دراسات عديدة تم وضعها لبحث التغيُّرات الناتجة عن الصوم في حياتنا اليومية صحيّاً.
البروفيسور سمير السامرائي، يلقي الضوء حول الصيام والوقاية من حصى الكلى والحالب خلال الشهر الفضيل.
خلال شهر رمضان، هنالك تغيير جذري في حياة الصائم، خاصة التغيير الحاصل في النظام الغذائي وتناول السوائل.
عدة دراسات أثبتت أن معدل الأملاح، وأهمها ملح الحمض اليوريكي في الدم، تزداد كميته في فترة الصيام، وذلك نتيجة تناول اللحوم بصورة فوق العادة. وبما أنّ الجسم أثناء الصيام، عنده طاقة أقل للحركة، لأنّه في حالة جوع، فإنّ نسبة الحركة والرياضة تتغيّر سلبياً، وتؤدي بدورها إلى تغيُّرات باثوفسيولوجية في الجسم. وبصورة عامة يتناول الصائم القهوة والشاي بكميات عالية أثناء الفطور والسحور، وأثناء الفترة بينهما ويؤدي هذا بدوره، إلى تخفيف كثافة البول، وذلك لمفعولهما الإدراري عالي النسبة. وفي الوقت نفسه الذي تقل فيه نسبة تناول السوائل إلى درجة الصفر أثناء الصيام خلال النهار، فإنّ الجسم والكليتين تعاني بسبب فقدان المياه في الجسم وما يُسمى (الجفاف)، وهذا بدوره يؤدي إلى تغيُّرات باثولوجية وإضطرابات في التوازن الفيزيوكيميائي في الكليتين، وفي الوقت نفسه يؤدي ذلك إلى إضطرابات في النظام الهيدروديناميكي للبول، بداية من الكليتين وإنتهاء بالإحليل، حيث يخرج البول من هناك.
ومن المعروف أن إحدى أهم وظائف الكلية، تنظيف الجسم من المواد والفضلات الناجمة عن العمليات الإستقلابية في الجسم، التي يمكن طرحها خارجاً عن طريق البول. لهذا فإنّ أي أذى يمكن أن يصيب الكلية يؤثر بشكل سلبي في هذه العملية الضرورية، بالتالي يُصاب الشخص بالأمراض المختلفة.
فعلى سبيل المثال تترافق الأذيات الشديدة في الكلية، بتوقف وظيفة عدد من الكبب الكلوية، التي تتم عن طريقها عملية تنظيف وتخليص الجسم في الفضلات. وجرّاء ذلك، يزداد تركيز البولة الدموية في المصل والشوارد المختلفة. إذ إنّ الكلية تعمل على تنظيم عملية التوازن بين السوائل والشوارد، وتُنظِّم ضغط الدم أيضاً، وتلعب دوراً مهماً في بعض العمليات الحيوية الأخرى في الجسم.
أمّا الأسباب الباثولوجية المؤدية إلى تكوين حصى الجهاز البولي والمتأهبة للإصابة فهي ما يلي:
أ) إرتفاع نسبة "الحمض اليوريكي"، في الدم والبول (خاصة أثناء الصيام، كما ذكرتُ مقدماً).
ب) إرتفاع الكالسيوم في الدم والبول، وهذا يكون جرّاء مرض فرط إمتصاص معوي لهذه المادة، وذلك بسبب جيني وراثي أو غذائي أو بسبب مرض (فرط نشاط الهرمونات الدرقية).
ت) إلتهابات جرثومية في المسالك البولية.
ث) تشوهات خلقية في المسالك البولية، وأهمها التضيقات في ملتقى الحويض الكلوي والحالب.
ج) إرتفاع نسبة الأكسلات في الدم والبول، وسببها يكون عادة، مرض فرط الإمتصاص المعوي لهذه المادة، أو يكون ذلك جرّاء إفراط غذائي.
ح) نقص أو تدنٍّ في إفراز الكليتين حمض الستريك.
أمّا نشوء حصى الكلى، فهو حدث ذو مراحل متعددة، ويتكون في سرعات مختلفة، حيث إنّ هنالك عوامل تساعد على نمو الحصى الكلوية وأهمها:
1- فرط في التشبُّع البولي بأملاح الكالسيوم، الإكسلات، الحمض اليوريكي، الفوسفات، المغنيزيوم، وذلك لأن أي فرط في الإشباع، وفي كل سائل، يؤدي كيميائياً إلى الحالة الصلبة، وهذا يعني البلورة لهذه الأملاح في البول، حيث إنّ كمية البول هي مقياس علمي مُثبت، فإذا تشبّع هذا السائل فوق العادة، وذلك بعد تركيزه، في حالة جفاف الجسم وتركيزه في سائل البول، فإنّ الترسُّب لهذه الأملاح وبلورتها، ومن ثمّ تكوين نواة للحصى لا محال منها، وتُعتبر هذه الظاهرة أحد أكثر العوامل المؤدية إلى الإصابة بمرض حصى الجهاز البولي.
2- زيادة التراكُم أو الحشد، حيث إن وسيط المحلول في كل سائل كيميائي، يكون نواة الترسُّب الحصوي، وهذا يزداد أيضاً في حالة تشبُّع السائل البولي، بسبب ظاهرة الجفاف الجسمي أثناء فترة الصيام خلال النهار. هذه التغيُّرات الفيزيوكيميائية المذكورة سابقاً تنمو، وتتغيَّر، وتنعدم في الوقت نفسه، أو الواحد تلو الآخر.
3- وقد يساعد على نشوء نواة الحصى، قلّة سرعة جريان البول، وذلك لأسباب باثولوجية في الكليتين أو المسالك البولية (كالتشوهات الخِلقية، وأهمها التضيقات في ملتقى الحويض الكلوي والحالب وغيرها). وكما ذكرنا سابقاً، وبما أن مكوث سائل البول مدة أطول، مما هو، فسيولوجي طبيعي في مناطق تضيق المسالك البولية لأسباب خلقية تشوهية، أو إلتهابية نُدوبية، تتكون في هذه المناطق الضيقة مناطق مُسمَّاة (عصارية) ومناطق مسمّاة (مناطق المياه الراكدة)، وهذا يؤدي إلى تقليل سرعة جريان البول في الجهاز البولي ويؤدي إلى تكوُّن الحصى.
4- مرضى حصى الكلى يختلفون عن الأصحاء، وذلك لأنّ السائل البولي عندهم يكون مُفرطاً في التشبُّع بمواد مكوِّنة للحصى مثل الكالسيوم، الأكسلات، وأملاح حمض اليوريك، وكذلك السيستين، وفي الوقت نفسه، لوجود نقص في المواد المبطلة لتكوين الحصى كالنقص في حمض الستريك.
5- أما العوامل الأخرى المؤدية إلى تكون حصى الكلى، فهي الإلتهابات الجرثومية، أو غير الجرثومية في المسالك البولية، مثل إلتهاب الحوض الكلوي، إلتهابات الحالب، إلتهابات المثانة، وكذلك إلتهابات الإحليل.
ومن ضمنها إلتهابات البروستاتا، مع العلم أنّ هذه العوامل تصبح فاعلة عند وجود الأسباب الأخرى المذكورة سابقاً، خاصة إذا كانت هنالك عوامل جينية مُسبِّبة، وفي الوقت نفسه، تضيّقات إنسدادية في هذه المناطق من الجهاز البولي والتناسلي.
إنّ البول ليس سائلاً ركودياً، بل إنّه يجري دائماً وباستمرار، ويوجد دائماً كسائل بولي جديد نتيجة تصفية الكليتين الدم. لهذا تتكون بلُّورات حصوية هنالك، حيث يكون السائل البولي في أعلى تشبعه، وهذا يكون في حُليمة الكلية. في حالة تكوُّن هذه البلورات تنزل إلى الحوض الكلوي والحالب، وإلى المثانة في خلال خمس دقائق بعد نشوئها.
أمّا وقت إنتقال البول من الكلية إلى المثانة، فيستغرق هذا من خمس إلى عشر دقائق، أمّا إذا كانت هنالك تضيّقات مرضية خِلقية أو إلتهابية في المسالك البولية، فإنّ هذه الجزيئات البلورية تكسب الوقت لتتكون، وذلك بسبب إختلال سرعة الجريان الديناميكية، وتكبر حجماً إلى حصى كلوية كاملة، بعدما كانت بلورات صغيرة جدّاً. وهذه الحصى تُسبب خلال عشر دقائق تضيقاً، وفي الوقت نفسه الأعراض الناجمة عن الحصى، مثل المغص الكلوي والحالبي، والغثيان والتقيؤ وغيرها.
والجدير بالذكر، فإنّ هنالك عوامل عديدة تؤثر سلباً في مرور الحصى، من خلال الحالب والمثانة والإحليل، وخروجها من الجسم بعد التبول ومن أهمها:
1- حجم الحصوة وشكلها.
2- إحتقانات، وإلتهابات وتقلُّصات في الحالب المُصاب.
3- حركة الحالب التمعجية. ولهذا، فإنّ جريان السائل البولي، من خلال المسالك البولية، يجب أن يكون من دون أي تغيُّرات في سرعته أو حركته الديناميكية، حيث يكون الإدرار من دون إضطرابات. ونتيجة لذلك تكون الوقاية من تكوُّن الحصى متوافرة ومضمونة.
في حالة وجود الحصى في الحالب، فيُحبَّذ العلاج غير الجراحي، وحسب موقع الحصى في الحالب، فهنالك علاجان متوافران الآن في دولة الإمارات، وهما العلاج بواسطة التفتيت بالليزر منظارياً، أو التفتيت من خارج الجسم بواسطة الموجات الإلكترومغناطيسية، حيث إنّ المضاعفات الجراحية للعمليات التقليدية للحصى، كانت ولاتزال، ذات نسبة عالية جدّاً، مقارنة بالعلاج الحديث المذكور سابقاً.
كل هذه الأسباب المؤدية إلى مرض الحصى للجهاز البولي، يمكن تشخيصها سريرياً ومختبرياً عند الطبيب الإختصاصي في المسالك البولية بأجهزة حديثة، وإذا تم ذلك، فإنّ العلاج يكون جذرياً مكللاً بالنجاح شفائياً ووقائياً.
ارسال التعليق