• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

منهج الدعاء الوحدوي

الشيخ محمد مهدي التسخيري*

منهج الدعاء الوحدوي
تمهيد
الدعاء حلقة الوصل بين العبد وربه، متى افتقدها أوأغفلها تاه في أزقة الضلال الملتوية، ولا يمكنه الخروج منها إلاّ باستعادتها بلطف من الله وإرادةٍ وتصميم من العبد.
يُذكر للدعاء في اللغة معانٍ كثيرة منها:
الدعاء هو(الرغبة إلى الله...)، كما أشار إليه الفيروزآبادي في قاموسه المحيط: الدعاء إلى الشيء، الحثّ على قصده...
والدعاء في القرآن الكريم على معانٍ عديدة، وإليك بعض الآيات الدّالة على ذلك:
- (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (يونس/25)
- (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) (غافر/ 41-42).
- (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/186).
فالدعاء طلب من العبد واستجابة الدعاء من الربّ، أو توجّه من العبد نحو ربّه وإقبال من ربّ العزّة نحو عبده. - الدعاء ضرورة
تتجسّد ضرورة الدعاء في الحياة في بعدين: مادي ومعنوي.
أمّا الجانب المادّي: فإنّ الإنسان فطرياً يلتجئ إلى الدعاء في احتياجاته الدنيوية، لرفع الفقر والمرض والخوف و... ولدفع التّحديات التي يواجهها من الآخرين تمسّكاً بالطرق العملية للدعاء، ولزرع الطمأنينة عنده والثقة بالنفس في مواطن اهتزازها.
وأمّا الجانب المعنوي: فقد لا يستطيع الإنسان وصفه، كالحركة نحو الكمال والعشق القلبي الذي يجرّ الإنسان نحو مركز القوى والشوق إلى الاتصال بعالم يؤمن به كل الإيمان وهوغير قادر على توصيفه؛ لأنّ هذا الوجود يحيط به من كلّ جانب، كما يعبّر عنه القرآن الكريم: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق/16)، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ) (الواقعة/85).
فللدعاء في حياة الإنسان معنى الانفتاح على الله والإقبال عليه في إحساسٍ عميق بالحاجة إليه على أساس الفقر الذاتي المتمثّل في عمق كيانه، والعبوديّة التي توحي بانسحاق وجوده أمامه، وذوبان إرادته أمام إرادته... وهو في الوقت نفسه عبادة حية متحركة لا تخضع لتقاليد العبادة، من الزمان المحدود، والمكان المعيّن، والكلمات الخاصّة، والأفعال المجدّدة... بل يأخذ الإنسان حرّيته معها في الوقت الذي يختاره، وفي الحالة التي يكون عليها، وفي المكان الذي يقف فيه، وفي الكلمات التي يختارها، وفي اللغة التي يتحدث بها، وفي المضمون الذي يعبّر عنه... فيستطيع أن يدعوا ربّه قائماً وقاعداً ومضطجعاً وسائراً وواقفاً... في الصباح وفي المساء وفي الظهيرة، في قضاياه الصغيرة والكبيرة، وفي أحاسيسه الذاتيّة، ومشاعره المتّصلة بالآخرين .
والدعاء روح الدين، وبدونه لا معنى للدين في نفوس المؤمنين، ولن تجد ديناً لا يشتمل على أدعية خاصّة أوعامة.
إنّ الإيمان بالله الواحد الأحد هو أساس الأديان السماوية، والدّعاء هو الباب الذي يأتي العبد منه ليناجي ربّه ويرتبط به ويدعوه كيفما يحلو له، به يرتفع العبد من أدنى مراتب الوجود المادّيّة إلى أعلى درجات السموّ يقترب إلى العرش الربوبيّ ويصل إلى قاب قوسين أو أدنى.
والدعاء يحمل في طياته أروع المفاهيم التربوية والحكم العقلانية والصلابة الإيمانية. فيه يتحوّل الخطاب من محطّة سلفية ودينية إلى جانب ربوبيّ علويّ يكشف الإنسان كل ما لديه من أسرار خفيّة على بني نوعه، ليتخلّى عن رذائل الصفات المستورة، ويتحلّى بأفضل النعوت الموهوبة من ربٍّ رحيم لتجسيد الخلق العظيم في أضيق بقعة من كائنات ربّ العزّة والعظمة.
فالدعاء فعل الجميع بلسان وقلب، عالم وجاهل، أسود وأبيض، لا ينحصر في بقعةٍ وقوميّةٍ ومذهب ومدرسة ودين، ولا بصغير أوكبير، (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر/ 24) ، هو صلة الوصل بين العبد والمعبود، وهوشعار الحرّيّة والسيادة، والخلاص من كلّ قيد ما سوى الله، فهو لبّ الإيمان، وأساس التقوى ونهج العبادة.
وكلّ ما يُكتب عن الدعاء هو قطرة في بحر عطائه، وعلينا الغور في أعماق هذا البحر لاستخلاص الدرر الثمينة من جوفه، لنزيّن بها قلوبنا وعقولنا،ونجعلها مناراً لحياتنا في الدنيا ومزرعة لآخرتنا.
وفي هذا المقال، نتحدّث عن الدور الوحدويّ للدعاء في حياة الإنسان ونسعى لتسليط الضوء على جانب مهم في مسيرة الإنسان التكامليّة  ومشروعه التوحيدي، الذي يبتدئ بقوله (ص): "قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا"، وينتهي بـ"إنّا إليه راجعون"، فالمبدأ والمعاد واحد، والمسير إلى الله واحد، والدين واحد، وإن تعددت السبل وكانت بعدد أنفاس الخلائق. - الوحدة.. دعوة التعاليم الإسلامية
المنطق القرآني في جميع أبوابه يدلّنا على وحدة مترابطة بين بني البشر ويهدي الإنسان إلى الإيمان بوحدة نوعيّة إنسانيّة تقوم على السنن الإلهية الشاملة للجميع، لتكوين أُسرة واحدة، ألا وهي أسرة التوحيد الموصولة الحلقات، ورائد هذه الأسرة وأبوها هو إبراهيم خليل الرحمن (ع)، كما قال تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (الحج/78)، ورسول الله (ص) هو خاتم الأنبياء في هذه الأسرة وبه تختم رسالات الله وهذه الأسرة هي الشجرة الطيبة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم/ 24-25)، الممتدّة الجذور، المباركة الأغصان والفروع، طيّبة الثمار، ممتدّة في التاريخ، واحدة بنصّ القرآن، (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون/52)، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 92).
وللقرآن اهتمام بليغ بإبراز وحدة هذه الأسرة وتماسكها وتثمين العلاقة بين شرائحها وأجزائها، وتعميق العلاقة داخلها، ويدخل هذا الاهتمام في صلب منهج التربية الإسلاميّة في الإشعار بوحدة هذه الأسرة، وفي تعميق الإيحاء بالانتماء إليها لتكون قدوة وأسوة في حياة الناس .
لذلك نشاهد تعاليم الإسلام في الأحكام والأخلاق والمعاملات تتّجه نحوهذا المشروع الإلهيّ الوحدويّ للتأكيد على نهج التوحيد في كلّ مجالات الحياة.
وقد كان التشريع العباديّ السماويّ للصلاة والصيام والحجّ و... يحمل في كلّ تفاصيله روح الوحدة، ويبتعد عن التفرّد والتفرّق، وكذا في المعاملات من تشريع الزكاة والضرائب والحثّ على الصدقات، وكذلك نجد الآداب الأخلاقية لا تنفصل عن هذا الاتّجاه، فكان من الأولى أن يكون الدعاء، والذي هوروح الدين كما ذكرنا، ينحوأيضاً في هذا الاتّجاه. - دعوات الأنبياء (عليهم السلام):
إنّ الغاية من خلق الإنسان هي العبادة ليس غير، وقمّة الحياة الإنسانية تتجلى بالعبودية لربّ العزّة والجلال، وهوالقائل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56)، فبالعبادة يصل الإنسان إلى معبوده ويتقرّب إليه، ولذلك قرنت العبادات بقصد القربة إلى الله تعالى وابتغاء مرضاته، وبما أنّ الدعاء إقبال على الله، ومن أبرز مصاديقه الانشداد والانجذاب والارتباط بالله، جُعِل الدعاء مخّ العبادة، وقد ورد الدعاء بمعنى العبادة في قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/60). والأنبياء (عليهم السلام) حيث كانوا أعبد الناس في قومهم، أصبحوا القدوة لأمّتهم وللمسيرة البشريّة جمعاء.
ولوأمعنّا النظر في الأدعية القرآنية لشاهدنا بوضوح أنّ أنبياء الله (عليهم السلام) كثيراً ما يردفون المؤمنين والإخوة والوالدين والأقرباء في أدعيتهم، وهم الأسوة لنا في أعمالنا وعلينا اتّباعهم، فإنّ المؤمن إذا دعا لأخيه وقريبه فإنّه بذلك قد أزال الضغينة والحسد عن نفسه تجاه أخيه، ولذا يفتح الله أبواب رحمته على الدّاعي وهذا النوع من الدعاء يدعو إلى الألفة والمحبة والوحدة بين أبناء الأمة الواحدة، فالدعاء للآخرين يربطنا بهم ويجعلنا في مسيرة تاريخيّة.
وهنا نتطلّع إلى نماذج من أدعية الأنبياء الوحدويّة التي تصبّ في مشروع هداية البشريّة نحو نهج تأليفي إنسانيّ من خلاله يتكافل المجتمع في منظومة منسجمة تحمل في طيّاتها كافة الأبعاد الفرديّة والاجتماعيّة والجوانب المعنوية والمادّيّة نحو تربية هادفة صادقة لتحقيق معنى العبودية في وجدان كلّ إنسان موّحد انتحل الحياة في أوساط المجتمعات المختلفة والشعوب المتفاوتة ليبرز محور التقوى من أجل تقييم المجتمع الصالح، ومن جملة هذه النماذج: - من مواعظ عيسى (ع) لقومه
"يا بني إسرائيل... ألم تسمعوا أنّه قيل لكم في التوراة: صلوا أرحامكم وكافئوا أرحامكم، وأنا أقول لكم: صلوا من قطعكم، وأعطوا من منعكم، وأحسنوا إلى من أساء إليكم، وسلّموا على من سبّكم، وأنصفوا من خاصمكم، واعفوا عمّن ظلمكم، كما أنّكم تحبّون أن يُعفى عن إساءتكم، فاعتبروا بعفوالله عنكم. ألا ترون أنّ شمسه أشرقت على الأبرار والفجّار منكم، وأنّ مطره ينزل على الصالحين والخاطئين منكم، فإن كنتم لا تحبّون إلاّ من أحبّكم، ولا تحسنون إلاّ إلى من أحسن إليكم، ولا تكافئون إلاّ من أعطاكم، فما فضلكم على غيركم؟! وقد يصنع هذا السفهاء الذين ليست عندهم فضول، ولا لهم أحلام..." .
ومن تأمّل في نصائح عيسى (ع) لقومه يكتشف أنّه  كيف استطاع بهذه الكلمات النورانية أن يحوّل الفئة المشرذمة والمقاتلة إلى جموع موّحدة ومتحابّة، أحبّته وأطاعته بعدما أحبّ بعضهم بعضاً، وعفا بعضهم عن بعض، وأحسن بعضهم حتى إلى المسيئين منهم، ليؤسّسوا مجتمعاً توحيديّاً ساد العالم كلّه. - مناجاة عيسويّة
وقد ورد في مناجاة الله لعيسى بن مريم (ع): يا عيسى أنا ربّك وربُّ آبائك، اسمي واحد وأنا الأحد المتفرّد بخلق كلّ شيء، وكلّ شيء من صنعي، وكلٌّ إليّ راجعون..  أشهد أنّك عبدي وأمتي، تقرّب إليّ بالنوافل، وتوكّل عليّ أكفك، ولا تَوَلَّ غيري فأخذلك.. يا عيسى أحي ذكري بلسانك، وليكن ودّي في قلبك.. يا عيسى ارفق بالضعيف، وارفع طرفك الظليل إلى السماء وادعني، فإنّي منك قريب، ولا تذكرني إلاّ متضرّعاً إليَّ وهمّك واحد، فإنّك متى دعوتني  كذلك أُجبك.. يا ابن مريم، لو رأت عينك ما أعددْتُ لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقاً إليه، فليس كدار الآخرة دار تجاور فيها الطيّبون، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقرّبون، وهم ممّا يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون، دار لا يتغيّر فيها النعيم، ولا يزول عن أهلها... يا عيسى إن غضبتُ عليك لم ينفعك من رضي عنك، وإن رضيتُ عنك لم يضرّك غضب المتغضّبين عليك.. يا عيسى قل لهم: قلّموا أظفاركم من كسب الحرام، وأصّموا أسماعكم من ذكر الخناء، وأقبلوا عليّ بقلوبكم فإنيّ لستُ أريد صوركم.. يا عيسى أدّب قلبك بالخشية، وانظر إلى من أسفل منك، ولا تنظر إلى من فوقك، واعلم أنّ رأس كلّ خطيئة وذنب هو حبّ الدنيا، فلا تحبّها، فإنّي لا أحبّها.. يا عيسى أطب لي قلبك، وأكثر ذكري  في الخلوات، واعلم أنّ سروري أن تبصبص إليّ، كن في ذلك حيّاً، ولا تكن ميتاً..
وقال عيسى (ع): طوبى للذين يتهجّدون من اللّيل، أولئك الذين يرثون النور الدائم من أجل أنّهم قاموا في ظلمة اللّيل على أرجلهم في مساجدهم يتضرّعون إلى ربّهم رجاء أن ينجيهم في الشدّة غداً.
وهذا تأديب آخر ودعوة من الله إلى التوحيد بكلّ معانيه، وتبيين لطرق الاتّصاف بالعبودية له بأداء النوافل وإحياء الذكر والتوكّل عليه والتضّرع إليه كي ينطق لإقامة دين الله وشرعه في أرضه، وبناء مجتمع آمل بنعمة دائمة، ورضا المعبود.
مناجاة تحمل في طيّاتها دروس الحياة النزيهة والطاهرة، لا يشوبها حرام، ولا تكتسي ثوب الظلم بهدر حقوق الآخرين، حياة في قلوب خاشعة وعقول منفتحة وجوارح مجتهدة وحوائج مؤدّبة، بالتسليم إلى خالقها، تسعى لتصل إلى النور الدائم من عمق ظلمات الليل رجاء النجاة. - تأديب موسوي
وقد ورد في تحف العقول: يا موسى أنت عبدي وأنا إلهك، لا تستذلّ الحقير الفقير، ولا تغبط الغنيّ، وكن عند ذكري خاشعاً، عند تلاوته برحمتي طامعاً.. يا موسى عجّل التوبة، وأخّر الذنب، وتأنّ في المكث بين يديّ في الصلاة، ولا ترجُ غيري، اتّخذني جنّةً لك للشدائد، وحصناً لملمّات الأمور.. يا موسى عبادي يدعوني على ما كانوا بعد أن يقرّوا بي أنّي أرحم الراحمين، أُجيب المضطرّين، وأكشف السوء، وأبدّل الزمان، وآتي بالرخاء، أشكر اليسير، وأُثيب بالكثير، أُغني الفقير، وأنا الدائم العزيز القدير.. يا موسى انظر إلى الأرض فإنّها عن قريبٍ قبرك، وارفع عينيك إلى السماء فإنّ فوقك فيها ملكاً عظيماً، وابِك على نفسك ما كنتَ في الدنيا، وتخوّف العطب والمهالك، ولا تغرّنّك زينة الدنيا وزهرتها، ولا ترضَ بالظلم، ولا تكن ظالماً، فإنّي للظالم بمرصد حتى أديل منه المظلوم..
يشير ربّ العزة إلى عباده بالبقاء على الصلة معه سبحانه، ويدعوهم إلى المساواة في الحياة الإنسانية في مختلف جوانبها الفردية والاجتماعية والاقتصادية والعباديّة، الماديّة والمعنويّة.. وإلى عدم فكّ هذه الصلة التي بدونها يسقط الإنسان، الفرد والمجتمع، وإلى هاوية لا تُعرف عقباها.
صحيح أنّه يخاطب نبيّه (ع)، ولكنّ حقيقة هذه المناجاة هي رسم استراتيجيّة للحياة الخالدة التي تربط بين دنيا الإنسان وآخرته، وعدم فقدان الفرص المؤاتية والمساعدة على بناء حياة طيّبة في دنيا، حياة ممزوجة بالخوف والرجاء مفعمة بالثقة والاطمئنان برحمة ربّه بعيدة عن الغفلة واليأس والهلاك والغرور والظلم و.. - الوحدة في دعاء الأنبياء (عليهم السلام)
وقد وردت في القرآن الكريم آيات مباركة تتحدّث عن دعاء الأنبياء (عليهم السلام) في حقّ أبنائهم وعائلتهم ومجتمعهم، جاءت كلّها بصيغة الجمع تأديباً للعباد وتربية لهم، كي تكون أدعيتهم كسائر العبادات والمعاملات، تنظر إلى الاجتماع والأخوة والوحدة الإنسانية؛ لأنّ كلّ خير، شئنا أم أبينا، سوف ترجع إيجابيّاته على الجميع، وكذلك الشرّ إذا حلّ بقوم أومجتمع سوف يأكل الأخضر واليابس، وهي سنّة كونيّة قائمة، وطبيعيٌّ أنّ السنن الإيجابيّة تشمل الجميع، والعكس صحيح أيضاً: "من سنّ سنةً حسنة فله أجرها من عمل بها، ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها".
وهنا نشير إلى بعض الآيات الواردة على لسان الأنبياء (عليهم السلام) دعاءاً للجميع وهي كثيرة:
منها: ما ورد على لسان نبيّنا آدم (عليه السلام): (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف/23).
فهو تأديب إلهي موجّه إلى كافة بني البشر، يعني علينا حسن الدعاء في الطلب لجميع المؤمنين من رحمة ومغفرة و.. وكلّ نعمة أنعمها الله على عباده الصالحين..
ويدعو إبراهيم خليل الرحمن (ع): (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة/127- 128)
وأيضاً: (... قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الممتحنة/ 4- 5).
فهذا الأسلوب الناجع الذي يدعوإليه الأنبياء وقادة الأديان السماوية في مسيرة حركة الإنسان إلى ربّه وتكوين كتلة واحدة، حتى لو كانت مظاهرها الماديّة متفاوتة ومختلفة.
وقد دعا شعيب (ع) بخير ما يكون من ربّه بالفتح قائلاً: (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف/ 89).
وفي دعاء موسى (ع) خوفاً على قومه من غضب فرعون الذي كان يدّعي الربوبيّة العليا، واضطهد، وقتل، واستحيي النساء، واستكبر في الأرض.
يقول (ع): (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى) (طه/45).

- أدعية النبي (ص) وأهل بيته (عليهم السلام):
إنّ اتّباع النبي (ص) في العمل والقول والسيرة فرض إلهيّ يلزم كلّ مؤمن ومؤمنة، وهذا ما أكّده القرآن الكريم بقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/21).
ونهج أهل بيته (عليهم السلام) لا ينفك عن نهجه (ص)، لذلك سلكنا ذكر دعائهم (عليهم السلام) في مسلك واحد؛ لأنّ التأسّي بهم هوالتأسّي برسول الله (ص) امتداداً للمشروع الإلهيّ.
والدعاء بالمأثور عن النّبي (ص) وآله (عليهم السلام) يفتح للعبد باباً واسعاً للارتباط بمعبوده، لأنّهم (عليهم السلام) باب مدينة رسول الله (ص)، وهو خليفة الله على أرضه، وبيده مفاتيح الارتباط بالله ذي الأسماء الحسنى، وعدم معرفة نهجهم يوجب الحرمان من نعمة سلوك السبل الإلهية.
صحيح أنّنا كُلّفنا بالدعاء الذي هو ارتباط مباشر بين العبد وربّه، لكنّ آداب الارتباط وكيفيّتها علينا أن نأخذها من الذين هم أكثر قرباً من حضرة ذي الجلال والإكرام.
نشير هنا إلى بعض الأدعية المأثورة عن النبي (ص) التي جاءت بصيغة الطلب الجماعي:
"اللهم إنّا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كلّ إثم، والغنيمة من كلّ برّ، والفوز بالجنّة، والنجاة من النّار".
وعنه (ص): "اللّهمّ اغفر لنا وارحمنا، وارضَ عنّا، وتقبّل منّا، وأدخلنا الجنّة، ونجّنا من النار، وأصلح لنا شأننا كلّه".
وإذا تمعنّا في كتب الأدعية الواردة عنهم (عليهم السلام) لرفدنا بأعذب ما يمكن للطالب أن يرتوي به من كلمات وصور تنقل الإنسان المحب والعاشق إلى مراده ومولاه، حتى التي جاءت على نحو الانفراد، فهي بالنهاية تحمل روح الجمع والجماعة، يكمن فيها سبيل الوحدة في الإرادة والخطاب والأداء المؤدّي إلى التوحيد التربويّ..
وليس من الصدفة أن يكون أوّل الأدعية في كتاب (مفاتيح الجنان) للشيخ عباس القمّي دعاءاً وشعاراً لوحدانية الله وتوحّد الأمة واصطفافها:
"لا إله إلا الله إلهاً واحداً ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إيّاه مخلصين له الدين ولوكره المشركون، لا إله إلا الله ربّنا وربّ آبائنا الأولين،لا إله إلا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد، وهوعلى كل شيء قدير".
والإسلام يدعو إلى الوحدانية الإلهية، والإخلاص وهو روح العمل الإسلامي، وكلّما تصفحنا كتب الأدعية المأثورة المفعمة  بكلمات أئمة الهدى والصالحين كلّما شاهدنا أكثر الدعاء الجماعي، والذي لا يقتصر على المسلمين بل ليتعدّى كافّة أبناء الإنسانية والبشرية.
وقد روى الكفعمي في المصباح وفي البلد الأمين، كما روى الشيخ الشهيد في مجموعته عن النبي (ص) أنّه قال: من دعا بهذا الدعاء في رمضان بعد كلّ فريضة غفر الله له ذنوبه إلى يوم القيامة:
"اللّهمّ أدخل على أهل القبور السرور، اللّهمّ أغنِ كلّ فقير، اللّهمّ أشبع كلّ جائع، اللّهمّ اكسُ كلّ عريان، اللّهمّ اقضِ دين كلّ مدين، اللّهمّ فرّج عن كلّ مكروب، اللّهمّ ردّ كلّ غريب، اللّهمّ فكّ كلّ أسير، اللّهمّ أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، اللّهمّ اشفِ كلّ مريض، اللّهمّ سدّ فقرنا بغناك، اللّهمّ غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللّهمّ اقضِ عنّا الدين وأغننا من الفقر، إنّك على كل شيءٍ قدير".
والمتأمّل في عبارات الدعاء يكتشف كيف يدعو الرسول (ص) لكافة المحتاجين من الناس ولا يشير إلى دينهم ومذهبهم، يدعو لهم بالانفراج في المواطن الصعبة، من هول القبر، والخلاص من الفقر والجوع والعرى والكرب، والغربة والأسر، وأداء الدين، ومن ثُمّ يلتفت إلى المسلمين بالدعاء لهم على إصلاح الفاسد من أمورهم، وشفاء المريض، وسدّ الفقر، وتغيير الأحوال و...
إنّ هذه التربية النبوية هي التي تستجلب الأعداء قبل الأصدقاء، والمحبّين نحو رسول الله (ص)، ولو لم يكن كذلك لما كان رسول الله (ص) رحمةً للعالمين، وما التفت من حوله قلوب العاشقين، وانشدّ إليه الوالهون، واصطفّ خلفه المريدون، وقد قال سبحانه تعالى في حقّه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/159).
أضف إلى ذلك عندما نراجع دعوات الأيام الرمضانية للنبي الأكرم (ص) كما هومنقول عن ابن عباس، بها يقدّم (ص) مجتمعاً نموذجياً يحمل أرقى الصفات ليكون الأسوة لكافة البشرية ويحقق مصداق (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/143)، مجتمع يُعرف بالصيام والقيام، والوعي والتوبة، والعفو، والرضا، وقراءة القرآن، والابتعاد عن سخط الله ونقمته، والبعد عن السفاهة، وطلب الخير، وكثرة الذكر، وأداء الشكر، والسعي إلى المغفرة، والدخول في الصالحين القانتين، والتّرحم على الأيتام وإطعام المساكين، وإفشاء السلام، وصحبة الكرام، والاهتداء بالبراهين الساطعة، والتوكّل على الله، ومحبّة الإحسان، وكره الفسوق والعصيان، والتزيين بالستر والعفاف، والستر بلباس الكفاف والقنوع، والحمل على العدل والانصاف، والأمن من كلّ مخوف، والطهارة من الدنس والأقذار، والصبر على كائنات الأقدار، والتوفيق لاتباع التقوى وصحبة الأبرار، والجدّ لدخول جنّات الرحمن، وغلق أبواب النيران بالابتعاد عن همزات الشيطان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ليرتقي إلى قمّة الإنسانيّة بفضل ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر و...
يسعى الإنسان إلى تحقيق هذا المجتمع المثالي من خلال الأدعية المأثورة والمنقولة عن نبي الرحمة (ص) وأهل بيته (عليهم السلام) لتكون مناراً في حياته الدنيوية ومآلاً لآخرته.
وهل يغيب على ذي لبّ وحكيم دعاء أبي الأحرار الحسين بن علي (ع) في عشيّة عرفة كما نقله بشر وبشير ابنا غالب الأسدي، قالا: كنّا مع الحسين بن علي (ع) عشية عرفة فخرج (ع) من فسطاطه متذللاً خاشعاً، فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف وهو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في مسيرة الجبل مستقبلاً البيت رافعاً يديه تلقاء وجهه، كاستطعام المساكين، ثمّ قال: "الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع ولا كصنعه صنع صانع، وهوالجواد الواسع..."، وبعد ذكر أروع مناجاة بين العبد وربّه تتجلّى فيها آيات الخشوع من العبد والألوهية من ربّ رحمن رحيم.. يقول: "اللهم اقبلنا في هذا الوقت منجحين مفلحين، مبرورين غانمين، ولا تجعلنا من القانطين.. ولا ترّدنا خائبين، ولا من بابك مطرودين، يا أجود الأجودين... اللّهمّ ونقّنا وسدّدنا واقبل تضرّعنا، يا خير من سُئلَ، ويا أرحم من استُرحم.. ".
وبهذا الدعاء يرسم خارطة طريق الفرد المؤمن والمجتمع الصالح، يرسم صورة كاملة عن ضعف الإنسان الذي قد يظن انّه فعّال ما يشاء من جهة، ويقدّم لوحة فنّيّة عرفانيّة لربّ العزّة والجلال، العفوّ الغفور الرؤوف الرحيم.. بالدعاء الحسيني يكتشف الإنسان والمجتمع استراتيجيّة الحياة بعد معرفة نقاط الضعف والقوة وكيفية الارتقاء إلى قمة الكرامة والإنسانيّة.
وإليك صورة أخرى عن الدور التربوي للدعاء في تكوين مجتمع ينهج المسير الوحدويّ ليصل إلى أعلى درجات القرب والعبوديّة.
وقد ورد بأسناد معتبرة عن جابر عن الباقر (ع) أنّه زار الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)  أمير المؤمنين عليّاً (ع) قائلاً: "السلام عليك يا أمين الله.. إلى أن قال: اللّهمّ إنّ قلوب المخبتين إليك والهة، وسبل الراغبين إليك شارعة، وأعلام القاصدين إليك واضحة، وأفئدةُ العارفين منك فازعة، وأصوات الداعين إليك صاعدة، وأبواب الإجابة لهم مفتّحة، ودعوة من ناجاك مستجابة، وتوبة من أناب إليك مقبولة، وعبرة من بكى من خوفك مرحومة، والإغاثة لمن استغاث بك موجودة، والإعانة لمن استعان بك مبذولة،وعداتك لعبادك منجزة، وزلل من استقالك مقالة، وأعمال العاملين لديك محفوظة، وأرزاقك إلى الخلائق من لدنك نازلة، وعوائد المزيد إليهم واصلة، وذنوب المستغفرين مغفورة، وحوائج خلقك عندك مقضية، وجوائز السائلين عندك موفّرة، وعوائد المزيد متواترة، وموائد المستطعمين معدّة، ومناهل الظماء مترعة".
إنّ كل جملة من هذا الأدعية في الواقع مدرسة لتعليم وتربية المجتمع الإسلامي، تقوده إلى تطهير القلب والرغبة نحو المعبود وقصده والاعتماد عليه والانقطاع عمّن سواه، وتجعله يعيش روح الأمل في غفران ذنوبه وتجديد ثوب الحياة بقبول توبته، والاستعانة والاستغاثة بربّ العزّة. ما يقرأه الإنسان مُقولبٌ بالدعاء لكنّه يحمل السبل المتنوعة التربوية لإيجاد مجتمع موّحد ونموذجي.
لقد تطرّقنا إلى بعض ما ورد على لسان الأئمة الهداة من الأدعية المأثورة لنؤكد أنهم (عليهم السلام) إلى جانب الدعاء الفردي والذي يتحرك في خط التربية الفردية والتزكية والتهذيب المؤدّي بالعبد إلى إقامة مجتمع صالح، بعيداً كل البعد عن الصفات الرذيلة، ومهيّئاً لتشييد نظام مبنيٍّ على القيم الإنسانية والإسلامية، جهدوا على تربية الأمة كيلا تغفل عن الدعاء الجماعي لتوطيد أواصر الأمة الواحدة وتأكيد ما جاء به القرآن النازل بما يصعد من الأرض من دعاء مأثور عنهم (عليهم السلام) لتكون مسيرة الإنسان بنّاءة ومتكاملة، من أجل بناء دنيا قائمة على العدل والإنصاف لتكون مزرعة الآخرة يجتمع فيها الأنبياء والصدّيقون والشهداء والصلحاء وحسن أُولئك رفيقاً.
وفي الختام نشير إلى بعض ما جاء في دعاء زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) لأهل الثغور: "اللّهمّ صلّ على محمدٍ وآله، وكثّر عدّتهم، واشحذ أسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألّف جمعهم، ودبّر أمرهم، وواتر بين ميرهم، وتوحد بكفاية مؤنهم، واعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، والطف لهم في المكر... اللّهمّ اشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين، وخذهم بالنقص عن تنقصهم، وثبطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم..".

*مستشار أمين عام المجتمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. المصدر: مجلة رسالة الثقلين/ العدد 70 لسنة 2011 م

ارسال التعليق

Top