• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تراث علّم بالقلم

د. عبدالعلي الجسماني

تراث علّم بالقلم

◄ما أحفل القرآن بالإيحاءات والبلاغات! فهذا الكتاب السماوي يأخذ قارئيه بتدبّر إلى غايات عُليا لا حصر لها أساسها الإيمان بخالق الأكوان؛ مع صوادع البرهان على ما في الآفاق من آيات هي في النهاية معجزات خوالد تهدي الإنسان إلى الحكمة والعمل في آنٍ.

إنّ ما في هذا الكون من نظام وإحكام قد استلفت وما فتئ يستلفت العقول بالانتباه إلى ما يحيط بالإنسان وآفاقه من آيات تستوجب التفكير، وتوحي بالعمل، وتستدعي التدبير.

إنّ ما يجب تدبّره في زماننا هذا وفيما ستليه من أزمان هو أن نجعل تراثنا وأساسه القرآن تراث علم وعمل.

قال أبو عبدالرحمن السلمي: (حدّثنا الذين كانوا يقرئوننا أنّهم كانوا يستقرئون من النبيّ (ص).. وكانوا إذا تعلّموا عشر آيات لم يُخلِّفوا حتى يعملوا بما فيها من العمل؛ فتعلّمنا القرآن والعمل جميعاً).

والسؤال الآن: كيف يمكن أن نجعل من القرآن وبما يوحيه من خواطر روحية، أو اجتماعية، أو إنسانية، ليكون كتاب علم وعمل؟

وسؤال آخر مكمّل للسؤال السابق: كيف يمكن أن نستثمر تراثاً مستخلصاً من وحي القرآن ليكون منهاجاً تعليمياً وتربوياً لأجيالنا الحاضرة والمستقبلية؟.

اجتهد العرب المسلمون فيما يقتضيه الدِّين الجديد، وتفقّهوا وتفلسفوا وفلسفوا روح المرحلة النادرة في حياتهم. إذ إنّهم صدعوا بمهمّة مسؤولية فريدة لم يعهدوها من قبل.

لذلك فإنّ مَن يؤرِّخ من المستشرقين للفكر الإسلامي الجديد وفلسفته يرى، محقاً، (.. الفلسفة الإسلامية.. تعيين مرحلة مهمّة في تطوّر الفكر الإنساني في جملته. كما أنّ جهد الفلاسفة المسلمين يبدو محاولة نبيلة لكي يتجاوز الإنسان حدود نفسه، ويحقِّق رغبته في الاتحاد بالله، وينظِّم الدولة من أجل إسعاد الإنسان. وهكذا فإنّ الروح التي كانت تحدوهم تستحق البقاء).

ومن ناحية أخرى فإنّ الأعمال الكبرى التي خلّفها علماء الإسلام في مختلف الميادين (ستظل تستحوذ على إعجاب كلّ أولئك الذين تستجيب قلوبهم للجمال ويتعطّشون إلى المطلق. فهم يستطيعون أن يجدوا فيها عندما تتاح لهم الفرصة غذاءً لتشوّقهم الروحي. أفليس هذا أفضل دليل على خلود أعمالهم؟).

افتتن العرب المسلمون أيما افتنان باللغة والبيان والمعاني، فأبدعوا. وزادهم إبداعاً رغبتهم في مجاراة القرآن بلاغة وبياناً. بدأنا استهلالاً بـ(علّم بالقلم) من سورة العلق. فرمق البلاغيون ما في سمائها من بلاغة وجمال:

1- ففي قوله تعالى: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) (العلق/ 16)، مجاز عقلي، فقد وصف الناصية بالكذب والخطأ، والحقيقة: صاحبها، وذلك أبلغ من أن يضاف، فيقال: ناصية كاذب خاطئ؛ لأنّها هي المحدَّث عنها.

2- وفي قوله تبارك وعلا: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ) (العلق/ 17)، مجاز مرسل، والمراد: أهل النادي، فالنادي لا يدعى، وإنما يدعى أهله، فأطلق المحل وأريد الحال، فالمجاز مرسل علاقته المحلية، والنادي هو: المجلس الذي ينتدي فيه القوم، ولا يسمى المكان نادياً حتى يكون فيه.

التراث الإسلامي تراث أصيل يتقبّل صفاء الفكر، ويحتضن نصاعة الإيمان الروحي، ويرفض الخرافة أياً كان مصدرها.

تبيّن علماء الإسلام في مطالع عهدهم بالدِّين الجديد أنّ العالم الذي يجب أن يعيشوا فيه ينبغي أن يكون واضح الصورة بيّن المعالم. ذلك أنّ النداء الذي تلقّوه عن صاحب الرسالة (ص) يدعو إلى إزالة الغشاوة عن الأبصار، ومحو الخرافات وطمس الضلالات. فأدركوا أنّ لعالمهم الجديد عناصره الخاصّة، وله خصائص ثابتة، وللعلاقة بين بعضها والبعض الآخر قوانين محكمة:

غير أنّ بعض المتدينين يلبس هذا بذاك فلا تتماسك في ذهنه صورة دقيقة للحياة وسننها، بل تتحوّل المادّة وصفاتها وقوانينها إلى سائل رجرج يتساوى فيه الممكن والمستحيل...

وما نقول في فقيه يفترض أنّ الميت غسل نفسه غسل الجنازة؟ وآخر يقود قافلة مشيعيه كيف يشاء؟

ولقد انتشر هذا اللغو في أعصار وأقطار شتّى فوقت تقدّمها العلمي ورسب في الأذهان أنّ حقائق الأشياء غير ثابتة، وأنّ قوانين الكون غير مضبوطة. والغريب أنّ عدداً من المؤلفين في فروع الثقافة الإسلامية أذنوا لهذا الباطل أن يشيع. ويستحيل أن ترقى أُمّة يسودها هذا الفكر المكذوب.

اقرأ هذه الأقوال المنسوبة إلى المتصوفين، وانظر هل يبقى بعد تصديقها مجال لارتقاء كوني، أو تقدّم صناعي وكيميائي؟

زعم الخواص أنّه كان يركب حماره، وكان يضربه، فرفع الحمار رأسه وقال للخواص: اضرب، فإنّك هو ذا تضرب على رأسك.

وزعم غيره أنّ حيّة سقطت على الجيلاني، وهو يدرس، ثمّ قامت بين يديه، تكلّمه بكلام لا يفهمه سواه. وأنّ تمساحاً ابتلغ صبياً، فناداه الدسوقي، فخرج يمشي من البحر ووضع الطفل بين يدي الشيخ. وزعم القشيري أنّ بعض شجر الرمان خاطب إبراهيم بن أدهم، ورجاه أن يأكل من ثمره، فلم يفعل ابن أدهم، فكرّر شجر الرمان وجاءه ثلاث مرات. ثمّ توسّل شجر الرمان إلى رفيق ابن أدهم أن يشفع في هذا الأمر؛ فشفع. فتناول إبراهيم رمانتين!! وأنّ صوفياً ركّز رمحه في الأرض، فجاء طير ووقف عليه، وأخبره عن سرية كانت تقاتل في أرض الروم أنّها سلمت وغنمت، وأنّها ستعود في يوم كذا، فسأله الصوفي: مَن أنت؟ فأجابه الطير أنا مذهب الحزن من قلوب المؤمنين.

(حكى عن أبي جعفر الأعور أنّه قال: كنت عند ذي النون المصري، فتذكّرنا حديث طاعة الأشياء للأولياء، فقال ذو النون: من الطاعة أن أقول لهذا السرير يدور في أربع زوايا البيت، ثمّ يرجع مكانه، فيفعل! قال: فدار السرير في أربع زوايا البيت، وعاد إلى مكانه).

ويقصّ القشيري أيضاً عن ذي النون المصري أنّه أقسم على شجرة ليس فيها رطب أن تنثر رطباً جنياً، فنثرت، ويقصّ أنّ حيّة في فمها طاقة نرجس كانت تروح بها على ابن أدهم وهو نائم، وأنّ أبا تراب النخشي عطش أصحابه، فضرب برجله الأرض، فانفجرت عين من ماء زلال، فقال أحدهم: أريد في قدح، فضرب النخشي بيده إلى الأرض ثمّ رفعها، وفيما قدح من زجاج أبيض كأحسن ما رأى الشاب.

وأنّ شاباً صوفياً اتّهمه ذو النون المصري بالسرقة وهما في سفينة، فقال له الشاب: أليَّ تقول ذلك؟ أقسمت عليك يا ربّ ألا تدع واحداً من الحيتان إلّا جاء بجوهرة. قال ذو النون: فإذا وجه الماء كلّه حيتان في فم كلّ منها جوهرة!!

وأنّ جماعة أنكروا الكرامات فخرج إليهم صوفي يركب أسداً ويقول: أين المنكرون؟!

ويقول الغزالي: كان أبو الخير التيناني مشهوراً بالكرامات، وأنّ إبراهيم الرقي صلّى وراءه المغرب، فوجد أنّ التيناني لا يحس قراءة الفاتحة، فقال الرقي في نفسه قد ضاعت سفرتي، ثمّ خرج إلى الطهارة فهاجمه سبع، فعاد إلى التيناني، وأخبره بما حدث من السبع، فخرج التيناني وصاح بالأسد: ألم أقل لك: لا تتعرّض لضيفاني؟ فتنحّى الأسد، فتطهر الرقي، ورجع التيناني، فقال له: اشتغلتم بتقويم الظاهر، فخفتم الأسد واشتغلنا بتقويم الباطن، فخافنا الأسد!

ونقل القشيري عن أبي عمرو الأنماطي قوله: كنت مع أستاذي في البادية فأخذنا المطر، فدخلنا مسجداً نستكن فيه، وكان بالسقف خلل، فصعدنا السطح، ومعنا خشبة نريد إصلاح السقف، فقصر الخشب عن الجدار، فقال أستاذي: مدّه فمددتها فركبت الحائط من ههنا، وههنا. وذكر أيضاً أنّ صوفياً أمر جبلاً، فتحرّك، فقال له: اسكن، لم أدرك، فسكن. ونقل عن الواسطي قوله: انكسرت السفينة، وبقيت أنا وامرأتي على لوح وقد ولدت في تلك الحالة صبية، فصاحت بي، وقالت لي: يقتلني العطش، فقلت هو ذا يرى حالنا، فرفعت رأسي، فإذا رجل في الهواء جالس. وفي يده سلسلة من ذهب. وفيها كوز من ياقوت أحمر، وقال: هاكما اشربا، فأخذت الكوز وشربنا منه، وإذا هو أطيب من المسك، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، فقلت: مَن أنت يرحمك الله؟ فقال عبد لمولاك، فقلت: بِمَ وصلت إلى هذا؟ فقال: تركت هواي لمرضاته، فأجلسني في الهواء.

وينقل عن صوفي بالبصرة أنّه كان إذا خطرت على سرِّه مسألة، سأل شيخه عنها، فيجيبه عنها من اصطخر!.. على بُعد المسافة، وقال أحد تلاميذ الكرخي إنّه رأى في وجه أستاذه إصابة لم تكن فيه من قبل فسأله عنها، فأخبره الكرخي أنّه اشتهى ذات ليلة - وهو بالعراق - الطواف حول البيت، فطار إلى مكّة، ثمّ أراد أن يشرب من زمزم، فزلّت قدمه على بابها، فأُصيب وجهه!..

وكان بشر الحافي يمشي على الماء. ومات صوفي في سفينة، فجهّزه الناس وهموا بإلقائه في البحر، فجفّ البحر واستقرّت السفينة على أرضه، فنزلوا وحفروا له قبراً، ودفنوه، فلما فرغوا، استوى الماء فارتفع المركب. وهمّ شاب بسلب ثوب إبراهيم الخواص فأشار إبراهيم إلى عينيه فسقطتا!!

وزعم أنّ الآجري قذف بثوبه وبثوب يهودي في النار، ثمّ اقتحم أتون النار، وأمسك بالثوبين، وخرج من باب آخر للأتون دون أن يمسّه شيء!

ويظل القشيري ينعق بهذه الأساطير حتى يسود بها أكثر من ست عشرة صفحة من رسالته، في كلّ صفحة قرابة أربعين سطراً.

بأي حقّ يأخذ هذا اللغو الفارغ طابع الدِّين؟ وبأي وجه يروّجه الملتاثون بين صفوف المؤمنين؟

لقد كان من رحمة الله بالأُمّة الإسلامية أنّ النبيّ وأصحابه وتابعيهم بإحسان لم يعرفوا هذه الظلمة، فسعدت بهم الدنيا ورشدت بهم الحياة. وبلغوا أمانات الوحي بصدق، وغرسوها في أرجاء الأرض بقدرة، فكانت الحضارة الإسلامية بركة على الإنسانية كلّها...

ولو أنّ تلامذة محمّد - حماهم الله - غرتهم هذه الأوهام عن الكون والكائنات ما فتحوا مصراً، ولا هدوا قطراً، ولا أعقبوا أثراً.

وأنّه ليحزننا أنّ أجيالاً من المسلمين ظنّت مادّة الكون عجينة يشكّلها بعض الناس كيف يشاء، فليست لها سمات معتادة ولا قوانين مطردة...

وأنّه يحزننا أنّ مَن تقرّبوا إلى الله ببعض العبادات يتصوّرون أنّ قرباتهم تنقض لبنات الكون وتشيع في نظامه الفوضى.

والأغرب من ذلك أن يظلّ هذا التصوّر المعتل قائماً في خُطب في بعض الناس ومقالاتهم، في الوقت الذي طفر فيه العلم المادّي فغاص في أعماق الذرة وغاب في أجواز الفضاء.

ومَن تقلب في علو الكون وسفله يتدبّر سُنن الفطرة وعجائب الخلق ويعود من هنا وهناك بالروائع.

والإسلام دين يطارد الخرافة من الفكر، والرذيلة من القلب، والزيغ عن الخطو، والشرود عن السيرة.

يستنتج من هذا أنّ المسلمين قد ساروا على الدرب الذي ارتضوه لأنفسهم، وتقبّلوا ما هم له مهيّئون، فكانوا مرجوِّين لمستقبل مهيب. أحسّوا بمشاعل الأنوار تتشعّع في أعماق وجدانهم، واستشعروا الأمل في أن يفرضوا وجودهم على الدنيا لينيروا حوالك الحياة بالفقه والعلم والأدب. لقد منحهم الإيمان المصفّى صفاءً في الأذهان ورواءً في الرؤى.

احتفى المسلمون بالقرآن احتفاء هو به جدّ خليق. فبالإضافة إلى ما وجدوه فيه من روائع اللغة والبيان، وهم أهل هذه الصناعة لا جدال، فإنّهم تعلّقوا به أكثر لأسباب جمّة أهمها هداية الأرواح إلى غايات الإيمان، فانقذ بذلك النفوس من أتاويه الضلالة والضياع.

وقد أثبتت الدراسات النفسية أنّ ضياع النفس، مهما تكن الأسباب، ينكفئ على الفرد نفسه مسخاً وضلالاً، وعلى المجتمع الذي هو فيه، شرّاً ووبالاً.

وقد أسهب العلماء المسلمون، في بحوثهم النفسية وطبها وتطبيبها. منهم مثلاً ابن سينا، والكندي، وابن رشد، ومسكويه. ففي: تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، يقول مسكويه في المقالة السابعة: "الطب النفساني":

(في ردّ الصحّة على النفس إذا لم تكن حاضرة، وهو القول في علاج أمراضها. ونبتدئ بمعونة الله تعالى بذكر أجناس هذه الأمراض الغالبة، ثمّ بمداواة الأعظم فالأعظم منها نكاية، والأكثر فالأكثر جناية، فنقول: أمّا أجناسها الغالبة فهي مقابلات الفضائل الأربع.

ولما كانت الفضائل أوساطاً محمودة وأعياناً موجودة أمكن أن تطلب وتقصد وينتهي إليها الحركة والسعي والاجتهاد، وأمّا سائر النقط التي ليست بأوساط فإنّها غير محدودة ولا أعيانها موجودة، ووجودها بالعرض لا بالذات؛ ومثال ذلك أنّ الدائرة لها مركز واحد وهي نقطة واحدة، ولها وجود في ذاتها يقصد ويشار إليها، فإن لم نجدها حساً أو لم يمكننا الإشارة إليها أمكننا أن نستخرجها ونقيم البرهان على أنّها هي المركز دون غيرها من النقط.

وأمّا النقط التي ليست بمركز فإنّها لا نهاية لها ولا وجود لها بالذات، وإنّما توجد إذا فرضت فرضاً، وليست لها عين قائمة فلذلك لا نقصد ولا يمكن استخراجا، لأنّها مجهولة ولأنّها شائعة في جميع الدائرة. وأمّا الطرفان اللذان يسميان متضادين فهما موجودان معينان، لأنّهما طرفا خطّ مستقيم معين، والبعد بينهما غاية البُعد، مثال ذلك: إنّا إذا أخرجنا من مركز الدائرة خطّاً مستقيماً إلى المحيط صار طرفان محدودين أحدهما المركز والآخر نهايته عند المحيط، والبعد بينهما غاية البُعد. ومثاله من المحسوس البياض والسواد، فإنّ أحدهما يضاد الآخر، وهما محدودان والبُعد بين الضدين غاية البُعد. فأمّا الأوساط التي بينهما فهي بلا نهاية، وكذلك الألوان هي بلا نهاية. وأمّا أطراف الفضيلة فلما كانت أكثر من واحد لم تسم ضداً، لأنّ لكلّ ضد ضداً واحداً، ولا يمكن أن توجد أضداد كثيرة لضد واحد، والسبب في ذلك أنّ البُعد بينهما غاية البُعد.

وقد نجد للفضيلة الواحدة أكثر من طرف واحد، وذلك إذا تصوّرنا الفضيلة مركزاً وأخرجنا منه خطّاً مستقيماً فحصلت له نهاية أمكننا أن نخرج من الجانب الآخر المقابل له خطّاً على استقامته، فتصير له نهاية أخرى ويصيران جميعاً مقابلتين للمركز الذي فرضناه فضيلة، إلّا أنّ إحداهما تجري مجرى الإفراط والغلو، والأخرى تجري مجرى التفريط والتقصير. وإذ قد فهم ذلك فليعلم أنّ لكلّ فضيلة طرفين محدودين يمكن الإشارة إليهما وأوساط بينهما كثيرة لا نهاية لها، ولا يمكن الإشارة إليها، إلّا أنّ الوسط الحقيقي هو واحد، وهو الذي سميناه فضيلة، ثمّ ليعلم أنّا بحسب هذا البيان نجعل أجناس الشرّ رذائل ثمانية لأنّها ضعف الفضائل الأربع التي تقدّم شرحها وهي هذه: التهور والجبن طرفان للوسط الذي هو الشجاعة والشره والخمور طرفان للوسط الذي هو العفة، والسفه والبله طرفان للوسط الذي هو الحكمة، والجور والمهانة أعني الظلم والانظلام طرفان للوسط الذي هو العدالة، فهذه أجناس الأمراض التي تقابل الفضائل التي هي صحّة النفس، وتحت هذه الأجناس أنواع لا نهاية لها).

ومن فضائل القرآن على المسلمين بخاصّة والإنسان بعامّة أينما كان، أنّه وجه عناية الباحثين إلى ما في الكون من (الظاهرات الطبيعية المتنوعة الكثيرة..) كما ذكر الطبيب الفرنسي موريس بو كاي، ويضيف قوله:

(خلاف ندرتها في العهدين: القديم.. والجديد.. لقد قمت أوّلاً بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أي فكر مسبق، وبموضوعية تامة، باحثاً عن درجة اتفاق نصّ القرآن ومعطيات العلم الحديث.. وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي، استطعت أن أحقِّق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها: أنّ القرآن لا يحتوي على أيّة مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث).►

 

المصدر: كتاب القرآن وعلوم الإنسان (مناهج وآفاق فضل القرآن على التراث وبلاغة البيان)

ارسال التعليق

Top