• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإسلام بين الأديان كالشمس بين الكواكب/ج2

د. عبدالكريم اليافي

الإسلام بين الأديان كالشمس بين الكواكب/ج2
◄جاء في كتااب "الملل والنحل" للشهرستاني ما يلي: "ففي أحكام التوراة أحكام السياسة الظاهرة العامة، وفي الانجيل أحكام السياسة الباطنة الخاصة. وفي القرآن أحكام السياستين جميعاً (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) (البقرة/ 179)، إشارة إلى تحقيق السياسة الظاهرة. وقوله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (البقرة/ 237)، وقوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف/ 199)، إشارة إلى تحقيق السياسة الباطنة، وقد قال (ص): "هو أن تعفو عن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك"[1]". ويعلق الشهرستاني على ذلك بقوله: "ومن العجب أنّ من رأى غيره يصدِّق ما عنده ويكمله ويرقيه من درجة إلى درجة، كيف يسوغ له تكذيبه"؟. هناك أخبار هامشية ترسبت إلى حواشي الكتب الدينية الإسلامية عن طريق اليهود الذين دخلوا في الإسلام، وقد نبَّه إليها شيوخ الإسلام ودعوها "الإسرائيليات" والزموا نبذها والشك فيها أو عدم تصديقها. كذلك نجد أنّ الدينين اليهودي والمسيحي على العكس هما اللذان أفادا من مبادئ الإسلام وحضارته. ويطول بنا البحث في هذا الشأن، وإن كان ضرورياً، ولكننا نشير عرضاً إلى أنّ أحبار اليهود وعلماءهم وومثلي حضارتهم الذهبية في ظلال الحضارة العربية الإسلامية بالأندلس استفادوا كل الاستفادة في لغتهم وفي وضع قواعدها، وفي اشعارهم وبحورها وفي اعتباراتهم الدينية والفلسفية من المسلمين، وحسبنا الإشارة هنا إلى موسى بن ميمون، وكلّ بحث في هذا السبيل قد ينير حقائق مطموسة. وكذلك الحال لدى أتباع الدين المسيحي ورجاله المشهورين وذلك في أبان النهضة الأوروبية بعد ترجمة القسم الضخم من التراث العربي الديني والعلمي إلى اللاتينية، ومن المعلوم المتداول تأثر الغربيين بفلسفة ابن رشد ومحاولته التوفيق بين الدين والفلسفة، حتى انّ فلسفة ابن رشد لما انتقلت إلى الأوروبيين دعيت بالرشدية اللاتينية لعمق تأثير ذلك القاضي فيهم. ومن أهم الذين تأثروا بها ألبرت الكبير وبونافنتسورا، ولكن الآثار الدينية الإسلامية الأخرى أخذت طريقها إلى عقولهم ونفوسهم فبقوا بطبيعة الحال مسيحيين مستمسكين بدينهم ولكن تصوراتهم المسيحية تأثرت بالمبادئ الإسلامية. وقد يفيد ضرب بعض الأمثلة. نجد أنّ المجتمع الإيماني الرابع الكاثوليكي الذي انعقد في لتران (Latran) سنة 1215، يعرف الذات العلية بأنها لم تلد ولم تولد. (Et illa re non generans, neque genitta Ref. Enchiridion Symbolorum de Denzinger, No.432). وهذه ترجمة حرفية للآية القرآنية: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (الإخلاص/ 3). وجاء في كتاب "في علم الجمال" لمؤلفه بول أولانيي ما يأتي: "حول ولادة مريم كان القرآن السبَّاق إلى اعلان عقيدة الحبل بلا دنس. ويتضمن انجيل لوقا وحده تحية المَلَك لها، "فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليه، الربُّ معك مباركة أنت في النساء" [الاصحاح الأوّل: [28 وورد في القرآن: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 42)، فإذا قارنا العبارتين وجدنا القرآن يضيف على قول القديس لوقا طهرك، أي طهرك من كلِّ دنس ومنه الخطيئة الأولى. وهكذا حقق القرآن الجمال الخلقي المطلق تمام التحقيق للأُم العذراء قبل أن يعلن البابا بيوس التاسع في كانون الأوّل/ ديسمبر، 1854، للكاثوليكية عقيدة الحبل بلا دنس، أي قبل أكثر من اثني عشر قرناً، وربما كانت تلك العقيدة مما حمله الصليبيون من الشرق"[2]. هذا وانّ آدم في الإسلام بعد أنّ أزلّه الشيطان فعصى ربه تلقَّى من ربّه كلمات فتاب عليه [البقرة، 37]. فزالت الخطيئة الأولى في عرف الاسلام بتوبة الله على آدم. وإنما أردنا هنا انّ القرآن لما طهَّر مريم دون تقييد التطهير دخل فيه – لو اعتبرت الخطيئة الأولى – الطهارة منها. ومن العلوم أنّ هذه العقيدة صادفت مقاومة عنيفة من قبل علماء اللاهوت المسيحيين كالقديس توما الأكويني في كتابه "الجملة". ونحن إنما نستشهد بأقوال المؤلفين الغربيين المنصفين، ولو صنعت بحوث جديدة في مدى استفادة المسيحيين من المؤلفات الدينية والصوفية الإسلامية ولا سيما أبان النهضة الأوروبية وبعد ترجمة الكتب العربية بأنواعها المختلفة إلى اللاتينية، كما قلنا، لتبينت حقائق مطموسة. إنّ المؤلفين الغربيين في الوقت الحاضر يقرون بقلة اطلاع الغرب عامة على حقائق الدِّين الإسلامي وبجهلهم به. فقد جاء في كتاب "الصوفية" لمؤلفه وليم ستودارت أنّه: "لبعض الأسباب التاريخية وغير التاريخية كان الغربيون أكثر ألفة للديانتين الهندوكية والبوذية منهم للإسلام. لم يسيء الغربيون فهم الإسلام فقط، بل انّهم به أكثر جهلاً منهم بأي دين غير مسيحي. ويجوز أن يدعى الإسلام بانّه الدين المجهول"[3]. بل إنّ الأوهام والأفكار الخاطئة السابقة قد جعلت مؤلفاً كبيراً في تاريخ الأديان وحقائقها، هو روني غينون، يكتب منذ حين ناصحاً للأوروبيين دراسة الأديان الشرقية مبتدئين بدراسة الديانات الهندية قبل دين الإسلام لما استقرَّ في ذهان الغربيين من تلك الأخطاء والتصورات الضالة عن هذا الدين. نستسيغ هنا لأنفسنا، أن نترجم هذا النص المتأمل المقنع الذي كتبه هذا المؤلف الواعي في كتاب أصبح قديماً بعض الشيء هو "الشرق والغرب"، لعله يفيد في محاولة جادة لتقريب اللقاء وتوطيد التعاون وذلك في بحث عنوانه "التفاهم لا الانصهار"، جاء فيه: "الآن إذ يجب الشروع في دراسة المذاهب الشرقية لايقاظ الفكر الغربي (نتكلم على دراسة حقيقية وعميقة مع جميع ما تقتضيه من تكامل شخصي لدى من يقوم بها لا على دراسة سطحية وخارجية علىمثال ما يفعله المستشرقون)، يلزم أن نشير إلى الدواعي التي من أجلها يستحسن على العموم ايثار بعض تلك المذاهب في البدء على بعضها الآخر. وقد نسأل: لِمَ تتخذ الهند مستنداً أصلياً بدلاً من الصين؟ وكذلك أيضاً لمَ لا نرى من الأفضل أن نرتكز على ما هو أقرب إلى الغرب أي على الجانب الروحي للإسلام؟ إننا نقتصر مع ذلك على تأمل أقسام الشرق الثلاثة هذه، وما بقي في الشرق من العقائد أما أقل أهمية وإما أنّ الغربيين يجهلونه جهلاً كبيراً حتى يغدو شرحه عسيراً قبل أن يسيغوا أموراً أقل بعداً عما اعتادوه من التفكير. أما الصين فثمة أسباب مشابهة لما سبق تحول دون البدء بتأمل مذاهبها مباشرة، ذلك أنّ الأشكال التي تتجلى فيها هذه المذاهب بعيدة حقاً كلّ البعد عن العقلية الأوروبية، كما أنّ طرق التعليم المتبعة فيها تسارع في تثبيط أكثر الأوروبيين موهبة. قلّ مِنْ هؤلاء من يقوى على مثابرة عمل يجري وفق تلك الطرق، ولو أنّ نخبة تهيّأت لتقوم بذلك لوجب تجنّب العقبات التي تنشأ عن مختلف الاحتمالات والتي هي بمزاج العرق أكثر ارتباطاً منها بشوائب الملكات العقلية. إنّ أشكال تعبير المذاهب الهندية، مع أنها أيضاً مباينة كلّ المباينة لما اعتادته العقلية الغربية، هي أقرب إلى الفهم وأكثر استجابة وملاءمة، ونستطيع القول: إنّ الهند في هذا الصدد تشغل مكاناً وسطاً في مجموعة الشرق، فهي ليست شديدة البعد ولا شديدة القرب من الغرب. ولو اننا اعتمدنا على من هو أقرب للغرب لظهرت محاذير وعقبات من نوع آخر ولكنها ليست أقل خطراً، وربما لا يوجد مقابل العقبات والمحاذير مزايا تُذكر، ذلك انّ الحضارة الإسلامية يجهلها الغربيون مثل جهلهم تقريباً للحضارات التي هي أكثر ايغالاً في الشرق، وهم على الأخص لا يدركون جزأها الميتافيزيقي بتاتاً وهو الذي يهمنا هنا، أنّ الحضارة الإسلامية بوجهيها الباطن والظاهر، والروحي والشرعي، وبالشكل الديني الشرعي الظاهر هي أقرب ما يمكن أن نتصوره عن حضارة غربية نقلية (نقلية هنا بمعنى حاصلة عن وحي وتعليم إلهي). لكن وجود هذا الشكل الديني نفسه وهو الذي يقترب به الإسلام من الغرب قد يثير من الغضب ما لا تحمده عقباه، وإن كان لا داعي له حقاً، ذلك انّ العاجزين عن تمييز مختلف الميادين قد يذهب بهم خطأ الظن إلى توهم المنافسة على الصعيد الديني. ولا شك انّه يوجد في نفوس شعوب الغرب (ونجمل فيهم أكثر المفكرين المزيفين) من البغضاء تجاه كلّ ما يتعلق بالإسلام أكثر مما هو تجاه بقية مذاهب الشرق، والخوف عنصر من عناصر البغضاء التي هي أشد ما تكون شراسة في بلاد الانكلوسكسون، هذه النفسية ناشئة عن قلّة الإدراك والفهم ولكنها ما زالت قائمة، فيلزم أبسط التبصر في الانتباه لها إلى حدٍّ ما. انّ النخبة الفكرية التي يراد انشاؤها عليها أن تتغلب على هذا العداء الذي ستصادفه وتصطدم به من كلِّ جانب فلا تزيد فيه بمقارفة أوهام لا تلبث الحماقة وسوء الطوية معاً أن تبثّها وتذيعها، قد يحصل ذلك في جميع الأحوال، ولكن متى تُوقِّعت حَسُنَ تلافيها ما أمكن دون أن يتبع ذلك أذى. ولهذا السبب أبعدنا الاعتماد السياسي على روحانية الإسلام، وهذا لا يمنع بالطبع أن تكون هذه الروحانية من ماهية ميتافيزيقية صرف معادلة لما يوجد في المذاهب الأخرى. ونعيد هنا القول انّ القصد هو ابتغاء الطريقة المثلى التي تراعي مقتضى الحال دون الدخول إلى قضية المبادئ"[4]. هذه بعض شهادات الغربيين التي تعلن جهلهم بالإسلام وبغضاءهم المبدئية لأهله ظلماً وعدواناً، على حين نجد في المقابل كلّ شيء في الدين الإسلامي يدعو إلى لقاء الآخرين وتعارفهم والتعاون معهم في تحقيق القيم الرفيعة، فلابدّ إذن من إزالة الأوهام المساورة لأفكار الغربيين وإبعاد الكراهية والانكار والتشويش وطمس الحقائق مما هو مخالف لروح جميع الأديان. ربما تبدلت الحال لدى الطبقة العالية من العلماء الدين المسيحي في الوقت الحاضر تجاه الإسلام، فقد صدرت وثيقة عن أمانة الفاتيكان في أعقاب مجمع الفاتيكان الثاني بعنوان "توجيهات للحوار بين المسيحيين والمسلمين" تدل طبعتها الثالثة عام 1970 على ذلك التبدل. فقد دعت الوثيقة إلى نبذ "الصور البالية المتوارثة أو التي شوهها الافتراء والأوهام" لدى المسيحيين عن الإسلام واعترفت "بالبغي الذي اقترفه الغرب في مجال التربية الدينية من قَبْلُ على المسلمين"، ونددت بأفكار المسيحيين الخاطئة فيما ينسبونه إلى الإسلام من جبرية وغلواء وتعصب وغيره ووكَّدت وحدة الإيمان بالله بين الديانتين. ولكن تلك الوثيقة لم تكن إلّا هبّة نسيم بليل بين سمائم الرياح الهوج المحرقة التي تغلغلت بين غالبية الجماهير الغربية على طريق الدعاوي الكاذبة والبهتان المفضوح والتحريفات المزيفة والدسائس المغرضة التي نعثر عليها في ثنايا الكتب الغربية. هذا شأن الأخوة المسيحيين فإذا انتقلنا إلى اليهود وجدناهم أشد عداء وأكثر تحاملاً وبغياً على العرب والمسلمين ولا سيما الصهيونيون وهم بما يسيطرون عليه من وسائل الإعلام المختلفة في أوروبا وأمريكا لا يتورعون عن أخطر أنواع الكذب والافتراء والتشويه والتشويش في حقِّ العرب والمسلمين وبكلِّ أسلوب يتسنى لهم. هذا وقد انتبه بعض الباحثين الغربيين المنصفين لمكانة الإسلام الوقت الحاضر تجاه اصطراع الايديولوجيات المتنافرة والمشكلات الحضارية الناشئة. جاء في كتاب "إنسانية الإسلام" للسيد مارسيل أ. بوازار ما يأتي: "بالجملة يبدو الإسلام في العالم المعاصر مرة جديدة جواباً للأسئلة التي يطرحها مصير الإنسانية والمجتمع، انّ تطور الدول السياسي الداخلي يولد حلولاً ويبرز تبدلات خاصة. ولكن الاضطرابات التي هزت البلاد الإسلامية في عقود السنين الأخيرة توكدت فيها أصالتها الإسلامية. وما زالت تلك الحركات تستمد وحيها من التراث المشترك، أنّ أصالة النظام الإسلامي تقوم في تصوره للإنسان الاجتماعي وهو تصور يعارض الشيوعية التي تذيب الفرد في الجماعة ويعارض الليبرالية التي تجعل كلاً من الفرد والمجتمع نداً للآخر، ذلك أنّ التضامن الاجتماعي يحقق احترام حقوق الإنسان ضمن الجماعة وفي خارجها حين يعتبر الإنسان كائناً تابعاً للقانون الدولي. فالإسلام، على عكس المادية الوضعية التي تجرد الإنسان من إنسانيته، يوطد الفكر ويمنع أن تصبح الدولة الآلة الآلي الذي دان به الغرب والذي تجهد لفرضه الدول التي تدعي أنها اشتراكية، ذلك أنّ المسؤولية الفردية بمعناها الملزم عامل كبير في التحرر سيحول دون فقدان الشخص فرديته، ثم انّ توكيد المصير إلى الآخرة من شأنه أن يخضع الدولة للقانون ولا يخضع المرء للجهاز السياسي، وفي هذا النسق الفكري ينوه الإسلام على المستوى الدولي بارتباط الشعوب بعضها ببعض أكثر من كفايتها لذواتها، والخلاصة انّ عقيدة الإسلام تنوه بالاستقامة والسلم العالمي والواقعية والاعتدال وهي كلّها فضائل توائم طبيعة الإنسان الروحية"[5]. مما سلف يستبين لكل ذي عينين ما قدمه الدِّين الإسلامي لبقية الأديان من دعم ومن مدد فكري وروحي وما حملته حضارة المسلمين للغربيين من تصورات ومبادئ واتجاهات إلهية وإنسانية خالدة، كما تستبين مواقف اتباع الدين المسيحي والدين الموسوي الغريبة والعجيبة (إن لم نقل لئيمة) تجاه الدين الحنيف، وتتضح نزاهة بعض الأقلام في الغرب حين تبرز الحاجة إلى دراسة هذا الدين والاستفادة من أنواره في جميع الأحوال والصروف. على اننا في هذا البحث الموجز نحرص على أن نعرض بعض سمات الإسلام الإنسانية والاجتماعية منذ القديم.   العلم والعمل والخير: قال رسول الله (ص): "إنّ هذا الدِّين متين[6] فأوغل فيه برفق". وفي الحقِّ ليس ثمة شيء صالح إلّا دعا إليه ولا شيء ضار إلّا أبعد عنه حفظاً لمصلحة الفرد والمجتمع والدولة والإنسانية، وحسبنا هنا أن نقتصر فنوضح مكانة العلم والعمل والخير فيه. قلَّ أن وجدت حضارة من الحضارات في الزمن القديم أو الحديث رفعت من قيمة العلم وحثت على طلبه وبثّه كالحضارة العربية الإسلامية، ذلك أنّه لما بزغ نور الإسلام دفع الناس جميعاً على اختلاف الأحوال والأعمار إلى طلب العلم والنهوض لتلقّيه وإلى بثه وتعليمه. أوّل الوحي إلى الرسول الكريم طلب قراءة سطور النور المنزل، فلقد كان الوحي في رأينا تلقياً سمعياً وقراءة عينية: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق/ 1)، (وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (التكوير/ 23-24)، كما كانت فاتحة الوحي منته جلّ وعلا على الإنسان بتعليمه ما لم يعلم. ومنذ تباشير الدعوة اتخذ الرسول دار الأرقم بن عبد مناف بن سعد المخزومي مركزاً له ولأصحابه حين كانت الدعوة سرية. فكان المسلمون يلتفون حول الرسول فيها يتلون كتاب الله ويتعلمون مبادئ الإسلام ويحفظون ما يتنزل من سور النور الكريم وآياته. ثمّ أصبح منزل الرسول في مكة بمنزلة المعهد الذي يتلقى فيه المؤمنون القرآن ويستمعون إلى الحديث الشريف. ثمّ غدا المسجد في المدينة غب الهجرة المكان المعهود للعلم والفتوى والقضاء إلى جانب أداء العبادات فيه وعرض الأمور العامة على المسلمين، بل غدا كلّ مجلس يجلسه الرسول ويلتقي فيه أتباع الرسالة مناسبة للتعليم. العلم مجد وشرف وقوة ورفعة ليس فوقها رفعة، والمجتمع مسؤول عن كلِّ علم نافع محمود حتى إذا أعوز علم من العلوم كان فرض كفاية على الناس بحيث يجب أن ينفر فريق منهم لتعلمه واتقانه وتزويد المجتمع به، وإلّا أثموا جميعاً. والعلم حياة للجتمع وللفرد، انّه حياة حقيقية في الحياة وبعد الحياة وقالوا في ذلك شعراً كثيراً نذكر منه هذين البيتين: وفي الجهل قبل الموت موت لأهله *** فاجسامهم قبل القبور قبور وانّ امرأً لم يحي بالعلم ميت *** فليس له حتى النشور نشور قال أبو الأسود: "ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك". وقد شبه فريد الدين العطار النفس بالفراشة لا تصل إلى المعرفة إلّا باحتراقها في الشعلة شعلة العلم. وقد أخذ هذا المعنى الشاعر الألماني غوتي فله قطعة شعرية في كتابه الديوان الشرقي للمؤلف الغربي بعنوان الحنين السعيد تقوم على هذا التشبيه كأنّ النفس تحن إلى الاحتراق حين ترى مشهد النور فإن لم تحترق كانت طيفاً عابراً في هذه الدنيا لا أثر لها ولا خبر. وثمة شعراء وكتَّاب قدماء وحديثون اقتبسوا هذا التشبيه. وكان علماء الإسلام في علومهم التي يتخصصون بها لا يحصرون أنفسهم في حدودها الضيقة. بل كانوا دائماً يتشوقون إلى ما وراء هذه الحدود ويلمون ما استطاعوا بعلوم أخرى متعددة، ولهذا كانت لهم صفات موسوعية إلى جانب اختصاصهم. وقلما نجد عالماً من علماء الإسلام ضيق الأفق اقتصر على علم واحد. قيل للإمام الشافعي: متى يكون الرجل عالماً؟ قال: "إذا تحقق في علم فعلمه وتعرَّض لسائر العلوم فنظر فيما فاته فعند ذلك يكون عالماً" [أحياء علوم الدِّين]. ذلك أنّ أولئك العلماء كانوا يدركون اشتباك جوانب الكون وتراكب عناصره وارتباط بعضها ببعض ضمن وحدته، فإذا درسوا علماً من العلوم يتناول موضوعاً ما انتبهوا إلى احتمال علاقاته بموضوعات العلوم الأخرى وحاولوا استشفافها حباً في كشف هذه العلاقات وفي تطوير علومهم وفي ابتكار شيء جديد، وذلك أنّ من صفات العلم حركته وقبوله للتطور وعدم اكتماله وتاريخيته بمعنى أنّ كلَّ علم هو زبدة العصر الذي ظهر فيه، فكان العالم المسلم متشوقاً نحو الابتكار والاستكمال والاتيان بالجديد يهتدي بنور عقله وذكاء قريحته، قال ابن معسود: "ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم نور يقذف في القلب" [أحياء علوم الدِّين][7]. ومعنى ذلك في رأينا يحفز العالم ما خفي عنه بتوقد قريمته وابتكار الجديد لا الوقوف عندما حصّل. ثمّ انّ العلم في الإسلام يجب أن يقترن بالعمل، ومن عبقرية اللغة العربية انها كونت لفظي العلم والعمل من حروف واحدة لبيان اقترانهما وانّ الواحد لا يتم إلّا بالآخر. وهذا ما يدعى في العربية بالاشتقاق الكبير، ثم انّ كلاً منهما يؤثر في الآخر، وهذا ما يُدعى في الفلسفة الحديثة بجدلية العلم والعمل إشارة إلى التأثير المتبادل بينهما تأثيراً متلازماً وعبَّر علماء الإسلام عن هذه الجدلية بعبارات بديعة كقولهم: "العلم يهتف بالعمل فإن أجابه أقام وإلّا إرتحل"، وقولهم: "ثمرة العلوم العمل بالمعلوم"، وقولهم: "شكر العلم العمل به وشكر العمل زيادة العلم" وفي هذا القول إشارة إلى انّ العلم والعمل كلاهما نعمة! وقد قال عليّ (ع): "قيمة كلّ امرىء ما يحسن". فأخذه الخليل الفراهيدي وهو العالم المبتكر فنظمه شعراً: لا يكون العلي مثل الدنيّ *** لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي قيمة المرء قدر ما يحسن المرء *** قضاء من الإمام عليّ فالإحسان هنا بمعنى العمل المستند إلى العلم والاتيان بالجديد المبتكر. ثمّ انّ العلم أياً كان موضوعه والعمل أياً كان ميدانه ينبغي لهما أن يؤديا إلى مصلحة المجتمع وخدمة الإنسانية وتعليم الناس الخير. فالخير هو الهدف المقصود والغاية المرجوة من العمل والعلم معاً. لقد ورد في الحديث الشريف: "انّ الله عزّ وجلّ وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلّون على معلم الناس الخير". ومن المعلوم انّ الصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن الغير دعاء. ولا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وجميع المخلوقات بالاستغفار والدعاء له. ولهذا كان ثوابه لا ينقطع بموته، وانّ دعاء الإنسان لأخيه الإنسان من الخير، فكيف بدعاء الملأ الأعلى ودعاء الورى وبالهام الحيوانات الاستغفار والدعاء له. وذلك لفضل العلماء وعملهم وإرشادهم وهو سبب لانتظام أحوال العالم. وذكر النملة والحوت بعد ذكر الثقلين تعميم لجميع أنواع الحيوان. وفي التعبير الحديث نقول: على العالم أن ينتبه للتوازن الحيوي فوق الأرض فلا يقع فيها تلوث ولا إجحاف ولا تخريب لأنّ العلم والعمل مَسُوسان بالخير العام ومسيّران نحوه. ثمّ انّ العالم العامل الذي يعلم الناس الخير يغدو قدوة لغيره من الناس. هنا نأتي إلى فكرة الأستاذ القدوة التي هي من مزايا الحضارة الإسلامية، ذلك أنّ الناس يعيشون على الاقتداء بأفاضلهم وأعيالهم كما نوه بذلك ابن خلدون قديماً وكما أشاد بذلك أيضاً المفكر الفرنسي تارد حديثاً، فبالاقتداء الذي يؤلف غالبية الشبكة الاجتماعية يسري الخير في نفوس الناس وتسري المحبة والتضامن كما يسري النسغ الحي في نسج النبات في أبان الربيع. إنّ تضافر العلم والعمل والخير يجعلنا نفهم كلمة مفكر مسلم قديم (هو أبو يزيد البسطامي) تبدو غريبة مستهجنة في ظاهرها وهي: أشد الناس حجاباً عن الله ثلاثة: عالم بعلمه وعابد بعبادته وزاهد بزهده، ذلك بأنّ العالم في رأينا إذا وقف عندما يعلم كان علمه محدوداً وغاب عنه ما وراء حدود علمه، والعابد إذا اقتصر على عبادته دون أن يخدم مجتمعه لم تنفعه العبادة الشخصية وحدها لأنّ غالبية العبادات إن لم نقل كلّها ذات صفات اجتماعية تتعلق بتحسين المجتمع وتجويد العلاقات الإنسانية والسعي في الخير المجتمع، والزاهد بانصرافه عن عمارة الدنيا التي هي سبيل الخلود تقل موازينه في ميدان العمل المثمر، وكلّ تجافٍ عن النظر في الكون والبحث في أسراره وعن التعاون مع الناس انما هو تباعد عن السنن الطبيعي وتنكب عن جوهر الإنسان، ولقد كان علماء الإسلام حراصاً على الإفادة من الزمن والخوف من فواته، كلّ ساعة عندهم وسيلة من وسائل الغنى العلمي والمادي، قالوا: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. وقال الجنيد: "الوقت إذا فات لا يستدرك، وليس شيء أعزّ من الوقت". وقد كتب أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل". وقد نجد في التراث مواقف وأقوالاً غريبة وعجيبة ورائعة في تقدير الوقت خشية فواته وفي محبة العلم والحرص عليه. روي عن عامر بن قيس أحد التابعين انّ رجلاً قال له: كلمني (وعرف خواء حواره) فقال له هامر: امسك الشمس، أي أنّ الزمن لا يقف فتجب الإفادة منه وعدم إضاعته سدى.   العرفان الإسلامي أيضاً وقيمة الإنسان فيه: لقد هيأ الإسلام رجالاً روحانيين تبوؤا أعالي المراتب في العرفان ورفعوا مكانة الإنسان فوق كلّ مكان ويسرنا هنا أن نعتمد آراء مفكر صوفي مشهور وهو عبدالكريم الجيلي في كتابه "الإنسان الكامل" فهو في جملة ما يستند إلى حديث قوي يعتمده الصوفية لقوة معناه وهو: "ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن". فالوسع هنا ثلاثة أنواع: وسع المعرفة بحقائق الأشياء وهو أصل العلم، ووسع المشاهدة وإطلاع القلب على المحاسن والجمال وهو أصل الفن، ووسع الخلافة خلافة الإنسان على الكون وهو أصل العمل وأصل الأخلاق الفاضلة والسياسة الحكيمة الخيّرة. وهكذا نفهم سرّ هذه النجوى نجوى التجليات من خلال هذا النص الذي نقدمه وهو من أجمل النصوص التي عرفناها يخلع على الإنسان الذي هو أخو الإنسان أياً كان صفة علوية فائقة في شتى وجوه نشاطه ومختلف جوانب حياته. جاء في باب تجلي الصفات: "فمن المكلمين من تناجيه الحقيقة الذاتية من نفسه فيسمع خطاباً لا من جهة بغير جارحة، وسماعه للخطاب بكليته لا بأذن فيقال له: أنت حبيبي، أنت محبوبي، أنت المراد. أنت وجهي في العباد، أنت المقصد الأسنى، أنت المطلب الأعلى. أنت سري في الأسرار، أنت نوري في الأنوار، أنت غيبي، أنت زيني، أنت جمالي، أنت كمالي، أنت اسمي، أنت ذاتي، أنت نعتي، أنت صفاتي، أنا اسمك، أنا رسمك، أنا علامتك، أنا وسمك، حبيبي! أنت خلاصة الأكوان والمقصود من الوجود والحدثان، تقرب إليّ بشهودي فقد تقربت إليك بوجودي، لا تبعد فإني أنا الذي قلت: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، لا تتقيد باسم العبد، فلولا الربّ ما كان العبد، أنت اظهرتني كما أنا اظهرتك، فلولا عبوديتك لم تظهر لي ربوبية، أنت أوجدتني كما أنا أوجدتك، فلولا وجودك ما كان وجودي موجوداً، حبيبي! الدنّو الدنّو، حبيبي، العلوّ العلوّ، حبيبي! أردتك لوصفي واصطنعتك لنفسي، فلا تُرد نفسك لغيري، ولا تُرد غيري لك، حبيبي! شمني في المشموم، حبيبي! كلني في المطعوم، حبيبي! تخيّلني في الموهوم، حبيبي تعَقَّلني في المعلوم، حبيبي! شاهدني في المحسوس، حبيبي! المسني في الملموس، حبيبي! البسني في الملبوس، حبيبي! أنت المراد بي، أنت المكني بي، أنت المكني عنه به، ما ألذّها من معاطفة! ما أحلاها من ملاطفة... ... أنا المراد بك، أنا لك لا لي، أنت المراد بي، أنت لي لا لك، حبيبي! أنت نقطة عليها دائرة الوجود، فكنت أنت العابد فيها والمعبود، أنت النور، أنت الظهور، أنت الحسن والزين كالعين للإنسان والإنسان للعين". الخلاصة انّنا نجد الإسلام يدفع إلى العلم والعمل واتقانهما في سبيل خير الإنسانية وخير العالم اجمع، وينوه بقيمة الإنسان أي تنويه ويرفعها أي رفعة، ويجعلنا نقبل على الدنيا وعلى العالم كلّه بحبٍّ وإخلاص وسعي وتفهم، ذلك انّ الدنيا سبيل الخلود وسبيل البقاء. والناس في حياتهم هذه الأولى مسؤولون عن عمارتها وتوطيد أركان السلام وإقامة العدل وإسباغ الخير العام على أنفسهم وعلى جميع المخلوقات ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وذلك على الرغم من التناقضات وتشتت الأهواء وتفاوت العقبات في كلِّ ميدان، انّ الإسلام بنوره الوقاد الهادي كفيل أن ينير بالإيمان والنظر والتأمل كلّ سبيل.   خاتمة: إذا صح لنا نحكم على أتباع الأديان الثلاثة لا على الأديان أنفسها كان حكمنا قاسياً، ذلك انّه يمكن اعتبار الدين من بعض الوجهات، كالعلم والفن والأدب، صيغة فوقية بالنسبة لحياة الناس المادية التي هي صيغة تحتية، وعندئذٍ لو نظرنا إلى الأدباء والفنانين والعلماء في مختلف الأقطار ومتباين الشعوب لوجدناهم يقدّر بعضهم بعضاً ويسعى بعضهم أن يستفيد بطريق ما من بعض، الشاعر مثلاً يقرأ شعراء البلاد الأخرى ويسعى أن يدرك في أشعارهم جمالها الفني ويتحرى ما يثوي وراءها من إبداع شاعري ليصل إلى ينبوع الأصالة وسرّ الامتاع ومهبط الإلهام. هذا هو موقف الشاعر ذي الموهبة الحقيقية التي يريد أن ينميها بالإطلاع على أعمال أمثاله الآخرين والإعجاب بها، ويشق طريقاً جديداً مبتكراً إلى مصدر القيم الرفيعة، وقل مثل ذلك في الفنانين عامة وفي رجال العلم. نحن نتمنى لرجال الدين أياً كانوا وإلى أي دين انتسبوا أن يبرهنوا على صحة دينهم وورعهم بالإطلاع الصادق الحصيف الواعي، لا الخارجي ولا المتكبر، على حقائق الأديان الأخرى بغرض الفهم والإفادة لا بغرض التحريف والتشويه والتنزييف. إنّ صحة ورعهم مرهونة بالشهادة الأمنية لغيرهم من اتباع الديانات الأخرى لا بمحاولة الحط من غيرهم خدمة متوهمة لمصالح قومية عارضة واستعمارية غاشمة واقتصادية ظالمة، عندئذٍ تلتقي الديانات جميعاً ولا سيما التي هي من أرومة واحدة، ويزداد اتجاهها الصحيح نحو غايتها السامية وذلك لخير الإنسانية جمعاء ولإ يجاد حلول لمشكلاتها الناشبة، في هذا يتم اللقاء الصحيح القائم على الاحترام المتبادل، ثمّ يتضح عند تدقيق النظر والإيغال في البحث انّ الإسلام بين الأديان كالشمس بين الكواكب.   الهوامش:
[1]- حديث من قول جبريل للرسول: "انّ الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك...". [2]- Paul Olagnier sur L’Esthetique, Paries, Librairie generale de droit et de jurisprudence 1945, p.123. [3]- William Stoddart Sufism, Thorsons Publishers Limited, 1976, p.21. [4]- Rene Guenon, Orient et Occident, Payot, Paris 1924, pp.222-224. [5]- Boisard, L’humanisme de I,Islam, pp.391-392. هذا وترهات العالم الغربي عن الإسلام والمسلمين كثيرة جدّاً في القديم والحديث وحسبنا هنا أن نشير إلى كتاب، 1980، فيه اثارة وكذب وبهتان مما يخفض من شأن مؤلفه جيمس أ. متشنر ويجعله هدفاً للسخرية وهو كتاب (الميثاق): (James, A.Mitchner, The Covenant, Random House, N.Y. 1980). وقد ورد في الصفحة 27: "المسلمون هؤلاء أعداء المسيح الدائمون الكريهون"، وفي الصفحة 78 يشير المؤلف جازماً إلى انّ محمداً هو إله المسلمين يعبدونه، وكثيراً ما يُنْسب إلى القرآن أقوال غريبة منها هذه النادرة التي قرأناها في كتاب فرنسي لم نسجل عنوانه ولا اسم مؤلفه لهوانهما: "اضرب زوجتك: إن لم تعرف أنت السبب فانها تعرفه". وآخره الأثافي رواية: "آيات شيطانية" التي كتبها المنحرف المنسلخ عن أصله سلمان رشدي والضجة التي أثارها الغربيون حولها، وهي لا تعدو كونها سبَّة في جبين الأدب والتاريخ، وضحكة يضحك العقلاء والمهذبون منها ومن مؤلفها المرتدّ. [6]- أخرجه البزار عن جابر.

[7]- ج1، ص49.

   المصدر: مجلة الغدير/ العددان 12 و13 لسنة 1991م

ارسال التعليق

Top