لقد أوصى القرآن الكريم بمنهج آخر للتربية، والقرآن كتاب موعظة وشفاءٍ للقلوب، كما يحدثنا هو عن نفسه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) (يونس/ 57)، وفي دعوة الآخرين إلى سبيل الله أمر القرآن باتباع الموعظة الحسنة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل/ 125).
والروايات أيضاً مليئة بالمواعظ التي تحيي الناس وتهديهم، والرسول الأكرم (ص) يقول: "ما تصدق مؤمن بصدقة أحب إلى الله من موعظة يعظ بها قوماً يتفرقون وقد نفعهم الله بها وهي أفضل من عبادة سنة"، وقال عليّ (ع): "المواعظ حياة القلوب".
خصائص الموعظة:
تتمايز المواعظ عن الحكمة من عدة جهات، فالحكمة تعتمد على العقل والبرهان، والموعظة تعتمد على الإحساس، وفي الموعظة يبذل المربي جهده بالاستفادة من طرق معرفة الروح والنصائح العاطفية من أجل التأثير في العواطف، والحكمة تعليم، وأما الموعظة فتذكر وتنبه المخاطب إلى مكنوناته الوجدانية (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90)، والموعظة تصنف ضمن نطاق الاعتقاد وتحتاج إلى روح معنوية، ويستفيد المربي من مطالب وموضوعات يؤمن بها وقلبه متعلق بها مثل آيات القرآن وكلام المعصومين أو كلمات كبار العلم والأدب ومربي الأخلاق والحكماء والأدباء والشعراء الذين يحترمهم المخاطب، وقد يكون المحدث مقنعاً أحياناً إلى درجة أنّ المخاطب يؤمن ويعتقد به ويتقبل كلامه بسلامة ومرونة من صميم روحه؛ مثل الأب والأُم والمعلم والأستاذ والمربي وعالم الدين والواعظ الأخلاقي.
من الملفت أنّ ما جاء في الآية الكريمة من "الموعظة الحسنة" بعنوان أنها طريقة هداية ودعوة يعني الموعظة التي يكون المربي نفسه عاملاً بها حتى لا يكون هناك تضاد بين قوله وفعله، وذلك من حيث الأهمية الكبيرة لدور المربي وللحالة المعنوية للواعظ؛ ولهذا لم يكن تأثير ونفوذ كلامهما واحداً على الجميع. فعندما يقع الكلام في القلب يكون نابعاً من القلب.
في تشبيه الإمام الصادق (ع) للواعظ يقول: "مثل الواعظ والمتعظ كاليقظان والراقد، فمن استيقظ عن رقدة غفلته ومخالفاته ومعاصيه صلح أن يوقظ غيره من ذلك الرقاد".
على هذا، فإنّ تأثير الموعظة، وقبل كلّ شيء، مرتبط بدور المربي ومقدار روحياته، وهذا التأثير يصل إلى حد أنّه يؤدي إلى جذب المخاطب إلى أعلى المراحل الأخلاقية.
عندما كان عليّ (ع) يلقي الخطبة المعروفة التي تشرح صفات "المتقين" على همام، فقد كانت هذه الخطبة مؤثرة إلى درجة أن همّام صاح صيحة، ومن شدة تأثره أسلم الروح.
ومن الجدير بالذكر أنّه يوجد بالإضافة إلى قول وفعل المربين عوامل أخرى لها دور مهم من أجل أن تؤدي الموعظة دورها، ومن جملتها الواعظ الداخلي وهو الوجدان أو الضمير، ومنها التجارب الفردية، والحوادث، ومصير الآخرين التي أشير لها في الروايات، يقول عليّ (ع): "العاقل من اتعظ بغيره"، و"خير ما جرّبت ما وعظك".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق