• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أهمية حبّ الطفل للإسلام

أهمية حبّ الطفل للإسلام
◄إنّ المحبة والعطف والحنان التي وضعها الله تعالى في قلوب الآباء تجاه أبنائهم تدفع بهؤلاء الآباء إلى بذل كل غال وثمين من أجل إسعاد هؤلاء الأبناء لأنّهم يمثلون ثمرة فؤادهم وفلذة كبدهم ومعقد آمالهم، وأخيراً.. أحلامهم التي لم تتحقق بعد. ولابدّ من التركيز على الجملة الأخيرة بالذات، إذ إنّ الآباء – في الغالب – يحاولون أن يحققوا في أبنائهم ما عجزوا عن تحقيقه لأنفسهم.. وهذا أمر طبيعي لأنّ الآباء يرجون لأبنائهم كلّ الخير.. فيتمنون أن يحققوا لهم التفوق الدراسي.. وأن يحصلوا على الوظيفة الجيدة أو العمل المرموق.. ومن ثم الزواج الناجح والسعيد.. وأخيراً.. أن يُرزقوا بأولاد أصحاء وذرية صالحة. لكن ما يغفل عنه الكثير من الآباء هو أنّ الآمال التي يعقدونها على أبنائهم والأحلام التي ينسجونها حول مستقبلهم قد لا تتحقق أبداً وذلك لسبب مهم جدّاً هو أنّ مثل هذه الآمال والأحلام قد لا تتناسب مع إمكانات هؤلاء الأبناء. فهل تتوقع من الطفل الذي لم ينعم بالكثير من الذكاء والتركيز أن يحقق التفوق الدراسي؟ وهل تتوقع من الطفل الذي لا يتمتع بالحركة والنشاط الطبيعي أن يصبح بطلاً رياضياً؟ وهل تتوقع من الطفل الفاقد للطموح والتطلع نحو الأفضل أن يتقلد مركزاً جيداً ووظيفة مرموقة؟ والأهم من كل ذلك، إنّ مثل هذه الآمال والأحلام لو قُدِّر لها أن تتحقق بالجملة، فسنشهد مجتمعاً مكتظاً بالموظفين أو الرياضيين فقط بينما ستكون هناك في المقابل أزمة في سائر المجالات والأعمال الأخرى، الأمر الذي لا يمكن أن تستقيم معه الحياة. فلو أصبح الجميع رياضيون – مثلاً – فمن سيكون مزارعاً أو صانعاً أو خبازاً أو نجاراً أو حداداً أو عامل نظافة إذن؟ صحيح إنّ الآباء لا يتمنون هذه الوظائف والمهن لأبنائهم، لكن هناك حاجة حقيقية لها ولابدّ أن يشغلها شخص ما، وهذا الشخص قد يكون ابني أو ابنك. فما هو الحل إذن؟ الحل هو أوّلاً أن لا ننسى قاعدة أساسية ثابتة تقول: إنّ الله تعالى قد جعل المواهب والإمكانات مختلفة لدى الناس لكي تتكامل المجتمعات ويتعاون هؤلاء الناس فيما بينهم على أساس حاجة بعضهم إلى بعض وذلك لخدمة هدف أساسي وغاية كبيرة رسمها الله تعالى للبشر وهي عمارة الأرض؛ ومن ثمّ أن ينطلق الآباء من خلال الآمال والأحلام التي تتلائم مع مواهب أبنائهم وإمكاناتهم وبالتالي لا يضطرون إلى ممارسة الضغوط النفسية والجسدية ضد أبنائهم لتحقيق أحلام بعيدة المنال وصعبة التحقيق، والتي قد يدفنون بسببها مواهبهم الطبيعية وتطلعاتهم الذاتية التي قد تتعارض تماماً مع أحلام الآباء. إنّ الكثير من الآباء – وللأسف – يضحّون بواجباتهم الحقيقية تجاه أبنائهم في سبيل تحقيق ما يستحيل تحقيقه، صحيح أنّ من واجب الآباء أن يهتموا بسعادة أبنائهم ومستقبلهم في الحياة إلا أنّ الصحيح أيضاً أن يتركوا أبناءهم ليحققوا ذواتهم لا أن يكونوا صورة لآمالهم وأحلامهم التي عجزوا عن تحقيقها. إنّ من واجب الآباء أن يهتموا بمستقبل أبنائهم الأخروي كما يهتمون بمستقبلهم الدنيوي؛ بل وأكثر من ذلك، فالمطلوب من الآباء أن يتدخلوا حتى في المفردات الجزئية من حياة أبنائهم، ويضعوا حداً لأي تساهل مع الواجبات الدينية أو محاولة التفريط بها، لأنّ نتائج هذا النوع من التفريط أكبر بكثير من التفريط بالأمور الدنيوية، وهل هناك وجه للمقارنة بين فشل الدنيا وعذاب الآخرة؟! إنّ حلم الآباء يجب أن يدور حول ترسيخ إيمان أبنائهم بالله وتقوية جذور عقيدتهم بدينهم وولائهم لنبيهم (ص) وأئمتهم الأطهار (عليهم السلام)، لأنّ النفوس التي تستقيم على الإيمان، والعقول التي تترسخ فيها العقيدة، والأقدام التي تسير على طريق الولاء ستحقق الكثير الكثير.. إنها ستحقق عزة النفس وكرامة الحياة وشرف العيش والنجاح في العمل والوظيفة التي يقدرها الله تعالى والسعادة الحقيقية للذات وللغير، كما سيكون هؤلاء الأبناء ذخراً لآبائهم في الآخرة كما هو حال "الصدقة الجارية"؛ وهذا هو الأهم بالطبع.   أهمية محبة الطفل للإسلام: هناك أسباب كثيرة تدفع بالآباء إلى الاهتمام بمسألة حب الإسلام وغرسه في قلوب أبنائهم نشير إلى أهمها: 1-     هناك حكمة تقول: "إنّ من شبّ على شيء شاب عليه" وبالتالي يجب أن لا نتوقع أن يصبح أبناؤنا مؤمنين حقاً ومتمسكين بعقيدة راسخة وولاء ثابت إلا إذا أحبوا الإسلام في صغرهم وعايشوه منذ نعومة أظفارهم. 2-     إنّ الأبناء هم أمانة الله بيد الآباء والمربين والمجتمع، وبالتالي فهؤلاء جميعاً مسؤولون عن هذه الأمانة ومحاسبون على التفريط فيها، كما أنهم مأجورون أيضاً إن حافظوا عليها وأحسنوا إليها، هل هناك إحسانٌ أفضل من الهداية إلى الإسلام والتمسك بحبل الله المتين؟! 3-     إنّ مرحلة الطفولة تتميز عن المراحل الأخرى بحالة الصفاء النفسي وخلو الفكر والاستعداد لاستقبال كلّ ما يأتي من الآخرين، فهل نجد أفضل من حبّ الإسلام لنملأ به هذا الفراغ الكبير في قلب الطفل وفكره وعقله؟. 4-     إنّ مرحلة الطفولة تتميز أيضاً بقوة الحفظ وحدة الذكاء، والسبب ناتج بالطبع عن قلة الهموم والمشاكل التي غالباً ما يعاني منها الكبار، لهذا فمن الضروري أن تُستغل هذه الملكات لدى الطفل في مجال الخير والتوجيه الصحيح، والإسلام يمثل الخير كله. 5-     مرحلة الطفولة تتميز أيضاً بالبراءة والطهر، حيث لم يتعرض الطفل بعد للصور السيئة والمناظر القاتمة والأفكار السوداء والهدامة، ولم يتلوث عقله بالنظريات الفكرية الفاسدة التي تحول بينه وبين الاهتمام بأمور الدين، بخلاف ما لو بدأ التوجيه في مراحل متقدمة قليلاً حيث لم تتشكل لديه بعد الأفكار التي تحول دون تقبله للثقافة الدينية والإسلامية.   كيف نحبب الإسلام لأطفالنا؟ إنّ أوّل العوامل التي تساعدنا على إدخال محبة الإسلام إلى قلوب أطفالنا هو أن نكون قدوة صالحة لأطفالنا وأن نحب الإسلام أوّلاً وقبل أن نطلب منهم أن يفعلوا ذلك، فالطفل يرى العالم بعيون والديه، والكثير من الأمور التي اقتنع الطفل بأنها حسنة أو سيئة إنما اقتنع بها لأنّه سمع من أبويه ذلك أو لاحظ طبيعة تعاملهما معها؛ كما إنّ مهمة الأبوين في هذا المجال لا تقتصر على مرحلة واحدة من عمر الطفل بل إنّ حبّ الإسلام يأتي من مراحل متقدمة جدّاً: ·       الاختيار الصحيح: من أوّل حقوق الطفل على أبيه هو أن يختار له أماً صالحة ومؤمنة وقادرة على تنشئته نشأة صحيحة وسليمة كما إنّ من أوّل حقوق الطفل على أمه هو أن تختار له أباً صالحاً ومؤمناً قادراً على تربيته تربية صحيحة وسليمة حيث يقول الرسول (ص): "انكحوا الأكفاء، وانكحوا منهم، واختاروا لنطفكم" وقال أمير المؤمنين (ع): "وانظر في أي نصاب تضع ولدك، فإنّ العرق دساس" وعن الإمام الصادق (ع): "عليك بذات الدين تربت يداك". ولابدّ من القول هنا بأنّ من غير الحكمة المغامرة بسعادة الإنسان ومستقبل الأولاد في اختيار الزوج كما لو يتم الاختيار على أساس أن يهتدي الزوج بعد الزواج، وهي مخاطرة غير مأمونة العواقب، لأنّ الهداية هي أوّلاً وأخيراً من الله تعالى، وبالتالي ماذا لو لم تتحقق هذه الهداية، إنها ستنعكس سلباً على الطفل بالتأكيد، وإنّ بإمكان الزوج أو الزوجة أن يستبدلا شريكهما في حال لم يهتديا لكن هل بإمكان الطفل أن يغير أباه أو أُمّه؟!. ·       الجنين الواعي: ليس من باب المبالغة القول بأنّ بإمكان الطفل أن يحبّ الإسلام وهو لا يزال جنيناً في بطن أُمّه، فهو يستشعر حبّ أُمّه وإخلاصها لدينها وقيامها بواجباتها نحوه واستماعها للقرآن الكريم أو الأناشيد والمواليد الدينية والقصائد الحسينية، وبالتالي تنتقل هذه المشاعر بصورة طبيعية إلى الطفل من خلال استماعه لصوت أمه التي تناجي ربها في صلاتها أو صوت القرآن الكريم الذي ينطلق من المذياع أو جهاز التسجيل وكذلك الأشعار الحسينية وقصائد الموالِد والتي تبث في الطفل روح الولاء والانتماء الصحيح. ·       ما بعد الولادة: من الواجب أن يكون أوّل ما يطرق سمع المولود هو الأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في اليسرى؛ وذلك تطبيقاً لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف وسنة رسول الله (ص). وفي هذه المرحلة يستطيع الطفل أن يحبّ دينه من خلال ما يراه في عيون وتصرفات من حوله – خاصة الوالدين – واتجاهاتهم الذهنية نحو الإسلام، فلن يشب مسلماً حقاً إلا إذا كانوا هم هكذا، وقد روي عن رسول الله (ص) أنّه قال: من يولد يولد على الفطرة، وأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟ قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين". فعندما يسمعهم الطفل يرددون مقاطع مثل: "الله ربي، محمد نبيي، والإسلام ديني والقبلة كعبتي و.." أو "يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك" أو "الحمد لله على نعمة الإسلام" فسيزداد قلبه تعلقاً ومحبة لهذا الدين الحنيف وكذلك الحال لو رأى أبويه وهم يؤديان واجباتهما الدينية. ·       بين الثالثة والسادسة: وهي مرحلة طرح الأسئلة والاستفسارات وحل الألغاز البسيطة وربط الأشياء فيجب أن نوضح للطفل أنّ الإنسان بحاجة دائماً إلى من يعتمد ويتوكل عليه، وبحاجة إلى قوة عظمى (بالطبع يجب أن تكون عادلة)! تكفل له العيش الكريم، والأمن والاطمئنان.. قوة تعطيه ما يسأل، وتمنع عنه ما يخاف، وتفصل بينه وبين غيره بالحقِّ، قوة تحقق له أمانيه، وتحفظ روحه وجسده من الهلاك، هذه القوة العظمى هي "الله سبحانه وتعالى". وإنّ الإيمان بهذه القوة هو الركن الأوّل من أركان الإسلام ويعتد بهذه القوة عبر تطبيق تعاليم هذا الإسلام، ولابدّ من ذكر هذه الأفكار مدعومة بالقصص والحكايات المختلفة. ·       بين السابعة والعاشرة: إنّ هذه المرحلة تتطلب أن يحبّ الطفل الإسلام على مستويين الأوّل كدين له أصول وهي: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، والميعاد وله فروعه وهي: الصلاة والصوم والخمس والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولي لأولياء الله والتبري من أعداء الله. والمستوى الثاني كدين له منهج وسلوك، ومن الممكن أن نعرِّفهم بآداب وسلوكيات الإسلام من خلال القصص والحكايات والبرامج التلفزيونية (إن وُجِدت). كما يجب علينا أن نعلّمه في هذه المرحلة المواضبة على ذكر الله من خلال تعليمه بعض العبارات والجمل لأنّ الله سيكون معه دوماً وأينما كان فيبارك له عمله ويعينه على مشاكله. ·       بين الحادية عشرة والرابعة عشرة: في هذه المرحلة يكون النصح والإرشاد عقيمين إن لم نتعامل معه كأصدقاء، وإن لم يأخذ الحديث شكل الحوار الهادئ الهادف، بدلاً من إصدار الأوامر والتعليمات، مع الاستفادة من الجلسات الجماعية التي تضمه مع أصدقائه أو المقربين إليه... ومن خلال ذلك ينبغي أن نقوم بشرح معاني أصول الدين وأركانه بأسلوب جميل ومقنع حتى لا يترك في ذهن الطفل أي شك أو شبهة. ·       بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة: ويجب أن نحرص جدّاً عند توجيه الطفل في هذه المرحلة من العمر فنشرح له حقيقة الدِّين وطبيعة الإيمان والاعتقاد فيه ونعلّمه مثلاً أنّ شهادة التوحيد يجب أن تكون بالقلب واللسان وأن تنعكس على العمل، فلا خير في النطق بالشهادتين باللسان فقط بينما يشرك الإنسان بربه ويرجح أهواءه ورغباته على تعاليم دينه، وبالتالي يجب تعليم الطفل وتدريبه على الإخلاص لله في القول والفعل؛ وأنّ عليه أن يضع الاعتبار الأساسي لله لأنّ ما دون الله لا شيء، وأنّه تعالى هو المهيمن على ما دونه.

كما ينبغي أن نوضح له أنّ الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقبض عن من يشاء، وأن تقلب الحال هذا طبيعي وكي لا يغتر الإنسان بنفسه أو يطيب له البسط فيبتعد عن ربه ويطمئن إلى الدنيا، وفي نفس الوقت كي لا يضيق بحياته إن استمر به القبض طويلاً... فينبغي للمسلم أن يعبد الله المسبب لتغير الأحوال ويرضى بما قسمه له لا أن يعبد الأحوال ذاتها أو يجزع من حاله ووضعه.

المصدر: كتاب فنُّ تربية الطفل

ارسال التعليق

Top