• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

سموُّ الزهراء (عليها السلام) ومنزلتها

عمار كاظم

سموُّ الزهراء (عليها السلام) ومنزلتها

وُلِدت فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهي تحمل روح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصفاته، وأخلاقه، فكانت (عليها السلام) الوارث والشبيه. إذ لم يكن في الدنيا أحد يماثلُ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في صفته وشمائله كفاطمة (عليها السلام).

الزهد والعبادة صفة طبيعية واضحة في حياة أهل البيت (عليهم السلام)، فهم المثل الأعلى والقدوة الرائدة، والشخصيات الإسلامية القيمة. ومنهج أهل البيت (عليهم السلام) في الزهد والعبادة، هو منهج الإسلام، بصفائه وأصالته، كما بلّغه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فليس الزهد والعبادة في منهجهم انقطاعاً عن الحياة، أو فراراً من مسؤوليات الإنسان الاجتماعية، بل الزهد والعبادة عندهم تعالٍ على مُتع الحياة، وتسامٍ على أوطارها الفانية.

والعبادة في منهجهم، صياغة الحياة وملء أبعادها وفق مشيئة الله، وصفاء العلاقة معه، وشدة الارتباط به سبحانه، لذلك نجد الزهراء (عليها السلام)، العابدة الزاهدة المتبتلة التي سُميت البتول لكثرة عبادتها وتبتلها، نشاهد حياتها جهاداً وعملاً وكفاحاً وزهداً وعبادةً وتبتيلاً.

نشاهدُ الزهد في عظم شخصيتها، وتسامي نظراتها، وترفعها عن الخضوع للذات الحياة وزخارف العيش ومغريات المتع. ففاطمة (عليها السلام) في بساطة بيتها وفي خشونة عينها وفي تواضع حياتها، تمثّل الزهد بأدق معانيه، وتحفظ وهي في مقامها الرفيع للمرأة المؤمنة طريق المسلمة الواعية، وتعرفها قيمة الحياة، وكيفية التعامل معها.

وفاطمة الزاهدة، فاطمة المجاهدة، هي فاطمة العابدة المتبتلة، هي التي قال عنها ولدها السبط الحسن (عليه السلام): «رأيتُ أمّي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة، حتى انفجر عمودُ الصُّبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم، وتُكثرُ الدُّعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا اُمّاه! لِمَ لا تدعين لنفسك، كما تدعين لغيرك؟ فقالت: (يا بُنيّ! الجار ثم الدار)».

إنّه خُلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الإيثار وحبّ الآخرين، والتجرد من الأنانية، والدُّعاء بالرحمة والمغفرة، وحبّ الخير للغير، إنّه القلب الكبير، المليء بالحبّ والعطف على هذه الإنسانية، والداعي لها بالنجاة والهداية، فالدعوة بالخير لا تصدر إلّا عن قلب نقي محبّ للخير، كقلب فاطمة (عليها السلام)، إنّها معلمة ومربية، ومثل أعلى في عبادتها وزهدها، في سلوكها، وفي بيتها، وعلاقتها بابنيها وزوجها، وفي وقوفها بين يديّ ربّها، وفي عطفها على الإنسانية، وحبّ الخير لها.

وعندما نريد أن نستذكرها كإنسانة فإنّنا نرى أنّها تمثّل النموذج الكامل للإنسانية المسلمة التي انفتحت على الله بكلّ عقلها وبكلّ روحها، وبكلّ حركيتها وبكلّ مسؤوليتها، ومن خلال انفتاحها على الله انفتحت على الإنسان وعلى كلّ القضايا الحيّة التي تتصل بمسؤوليته في الحياة. فاطمة الزهراء (عليها السلام) الإنسانة التي تمثّل المثل والنموذج والقدوة للإنسان المسلم، لأنّها كانت البنت كأفضل ما تكون البنات، وكانت الزوجة كأفضل ما تكون الزوجات، وكانت الأُم كأفضل ما تكون الأُمّهات، وكانت المسلمة المسؤولة المتحركة في ثقافتها ومواقفها كأفضل ما تكون المسلمات، فهي تجمع كلّ هذه العناوين الإنسانية في المرأة وفي الإنسان المسلم، فسيِّدة نساء العالمين نموذج يمكن له أن يستجمع العناصر التي تمثّل كلّ نشاط المرأة في حياتها الخاصّة كبنت وزوجة وأُمّ، وحياتها العامة كمسلمة عاملة منفتحة على قضايا الإنسان في الحياة.

ارسال التعليق

Top