لقد حدد الرسول (ص) الهدف من بعثته فقال: "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وعندما تقع ابنة حاتم الطائي في الأسر.. يقول المعلم الأوّل محمّد (ص) لأصحابه: "اتركوها فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق".
ويحب رسول الله أخلاقيات عنترة (الشاعر الجاهلي) في قوله:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي **** حتى يواري جارتي مأواها
قبل الحضارة الإسلامية وبعدها قامت إمبراطوريات وشمخت دول.. فكيف إنهارت.. ولماذا؟ لضمور الجانب الأخلاقي في تلك الأُمم.
إنما الأُمم الأخلاق ما بقيت **** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
في عالم اليوم قد تجد إنساناً في غاية الدماثة والكياسة.. فإذا عاملته بالدرهم والدينار وجدته لصاً.. وإذا تعرّفت عليه في عالم السياسة وجدته ذئباً يسير على قاعدة: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب.. وإذا راقبته في أموره.. رأيت مذهبه مصلحتي أوّلاً وأخيراً.. وإذا متّ ظمآناً فلا نزل القطر. في عالم اليوم تجد الرجل الإنكليزي في بريطانيا والأمريكي في الولايات المتحدة مثلاً، على غاية من الالتزام بأخلاقيات المواطن الصالح.. في بيته وعمله ومعاملاته مع الآخرين.. فإذا خرج هذا الإنسان إلى إحدى المستعمرات مثلاً.. تحوّل من إنسان إلى وحش.. نسي إنسانيته أو تركها في بلده وجاء إلى هنا يستعبد الناس وينهب ثرواتهم ويحرمهم أدنى حقوقهم.. وهو مازال يشعر بالرضا.. فأخلاقيات المواطن الصالح تدفعه إلى ذلك.
الأخلاق عندهم مصلحة مرتبطة بالزمان والمكان والنفع والضرر.
أمّا في المنهج التربوي الإسلامي فالفضيلة هي الصفة الجامعة للخصائص التي يجب أن يتميز بها الإنسان في الفكر والسلوك.. مما يجعل الأخلاق جوهر العملية التربوية.. الأخلاق في كلّ شيء.. في القول والعمل، في البيت والشارع، في المصنع والمتجر، في السياسة والمعاملات.. في بلدك وفي بلدان الآخرين.. فهي أخلاق تنبعث من عقيدة المسلم ومبادئه.. لا من أنانياته ومصالحه. والفرائض التي افترضها الإسلام على المسلمين إن هي إلّا تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة وأن يظلّ متمسكاً بهذه الأخلاق مهما تغيرت أمامه الظروف.
ففي الصلاة مثلاً يقول تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45).
وكذلك الأمر في بقية العبادات فهي مدارج الكمال المنشود وروافد التطهر الذي يصون الحياة ويعلي شأنها.
ولا يقتصر حسن الخلق على مجرد الفعل، وذلك لأنّ الصورة الظاهرة (الخَلق) قد لا تعبر عن الصورة الباطنة (الخُلق) فربَّ شخصٍ خلقه السخاء ولا يبذل إما لفقد المال وربّما يكون خلقه البخل وهو يبذل لباعث أو رياء.
المصدر: كتاب التربية ودورها في تشكيل السلوك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق