا نجد ونجتهد في اكتساب أصدقاء أغراب، وننسى أن أفراد عائلتنا هم أوائل الأفراد الجديرين بالمصادقة.

وتسأل:

إذا كانت لديّ صلة قرابة مع أفراد عائلتي، فما الداعي لمصادقتهم؟

وكيف أكون صديقاً لأبي، وأمي، وزوجتي، وأولادي، وإخواني، وسائر أفراد العائلة؟

إنّ كونهم أقرباء بالنسبة لك، لا يكفي، بل لابدّ من اتخاذهم أصدقاء حميمين بالنسبة لك، فتحبهم، وتصادقهم، وتعطيهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، كما تعطي أصدقاءك الأغراب حقوقهم.

وأنّه لمن وافر السعادة، ومن مظاهر المجتمع المتماسك المتحابّ، أن تجد الوالد صديقاً لولده، والأخ صديقاً لأخيه، والزوج صديقاً لزوجته، وكلّ فرد في العائلة صديقاً للآخر فيها!.

 

القاعدة الثالثة: المعاشرة بالمعروف:

المعاشرة، المخالطة، والمعاملة، والمعروف هو كلّ عطاء خيّر يؤيده الدين والعقل. فالكلمة الطيبة، والاحترام، والتقدير، والحفظ في الغيبة، والحب، والإخلاص، وتلافي إراقة ماء الوجه، والإنفاق، و.. كلّ هذه الأمور تندرج تحت مفهوم المعروف.

والحق أن أفراد العائلة هم أولى الناس بالمعروف، فمن الإجحاف أن يقدم الإنسان معروفه إلى الآخرين، ولا يقدمه إلى أقاربه وأفراد عائلته.

يقول تعالى:

(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/ 19).

وتقول الحكمة الشهيرة:

"الأقربون أولى بالمعروف".

ويقول الإمام الصادق (ع):

"أنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خصال، يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بغير تحصّن".

 

القاعدة الرابعة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

يقول تعالى:

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه/ 132).

أياً كانت منزلتك في العائلة، سواء كنت أباً، أو أُمّاً، أو ولداً مؤهلاً، أو زوجة، أو أخاً، أو... فإن واجبك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

إنّ كلّ عمل خيّر تأمر به العائلة هو معروف، وإن كلّ عمل سيء تنهى عنه، وتحاول تغييره فهو منكر. فقد تكون أباً فتأمر أولادك بإقامة الصلاة، وحسن الارتباط بالله، واكتساب الأخلاق، وقضاء حوائج الآخرين، واحترام وتقدير الوالدين، والناس، وبكل معروف يحتاجون إليه، أو قد تنهاهم عن أي خصلة أو ممارسة ليست من المعروف في شيء. وقد تكون ابناً فتأخذ دورك في العائلة، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وقد تكون أخاً فتصنع مثل ذلك. وهكذا فإن أي فرد في العائلة مطالب بممارسة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وبممارسة ذلك يتم تحقيق أمرين:

1-    تكريس الفضيلة، ونشرها في العائلة، لتكون (العائلة) بالفعل نواة صالحة، ولبنة متينة للمجتمع.

2-    تقويم العائلة، وتصحيح مسارها، وتخليصها من كل ما من شأنه أن يجرّها إلى الرذيلة، والأخلاق والعادات السيئة.

 

القاعدة الخامسة: الحلم:

إذا كان من المطلوب من الإنسان أن يتعامل مع الآخرين باللين والرفق، ويدع العنف والغضب، فإنّ من المطلوب منه بشكل أولي أن يتعامل مع أفراد عائلته بمثل ذلك.

وأنّه لمن الشقاء الحقيقي، والجور أن يتحول الإنسان إلى وردة في تعامله مع الناس، ولكنه حينما يعود إلى منزله يتحول إلى بارود منفجر، مع أبيه، وأمه، وزوجته، وأولاده، وإخوانه.

ومن هنا فإن ممارسة الحلم، وضبط النفس يجب أن تبدأ من العائلة، إذ فما فائدة أن تسعد الآخرين، وأقرباؤك يشقون بك؟!

يقول الإمام عليّ (ع) في وصيته لابنه الحسن (ع):

"ولا يكونن أهلك أشقى الخلق بك".

 

القاعدة السادسة: الصبر على الأهل والأولاد:

قد تسأل:

ماذا يعني الصبر هنا؟

أن تصبر على أهلك يعني أمرين:

1-    أن تصبر على تحمل مسؤوليتهم، ومؤونتهم، وعلى ما تحب فيهم من الأخلاق الفاضلة.

2-    أن تصبر على ما تكره منهم، وذلك بأن تقوّمهم، وترشدهم إلى الحق والصواب.

يقول الإمام الباقر (ع):

"إنّي لأصبر من غلامي هذا ومن أهلي على ما هو أمرّ من الحنظل، إنّه من صبر نال بصبره درجة الصائم القائم ودرجة الشهيد الذي ضرب بسيفه قدام محمّد (ص)".

 

القاعدة السابعة: أن لا تتحول العائلة إلى ملهاة عن ذكر الله والتزام مبادئه:

كما أنّ المال إذا أسيء فهمه، واستخدامه، يتحول إلى ملهاة عن ذكر الله، ومادة للأهواء والشهوات، فكذلك الأهل والأولاد، يتحولون إلى أداة إلهاء عن قيم الله فيما إذا لم يتم التعامل معهم وفق الطريقة التي يأمر بها الدين.

1-    الإصابة بالغرور والكفران بسبب الأولاد. فكم من إنسان أنجب له أولاد، فلم يتواضع ولم يشكر الله على هذه النعمة، فابتعد عن جادة الحق، والهداية والرشاد.

2-    الاستسلام لضغوط الأولاد السلبية، والتأثر بها.

3-    الانشغال بهم، وبمسؤوليتهم، وبتحمل نفقاتهم على حساب الالتزام بالمبادئ والقيم الإلهية.

يقول تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون/ 9).

 

القاعدة الثامنة: صلة الرحم:

من أهم قواعد التعامل مع العائلة، والأهل وذوي القرابة، صلتهم، والمحافظة على متانة العلاقات الاجتماعية بهم. وقد ينشغل الإنسان بجزئيات حياته، أو قد يفرط في زيارة أقاربه وصلتهم، فيقطعهم، فما الذي يحدث من جراء ذلك؟

إنّ أبرز ما يحدث هو أن يكون أفراد الأهل أو الأقارب كحلقات السلسلة المبتعدة عن بعضها البعض، في الوقت الذي يجب أن يكونوا متواصلين متلاحمين.

فلكي تصل رحمك، فالأمر في غاية السهولة، قف مع نفسك، وانظر ما لديك من أقارب وأرحام، من آباء، وإخوان، وأولاد، وأعمام، وعمات، وأخوال، وخالات، و... وارسم لك برنامجاً لصلتهم.

وصلة الرحم وسيلة فنية هامة في مصادقة الأهل والأقارب، ولقضاء الوقت المشحون بالود والوئام، وهي تكون بزيارة القريب إذا كان حاضراً، وبمكاتبته إذا كان مسافراً، أو بالاتصال به بواسطة جهاز الهاتف، أو بالسؤال عنه، أو بأي وسيلة اتصال أخرى. ولا تنسى أن للزيارة الأثر الأعمق في الأرحام والأقارب وفي تعزيز التلاحم العائلي. وأي سعادة يشعر بها الإنسان حينما يصل أرحامه! إنها سعادة يفتقر إليها كل من لا يصل أرحامه وأقاربه!

يقول الرسول الأعظم (ص):

صلة الرحم تعمر الديار، وتزيد في الأعمار وإن كان أهلها غير أخيار".►

ارسال التعليق

Top