(ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى/ 23).
المراد من القربى في هذه الآية الكريمة، قرابة النبي (ص) وهم عترته من أهل بيته (ع)، وقد وردت بذلك روايات من طرق أهل السنة، وتكاثرت الأخبار من طرق الشيعة على تفسير الآية بمودّتهم وموالاتهم، ويؤيده الأخبار المتواترة من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيت ومحبتهم.
مودّة أهل البيت (ع) وحبّهم واجب مفترض، ودين ندين الله تبارك وتعالى به، وعبادة نتعبده بها جلّت قدرته، كلما تلونا قوله سبحانه آناء الليل وأطراف النهار وعلى كرّ الدهور والأعصار سراً وعلانية: (.. قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...) (الشورى/ 23).
أخرج الحافظ أبو عبدالله الملا في سيرته أنّ رسول الله (ص) قال: (إن الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي وإني سائلكم غداً عنهم). ورواه الطبري في الذخائر ص25، وابن حجر في الصواعق ص102 و ص136، والسمهودي في جواهر العقدين.
وجاء في (نظم درر السمطين) للزرندي عن الحسن (ع): (..وأنا من أهل البيت الذي افترض الله تعالى مودتهم على كل مسلم وأنزل الله فيهم: (.. قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا...) (الشورى/ 23)، واقتراب الحسنة مودتنا أهل البيت). أخرجه الطبراني والبزاز وأبو الفرج وابن أبي الحديد والبيهقي وابن الصباغ المالكي والكنجي والنسّائي وابن حجر والصفوري الحضرمي، ورواه جماعة من أصحاب السير وغيرهم.
في المحاسن عن الإمام محمد الباقر (ع) أنه سئل عن هذه الآية فقال: (هي والله فريضة من الله على العباد لمحمد (ص) في أهل بيته). تفسير الصافي ج4، ص372.
في الكافي عن الإمام الحسن المجتبى (ع) أنه قال في خطبة: (أنا من أهل بيت افترض الله مودّتهم على كل مسلم فقال: (.. لا أَسْأَلُكُمْ...) (الشورى/ 23)، إلى قوله (.. حُسْنًا...) (الشورى/ 23)، قال فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت).
في مجمع البيان عن الإمام الحسن (ع) أنه خطب فقال (..أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلم...).
قال في الكشاف عند تفسير آية المودّة: (وليست "في" بصلة للمودّة كاللام إذا قلت: "إلاّ المودّة للقربى"، إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك المال في الكيس، وتقديره إلاّ المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها).
- فرض مودتهم نظما:
نظم كثير من الشعراء وجوب مودة أهل البيت (ع)، وهذه مقاطع من بعضها:
لشمس الدين ابن عربي قال:
رأيت ولائي آل طه فريضة
على رغم أهل البعد يورثني القربا
فما طلب المبعوث أجراً على الهدى
بتبليغه إلاّ المودّة في القربى
ذكره في الصواعق ص101.
لأبي الحسن بن جبير قال:
أحبّ النبي المصطفى وابن عمه
عليّاً وسبطيه وفاطمة الزهرا
هم أهل بيت أذهب الرجس عنهم
وأطلعهم أفق الهدى أنجماً زهرا
موالاتهم فرض على كل مسلم
وحبّهم أسنى الذخائر للأخرى
ذكره الشبلنجي في نور الأبصار، ص13.
للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني قال:
لقد حاز آل المصطفى أشرف الفخر
بنسبتهم للطاهر الطيب الذكر
فحبّهم فرض على كل مؤمن
أشار إليه الله في محكم الذكر
ذكره في كشف الغطاء، ج1، ص19.
يا أهل بيت رسول الله حبكم
فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الفخر أنكم
من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له
أخرجه أحمد في مسنده، ج6، ص323.
- ماذا تعني لفظة (المودة):
تأتي بمعنى (الموالاة) كما في قوله تبارك وتعالى في (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...) (المجادلة/ 22). في المجمع عن ابن عباس قال: "لما نزلت هذه الآية: (.. قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ...) (الشورى/ 23)، قالوا يا رسول الله (ص): من هؤلاء الذين أمرنا بموالاتهم؟ قال: علي وفاطمة وولدهما (ع)".
وتأتي بمعنى (المحبة) في تفسير الميزان، ج18، ص46: "على أن المستعمل في الآية هو المودّة دون التودّد، فالمراد بالمودّة حبهم لله في التقرب إليه...".
وعليه فموالاة أهلى البيت ومحبتهم (ع) من الواجبات المفروضة على المسلمين. فلننظر ما هذه الموالاة والمحبة المفروضتان؟
في غريب القرآن حرف (الواو): "الموالاة بين الشيئين: المتابعة".
وفيه: "الولاية، النصرة".
في مجمع البحرين باب ما أوّله (واو): "والولي هو الذي له النصرة والمعونة".
وفيه: "قوله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ...).. وأولياء الشيطان أنصاره وأتباعه".
وفيه: "قوله تعالى: (.. وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ...) (المائدة/ 51)، أي ومن يتبعهم وينصرهم".
وفي مجمع البحرين أيضاً باب حرف (الباء) ما أوّله (الحاء): "قوله تعالى: (.. يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ...) (المائدة/ 54)، قيل:..وحبّ العباد لله أن يطيعوه ولا يعصوه".
وفيه، عن الحسن (ع): "زعم أقوام أنهم يحبّون الله، فأراد أن يجعل لقولهم تصديقاً من عمل، فمن ادّعى محبته وخالف سنّة رسول الله (ص) فهو كذّاب وكتاب الله يكذّبه".
ومن هذا نخلص إلى أن المراد من موالاة أهل البيت (ع) ومحبتهم، هو: النصرة والاتباع والطاعة. ولا شك أننا مسؤولون عن هذه الطاعة والمتابعة.
وإذا ثبت ذلك، فالأمر بطاعتهم واتباعهم يعني أنهم الهداة إليه تبارك وتعالى والأدلاّء إلى سبيله، وبهذا يمكن الجمع بين الأجرَين في آية: (.. إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...) (الشورى/ 23)، و (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا) (الفرقان/ 57). فعلى من أراد السير في سبيل الله عزّ سلطانه أن يتّخذهم (ع) وسيلة وقدوة. ولأجل هذا طهّرهم تطهيراً – أي عصمهم في مقام التبليغ والارشاد عن الخطأ والخطل والزيغ والزلل – قال جلّت قدرته في (.. إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب/ 33). والطهارة في هذه الآية تعني: طهارة الروح والنفس والذات والكمال في كل شيء.
وبه – أي بالأمر بطاعتهم واتباعهم (ع) – يمكن الجمع أيضاً بين الآيات اللاحقة، في قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة/ 55). وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ...) (النساء/ 59)، وقوله تبارك وتعالى في: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/ 119).
- المسلمون وآية المودة:
مع اجماع المسلمين على اختلاف مذاهبهم – والله ليؤسفني ويؤلمني أن أقول: (اختلاف مذاهبم) إذ الربّ واحد والنبي واحد والدين هو الإسلام!! – على المودّة لأهل البيت (ع). فهل اتبعوهم ووالوهم حقاً فأطاعوهم في أوامرهم وانزجروا عند نواهيهم واقتدوا بهم في سلوكهم وأخلاقهم واتبعوا سيرتهم؟
وأراني لست مغالياً إذا قلت إن أكثر المسلمين إن لم يكن جميعهم إلاّ من رحم ربي – سنّة وشيعة – اكتفوا بالقول (الحبّ) دون العمل (الطاعة والاقتداء)!!
إن الحبّ المجرد من غير طاعة واتباع لا ينفع صاحبه، لأن الحبّ إذا لم يؤدّ إلى الطاعة والاتباع، كما قوله تعالى: (.. يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ...) (المائدة/ 54)، إن حبّ العباد لله أن يطيعوه ولا يعصوه. وفي معنى (حبّ الرسول من الإيمان): المراد اتّباعه، كما في مجمع البحرين. يكون لغواً أو – والعياذ بالله – استهزاءً.
ماذا نقول في من يقول لأبيه أو أمّه أو صديقه أو رئيسه: إني أحبّك. ثم لا يطيعهم ولا يمتثل أوامرهم؟ هل هو صادق في قوله (أحبّكم)؟ أوليس لكل أحد أن يقول له أيّ محبة هذه التي تدّعي؟ إن أنت إلاّ هازىء كذاب.
وفي أن الحّب وحده لا ينفع وردت أحاديث كثيرة نكتفي بذكر أحدها:
في الكافي عن الإمام محمد الباقر (ع) قال لجابر: "يا جابر: أيكتفي من انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله، وما كانوا يعرفون يا جابر، إلاّ بالتواضع والتخشّع وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والتعهّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير فكانوا أمناء عشائرهم". فقال جابر: "يا ابن رسول الله (ص): لست أعرف أحداً بهذه الصفة. فقال (ع): "يا جابر: لا تذهبنّ بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول أحبّ علياً وأتولاه، فلو قال إني أحبّ رسول الله (ص) فرسول الله (ص) خير من عليّ (ع)، ثم لا يعمل بعمله ولا يتبع سنّته ما نفعه حبه شيئاً. فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته. والله ما يُتقرب إلى الله إلاّ بالطاعة، ما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة. من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، ولا تُنال ولا يتنا إلاّ بالورع والعمل".
وليس لنا إلاّ أن نقرن ادعاء المحبة بالطاعة والاتّباع، فإنهم (ع) لا يخرجوننا من باب هداية إلى ضلالة أو جهالة، وأن نلزمهم فلا نتقدمهم ولا نتأخر عنهم، ففي الدعاء: "المتقدّم لهم مارق، والمتخلّف عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق". وأن نحفظ مودتهم لنكون من المؤمنين حقاً. في الحديث – كما في مجمع البيان – عن أمير المؤمنين عليّ (ع) قال: "فينا في آل حم آية لا يحفظ مودّتنا إلاّ كل مؤمن..." ذكره ابن حجر في الصواعق ص101، أيضاً والسمهودي في جواهر العقدين. وأن نتولاهم حقاً لنحظى بالجنة وهي غاية المرام وحسن الختام. وفي الحديث عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) إنه قال: "ألا تحمدون الله، إذا كان يوم القيامة فدُعِيَ كل قوم إلى من يتولّونه، وفزعنا إلى رسول الله (ص) وفزعتم إلينا، فإلى أين ترون يُذهب بكم؟ إلى الجنّة وربّ الكعبة، إلى الجنّة وربّ الكعبة، إلى الجنّة وربّ الكعبة".
فيا أيها المسلمون: لا تكتفوا بالقول بحبّهم بل اقرنوه بالطاعة التي هي طاعة الله المقرونة بها: (.. أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ...) (النساء/ 59)، تكونوا أولياء محمد وآل محمد (ص)، فعن أمير المؤمنين عليّ (ع): "إنّ وليّ محمد (ص) من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإنّ عدو محمد (ص) من عصى الله وإن قربت لحمته". فإلى خير العمل، حي على خير العمل.
- أخذ الاجر على تبليغ الرسالة:
جميع الأنبياء صلوات الله عليهم لم يسألوا قومهم أجراً على تبليغ رسالات ربّهم، وكلهم قال عند تبليغ الرسالة: (.. إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ...) (يونس/ 72) على لسان نوح (ع): (وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ...) (هود/ 29). وعلى لسان هود (ع) في: (يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ) (هود/ 51)، وهكذا في: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء/ 145) على لسان صالح (ع)، وفي (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء/ 164) على لسان لوط (ع)، وفيها أيضاً، (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء/ 180) على لسان شعيب (ع).
إلاّ نبيّنا (ص) سألهم أجراً على تبليغ رسالته، لماذا؟ إن الأجر الذي طلبه (ص) لم يكن أجراً دنيوياً أو أي منفعة شخصية من مال وغيره، إلاّ استجابة الدعوة: (.. مَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا) (المزمل/ 19)، وإلاّ: (.. الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...) (الشورى/ 23). وقد تبيّن لنا سابقاً أن الآيتين توضح وتفسر إحداهما الأخرى، فالأجر إذاً واحد، علمنا من ذلك مدى اهتمام الرسول الأكرم (ص) بل اهتمام ربّ العزّة تبارك وتعالى بأهل بيت نبيّه وعترته الطاهرة (ص)، واعلاء شأنهم وبيان مكانتهم وعظيم قدرهم ووجوب طاعتهم واتباعهم. ومنه يتوضح معنى قول النبيّ الكريم (ص) بأن أهل بيته (ع): "عدل القرآن" وأنهم والقرآن الكريم الثقلان اللذان أوصى بهما لأنهما السبيل إلى الله. ثم إن الأجر الذي سأل سيعود على (الوادّين) المحبين المطيعين التابعين لهم (ع) قال تعالى: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (سبأ/ 47)، (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا) (المزّمل/ 19، الدهر/ 29).
- بغض أهل البيت عليهم السلام:
لعله لم يبقَ في الوجود في عصرنا من مبغضي أهل البيت (ع) أحد، فالنواصب قد بادوا عن آخرهم تقريباً، وإن كان هناك بقية منهم فلا يستطيعون الظهور والتجاهر بالعداء والسبّ. وأمّا أعداؤهم ومبغضوهم الغلاة الذين يمكن أن نطلق عليهم اسم (النواصب الغلاة) فإنهم إمّا اضمحلّوا أو كادوا، وهؤلاء أيضاً لا وجود لهم في العلن.
رُبّ قائل يقول: كيف يمكن الجمع بين النصب والغلو؟ نقول: إن بغضهم وعداءهم لأهل البيت (ع) دعاهم إلى الغلّو لينفّروا الناس عنهم ويثلبوهم بأسمائهم، ومن لا يؤمن بما نقول نحيله إلى حديث الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع) الذي أورده المحدث الأكبر الحر العالمي (ره) في كتابه (إثبات الهداة) الباب الخامس والثلاثين:
عن إبراهيم ابن أبي محمود عن الإمام الرضا (ع) في حديث قال: "يا ابن أبي محمود: إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا على ثلاثة أقسام: أحدها الغلو؛ وثانيها التقصير في أمرنا؛ وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا. فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا ثلبونا بأسمائنا. وقد قال الله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام/ 108)، يا ابن أبي محمود: إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقنا، فإنه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه".
لقد نسب (ع) الغلاة في هذا الحديث إلى المخالفين أي الأعداء، وهل النواصب إلاّ الأعداء لأهل البيت (ع)؟ وهل يتصف الغلاة بغير الغلو، والتقصير في أمرهم، والتصريح بمثالب أعدائهم؟.
ونختم الكلام ببعض ما ورد في مبغضيهم:
عن أبي بكر قال: "رأيت رسول الله (ص) خيّم خيمة وهو متكىء على قوس عربية، وفي الخيمة: عليّ وفاطمة والحسن والحسين. فقال: يا معشر المسلمين: أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، وليّ لمن والاهم، لا يحبّهم إلاّ سعيد الجد، طيّب المولد، ولا يبغضهم إلاّ شقي رديء المولد". عن الرياض النضرة للحافظ محب الدين الطبري، ج2، ص189.
أخرج ابن عدي والبيهقي وأبو الشيخ والديلمي عن رسول الله (ص) أنه قال: "من لم يعرف عترتي والأنصار (العرب) فهو لا حدى ثلاث: إمّا منافق، وإما ولد زانية، وإما امرؤ حملت به أمّه في غير طهر". الصواعق لابن حجر، ص103 وص139، الفصول المهمة ص11، الشرف المؤبد ص103.
أخرج الحافظ ابن مردويه عن أحمد بن محمد النيسابوري عن عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أحمد قال: "سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: قال أنس بن مالك: ما كنا نعرف الرجل لغير أبيه إلاّ ببغض عليّ ابن أبي طالب (ع)".
المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 45 و46 لسنة 1994م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق