استعمال الحاسوب للاستعانة في معرفة رسائل رسول الله (ص)
قمنا في هذا البحث بجرد الألفاظ المستعملة في رسائل النبي (ص)، والتي لها وجود في كتاب واحد على الأقل، من بين هذه الألفاظ نذكر (الرحمن، الرحيم، الأجر، الأهل، الكافرون، أسلم، أدعو...).
ثم قابلنا هذه المجموعة بمجموعة رسائل النبي (ص)، والتي يبلغ عددها 8 رسائل موجهة إلى كل من:
1_ قيصر (ملك الروم) بواسطة الرسول: دحية بن خليفة الكلبي.
2_ الحارث بن أبي شمر (أمير دمشق من قبل هرقل). بواسطة الرسول: شجاع بن وهب.
3_ المقوقس (ملك القباط، مصر) بواسطة الرسول: حاطب بن أبي بلتعة.
4_ النجاشي (ملك الحبشة) بواسطة الرسول: عمر بن أمية الضمري.
5_ كسرى (ملك الفرس) بواسطة الرسول: عبد الله بن حذافة.
6_ المنذر بن ساوي (ملك البحرين) بواسطة الرسول: العلاء بن الحضرمي.
7_ جيفر وعبد النبي الجلندي (ملك عمان) بواسطة الرسول: عمرو بن العاص.
8_ هوذة بن علي (ملك اليمامة) بواسطة الرسول: سليط بن عمرو العامري.
النتائج المحصل عليها: تبين لنا _بعد ترجمة الكتب إلى لغة الآلة، وإدخال المعلومات إلى الحاسوب _من خلال تحليل رسائل النبي (ص) إلى الملوك والرؤساء، ودعوتهم إلى اعتناق الدين الإسلامي _أنّ الرسالة الهامة والأولى في رسائل النبي (ص)، كانت هي الرسالة التي بعث بها إلى النجاشي (ملك الحبشة) مع مبعوثه عمرو بن أمية الضمري.
الشرح: توضح لنا نتائج البحث، أنّ الرسالة الهامة التي أرسلها رسول الله (ص) إلى الملوك يدعوهم إلى الدخول لدين الله، هي الرسالة الموجهة إلى النجاشي (مساهمتها 56.3%) حيث يقول فيها صلوات الله وسلام عليه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي عظيم الحبشة سلام، أما بعد فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أنّ عيسى بن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده. وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتوقن بالذي جاءني، فانّي رسول الله، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى".
فهذا الخطاب يوضح للنجاشي ولجنوده، شمولية الدين الإسلامي، في اسلوب معجز، وترابط في الكلمات، يدعوهم نبي الله فيه إلى حياة أفضل، سيخيم عليها لا محالة _إن شاء الله _ الطمأنينة والأمان.
النتيجة الأولى: نجد كلام رسول الله (ص) يتمحور حول العناصر الأساسية الآتية:
1_ إثبات حقيقة النبي عيسى _عليه السلام _ وأنّه نبي من عند الله، تولد بطريقة غير بيولوجية طبيعية (نفخ الله في مريم العذراء من روحه).
2_ إثبات حقيقة آدم _عليه السلام _ بأن قال له كن فكان، مما يدل على أن آدم _عليه السلام _ بدوره خلق بطريقة لا تخضع للقوانين البيولوجية.
3_ ثم الدعوة بالتي هي أحسن، من أجل اتباع الرسول (ص) والإيمان بما جاء به. وهكذا يلاحظ أن رسائل النبي (ص) سجلت حدثاً بارزاً تاريخياً في فترات عصيبة، وفي نفس الوقت كانت بمثابة ظهور علم جديد هو "علم الإعلام" في عصر لم يعرف سوى وأد البنات وحرب العشائر.
4_ يصنف الرسول (ص) خطاباته، فيخاطب كل شخص بأسلوب معين، ووفق مسؤوليته وقيمته وطبيعة إيمانه.
ومن جهة أخرى، نجد رسالتين أخريين على العامل الأول، ولكن في الجهة المقابلة للرسالة الموجهة للنجاشي، ويتعلق الأمر بـ:
أ_ الرسالة الموجهة إلى كسرى (ملك الفرس): ولها مساهمة ضعيفة، يقول فيها رسول الله (ص): "أدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا، ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فإنما عليك إثم المجوس".
فنجد (حسب العمليات الحسابية) الألفاظ: "أسلم، آمن، سلام" لها وجود قوي على.
العامل الأول:
من هنا تتضح لنا فكرة الأمن والسلام والطمأنينة التي يدعو لها نبي الرحمة(ص) الملك كسرى.
ب_ الرسالة الموجهة للمنذر: هذه الرسالة تختلف عن سابقتها، حيث يبعث رسول الله (ص) للمنذر بنصيحة، يدعوه فيها إلى اتباع نصيحة رسله؛ إذ جاء فيها: "...فإنه من ينصح، فإنما ينصح لنفسه، ومن يطع ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن ينصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه".
النتيجة الثانية: نلاحظ أنّ أخلاق النبي (ص) كانت هي القرآن "السلام والأمن، (حسب ما وجدناه في العمليات الحسابية). معنى ذلك، أنّ القرآن ربى نبيه المصطفى محمد (ص) قلباً وروحاً، حتى يربي الناس على الابتعاد عن النزوات، التي تجذب الفرد إلى المهلكات ويقربهم إلى شاطىء النجاة، ورباه خلقاً وسلوكاً من أجل تحديد منهج الإنسان الذي تولى الخلافة، ورباه عقلاً وجسماً ليصلح أحوال العرب في مجتمعهم.
العامل الثاني:
وهو الممثل بالرسالة المرسلة إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين، حيث بعث له رسول الله (ص) بالرسالة الآتية: "من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي، سلام عليك.
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وان رسلي قد اثنوا عليك خيراً، وإني شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت من أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية".
الشرح: من خلال قراءة ما سبق، يتضح لنا أنّ الرسالة التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، فهي الرسالة الموجهة إلى المنذر بن ساوي، حيث نجد فيها لفظة "ينصح" لها تمثيلية قوية، ومعنى ذلك أنّ الرسالة الموجهة إلى المنذر هي رسالة نصح وإرشاد.
تفسير ذلك، هو أن الرسالة الموجهة إلى المنذر، ليست في الواقع سوى رسالة نصح ودعوة إلى طاعة الله وثنائه عليه.
النتيجة الثالثة: من هنا تتضح لنا فكرة شفافة، مفادها أنّ رسول الله (ص) كان بصدد بناء مدرسة تحمل لواء الدعوة في المغرب والمشرق، تدرس في أقسامها وجهة نظر الإسلام حيال المعضلات التي تواجه الإنسانية حاضراً ومستقبلاً، حتى لا يقع الإنسان في الهفوات التي يشهدها عالم المختبرات اليوم، من أسلحة جرثومية، وأسلحة الليزر، وقنابل عنقودية، وتغييرات في السلوك البيولوجي للخلايا الحية، ومحاولة استنساخ الإنسان وأعضاء الحيوانات لاستخدامها في جسم الإنسان.
فكانت الدعوة، وكانت النصيحة، وكان العفو من الأمور الثابتة الإسلامية التي توفر للإنسانية مشقة البحث عن الحلول الناجعة.
العامل الثالث:
وهو المتعلق برسالة الرسول (ص) إلى هوذة بن علي، حيث يؤكد النبي (ص) بعد "السلام على من اتبع الهدى" في رسالته إلى منتهى الخف والحافر، فاسلم تسلم واجعل لك ما تحت يديك" فكانت رسالة المصطفى برداً وسلاماً على هوذة، إذ قال عند تسلمه رسالة النبي (ص): "ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، العرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك".
فتكون نتائج الحسابات الرياضية (إذا ما قرأنا النتائج المعطاة من الحاسوب) مطابقة للرسالة النبوية، حيث نجد الألفاظ الآتية لها قوة كبيرة في التحليل، هذه الألفاظ هي: (لم، الخف، الحافر، اعلم، دين منتهى، سيظهر، على يديك، هوذة)، بالإضافة إلى أنّ لها نفس الإحداثيات.
النتيجة الرابعة: إنّ الاسلوب المستخدم في الرسالة الموجهة إلى هوذة، أسلوب يوافق الرؤية المطروحة بشكل شفاف، كما أنّه يحتوي على ألفاظ ذات دلالات قوية. فلا غرو إذن، في أنّ هذا المنهج يوافق تعاليم الحق سبحانه وتعالى حينما يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (إبراهيم/4)
وفي هذا أيضا تجديد للمنهج الذي يجب أن يوجه لكل فرد، كما يقول رب العالمين: (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) (الانعام/67)
كما أنّ البحث عنه، وسيلة للوصول إلى فضاء المخاطب معه، مصداقاً لقوله سبحانه: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه/44)
بالإضافة لكل ما سبق، تتطلب لغة الخطاب الإيمان القوي بالمبدأ الراسخ في ذهن الإنسان، تدعو الناس لعبادة الله الأحد، مصداقاً لقوله سبحانه: (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) (الرعد/30)
أما الرسالة التي وجهت إلى كسرى (وهي كذلك ممثلة على هذا العامل، لكن مساهمتها ضعيفة)، فقد استخدم فيها رسول الهدى لفظة "أدعوك" ولفظة "أبيت".
هذا يدل على رقي خطاب النبي (ص) واستعمال الموجهات التي تترك الخيار للسامع، اتخاذ القرار المقنع والمناسب له، لكن غرور كسرى دفعه إلى تمزيق الكتاب، لأنّ طغيانه وتملق الخدم، جعله يتجبر ولا يقبل بهذا النوع من الخطابات.
النتيجة الخامسة: ما يمكن الخروج به من هذا العامل، هي أنّ النبي (ص) كان يسير وفق برنامج محدد المعالم من لدن رب العزة، من أجل إنقاذ الأمة من الضلالة، وتصحيح مسارها الاجتماعي والسياسي والعقلاني.
العامل الرابع:
يأتي بعد ذلك العامل الموالي، والممثل بالرسالة الموجهة إلى ملكي عمان، وهما: جيفر وعبد النبي الجلندي، ومنهما يدعو النبي (ص) إلى قيصر (ملك الروم). فبالنسبة للملكين يوجه إليهما خطابه الذي يبتدىء كالمعتاد "بالسلام على من اتبع الهدى، ثم يقول: "إني أدعوكم بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا، ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما فإن ملككما زائل، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما".
أما الخطاب الموجه إلى قيصر، فكان كما يلي: "بعد السلام" (أما بعد، فإني أدعوك إلى الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسين" مصداقاً لقوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران/64)
فالألفاظ المميزة في الرسالتين هي: الرسالة للقيصر ولملكي عمان، في تجانس من ناحية قوة الألفاظ المستخدمة حيث نجد مجموعتين، المجموعة الأولى وهي ممثلة بالألفاظ الآتية: (أسلم، بساحتكما، تصلح، أقررتما جيفر)، أما المجموعة الثانية فهي: (أبيت، أنذر، حيا، القول، الكافرون).
المصدر: المعرفة الاسلامية والعولمة، أي آفاق؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق