الهشاشة: هي ميزة عامة للأوضاع، والادوات، والمساكن، والمؤسسات والوضائف، والعلاقات الاجتماعية، و الازواج، والمهن، والمشاهير، والكتب، والتحف الفنية، والمعلومات، والذاكرات، والثقافات، والامم. وللتحديدات أيضا (جاك اتالي...).
في فقرة من فقرات حديث الرويبضة يتحدث رسول الله (ص) مخبرا سلمان عن ما سيكون عليه الوضع الأمني في آخر الزمان فيقول: «يا سلمان فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم ليستأثروا بفيئهم، وليطؤون حرمتهم، وليسفكن دماءهم، ولتملأن قلوبهم رعبا، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال إي والذي نفسي بيده» (بحار الأنوار، ج 6، ص 307). ولا شك أنه تشريح دقيق للحالة الأمنية النفسية في وضعية ليست ببعيدة أبدا عما يعيشه عالمنا المعاصر من حالات تفلت وتضعضع وهشاشة تطال ضرورة الإحساس الباطني بالأمن والشعور الداخلي بالسلام، وهذه الهشاشة الأمنية المرتبطة بالجانب النفسي يفيض «جاك أتالي» في الكشف عنها عبر حديثه عن «الهلع»، والذي يرى (أنه محرك السوق والديمقراطية، وفي أساس نشوء الحضارة الغربية، وسيكون له، مع تعميم الترحل، آثار مدمّرة أكثر فأكثر) (ص 203). ويواصل «أتالي» الحديث عن الهلع الذي سيلتصق كسمة بحالة الهشاشة التي يعيشها الإنسان في حضارة الغرب الحديثة (فالهلع حركة غنمية يقوم بموجبها كل واحد بتقليد الآخر خوفا من التهميش والبقاء جانبا وهو لا يشكل اختلالا في الحضارة الغربية، بل في جوهرها الأساسي وسيلعب أكثر فأكثر دورا مهما فيها. فالهلع والخوف من التسريح من العمل يدفعان العامل للتعلق بوظيفة متدنية الأجر. والخوف من «عدم الوقوع» تحت تأثير التقليد وديكتاتورية الإجماع يدفع بالمستهلك للإسراع في اقتناء الأداة الرائجة والمطابقة لذوق العصر. والخوف من تفويته فرصة الحصول على عملية «رابحة» يدفع بالمودع للتهافت على المنتجات التي يُطلب إليه اقتناؤها. وهكذا نجد أن الهلع يحدد قيمة الأشياء والناس من خلال عدد الذين يبتدعونها ويؤيدونها: فلائحة الجوائز في المباراة هي معيار القيمة) (ن م، ص 203-204). وعلى رغم ما يتوفر لإنسان العصر من تطور في أدوات الفهم والإدراك والتحليل النفسي وعيادات الصحة والمعالجة المعنية بمتابعة أوضاع المرضى النفسيين وشفائهم، إلا أن كل المؤشرات القائمة تعطي انطباعات واضحة عن زيادة معدلات حالات القلق والاضطراب والهواجس النفسية، والمشكلة تكمن - كما يرى أتالي- في أن (الهلع يحافظ على ذاته بذاته، وهي إحدى ميزاته الأشد رعبا، ذلك أن الهلع يستمد قوته من ذاته. ولما كان الهلع يكافئ من يستسلم له ويعاقب من يقاومه، فهو يتغذى من نتائجه ولا يقف عند حد مثل الحريق، إلا بعد إتلافه جميع المواد القابلة للاشتعال، واستهلاك جميع المكاسب) (ن م). ولن تنحصر أسباب الهلع والخوف والقلق والاضطرابات النفسية في ما تثقل علينا به حياتنا المعاصرة من متطلبات مادية نعجز عن تحقيقها كلها أو أكثرها، بل تتظافر علينا أسباب أخرى تسهم أكثر فأكثر في هشاشة سلامتنا النفسية، إذ (ستبرز موجات جديدة من الهلع، تتصل بالتهديدات المقبلة للكوارث الطبيعية أو السوق) (ن م)، وفي ظل هذه التهديدات التي ستفرز العديد من الأمراض النفسية لا عجب أن يتعزز وجود حالات الاكتئاب والضغط النفسيين بشكل غير مسبوق في عالمنا المعاصر، فقد (بات الضغط النفسي المرض المهني الأول، والسبب الرئيسي للوفاة في العمل) (ن م، ص 129). ومجمل هذه الأوضاع سيؤدي إلى انتشار وتعميم مزيد من حالات الانهيار العصبي والنفسي، والذي سيكون (أول مرض مزمن، وله نتائج اقتصادية واجتماعية ضخمة: 300 مليون شخص على الأقل يعانون منه اليوم) (ن م، ص 45). المصدر: كتاب هشاشات القرن 21مقالات ذات صلة
ارسال التعليق