• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مبدأ التآخي.. قوّة وإيمان

عمار كاظم

مبدأ التآخي.. قوّة وإيمان

يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات/ 10-11). إنّ الله سبحانه وتعالى يعلّمنا في هذه الآيات أنّ المؤمنين إخوة تجمعهم أخوة الدين وأخوة البشرية، ومقتضى الأخوة أن يتعارفوا ولا يتناكروا ويتواصلوا ولا يتقاطعوا ويتصافوا ولا يتشاحنوا ويتحابوا ولا يتباغضوا ويتحدوا ولا يختلفوا. وفي الحديث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تحاسدوا، ولا تدابروا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً». ومن هنا حرّم الإسلام على المسلم أن يجفو أخاه المسلم، أو يقاطعه، أو يعرض عنه.

وهنا، يتجلّى الدور الفعّال للتآخي في الحياة الاجتماعية، إذا قام كلّ فرد بما توجبه عليه أخوّته الإيمانية تّجاه الآخرين، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «المؤمنُ أخو المؤمنِ كالجسدِ الواحدِ، إنِ اشتكى شيئاً منه وُجدَ ألمُ ذلكَ في سائرِ جسدِه، وأرواحُهما من روحٍ واحدةٍ، وإنّ روحَ المؤمنِ أشدُّ اتّصالًا بروحِ اللهِ من اتصالِ شعاعِ الشمسِ بِها». فلقد صمد الصحابة في شعب أبي طالب، وأبلوا بلاً حسناً، بإيمانهم ثمّ بأخوّتهم الفذة، كما صمد المسلمون في المدينة أمام التحديات الداخلية – من داخل المدينة – والخارجية وجاهدوا أفضل الجهاد.

واجهوا في بدر وأُحُد والخندق أكبر التحديات، وكانت أكبر عدة لهم – بعد الله ثمّ إيمانهم الراسخ – هي إخوّتهم، ووحدة صفهم، وتماسكهم، فلقد ذاب كلّ واحد منهم في المجموع، فتشكلت قوّة واحدة منهم يصعب اختراقها بل كان النصر حليفها. كما أنّ المجتمع المتحاب أفراده سيكون من القوّة بمكان ليقف في مواجهة شتّى التحديات، أو على أقل الخروج بأقل الخسائر، لأنّ هذه المجموعات ستشيع هذه الروح في أُسرها، وعائلاتها، وجيرانها وأصدقائها من خلال فهمها الصحيح للإسلام، وبعملها به

فالتآخي يُكسب المجتمع قوّة في جوانب عديدة منها:

- القدرة العالية على تجاوز ما يعصف به من مُلمّات صعبة وفتن ومحن.

- الارتقاء إلى قمّة البذل والعطاء والإيثار.

- توحيد المنطلق الإيماني في النظرية والتطبيق.

- سيادة روحية الجماعة واضمحلال روحية الفرد والشخصانية.

- الحصانة الأخلاقيّة في اتجاهاتها الثلاثة مع الله تعالى ومع الناس ومع النفس.

إنّ صلاح الأُمّة الإسلامية بانضمام أفرادها وشدة ارتباط بعضهم لبعض وتكون حقيقية تعيش بروح واحدة وترمي إلى هدف واحد وتكون بمثابة الجسد الواحد، فيسعى كلّ فرد منه لخدمة المجتمع فتكون أُمّة صحيحة صالحة قوية لها مجدها وكيانها وعزها وشأنها، فحينئذٍ لا يتسرب إليه الفساد من أي مغرض أو طامع، فبالاتحاد تحصل الألفة وتحل المودة والرحمة ويوجد التفاهم وتسهل الدعوة إلى تعاليم الدين، ولقد كان المسلمون في صدر الإسلام يَدعون إلى الوحدة والوئام ويحثوا إلى التقارب والسلام، وأمروا نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فألفوا بين قبائل العرب بعد أن كان بأسهم بينهم شديد، وبذلك التأليف أصبحوا يداً واحدة ورأياً واحداً، حتى أسسوا مملكة إسلامية عظيمة في أكثر أرجاء العالم البشري.

ارسال التعليق

Top