الأمرُ ليس سهلاً لا، بل يكاد يبدو مستحيلاً، لكن ثمّة تجارب نجحت في التعامل مع الجوع باعتمادِ خططٍ تستحق أن تُروى.
هو الجوع يتسللُ إلينا غالباً مساءً، بعد العشاء، حين نكون مُمَدّدين على أريكة نتابع مسلسلاً رائعاً. نتوجّه نحو البرّاد. نقف أمامه. نُمسك بالخبز والجبن. نُعدّ ساندويتشاً. نعود لأريكتنا ونحن في غبطة. نأكل. نتلذّذ. ونظنّ أنّ الأمر انتهى هنا لكن لا نلبث أن نشعر بعد وقت بسيط، بسيط جداً، بجوعٍ داهم للتوّ. فنعود للبرّاد وتتكرّر كل الحكاية. فهل هذا جوع أم نَهَم؟ وهل من سبيل لعلاج الجوع بحلولٍ لا طعام فيها؟ وهل هناك بين ريجيمات الأرض واحد قادراً على أن يتعامل مع حالات الجوع بيُسرٍ لا بعُسرٍ؟
- لماذا نشعر بالجوع ليلاً؟
سؤالٌ نتشارك فيه هَمساً أو عَلناً: لماذا يُداهمنا الجوع في أُمسياتنا؟
هناك أسباب كثيرة تجعلنا نجوع في الليل، فنعجز مثلاً عن طرد قطعة الحلوى الموجودة في الرَّف الثالث في البراد. ثمة أسباب نفسيّة وأخرى بيولوجية. وفي التفاصيل أنّه في الساعات الصباحية الأولى، نحو الساعة الرابعة فجراً، يهبط معدّل السكري في الجسم وتتأثّر حرارة الجسم، وفي هذا الوقت نكون عادةً نياماً. لكن، إذا كنّا لسببٍ ما مستيقظين فسنشعر بحاجة ماسة إلى تناول ما يُعيد إلينا التوازن الجسدي عبر إصلاح معدل الـ(جلوكوز) بسرعة. الجسم يحتاج في هذه الأثناء أيضاً إلى طاقة كي يبقى دافئاً، وهذا معناه أيضاً الحاجة إلى تناول المزيد من السكريات.
ليس هذا طبعاً كل شيء، فحين ننام يقوم الجسم بإصلاحات عدّة، فيُنشِّط العضلات والنمو ويُعيد بناء نفسه عبر استخدام مخزون الطعام فيه لاسيما البروتينات. وتحتاج هذه العملية إلى حرق الطعام من أجل توفير الطاقة. لكن ما يحصل، أننا حين نشعر بالجوع الذي تسبب هذه الحالة، نهرع إلى تناول أطعمة لذيذة، بدل أن نتناول بروتينات تُساعد على أداء الجسم لوظائفه.
- متى نعرف أنّ ما نشعر به جوع حقيقي، لا حاجة نفسيّة أو بيولوجية؟
الجوع لغز، فأحياناً قد نعجز حتى عن إكمال ما في طبقنا، وأحياناً أخرى نأكل ونأكل ونظل نأكل ولا نشبع! فهل هذا طبيعي أم هي إشارات خاطئة؟ تعالوا نفكّ بعض الرموز التي نعتبرها من أسرار الجسم والدماغ، في بحثنا عن حلول لمشكلة الجوع.
أوّلاً: السؤال الذي يُفترض أن نسأل جسدنا عنه: هل جوعنا حقيقي؟ الجوع الحقيقي يجعلنا نمرّ بإشارات جسدية، مثل الرَّجَفان وانخفاض نسبة السكر في الدم والصداع وانخفاض الطاقة، وكي نتجنّب السقوط في هذه الحالات فنندفع إلى تناول الطعام بنهم، يفترض الاحتفاظ دائماً بوجبات خفيفة (سناك) في الحقيبة، أو في درج المكتب أو حتى في السيارة.
ثانياً: هل نجوع أمام التلفاز؟ أنا من جهتي أفعل... ماذا عنكم؟ ماذا عنكنّ؟ كثيرون منّا يمرّون بهذه الحالة التي تطلق عليها تسمية "طعام فقدان الذاكرة". فنحن، في مثل هذه الحالة، لا نكون واعين لما نفعل، بل منهمكين في متابعة عِراك البطل والبطلة في مسلسل من مئتي حلقة. وانهماكنا هذا يدفعنا إلى أن نأكل بلا وعي ومن دون إدراك كمّية ما أكلنا. والحلّ؟ فلنلجأ إلى شغل أيدينا بشيء ما، بالحياكة مثلاً، وبعدم متابعة الإعلانات التجارية التي تفتح شهيّاتنا وتدفعنا مباشرة إلى البراد (الثلاجة).
ثالثاً: هل نجوع في لحظات الملل؟ هل نقصد البراد حين لا يكون أمامنا ما نفعله؟ كلنا فعلنا هذا، لكن هناك بيننا مَن يواظبون على فعل هذا وهذه هي المشكلة. والحل؟ فلنعد صياغة أوقات الإسترخاء. فلنقرأ. فلنلعب مع حيواننا الأليف. فلنمارس الرياضة أو فلنخرج إلى الشرفة وننعم بعدد نجوم السماء.
رابعاً: هل نجوع فنتوتر أو نتوتر فنجوع؟ نعم، حين نجوع نتوتر وحين نتوتر قد نجوع، لأنّ ثمّة علاقة بين الحالتين، فالسكر في الدم حين يتراجع يُسبِّب تشوُّشاً في الفكر وتصرُّفات عدوانية. وقد دلّت الدراسات على أنّ الرجال الذين يواجهون معدلات سكر منخفضة في الدم، أكثر عدوانيةً في التعامل مع زوجاتهم. لكن، هل يُفترض أن يدفعنا هذا إلى أن نأمل أي شيء غير مُبالين بحجم الخصر والبطن؟ ثمّة حل بديل، فلنأكل حين نشعر بالتوتر قطعة من الفاكهة، أو بعض رقائق الحبوب الكاملة، فنهدأ ولا نَسمَن.
خامساً: ماذا عن حالة الجوع التي قد تجتاحنا بعد الظهر؟ هي حالة قد تمر بنا بعد الغذاء بساعتين أو ثلاث ساعات، وأفضل حلّ لها تكون الوجبة الخفيفة ذات نسبة البروتين المرتفعة. فقليل من المكسرات النيئة قد تكون حلاً رائعاً.
سادساً: ثمّة نساء يُعانين متلازمة ما قبل الحيض بسبب التغيرات الهرمونية، ما يؤدي إلى زيادة الشهية وعدم التمكُّن من السيطرة على الجوع. فهل أنت منهنّ؟ إذا أتى الجواب "نعم" فتذكّري دائماً، في مثل هذه اللحظات، أنّ ما أنجزته في ثلاثة أسابيع يُفترض ألّا يضيع في يومين، وبالتالي احرصي على اختيار ما يسد نهمك إلى الطعام من دون أن ينسف ريجيمك بالكامل. وتأكّدي أنها مجرّد ساعات، قد لا تزيد على يومين أو ثلاثة، وستعودين لحالتك.
سابعاً: هل سبق أن واجهت "جوع العين"؟ هل سبق أن وقع نظركِ على علبة شوكولاتة فشعرتِ فجأةً بالجوع؟ ألم تسمعي من قبل بأن مفتاح البطَن لقمة ومفتاح الجوع نظرة؟ نظرتِ؟ لا تأكلي. قرارُك يظل أقوى من كل الضغوط. فأنتِ امرأة والمرأة قويّة. وتذكّري دائماً أنّ الشعور اللاحق بالذنب أقوى من كل التحديات، فلا تُعرّضي نفسك لمطبّات إغراءات الطعام، كي لا تشعري لاحقاً بالذنب، والذنب سيجعلك تأكلين أسرع، وكأنّكِ تتحايلين على الآخرين بما تفعلين.
لم نَنتَهِ. لا تزال هناك أفكار قد تساعدنا كلنا على التعامل مع أنواع الجوع:
1- فلنتناول الأطعمة المشبّعة بالألياف دائماً، مثل الفاكهة والخضراوات والحبوب الكاملة والفاصولياء، وهي تحتوي على نسبة عالية من الماء، ما يُساعدنا على الشعور بالشبع.
2- فلنهدِّئ من جوعنا بطبَق من الحساء ذي محتويات نباتية، بسعرات حرارية متدنية.
3- فلنُبعد عنّا الجوع الشديد عبر تناول طبَق من السلطة. وقد بيّنت الدراسات أنّ مَن يبدأون طعامهم بطبق من سلطة الخضراوات الموسمية مثلاً، خيار وخس وطماطم وكرفس، يُخفضون نحو 12 في المئة من السعرات الحرارية التي يلتهمها مَن هم مثل حالتهم ولم يتناولوا السلطة.
4- أمر آخر قد ينفعنا في ترويض جوعنا، وهو نفسي، ويكمن في أن نُسجل على دفتر صغير كل ما نتناوله بالتفصيل، ولماذا أكلناه. هل كنّا جياعاً؟ هل تناولناه للتسلية؟ هل أكلنا ما أكلنا بسبب الغضب والتوتر؟ اعتماد هذا الأسلوب ينفع. فلنجرِّبه.
5- فلنحرص على تنويع وجباتنا دائماً، على ألّا نتناول في الوجبة نفسها صنفين رئيسيين مثلاً، وإذا تناولنا الشوربة فلنمتنع عن تناول السلطة، ومتى تناولنا السلطة فلنُبعِد عنّا طبق الشوربة. قليل من التنظيم يقضي على الجوع ويُعيد تقويم المسار.
6- فلنتناول الحليب ومنتجات الألبان قليلة الدسم، وهذا ما يفيد في ترويض الجوع.
7- فلنُضمن طبقنا بعض الدهون، ونُشدِّد على بعض، مع الكربوهيدرات، لأنّه ثبت أنه حين نأكل قليلاً من الدهون يتحرّر هُرمون الـ(ليبتين) من الخلايا الدهنية لدينا. وقد أظهرت الدراسات أنّ نقص هذا الهرمون، عند اتّباع نظام غذائي خالٍ من الدهون، يُسهم في زيادة الشهية.
8- ما رأيكم في الصويا؟ طيِّب المذاق أليس كذلك؟ وهو أكثر من هذا يجعلنا نسيطر على شهياتنا، فلنُضمن الصويا وفول الصويا في وجباتنا.
9- فلنأكل ببطء. فلنأخذ كل وقتنا ونحن نتناول الطعام، لأنّ العقل يحتاج إلى عشرين دقيقة كي يحصل على الرسالة التي تبعثها المعدة إليه بالشبع.
- تُريدون مزيداً من الاستراتيجيات التي قد تجعلكم تتحكّمون في حالات الجوع شبه المستديمة؟
كلّنا نحتاج إلى أن نعرف أكثر كيف نواجه الجوع بذكاء:
فلنشرب الماء، وليكن أمامنا دائماً كوب مليء فيه نقطتان من الليمون مثلاً كي نتقبّله أكثر. الماء يُقوّض من حالات الجوع. ولنمشِ في كل مرّة نشعر فيها بأنّنا على وشك الإستسلام لرغبتنا الشديدة في تناول الطعام في غير موعده. المشي يمنحنا السلام النفسي، ويجعلنا نفكِّر في أمور جميلة أخرى غير تناول الطعام. أمر آخر يفترض أن يكون في أولى استراتيجياتنا من الآن وصاعداً، وهو أن نتناول وجبات خفيفة ذكية، لأنّها تُسهم في الحد من هرمون الجوع الـ(غريلين).
لم نَنتَهِ أيضاً بَعد، لأنّه يُفترض أن تعرفوا، ونحن مثلكم، أنّ الجسم يحب الروتين ويحتاج إلى وقت كي يتأقلم مع أي واقع جديد. وبالتالي، إذا اعتاد الجسم أن يطلب الطعام يومياً قُبيل الخلود إلى النوم، سيعود ويُكرِّر طلبه كل مساء. الدماغ يتوقّع إذن الطعام وسيلحّ عليكم به. وأي تغيير قد ينجح إذا تعاملنا مع الدماغ والروتين بذكاء. إذن، فلنتناول شيئاً بسيطاً حين يُنادينا الجوع ليلاً، ثمّ نعمد ليلة بعد أخرى إلى تقليل الكمّية، تمهيداً إلى الإنتصار على حالة الجوع التي تضرب بنا في موعد مُعيّن كل ليلة. ولنتذكّر دائماً أنّنا أذكى من الروتين الدماغي.
يبقى أنّ الجوع سيف حادّ، ومَن يتصرّف بذكاء يُمسك بقبضة السيف جيداً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق