• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحجّ.. أكبر مؤتمر إسلامي

الحجّ.. أكبر مؤتمر إسلامي

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) (آل عمران/ 97).

صوت هادر مؤمن ثابت يتصاعد من ملايين الحناجر "لبيك اللّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبين، إنّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك لا شريك لك".

عيون تنظر إلى السماء وأيد متضرعة لله – عزّ وجلّ تطلب العون والمغفرة، وملايين البشر من شتى أنحاء العالم.. يطوفون حول البيت العتيق مزودين بتقوى الله تعالى، ليؤدوا فريضة الحج الواجبة على مَن استطاع سبيلا.

وفضلاً عن كون هذه الفريضة واجبة، فإنّ لها منفعتان: منفعة فردية دنيوية وأخروية، ومنفعة جماعية تتحقق لما فيه خير جميع المسلمين المؤمنين.

انّ أولى المنافع الفردية التي يستحصل عليها المؤمن في الحج هي تحقيق الحلم الذي كان يراوده طيلة فترات صلاته اليومية، حيث كان يتمنى أن يقف بين يدي الله سحبانه وتعالى في بيته الحرام، وأن يشاهد قبر رسول الله (ص) عن كثب مقترباً منه بالدعاء إلى الله، كذلك مشاهدة الكعبة المشرّفة مشاهدة حيّة ليصلّي عندها فيمتلئ قلبه إيماناً على إيمان وتتوثق مشاعره بعظمة الخالق عزّ وجلّ.

كذلك، فإنّ هذا التزوّد بالتقوى له منفعة أخرويّة تعود على المؤمن بحيث انّه يدّخر ليوم الحساب رصيداً تقياً ينفعه في الآخرة الأبدية، هذا الرصيد الخالص لله يمحي الكثير من الذنوب والخطايا التي حملها المسلم في دنياه.

وفي حديث عن رسول الله (ص) أنّه قال: "انّ داود النبيّ قال: إلهي، ما لعبادك عليك إذا هم زاروك في بيتك؟ قال: انّ لكلِّ زائر حقاً على المزور، يا داود لهم عليّ حقّ إن أعافيهم في الدنيا، واغفر لهم إذا لقيتهم".

وبعد، فماذا يطلب المؤمن أكثر من أن يكون معافياً في الدنيا، ومغفورة خطاياه في الآخرة؟!..

ولا نغفل هنا، انّ من أهم وأعظم الفوائد الجماعية في الحج أنّه يعدّ من أكبر المؤتمرات الإسلامية التي قد تعقد بين المسلمين للالتقاء مع بعضهم البعض، ولبحث ما فيه خير جماعتهم فإذا كانت صلاة الجماعة في المساجد خير من الصلاة الإفرادية بسبع وعشرين درجة، لأنّها تجمع بين المسلمين وتؤلف بينهم دون تفرقة أو تمايز، فكيف بالتالي ذلك اللقاء الذي يتم بين يدي الله سنوياً ويجتمع فيه مئات الألوف من البشر؟

انّ هذا المؤتمر الإسلامي السنوي الضخم، انما يمثل جموع المسلمين في شتى أنحاء الأرض، لذلك وجب على هؤلاء المؤتمرين ذوي التقوى والإيمان أن يهتموا بمن يمثلوهم في شتى الأمصار وذلك من خلال بحث القضايا المصيرية والمشاكل التي يعاني منها المسلمون، والعمل على إيجاد الحلول الملائمة لهذه القضايا والمشاكل على اختلاف الأوطان، ضمن إطار الإيمان والتآخي والمحبة ووفق قاعدة "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص".

انّ القضايا التي تهم المسلمين كثيرة ومتنوعة، وتزداد في وقتنا الراهن عمقاً على عمق، وهي بحاجة إلى مؤتمرات إسلامية موسّعة كالتي تحصل بالحج، بعيداً عن المنفعة الفردية والآفاق الضيقة ووصولاً نحو الخير العميم لكلِّ المسلمين، حيث يكون هذا التلاقي عميقاً وشاملاً للوصول إلى الغاية الفعلية كاملة كما أرادها الله تعالى من تكريسه هذه الفريضة، ألا وهي تطهير المسلم من ذنوبه وخطاياه لتصبح نفسه خالصة لوجه ربه وإيجاد الحلول الملائمة لأوضاع المسلمين في العالم والنهوض بهم بشكل أفضل.

والدين الإسلامي لم يكن في يوم من الأيام بعيداً عن المجتمع وقضاياه بل هو المرجع الصالح في إيجاد الحلول الملائمة لمختلف المعضلات، وهو يحضّ على التعاون والتعاضد والتآزر، والحج مناسبة كبيرة يتفاعل فيها المسلمون ويتكاملون في الآلام والآمال.

 

المصدر: مجلة الموقف/ العدد 4 لسنة 1403هـ

ارسال التعليق

Top