• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

هل أنت مدير مبدع؟

ماركوس بكنغهام/ ترجمة: حسام حسني

هل أنت مدير مبدع؟
  يستفيد القادة العظماء من احتياجاتنا ومخاوفنا، بينما يتمتع المديرون العظماء بمقدرة فريدة على اكتشاف وتطوير وتمجيد مقدرات كل فرد من موظفيهم، وفيما يلي عرض لما يفعلون لتحقيق ذلك. "ما عملت قط تحت إمرة مدير أعظم من هذا!" – عبارة لابدّ أنّها وردت على شفاه كثير منا في وقت من الأوقات. ولكن ما الذي يقصد بالضبط بكلمة "المدير"؟ وما الذي يفصل بين المدير المتميز والمدير العادي؟ لقد كتب الكثير والكثير في هذا الموضوع، وبخاصة حول ما يتعلق بفئات المديرين والقادة، وفيما إن كان هناك فارق بينهم. ولكن القليل من هذه الكتابات تناول ما يحدث من تفاعلات وقرارات يومية تتيح للمديرين أن يحصلوا على أفضل ما لدى موظفيهم، وأن يحظوا بإخلاصهم، ومن هنا نعود إلى سؤالنا المحوري: كيف يتصرف المديرون المتميزون بالفعل؟ تبين لي من بحث بدأته بمسح لنحو 80 ألف مدير وقامت به مؤسسة "غالوب Gallup Organization" خلال العاملين الماضيين، مع دراسات متعمقة لنفر قليل من المتفوقين منهم، أنّه طالما أن هناك أنماطاً عديدة من الإدارة مثلما أن هناك أنماطاً عديدة كذلك من المديرين، فإن هناك خاصية واحدة تفصل بحق المديرين المبدعين عن بقية المديرين وهي أنهم يكتشفون ما يتفرد به كل من موظفيهم ومن ثمّ يفيدون من تلك الخاصية الفريدة في إدارة ذلك الشخص. والمديرون العاديون لا يتعدون كونهم لاعبي داما، بينما يشبه المديرون المتميزون لاعبي الشطرنج. والفارق هنا هو أن أحجار الداما متماثلة وتتحرك بالطريقة نفسها، ويمكن تعديل أي واحدة بأخرى، وبالطبع تحتاج إلى تخطيط وتنسيق التحركات، ولكنها تتحرك بالطريقة نفسها وبالتوازي. أما في لعبة الشطرنج، فإن كل حجر يتحرك بطريقة مختلفة، ولن تستطيع اللعب إن لم تعرف وجهة كل حجر. وهنا يأتي دور المدير البارع الذي يمسك بخيوط اللعبة بمهارة فائقة ويحرك حجارته (موظفيه) على النحو الذي يحقق أفضل النتائج، فهو يعلم ويثمن القدرات الفريدة – وحتى الغريبة – لموظفيه ويعرف جيِّداً كيف يعمل على دمجهم في خطة هجوم متكاملة مع بقية زملائهم. وهذا بالضبط هو عكس ما يفعله القادة البارعون، فهم يدركون بحسهم المرهف ما يعتبر اتجاهاً عاماً لدى شعوبهم نحو مستقبل أفضل. ولا ينجح أولئك القادة إلا إذا شقوا طريقهم بين الاختلافات العرقية والجنسية والعمرية والقومية والشخصية، مستخدمين الأساطير والبطولات، كي يستفيدوا من تلك الأمور القليلة التي تجمعنا. وأما مهمة المدير الحاذق فتتمثل في أن يعمل على تحويل الموهبة الخاصة لدى شخص ما إلى إنجاز ولا ينجح المديرون في عملهم إلا إذا استطاعوا أن يتبينوا الفروق الموجودة لدى موظفيهم وأن يوظفوا تلك الفروق بصورة إيجابية، مستثيرين نازع التحدي في كل منهم لكي يتفوق بطريقته الخاصة. وهذا لا يعني أنّ القائد لا يستطيع أن يكون مديراً أو العكس. ولكن... ولتحقيق ذلك، على القائد أو المدير النابه أن يكون عليماً بالمهارات المختلفة التي يتطلبها كل دور.   - لعبة الشطرنج: كيف تتحرك حجارة رقعة الشطرنج أثناء اللعب؟ عندما قمت بزيارة إلى السيدة ميشيل ميلر، المديرة التي افتتحت الفرع الأربعة آلاف من سلسلة "مخازن والغرين Walgreen"، وجدت أنها قد ألصقت على الجدار الذي يقع خلف مكتبها أوراقاً تتعلق بخطط أعمال عديدة. ويستخدم المخزن الذي تديره ميشيل في ريدوندو بيتش (كاليفورنيا) أشخاصاً يتسمون بمهارات ذات فوارق صارخة، وبشخصيات غير متناغمة – بل متنافرة. ومن هنا فهي تكرس جزءاً كبيراً من عملها لوضع الخطط التي تساعدها على أن توكل لكل من موظفيها ما يناسب قدراته لكي يبدع في ذلك العمل، مع تجنب وضع موظفين لهما شخصيتان مختلفتان في المكان نفسه، وفي الوقت نفسه تساعد على النجاح الشخصي لكل موظف، ولنأخذ مثلاً أحد موظفيها واسمه جيفري، الذي يوحي شكله الخارجي بغرابة أطواره. إن ميشيل لم تستأجره لأنّه كان يبدو خجولاً أثناء المقابلة، ولكن لأنّه كان مستعداً لأن يعمل في الورديات الليلية (والتي عادة لا تجد إقبالاً كبيراً)، ولهذا فقد قررت أن تمنحه فرصة. وبعد شهرين من التحاق جيفري بعمله، لاحظت أنها عندما تعهد إليه مهمة غامضة مثل: "ضع السلع بخط مستقيم في كل رف" فإن ما يحتاج عمله إلى سعتين كان يستغرق منه الليل بأكمله ولا ينجز العمل على الوجه الأكمل. ولكن عندما كانت تعطيه أمراً محدداً مثل: "رتب جميع الألعاب الخاصة بعيد الميلاد"، كان يقوم بوضع تلك الألعاب بشكل منسق وجذاب يسترعي انتباه الزبائن، مع وضع الملصق الخاص بالسعر والمعلومات الأخرى على كل لعبة. وتقول ميشيل بهذا الصدد: "اعط جيفري مهمة عامة غير محددة ستجده متخبطاً، واعطه مهمة محددة تحتاج إلى دقة وتحليل، ستجده مبدعاً". ومن هنا، وكأي مدير بارع، أخبرته عن نقاط قوته وأثنت على عمله المتقن. وكان من الممكن للمدير العادي أن يكتفي بهذا، ولكن ميشيل ليست من هذا النوع، فهي كانت تعلم بقدرتها على الإفادة من المزيد والمزيد مما لدى جيفري من مهارات كامنة. لذا، فقد وضعت خطة تعيد من خلالها إسناد مهمات له لم يقم بها على الوجه الأكمل من قبل مستخدمين آخرين. في كل مخازن والغرين يتم إجراء إعادة تنضيد، حيث يتم ترتيب سلع جديدة في كل جناح، وتتزامن عادة هذه المهمة مع تغيرات اهتمامات الزبائن (في نهاية فصل الصيف مثلاً تستبدل زيوت الشمس والمراهم بعقاقير الحساسية). ومراجعة هذا الترتيب تستهلك وقتاً أقل ولكنها روتينية: "استبدل عبوات معجون الأسنان بذاك النوع الجديد المطور. أظهر هذا النوع الجديد من منظف الغسيل على هذا الرف"، حيث تتم مراجعة ترتيب كل جناح أسبوعياً على الأقل. وفي معظم مخازن والغرين، لكل مستخدم رف خاص به مسؤول عن تنضيده وإبراز محتوياته بأجمل الصور لجذب اهتمام الزبائن. وهذا النظام يتسم بالسهولة والكفاءة ويضفي على كل من الموظفين أو المستخدمين شعوراً بالمسؤولية الشخصية. وقد لاحظت ميشيل براعة جيفري في تنضيد الرف الموكل إليه، ولاحظت كذلك ضيقه وعدم ارتياحه من التعامل المباشر مع الزبائن، فقررت أن توكل إليه مهمة محددة تنحصر في إبدال عدد من السلع القديمة التي لم تعد تلقى اهتماماً من قبل الزبائن بأخرى جديدة يعتقد أنها ستستحوذ على اهتمام (وهي مهمة يراها غير جيفري عملاً شاقاً ويفضل عليه ملاطفة الزبائن وخدمتهم). وكان هذا العمل في حاجة إلى أسبوع كامل، ولكن ميشيل كانت تعلم أن جيفري قادر على قبول التحدي. وهكذا كان، فقد حققت إعادة التنظيم زيادة في المبيعات والأرباح ورضى الزبائن، وحاز مخزنها على درجة امتياز من إدارة سلسلة المخازن. وكان من الممكن أن تستمر الأمور على هذا النحو، ولكن الأمور (وللأسف) لم تستمر على هذا النحو. لقد كانت الخطة التي وضعتها ميشير بشأن موظفها تعتمد على "قناعته" بما وصل إليه. ولكن، وبعد أن لاحظ جيفري رضى مديرته عن عمله، وبعد أن أمضى نحو ستة أشهر في ذلك العمل، ازداد ثقة بنفسه وسول له طموحه أن يطالب بمركز إداري. ومن المدهش أن مطلب جيفري لم يصب مديرته بخيبة أمل، بل إنّه أثار اهتمامها. لقد كانت ترقب تقدمه في عمله عن كثب وأدركت أنّه قد ينجح كمدير عادي، ولكن ليس كمثال يحتذى، وإضافة إلى هذا، وكأي لاعب شطرنج ماهر، كانت تفكر في نقلتين إلى الأمام. كان هناك في قسم التجميل موظفة اسمها جنوا كانت تشكل تهديداً مضاعفاً لميشيل، ولم تكن رابعة فقط في التعامل مع الزبائن (فهي تذكر أسماءهم، وتوجه إليهم أسئلة لطيفة، وتعرف كيف تجيب على الهاتف)، بل كانت بارعة كذلك في عرض منتجات التجميل على الرفوف التابعة لها في أبهى الصور. وسعياً وراء الإفادة من هاتين الموهبتين ولاحتواء رغبة جيفري في الترقية، قررت ميشيل تقسيم المهام في المخزن، حيث عهدت بإعادة الترتيب لجنوا بحيث يستفيد المخزن من مقدرتها على تنضيد البضائع بشكل لافت للنظر. ولكن ميشيل لم ترغب بضياع مهبة جنوا في التعامل مع الزبائن، لذلك قررت أن تعهد إليها إعادة الترتيب صباحاً بين الثامنة والنصف والحادية عشرة والنصف، وبعدها تلتفت إلى الاهتمام بالزبائن الذين يتدفقون على المحل خلال فرصة الغداء. وقد أبقت ميشيل لجيفري مهمة الاعتناء بالرفوف رغم أن ذلك لا يقع ضمن مسؤوليات نائب المدير، ولكن ميشيل كانت على قناعة بأنّه قادر على إعادة رص الرفوف بالبضاعة خلال ساعات قليلة مما يترك له وقتاً كافياً للالتفات لوظيفته الإدارية. ربّما غيرت ميشيل الآن هذاالترتيب وانتقلت إلى خطة أخرى أكثر فعالية، وهي المقدرة على الاستفادة من مقدرة كل شخص وهنا يكمن لب الإدارة البارعة. إنّ نهج الإفادة من الفوارق الموجودة لدى الموظفين والمستخدمين قد يتغاير بصورة كبيرة من مكان إلى آخر. فلو أنك ذهبت إلى مكتب آخر في مخازن والغرين، قائم في سان خوزيه (كاليفورنيا) ومديره هو كاواشيما، لوجدت أن جدرانه تخلو من أي مخططات عمل، وبدلاً من ذلك فهي مغطاة بأوراق لأرقام مبيعات وإحصائيات حددت العالية منها بدوائر حمراء وصور فوتوغرافية لمن حقق أعلى المبيعات من الموظفين ونالوا جوائز عن جهدهم هذا، ومعظم هذه الصور كانت لمندوبة المبيعات الآنسة مانجيت. كانت مانجيت هذه تبز بقية أقرانها من البائعين والبائعات بشكل دائم. وعندما سمعت عنها لأوّل مرّة، كانت قد فازت لتوها في مسابقة أجرتها مخازن والغرين حيث حققت أفضل المبيعات من منتجات مزيلات العرق من ماركة "جيليت". فقد كان معدل مبيعات تلك السلعة في الشهر الواحد 300 بينما باعت مانجيت 1600. وكانت مانجيت تربح المسابقة تلو الأخرى على الرغم من أنها كانت تعمل في نوبة الساعات الصعبة التي تمتد من 12:30 وحتى 8:30 صباحاً، وهي ساعات لا تشهد بالطبع قدوم كثير من الزبائن. ولم تكن مانجيت من قبل متفوقة دائماً. وفي الواقع إنها لم تصب هذا القدر المذهل من النجاح إلا عندما رئيس السيد جيم، المتخصص بإعادة الحياة للمتاجر المتعثرة، إدارة المتجر الذي تعمل فيه. لقد لاحظ جيم ميزات مانجيت وحولها إلى إنجاز كبير. لقد لاحظ جيم من قراءته لملف المعلومات الخاص بها أنها كانت فيما مضى بطلة في رياضة العدو ورفع الأثقال، خلال مقابلته لها كانت تكرر بأنها باعت كذا يوم السبت وكذا يوم الاثنين، ولما سألها إن كانت تدرك مدى إنجازها، أجابت بالإيجاب وبأنّها كانت تراقب أرقام المبيعات وأنها كانت تفحص الجداول حتى خلال يوم عطلتها. كانت مانجيت متحفزة دوماً للفوز ونيل الجوائز، فقرر أن يستثير فيها نوازع التحدي وعهد إليها العمل في تلك النوبة، مبينا لها أنّه سيكون هناك جوائز لمن يحقق أعلى المبيعات. وقبلت مانجيت التحدي ولم تخيب ظن رئيسها أبدا. ولكن... ماذا عن بقية زملاء مانجيت؟ بدلاً من الشعور بالاستياء من نجاح مانجيت، أدركوا أن بإمكان جيم أن يكتشف قدراتهم الكامنة ويقدرهم بناء على إمكاناتهم الشخصية، كانوا يعرفون أن نجاح مانجيت هو نجاح للمتجر وفريق العمل ككل. وفعلا ازدادت جدران جيم بمزيد من صور الفائزين، والتي لم تعد تقتصر على صورة مانجيت وحدها. ومما يجدر ذكره أنّه بعد مضي بضعة أشهر فقط على قدوم جيم، احتل ذلك المتجر الرقم 10 بين محلات والغرين الأربعة آلاف.   - المديرون المتميزون رومانسيون: لنعد إلى المديرة ميشيل التي تحدثنا عنها في موضع سابق من هذا المقال. فلو أنها لم تكن على جانب كبير من الإبداع الإداري، لما وضعت نصب عينيها الاهتمام بالقدرات الفعلية – وإن كانت كامنة – لدى كل موظف لديها، والإفادة إلى أقصى حد ممكن من تلك القدرات. فالإفادة مما ينفرد به الشخص من سمات معينة تعتبر بحق من أعظم الوسائل الناجعة في الإدارة، كما سنرى فيما يلي: أوّلاً: إنّ تحديد ما لدى الشخص من قدرات فريدة والإفادة منها يوفر الوقت والجهد، فما من موظف مهما بلغت مواهبه له إلمام بكل الأمور. وكان من الممكن للمديرة ميشيل أن تضيع ساعات لا تعد ولا تحصى وهي تدرب جيفري وتزين له مزايا الابتسام في وجه زبائنه والتقرب إليهم وتذكر أسمائهم، ولكنها كانت ستحصل على الأغلب على مردود هزيل مقابل كل هذه الجهود، ولكنها كانت من البراعة بمكان بحيث استغلت ساعات عملها في سبر غور مرؤوسها والإفادة من قدراته الطبيعية الكامنة. ثانياً: إنّ الإفادة من الخصائص الفريدة للشخص تجعله أكثر مسؤولية. فمثلاً: لم تقم ميشيل بالثناء على جيفري لقدراته في إنجاز مهمات معينة، بل إنها تحدته بأن يجعل من قدراته حجر زاوية في المتجر الذي يعمل فيه وأن يجد نفسه في ممارسة وتشذيب هذه القدرات. ثالثاً: إنّ الإفادة من خصائص الأشخاص الفريدة تنمي الشعور بروح الفريق وتعمل على إيجاد اعتماد متبادل بين زملاء العمل، كما أنّها تساعد على تقدير المستخدمين لقدرات بعضهم بعضاً، وبث الطمأنينة في نفس كل منهم لمعرفته بأن ما ينقصه من مهارات يمكن تعويضه من قبل بعض الزملاء الآخرين. وموجز القول إنّ هذا يساعد على وجود ترابط أقوى بين الأشخاص بسبب حاجة الفريق المتبادلة لريح. وأخيراً، عندما تقوم بالإفادة مما هو فريد في كل شخص فإنك تعمل على إدخال قدر مرغوب من تجاوز المهام الروتينية للمستخدمين، فلو أن ميشيل لم تكتشف بنظرتها الثاقبة ما ينفرد به جيفري من قدرات لروائح مكانه سنين عديدة دون أن يرقى إلى ما وصل إليه من مركز لاحق. والمدير يغير في مهام كل موظف، فلو أن جيفري ابتكر طريقة جديدة لإعادة تنضيد الرفوف في الجناح، فهل عليه طلب الإذن لفعل ذلك، أن يفعله من تلقاء نفسه؟ كما أنّ المدير يظهر مرونة فيما يتعلق بالأفكار المسبقة عن الخبرة: فلو أن جنوا ابتدعت طريقة جديدة لترتيب البضاعة تختلف عن تعليمات الشركة، هل تفوق خبرتها خبرة المخططين في الإدارة تتحدى هذه الأسئلة معتقدات مجموعة والغرين، وبذلك تجعل الشركة أكثر مرونة وحنكة وحيوية، وعلى الرغم من حجمها الكبير فهي قادرة على تجنب الصعاب وبناء مستقبل واعد. وبعد كل هذا القدر من الكلام، لا يسعني إلا أن أضيف أن سبب تركيز المديرين العظام على ما ينفرد به موظفوهم من خصائص لا يعود إلى أن هذا يساعد على ازدهار العمل، بل لأنّهم لا يستطيعون ثني أنفسهم عن فعل ذلك، مثلهم في ذلك مثل الشاعرين العظيمين شيلي وكيتس اللذين كانا منجذبين أشد الانجذاب إلى الذاتية الفردية individuality. فالاختلافات الفردية التي لا يراها المديرون العاديون تظهر بوضوح للمديرين المبدعين وهي دائماً محط تقديرهم، فهم لا يتغاضون عنها كما لا يتغاضون عن احتياجاتهم، فتلك الأمور من طبعهم.   - الأدوات الثلاث: على الرغم من أنّ الشعراء الرومانسيين كانوا مفتونين بالذاتية الفردية، فإنّه يتعين على المديرين أن يكبحوا جماح فضولهم في استقصاء الخصائص الفردية لمستخدميهم، وأن يحصروا نطاق اهتمامهم في معرفة أمور ثلاثة عن هؤلاء المستخدمين للحصول على أفضل ما لديهم: أوّلاً: تحديد نقاط القوة بغرض الإفادة منها، وهذا الأمر يتطلب الوقت والجهد للإحاطة التامة بما لدى الموظف من نقاط قوة وضعف. ومن ناقلة القول إنّ المدير البارع يمضي وقتاً ليس بالقليل وهو يتمشى خارج مكتبه لملاحظة كل شاردة وواردة فيما يتعلق بردود فعل موظفة تجاه المواقف التي تصادفه، ويعير أذنا صاغية لكل ما يصدر عن ذلك الموظف إزاء تلك المواقف ويدون ذلك في ذهنه، وما من بديل عن هذا النوع من الملاحظة. ولكن بإمكان المدير كذلك أن يحصل على الكثير من المعلومات عن الشخص بأن يوجه إليه بضعة أسئلة بسيطة وذات نهايات مفتوحة وأن يصغي جيِّداً إلى ما سيتلقاه من ردود. وهناك سؤالان بعينيهما قد أثبتا، كما اتضح لي، جدواهما في تحديد نقاط القوة والضعف، وإنني أوصي بتزجيههما إلى جميع المستخدمين الجدد وإعادة طرحهما بصورة دورية. فلتحديد نقاط القوة لدى المستخدم الجديد، بعد مضي بضعة أشهر من مباشرته لعمله، يجدر بك أن تسأله: "ما أفضل يوم صادفته أثناء العمل خلال الأشهر الثلاثة الماضية؟" وما عليك الآن إلا أن تقوم بتمحيص جوابه لمعرفة ما الذي كان يفعله هذا الشخص في ذلك اليوم وما الذي كان وراء سعادته؟ وقد تعجب أيها القارئ إن قلت لك إن نقطة القوة لا تمثل فقط الشيء الذي تجيده ولكنها قد تكون – في الواقع – شيئاً لا تجيده حتى هذه اللحظة، ولكنك ترنو إلى أن تفعله ثانية وثانية، وبصورة أفضل وأفضل... مع مرور الوقت. وأنّ مثل هذا السؤال سيدفع بموظفك إلى أن يشرع في التفكير في ما لديه من اهتمامات وقدرات من هذا المنظور. ولتحديد نقاط الضعف لدى المستخدم، ما عليك إلا أن تعكس السؤال ليصبح: "وما أسوأ يوم مر بك أثناء العمل خلال تلك الفترة؟" وبعد ذلك لطلب المزيد من التفصيلات بالنسبة للعمل الذي كان يمارسه حينئذ، وما الذي سبب له ذلك القدر من الضيق. وكما هو الحال مع نقطة القوة، فقد لا تمثل نقطة الضعف أمراً لا تستطيع القيام به، بل إنّه قد يكون أمراً تستطيع أنّ تفعله – ولكنك مرغم وكاره وتود لو أنك تتوقف عن فعله. وعلى الرغم من أنّ المدير يرقب نقاط القوة والضعف معا في موظفيه، إلا أن تركيزه يجب أن يكون على نقاط القوة بالدرجة الأولى. والحكمة التقليدية تقول إنّه لأمر طيب للمرء أن يعرف نفسه، وأن من واجب المدير أن يحدد نقاط الضعف، وأن يستحدث من ثم خطة للتغلب على نقاط الضعف هذه. ولكنّ بحثاً للعالم النفسي آلبرت بانديورا، الأب الروحي لنظرية التعلم الاجتماعي، قد أظهر أنّ الثقة بالنفس Self assurance – وليست معرفة الذات – Self awareness هي المؤشر الأقوى للشخص لأن يضع أهدافه التي يرنو إليها، وأن يصمد في وجه العقبات، وأن يقوم بالكر والفر حسب مقتضيات الحال، وأن يقوم في النهاية يتحقيق الأهداف التي وضعها. وعلى النقيض من ذلك، فإن معرفة الذات لم يثبت أنها مؤشر على أي مما سبق من الأمور الآنفة، وأنها في بعض الحالات قد تكون معيقة لها. ويبدو أنّ المديرين العظام يدركون هذا كله بالغريزة. إنّهم يعلمون أو وظيفتهم لا تتمثل في قيامهم بتسليح كل موظف بفهم دقيق وهادئ لحدود نطاق قوته وللتبعات المرتبة على نقاط ضعفه، ولكن واجبهم هو أن يعملوا على تعزيز ثقة هذا الموظف بنفسه. ومن هنا جاء تركيز المديرين العظام على نواحي القوة لدى موظفيهم. وعندما ينجح الموظف لا يغدق عليه مديره المتميز عبارات الثناء والتقريظ، بل إنّه يخبره بأنّه قد أصبح بارعا في توظيف نواحي القوة التي يمتلكها. وهذا – كما يعي المدير المتميّز – سيعزز من ثقة الموظف بنفسه وسيزيد من تفاؤله بقدراته ويجعله أكثر مرونة في وجه التحديات القادمة. ومن جهة أخرى فقد يحدث التركيز على نواحي القوة لدى الموظف قدرا من الثقة الزائدة بالنفس، ولكن المدير البارع قادر على أن يعالج هذا الأمر بأن يبين لموظفه حجم وصعوبة الأهداف المرسومة له، فهم يدركون أن من أولى أهدافهم بناء حالة ذهنية لدى المستخدم تتضمن فهماً دقيقاً للصعوبات القادمة وفي الوقت نفسه تفاؤلاً مفرطاً في مقدرته على التغلب عليها. ولكن، ماذا لو أنّ الموظف لم ينجح في العمل الموكل إليه؟ وعليك، كمدير فظن، أن تفترض أن ذلك الإخفاق لا يعود إلى عوامل لا سيطرة للموظف عليها بل إنها تعود، وإن لم يكن ذلك حقا، إلى نقص في الجهود المبذولة. وهذا سيعمل على إخفاء مشاعر انعدام الثقة التي قد تساور ذلك الموظف أثناء التغلب على التحدي التالي. أمّا في حالات الإخفاق المتكرر فإن هذا بالطبع قد يشير إلى وجود ضعف يتطلب علاجاً، وفي هذه الحالة هناك استراتيجيات أربع للتغلب على مثل هذا الضعف: إذا تعلقت المشكلة بنقص في المهارة أو المعرفة فهذا يسهل حله: ما عليك ببساطة إلا أن تقدم لموظفك التدريب المناسب وامنحه بعض الوقت ليستوعب المهارات الجديدة ويبدي مؤشرات التحسن، أما إن لم يبد الموظف تحسنا في أدائه فعندها ستعرف أنّه يفتقر إلى مواهب معيّنة لا يمكن أن يسد مسدها أي قدر من التدريب، عليك أن تجد طريقة لمعالجة هذا الضعف وتحديده. وهذا ينقلنا إلى الاستراتيجية الثانية للتغلب على نقطة ضعف عند الموظف، وأفضل السبل هنا أن تجد لهذا الموظف شريكا يظهر موهبة في المجال نفسه الذي يعاني هو فيه ضعفا. وفيما يلي مثال على تلك الاستراتيجية: وجدت جودي لانغلي، نائبة مدير تسويق متاجر "آن تايلور" للملابس النسائية أن علاقتها مع كلوديا أحد مديري التسويق تتأزم، حيث تميزت كلوديا بعقلية تحليلية وطبيعية انفعالية ورغبة قوية بمعرفة كل شيء، إذ نمى إلى علم كلوديا خبر قبل أن يتسنى لجودي مراجعته معها، كانت تصاب بالإحباط الشديد. وبسبب سرعة اتخاذ القرارات وانشغال جودي الدائم، كان ذلك يحصل باستمرار، وشعرت جودي بالقلق من أن سخط كلوديا كان يؤثر سلباً في فريق الإنتاج ويكسبهم سمعة عدم الرضا. لو كانت جودي مديراً عادياً لوصمت تصرف كلوديا بنقطة ضعف ولحثتها على السيطرة على رغبتها بمعرفة كل شيء، ولكن جودي كانت على إدراك تام أن نقطة ضعف كلوديا هذه دليل على أعظم نقاط قوة كلوديا، ألا وهي عقيلتها التحليلية، فلم يكن بمقدور كلوديا السيطرة عليها ولو لبعض الوقت، لذلك لم يكن بوسع جودي إلا أن تبحث عن طريقة تسيطر بها على حاجة كلوديا بشكل فعّال. قررت جودي العمل على إشراك كلوديا بكل المعلومات الممكنة، وفي نهاية كل يوم كانت تترك رسالة صوتية لكلوديا تلخص نشاطات اليوم، وكانتا تتجاذبان أطراف الحديث مرتين في الأسبوع، وهذا الحل أقنع كلوديا بأنها ستحصل على المعلومات التي تريد متى شاءت وبشكل دوري، وبذلك حققت طريقة الإشراك هذه الهدف المرجو منها وخففت من غلواء كلوديا وساعدتها على تركيز عقليتها التحليلية في عملها. وإنّ الملاحظة الدؤوبة والمراس المتكرر كفيلان بتحسين أداء الموظف الضعيف. أمّا في حالة صعوبة العثور على الشريك البارع، فعليك أن تلجأ إلى الاستراتيجية الثالثة وهي أن تستخدم مع الموظف أسلوباً يعتمد الإيحاء بدلاً من التصريح، أي أن توحي له بأن شخصاً معيناً يستخدم أسلوباً بعينه للنجاح في عمله، وبهذه الطريقة يقوم الموظف باستخدام هذا الأسلوب عن وعي أو غير وعي من دون أن تطلب منه ذلك صراحة. ولكن، إن لم تنفع الاستراتيجيات الثلاث أعلاه، فإن عليك أن تلجأ إلى الاستراتيجية الأخيرة ألا وهي أن تقوم، كما فعلت المديرة ميشيل ميلر مع موظفتها جيفري، بإعادة ترتيب بيئة عمل ذلك الموظف لتخليصه من ضعفه. وهذا يتطلب منك أمرين: أوّلاً، القدرة على استحداث بيئة بديلة تكون أكثر ملاءمة لذلك الموظف. وثانياً، الشجاعة على إنجاح مثل هذا الترتيب. وستجد عندئذ، كما حدث مع ميشيل وجيفري، أنّ المردود يستحق كل هذا العناء.   - حَفِّز الأداء الجيِّد: إنّ نواحي القوة التي قد يمتلكها شخص ما قد لا تكون دائماً ظاهرة للعيان، وإنها قد تحتاج في بعض الأحيان إلى من يساعدها على الانطلاق، ومن هنا عليك أيها المدير أن تضغط على المفتاح المناسب في شخصية موظفك وعندها سيندفع ذلك الموظف بأقصى طاقته ويصمد في وجه الصعاب، أما إن ضغطت المفتاح الخاطئ فعندها سينغلق الموظف على نفسه ولن يتقدم قيد أنملة. ولا يجب علينا أن ننسى أن لكل موظف مفاتيحه الخاصة به، فالبعض قد يجد أن أداءه لا يصل إلى ذروته إلا ليلاً، والبعض قد يجد أنّه في حاجة إلى إشراف يومي من جانب مديره على الرغم من أنّه يعمل معه منذ سنوات، والبعض الآخر قد يجد أنّه لا يبدع في عمله إلا إذا تركه المدير لشأنه واكتفى بالإشراف عليه بين الحين والآخر. ومهما كان الاختلاف بين الأشخاص، إلا أن أنجح الطرق لاستخلاص أفضل ما لدى الموظف من قدرات هي التقدير Recognition وليس إغداق المكافآت المادية. وإن كنت لا تصدق ذلك، تجاهل أحد موظفيك ممن يتقاضون رواتب عالية وسترى أنّ النتيجة ستكون مروعة. ولكي تتفوق في عملك كمدير عليك أن توجه عبارات التقدير والثناء إلى موظفك المستحق لذلك بصورة علنية وعندما يكون بين أقرانه وزملائه الآخرين. ولا يقتصر مصدر التقدير على المدير بل إنّه قد يكون آتيا من زبون على شكل عبارة ثناء أو رسالة شكر لموظف بعينه على حسن معاملته. ومسؤولية المدير هي تقدير الاهتمام الشخصي المطلوب وإغداق الثناء المناسب لكل شخص. وينطبق ذلك على الشركات الكبرى، فيمكن لتلك الشركات اتباع أسلوب التقدير الشخصي وتطبيقه على كل موظف. يمكن تقديم فرع أمريكا الشمالية للبنك البريطاني HSBC كمثال على ذلك. ففي كل عام يقدم للموظف البارز في قسم القروض جوائز قيمة. وخلال العام، يسأل المديرون الموظفين عن الجوائز التي يرغبون في الحصول عليها إذا ربحوا المكان الأوّل، وتقدر قيمة الجائزة بعشرة آلاف دولار ولا تقدم نقداً، وفي نهاية العام، تعرض الشركة شريطاً مصوراً للموظف الرابح في احتفال كبير يعرض فيه الموظف سبب اختياره لتلك الجائزة. ويمكنك تخيل مدى تاثير هذه الجوائز الشخصية في موظفي المصرف، فلا يقتصر الأمر على تلقي شهادة تقدير بل يتعداه إلى التقدير العلني وإمكانية الحصول على دفع مصاريف التعليم الجامعي لابن الموظف أو الحصول على دراجة نارية فخمة، أو بطاقات سفر للموظف وعائلته للسفر إلى المكسيك.   - خصص أساليب التعليم: على الرغم من تعدد أساليب التعليم، فإن مراجعة تلك الأساليب تظهر أهمية ثلاثة أمور منها: أوّلاً: التحليل. كلوديا من شركة "آن تايلور" هي مثال على التحليل. فهي تفهم المهمة وتمحصها وتعيد تركيب أجزائها، ولأن لكل نقطة أهميتها فهي تتعطش للمعلومة ولكل ما يجب أن يعرف عن الموضوع قبل البحث فيه، فهي في بحث وتمحيص دائمين. إنّ أفضل طريقة لتعليم من يمتلك موهبة التحليل هي إعطاؤه الوقت الكافي في غرفة الصف في التدريب والتمرين، اعطه الوقت الكافي للتحضير، فالمحلل يكره ارتكاب الأخطاء والتحضير المتواصل يقلل من فرص ارتكاب الأخطاء. ثانياً: الفعل، وهو على عكس أسلوب التحليل. فبينما أفضل لحظات المحلل هي ما يسبق الإنجاز، فإن أفضل لحظات الموظف الفاعل هي خلال مرحلة الإنجاز، ولكن الخطأ والصواب يمكن حدوثهما هنا. فجيفري من محلات "ميشيل ميلير" هو من النوع الفاعل، فهو يتعلم أكثر بينما يجد حلولاً للصعاب التي تواجهه، فبالنسبة له فإن مرحلة التحضير غير مجدية ومملة، فتكفيه فكرة مختصرة عن المهمة الموكلة إليه ليقوم بها على أكمل وجه. وبالتدريج تزداد درجة تعقيد المهمة حتى يتمكن من كل أوجه الدور المطلوب. إن ارتكاب الاخطاء وارد ولكن الخطأ في حد ذاته يساعد على التعلم. ثالثاً: الملاحظة. أولئك الذين يتعلمون عن طريق الملاحظة لن يتعلموا عن طريق الفعل، مما يعطي الانطباع أنّ الملاحظين طلابا ضعفاء. ربما كان ذلك صحيحاً ولكنهم ليسوا عاجزين عن اتعلم، فهم قادرون على تعلم الكثير إذا أعطيت لهم فرصة مراقبة الفعل ككل. ما يهم بالنسبة لهذا النوع من المتعلم هو المحتوى وليس الشكل. وبالمناسبة، هذا هو أسلوبي في التعليم، فمنذ سنوات خلت عندما بدأت بمقابلة الآخرين، لم أستطع تعلم كيفية كتابة تقرير عن الشخص الذي قابلته، كنت أعرف كل الخطوات المطلوبة، ولكن لم أستطع جمعها معاً، ثمّ ذات مرة سمعت أحد المحللين يملي تقريراً على سكرتيرته، وكانت أوّل مرّة ألاحظ فيها عملية كتابة التقرير، وكانت بحظة جلاء الحقيقة بالنسبة لي، فقد استطعت فهم كيفية تجميع أجزاء التقرير بشكل مترابط منطقياً، إنّ أفضل طريقة لتعليم "الملاحظ" هي إخراجه من غرفة الصف بعيداً عن المراجع وصفه بالقرب من موظفين مهرة. لقد رأينا من خلال جولتنا على بعض المديرين المبدعين أن سر نجاحهم هو تقديرهم للاختلافات الشخصية. هذا هو تقديرهم للاختلافات الشخصية. هذا لا يعني أنهم لا يحتاجون إلى مهارات أخرى، فهم في حاجة للعديد من المهارات، ولكن ما يفعلونه بالغريزة هو لعبة الشطرنج. بينما يركن المديرون العاديون إلى أمل أنّ الموظفين لديهم الدوافع نفسها والأهداف نفسها والعلاقات نفسها ويتعلمون بالطريقة نفسها، فهم يحددون ما يتوقعون من موظفيهم ويكيلون المديح لأولئك الذين ينفذون ما يطلب منهم، أي يعتقد هؤلاء المديرون أن مهمة المدير هي قولبة وتحويل كل موظف إلى نسخة مطابقة عن الدور الذي يقوم به. ومجمل القول إنّ الإبداع في إدارة الآخرين يتطلب من المدير أن يتحلى بالصبر والأناة في معالجته لشؤون موظفيه وأن يبقي في ذهنه دائماً أنّهم يتباينون قليلا أو كثيراً في تفكيرهم وفي تعاملهم مع الآخرين وفي نظرتهم إلى الإيثار والغيرية altruism، ومثل هذه التباينات تكون في معظمها ثابتة ومقاومة لأي تغيير، وأن نجاح المدير مرتبط كذلك، وإلى حد بعيد، بتمكين موظفيه من إطلاق العنان لقدراتهم الكامنة في المجالات التي يجدون أنفسهم فيما، وليس بقولبة تلك القدرات وتجميدها في وضعها في غير مكانها.   المصدر: مجلة الثقافة العالمية/ العدد 137

ارسال التعليق

Top