• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ميزات الشخصية الإسلامية

ميزات الشخصية الإسلامية

إنّ المبادئ الإسلامية بمفاهيمها الأساسيّة ومناهجها التربويّة، تصنع شخصيّة متميّزة، لها سماتها، وتوجهاتها، وغاياتها الخاصّة، التي تميّزها بوضوح تام عن غيرها من الشخصيات الأخرى. وبمقارنة الشخصية الإسلامية بغيرها من الشخصيّات نستطيع أن نكتشف في هذه الشخصية الميزات التالية:
1 ـ الاتجاه العقلي.
2 ـ الإيجابية.
3 ـ الالتزام.
4 ـ التوجه المستمر نحو الكمال.
5 ـ الإتّزان.
6 ـ الاحساس الإنساني «يقظة الضمير، والحس الوجداني».
7 ـ النزوع القيادي.

1 ـ الاتجاه العقلي:
تتميز الشخصية الإسلامية بأنّها شخصية عقلية، أي يسيطر العقل فيها على كلّ تصرّفات الفرد، وبواعثه، ودوافعه، وعواطفه، وغرائزه، وطريقة تفكيره.. فللعقل مقام القيادة والتوجيه في الشخصية الإسلامية، إذ يظهر أثره واضحاً في مجال السلوك والعلوم والمعارف.. إلخ. فسلوك المسلم لا يخضع للاندفاع الغريزي التائه، ولا للميل الأناني والهوى الشخصي الذي تضيع فيه قيم الحق والعدل، وتتلاشى أمامه قواعد الأخلاق.. بل يتمحور السلوك عنده ـ على امتداد أبعاده، واختلاف مظاهره ـ حول مركز العقل، ويتحرّك على ضوء إشارته وهدى صوته.
فقد ورد في الحديث الشريف: «لمّا خلق الله العقل استنطقه، ثمّ قال له: أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، ثمّ قال: وعزّتي وجلالي، ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منك، ولا أكملته إلاّ فيمن أحبّ، أما إنّي، إيّاك آمر، وإيّاك أنهى، وإيّاك أعاقب، وإيّاك اُنيب».
وكما يظهر دور العقل واضحاً في مجال السلوك والمواقف الإنسانيّة، يتجلّى دوره كذلك واضحاً في مجال العلوم والمعارف، ومناهج البحث والتحصيل العلمي في حياة المسلمين.
فنظرة الإنسان المسلم إلى الأشياء، وفهمه وتفسيره لها، ليس فهماً مادّياً صرفاً، ولا تفسيراً حسيّاً متحجّراً، بل يجري هذا الفهم، والتفسير بطريقة واعية، تتجاوز حدود الحس والتجربة، وتوسّع آفاق المعرفة والثقافة.

2 ـ الإيجابية:
المسلم الملتزم إنسان إيجابي يعيش في حركة فكرية ونفسية وجسدية بنّاءة، بعيداً عن السلوك التخريبي الهدّام، رافضاً للتحجر والجمود، لا يرضى بالسلوك الانسحابي الذي يتهرّب من نشاطات الحياة، ويبتعد عن مواجهة الصعاب؛ لأنّ الإسلام يبني في الإنسان المسلم الروح الإيجابية التي تؤهله للعطاء، وتنمي فيه القدرة على الانتاج والابداع؛ بما يفتح له من آفاق التفكير والممارسة، وبما يزوده به من بناء ذاتي، ودافع حركي؛ ليعدّه إعداداً إنسانيّاً ناضجاً لممارسة الحياة بالطريقة التي يرسمها، ويخطط أبعادها الإسلام، لأنّ الحياة في نظر الإسلام: عمل، وبناء، وعطاء، وتنفس في الخيرات: (وَلِكُلٍّ وجهة هُوَ مُوَلِّيها فاستبقُوا الخَيْراتِ) (البقرة/ 148).
فقد دأب الإسلام على جعل الحياة كلّها مجالاً مباحاً للإنسان يمارس فيها نشاطه، ويستثمر فيها طاقته وجهوده ـ عدا ما حرّم عليه من أشياء ضارّة، أو ممارسات هدّامة ـ فالمسلم أينما توجّه يجد المجال الرّحب، والمتسع الذي يستوعب كلّ جهوده وطاقاته ونشاطه؛ دون أن يجد الزواجر السلبية، أو يواجه النواهي التي تقتل قابلياته وطاقاته، أو تشل وعيه وإرادته.
وبذا يبقى طاقة حيّة، وقوة بنّاءة؛ تساهم في تجسيد مضامين الخير، وتشارك في العطاء والعمل.
وصدق أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) وهو يصف هذه الشخصية بقوله: «فمن علامة أحدهم أنّك ترى له قوّة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وعلماً في حلم، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتجمّلاً في فاقة، وصبراً في شدّة، وطلباً في حلال، ونشاطاً في هدىً، وتحرّجاً عن طمع. يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل، يُمسي وهمّه الشكر، ويُصبح وهمّه الذكر، يبيت حذراً، ويُصبح فرحاً، حذراً لما حذر من الغفلة، وفرحاً بما أصاب من الفضل والرّحمة، إن استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب، قرّة عينه فيما لا يزول، وزهادته فيما لا يبقى، يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل، تراه قريباً أمله، قليلاً زلله، خاشعاً قلبه، قانعة نفسه، منزولاً أكله، سهلاً أمره، حريزاً دينه، ميتة شهوته، مكظوماً غيظه. الخير منه مأمول، والشر منه مأمون. إن كان في الغافلين كُتب في الذاكرين، وإن كان في الذاكرين لم يُكتب من الغافلين.
يعفو عمّن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، بعيداً فحشه، ليّناً قوله، غائباً منكره، حاضراً معروفه، مقبلاً خيره، مدبراً شرّه، في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب.
يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه، لا يضيع ما استُحفظ، ولا ينسى ما ذُكّر، ولا ينابز بالألقاب، ولا يضارّ بالجار، ولا يشمت بالمصائب، ولا يدخل في الباطل، ولا يخرج من الحق، إن صَمَتَ لم يغمّه صمته، وإن ضحك لم يعلُ صوته، وإن بُغي عليه صبر، حتى يكون الله هو الذي ينتقم له.
نفسُه منه في عناء، والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، وأراح الناس من نفسه، بُعدُه عمّن تباعد عنه زُهد ونزاهة، ودنوّه ممّن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعد بكبر وعظمة، ولا دنوّه بمكر وخديعة».

3 ـ الالتزام:
يبني الإسلام شخصية الإنسان المسلم على أساس وحدة فكرية، وسلوكية، وعاطفية، متماسكة بحيث تقوم هذه الشخصية على أساس من التنسيق والتوافق الفكري والعاطفي والسلوكي الملتزم، الذي لا يعرف التناقض ولا الشذوذ، لينسحب هذا الالتزام على كلّ مواقف الإنسان وأنماط سلوكه ونشاطه، الفردي والاجتماعي، فالأديب المسلم، والمفكر، والفنان، والمثقف، والعالم.. إلخ، كل واحد منهم يخضع ممارساته، ونشاطاته لقواعد الإسلام وقيمه، ويساهم في بناء الحضارة الإسلامية بتوافق وانسجام تام مع الخطّ الحضاري الإيماني العام، تماماً كما يفعل رجل المال، والاقتصاد والعامل المنتج، والسياسي القائد.. إلخ.
فكل واحد من هؤلاء يخضع سلوكه لمقاييس، وقيم، وموازين ثابتة لديه، بحيث تأتي كلّها وفق الخط الإسلامي الواضح، تماماً كما ينسحب هذا الالتزام على السلوك والممارسة اليومية في العبادات والأخلاق والعلاقات الفردية المتعددة.. إلخ.
وهكذا فإنّ الشخصية الإسلامية الملتزمة تفرز دوماً وحدة سلوكية وفكرية وعاطفية متماسكة متكاملة، دونماً ثغرة، أو تناقض، أو انحراف.. بحيث تتكشف هذه الجهود الفردية ضمن اطار التنظيم الاجتماعي العام لإشادة الهيكل الحضاري، وصنع صيغة التأريخ، وصورة الحياة، فالكل يعمل، ويؤدي دوره ضمن خارطة بناء اجتماعي وعقائدي متكاملة متناسقة، كما تنسق عاملات النحل جهودها لبناء خليتها وفق شكل هندسي وغائي متكامل.

4 ـ التوجه المستمر نحو الكمال:
للشخصية الإسلامية مثل أعلى، وقيم عليا، وقدوة رائدة في الحياة، تتمثل في تصوّر الإنسان المسلم لقيم الخيرة والكمال البشري الذي تحقق مجسداً ـ في القدوة الفذة ـ الرسول الأعظم (ص) والطليعة الراشدة من أصحابه وأهل بيته البررة.
قال تعالى: (لَقَد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمنْ كانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (الأحزاب/ 21).
بالشخصية الإسلامية تنزع دوماً إلى الوصول إلى هذا المثل الإنساني الأعلى.. وتبرمج مسيرتها، وتصحح مواقفها على ضوء هذا المقياس، وهي تجد قبل هذا المثل الإنساني الحي، فكرة الكمال الإلهي المتسامي، وتعرف صفات الخالق العظيم؛ المتصف بالخير والكمال المطلق؛ من العدل والرحمة والصدق والكرم والحلم والعلم والشفقة والسلام.. إلخ، فتكون تلك الصفات محبوبة لدى الإنسان المسلم، لأنّها صفات معبوده، فهو دوماً يتجه نحوها، وينزع إلى الاتصاف بما يلائم إنسانيته من معانيها، أملاً في تحقيق مرضاة الله، وسعياً وراء الكمال الذي يوصله إلى النعيم والفردوس.

5 ـ الإتّزان:
ومن ميزات الشخصية الإسلامية أنّها شخصية متزنة لا يطغى على موقفها الانفعال، ولا يسيطر عليها التفكير المادي، ولا الانحراف الفكري المتأتي من سيولة العقل، وامتداده اللاّمعقول، كما لا يغطى جانب من الميول، والنوازع على بقية قوى الإنسان ودوافعه.
فالإنسان المسلم يطلب الدنيا، ويسعى للآخرة، ويستمتع بلذات الحياة، ويستعد لعالم الجزاء، ويعمل، ويفكر، وينتج؛ بحيث يملأ كل جوانب الحياة عطاءً ونشاطاً، وهو حينما يمارس هذا النشاط الحياتي؛ إنما يمارسه ضمن مفهوم روحي، وتفكير إيجابي، لا يفصل بين الدنيا والآخرة، بل يوحّد بينهما، ويربط بين أبعادهما، كما يربط بين السبب ونتيجته.. مستلهماً تلك الروح من وحي القرآن وتوجيهه: (وابتغ فيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الآخرةَ ولا تنسَ نصيبكَ مِنَ الدُّنيا وأحسِن كما أحسنَ الله إليكَ ولا تَبغ الفَسادَ في الأرضِ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المفسدِينَ) (القصص/ 77).
فهو دوماً شخصية متّزنة، يشبع كل جانب، ويعطي كل شيء حقّه، لا يفرط في شيء، ولا يتعدّى الحدّ المعقول في استعمال أي شيء..
إذا أحبّ أحبّ معتدلاً، وإذا أبغض أو غضب، أو عاقب كان معتدلاً، وإذا أكل، أو شرب، أو زهد، أو أنفق، كان معتدلاً.
(وإنْ عاقَبتُم فعاقِبُوا بِمِثْل ما عُوقبتُم بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُم لَهُوَ خَيْرٌ للصّابِرينَ) (النحل/ 126).
(والَّذِينَ إذا أنفَقوا لَمْ يُسرِفُوا وَلَمْ يَقتَرِفُوا وَلَمْ يَقتَروا وَكانَ بَينَ ذَلِكَ قواماً) (الفرقان/ 67).
(يا بَني آدَمَ خُذُوا زينتكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد كُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّه لا يُحِبُّ المسرِفينَ) (الأعراف/ 31).
وما أروع قول الله الجامع لكلّ أبعاد هذه الحقيقة السلوكية الهامة، وما أدق هذا القول وهو يوجه النبي العظيم (ص) إلى مكارم الأخلاق، ويضعه على وضوح من قانون الوجود المتوازن ليحقق بهذا الوضوح الانسجام الكامل مع الحقيقة الكونية الناطقة بعلم الله وحكمته: (فاستَقِمْ كَمَا اُمِرْتَ...) (هود/112).
فالقرآن الكريم حينما يطالب النبي بالاستقامة ـ وهي الاعتدال، والالتزام الوسط بين الافراط والتفريط ـ إنّما يستهدف الربط بين منطق الوجود في عموميته وبين سلوك الإنسان في الحياة (وَكُلُّ شَيء عِنْدَهُ بِمقدار) (الرعد/ 8).
فلكلّ شيء في هذه الحياة قدر وقيمة محدّدة، ولا تنتظم مسيرة الحياة إلاّ بالتعامل معه حسب قدره وقيمته.
فالمسلم حينما يأكل ويشرب، ويتزوّج، ويحب، ويكره، ويغضب، ويعاقب ويتكلّم، ويتعب وينام، وينفق ويتعبّد، ويزهد ويستمتع بالملذات، ويتعامل مع الآخرين.. إلخ، إنّما يمارس هذه الأفعال جميعاً وفق منطق الاعتدال، والاتّزان الذي يسيطر على نظام الحياة، ويتحكّم بمسيرة الوجود؛ من غير إسراف، ولا إفراط، أو تفريط، انطلاقاً من الإيمان بأنّ الاعتدال هو منطق الوجود، وهو قانون الحياة التي انتظمت أبعادها ومسيرتها على أساسه، وإنّ الخروج على هذا القانون الكوني العام يعرض الشخصية إلى الاهنزام والاضطراب، ويقود وجود الإنسان بكامل أبعاده الجسمية والروحية، والنفسية إلى الانهيار والشذوذ.
وقد سجّل لنا الإمام علي (ع) في إحدى خطبه بعض مظاهر الاتّزان في الشخصية الإسلامية في وصفه للمتقين، فقال: «فالمتقون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع».
ثمّ قال: «ومن علامة أحدهم أنّك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وعلماً في حلم، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتجملاً في فاقة، وصبراً في شدة، وطلباً في حلال، ونشاطاً في هدى، وتحرّجاً عن طمع».

6 ـ الإحساس الإنساني:  «يقظة الضمير والحس الوجداني»
تمتاز الشخصية الإسلامية بأنّها شخصية تتمتع بحس إنساني يقظ، وضمير متفتّح، يميل دوماً إلى التعاطف والرحمة، وينفر من القسوة والشدّة.
فالمسلم الملتزم سريع الاحساس، والمشاركة الوجدانية، رقيق القلب، متفتّح العاطفة؛ لذلك فهو سريع التفاعل والتعاون في مجالات البرّ والإحسان إلى الآخرين.. يخف إلى انقاذهم في شدائدهم، ويهب إلى مواساتهم في محنهم، ويشاطرهم في أفراحهم.. لا يقسو ولا يجفو..، مستوحياً هذه الروح من موقف القرآن الكريم..، رافضاً أن يكون من أولئك القساة الجفاة الذين لا يؤلفون، ولا يألفون أحداً، ولا ترق قلوبهم، ولا يحسون باحساس الآخرين، ولا يشاركونهم في أفراحهم، ولا يشاطرونهم أحزانهم.. أولئك الذين ماتت العواطف الإنسانية النبيلة في نفوسهم، وأجدبت من معاني الخير حياتهم: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كالحِجارَةِ أو أشَدُّ قسوَةً، وإِنَّ مِن الحِجارَة لَما يتفجَّرُ مِنْهُ الأَنهارُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الماءُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يهبطُ مِنْ خَشيَةِ الله، وَما اللهُ بِغافِل عَمَّا تَعمَلُونَ) (البقرة/ 74).
ويأتي اهتمام الإسلام بتربية الضمير، وتنمية الحس الوجداني كنتيجة لإيمانه بأنّ الضمير الحي، والحس الوجداني المرهف؛ هو الطريق إلى التفاعل، والترابط البشري السليم، وهو القاعدة النفسيّة التي تشاد عليها اُسس العلائق، والروابط الإنسانية..
وقد حثّت الأحاديث، والروايات المتعدّدة على ذلك وحببته وزينته بقدر ما كرّهت القسوة، والجفوة وغيبة الضمير.. فقد رُوي عن الرسول الأعظم (ص) قوله: «يقول الله تعالى اطلبوا الفضل من الرحماء من عبادي؛ تعيشوا في أكنافهم، فإنِّي جعلت فيهم رحمتي، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم، فإنِّي جعلت فيهم سخطي».
ولعلّ من أبرز مظاهر يقظة الضمير، هو مظهر الإحساس بالذنب، والشعور بالخطيئة، ومحاسبة النفس عليها، تمهيداً لرفضها، والإنابة منها، والتوبة من العودة إليها.
وتتجلّى هذه الظاهرة بأسمى صورها في شخصية الإنسان المسلم؛ عندما تعيش بوعيه وإحساسه كأرقى ما تكون صور الحس، واليقظة الوجدانية.
فقد رُوي عن الإمام الكاظم موسى بن جعفر الصادق (ع) أنّه قال: «ليس منّا مَن لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسنة استزاد الله تعالى، وإن عمل سيئة استغفر الله منها وتاب إليه».

7 ـ النزوع القيادي:
يشعر الإنسان المسلم دوماً أنّ على عاتقه مسؤولية رسالية كبرى، ودوراً تاريخياً مهماً، يجب عليه أن ينهض به ويؤديه. وهذا الدور هو اصلاح البشرية، وهدايتها، وقيادتها نحو شاطئ العدل والسلام، فهو يؤمن دوماً بأنّه داعية خير، ورائد اصلاح، ومتمم لمسيرة الأنبياء في تبليغ رسالة الإيمان، وإنقاذ البشرية.
لذا فهو لا يقنع من نفسه بإصلاح نفسه فقط، ولا يقر اللجوء، إلى الانكماش والعزلة والابتعاد عن أوضاع مجتمعه وعالمه، ولا يرضى بأن يكون مقوداً بغير قيادة الإيمان، ولا يعترف بتسليم قيادة البشرية لأيدي جاهلية لا تعرف معنى الاصلاح، ولا تفكر بالخير، ولا يعنيها في أي هاوية سقطت البشرية.
وهذا النزوع القيادي يربِّيه القرآن الكريم في نفس الإنسان المسلم، ويحثه عليه، كما في قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلناكُمْ أُمَّة وَسَطَاً لِتَكُونُوا شُهَداء عَلى النّاس وَيَكُون الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة/ 143).
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزواجنا وذرّيّاتنا قُرَّةَ أعين واجعَلنا للمتّقِينَ إماماً) (الفرقان/ 74).
فالقرآن هنا وفي الآية الاُولى، خاطب المسلمين ونبيهم بأنّهم الشهداء على الناس يوم القيامة، لأنّهم هم الدعاة، وهم المبلّغون لرسالة الإيمان، وهم القادة إلى الخير، وفي الآية الثانية يسوق أهداف الإنسان المؤمن القيادية لصيغة الدعاء فيقول: (واجعلنا للمتقين إماماً)، أي اجعلنا قادة للإيمان والتقوى، والخير والصلاح.
ويظهر هذا النزوع واضحاً في الدعاء الذي يردّده المسلم بقصد التقرّب إلى الله سبحانه: «اللّهمّ إنّا نرغبُ إليك في دولة كريمة، تُعزّ بها الإسلام وأهلهُ، وتذلُّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدّعاة إلى طاعتك، والقادةِ إلى سبيلك، وترزقنا فيها كرامةَ الدُّنيا والآخرة».

ارسال التعليق

Top