◄للحب لغة مجهولة عند الكثير... فمتى ما عَرفت اللغة وكرّرت ذكر كلماتها، اقتربت من الحبيب!!!
صحيح إنّ الحب يكاد يكون لغزاً يصعب على المحب في كثير من الأحيان تبريره؟ إلا إنّه يختص بلغة خاصة به، فالحبيب سرعان ما تفضحه مشاعره فيظهرها على صور شتى، وهذه الصور يمكن أن يطلق عليها لغة الحب... فإذا حاولنا التعرف على ما أمكن من هذه اللغة الخاصة التي يفهمها المحبون لأنها تلتقي مع أوتار قلوبهم فتعزف عليها أنغاماً منسجمة، ويقرأها القلب المحب بسهولة ودون عناد...
أقول: إذا حاولنا ما أمكن التعرف على خصائص هذه اللغة نجد ما يلي:
أوّلاً: سكون الأطراف وخشوعها، وتوجه الاهتمام إلى أعماق الوجدان، لأنّ الحالة التي يعيشها المحب من الذهول تصرفه عن التركيز على التفاصيل المبثوثة من حوله.
ثانياً: لغة العيون، وهي أصدق شواهد الحب فسرعان ما تفضح عيون المحبين أسرار قلوبهم وقديماً قيل: نظرة، فابتسامة...
ثالثاً: لحن القول، فالمحب يخضع بلهجته لمحبيه، إلى حد الضراعة دون أن يشعر بحرج في ذلك، وبصرف النظر عن الانتقادات التي قد يتعرض لها من أصدقائه لجهة تنازله عن الكثير من متطلبات الحفاظ على مقومات الشخصية مثل الكبرياء وعزة النفس وما شابه ذلك، وهذا يعود لعمق وصدق المشاعر التي يعيشها والتي تجعل كل ما عداه غير ذي قيمة.
رابعاً: إكبار الحبيب، وتضخيم حسناته والإغضاء عن سيئاته، فعين المحب لا ترى إلا الجميل، وتجد دائماً ما يبرر مساوئ الحبيب، حتى إنها قد ترى المساوئ حسنات لشدة تعلقها بالحبيب.
خامساً: الخروج عن الطبع المعتاد، فالمحب يصبح ليس فقط كريماً مع حبيبه، بل مبالغاً في الكرم والإخلاص والتضحية والإيثار، ومن هنا يمكن أن يدخل الحب في إطار العلاج النفسي للكثير من الأمراض السيكولوجية، خاصة إذا محض هذا الحب للكمال المطلق وهو الله سبحانه وتعالى، وهذا النوع من الحب يجعله يكنس من نفسه كافة الأدران ويمسحها ويطهرها لتصبح خالصة نقية منسجمة مع الكمالات والمطالب السامية التي تحقق أعلى مستوى من الإنسانية.
وإليكم هذه القصة للتعبير عن ذلك..
في إحدى الجلسات الاستشارية النفسية في أحد المراكز الطبية، قالت بام: "إنني أقوم بالكثير من أجل زوجي شوك ولكنه يتجاهلني، فكل ما يهتم به هو عمله".
وقال شوك (زوجها): "ولكن عملي يؤمن مصروفات منزلنا الجميل ويتيح لنا السفر وقضاء الإجازات.. ويجب عليها أن تكون سعيدة".
وردت بام: "لا يهمني هذا المنزل أو الإجازات إذا لم نكن يحب بعضنا الآخر، فأنا أحتاج إلى الكثير منك".
قالت بام: "بالفعل، إنني أقوم دائماً بأشياء كثيرة من أجلك، فأنا أغسل الملابس، أعد الوجبات، أنظف المنزل وكلّ شيء. فيما تقوم أنتَ بشيء واحد فقط، وهو الذهاب إلى عملك الذي يؤمن مصروفاتنا وتتوقع مني أن أقوم بكلِّ شيء".
شوك طبيب ناجح، وعمله مثل أغلب الاختصاصيين يستهلك الكثير من الوقت، لكنه مريح، لم يستطع شوك فهم سبب سخط زوجته، فهو يكسب جيداً ويوفر لها ولعائلته حياة كريمة.. ومع ذلك تكون زوجته تعيسة عندما يعود إلى المنزل.
في اعتقاد شوك، أنّه كلما زاد مكسبه من عمله كان عليه أن يؤدي واجبات أقل في المنزل، وأن ما ينفقه بسخاء في نهاية كلّ شهر حقق له ثلاثين نقطة[1] على الأقل.
وعندما افتتح عيادته الخاصة وتضاعف دخله، افترض بأنّه يحرز ستين نقطة في الشهر دون أن تكون لديه فكرة ما ينفقه حقق له نقطة واحدة فقط كل شهر مع زوجته بام.
لم يدرك شوك بأن الوضع من وجهة نظر بام مبني على: "كلما كان هو مكسبه أكبر، حصلت هي على أقل".. فعيادته الجديدة تطلبت المزيد من الوقت والجهود، وهذا ما جعلها تزيد من نشاطها وتقوم بالكثير لإدارة حياتهما الشخصية وعلاقتهما.
ومع زيادة عطائها، شعرت بنفسها كمن تسجل ستين نقطة في الشهر مقابل نقطته الواحدة، مما جعلها تعيسة وممتعضة.
فبام تشعر أنها تعطي الكثير وتحصل على القليل، في حين يبدو الوضع من وجهة نظر شوك، كمن يعطي الكثير حالياً (60 نقطة) ويجب أن يحصل على المزيد من زوجته.. فالنتيجة حسب اعتقاده كانت متعادلة.. لقد كان راضياً بعلاقتهما ماعدا شيئاً واحداً، وهو أنّ زوجته غير سعيدة، وصار يلومها على مطالبتها بالمزيد.
بالنسبة إليه، ما ينفقه بسخاء يعادل ما كانت زوجته تقدمه بالمقابل.. وهذا السلوك جعل بام أكثر غضباً.
النتيجة:
تعلم شوك أنّ القيام بالأشياء الصغيرة لزوجته يُحدث فروقاً كبيرة.. وكان مستغرباً من مدى السرعة التي تغيرت بها الأوضاع عندما بدأ يدرك أنّ الأشياء الصغيرة بالنسبة للمرأة هي بمثل أهمية الأشياء الكبيرة.. وفهم لماذا حقق الآن مكسبه من عمله نقطة واحدة فقط معها.
"لقد كان لدى بام في الواقع سبب وجيه لتعاستها، فهي احتاجت حقيقة لطاقة شوك الشخصية، وجهوده واهتمامه أكثر بكثير من حاجتها لنمط حياتهما الموسرة.. اكتشف شوك أنّه عن طريق بذل القليل من الجهد في كسب المال وتخصيص المزيد من الطاقة في الاتجاه الصحيح ستكون زوجته أكثر سعادة.. وعرف أنّه كان يعمل لساعات طويلة أملاً في إسعادها".. وعندما فهم كيف كانت تسجل هي النقاط، صار بإمكانه العودة إلى المنزل بثقة جديدة لأنّه عرف الطريق لإسعادها.►
[1]- النقطة، بمعنى الدرجة في ارتفاع الحب، وهو تعبير توضيحي للمشاعر.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق