• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإسلام والأديان السماوية.. تحت راية إلهية واحدة

السيد عبدالرزاق كمونه الحسيني

الإسلام والأديان السماوية.. تحت راية إلهية واحدة
 ◄بعد أن بلغت الإنسانية رشدها وتقدم سيرها وتهيأت بواسطة الشرائع الإلهية السابقة عليه للكمال الدائم، واقتضت الحكمة الإلهية أن يجعل مجموعة الأقوام البشرية كافة تحت راية إلهية واحدة في قلب المعمورة بدين يثبت أحكام على الإعتدال ليحوز السعادة المزدوجة، فبالفطرة النفسية والغريزة تجبر الإنسان الذي يدرك أنه موجود حي فيفكر في مبدأ حياته ومنتهاها، وهو الطريق إلى معرفة الله تعالى ومعرفة المعاد فينال السعادة وترفع عنه الشقاوة، فالدين الإسلامي جاء بالإعتدال التام الذي تكفل لجميع مصالح البشر الدنيوية والأخروية، والإسلام يدعو إلى الوحدة الدينية ويفسح الطريق للدخول معه لتعمل على الإخاء الإنساني ويحث على كسب الفضائل الخلقية والمعاني الاجتماعية السامية، ويدعو جميع الأديان السماوية إلى العمل معه على توجيه التشريع إلى تأييد الأصول العامة المشتركة في الأديان كالتوحيد والمعاد، فالأديان السماوية كلها متحدة في الجوهر وتدعو إلى معرفة المبدء الحق ومعرفة المعاد، وإنها منزلة من الله تعالى والسر الطبيعي لإختلافها في التعاليم والشرائع هو إختلاف استعداد البشر في أدوار تدرجه على ناموس الارتقاء فيحكم أنّ الأديان السماوية قوانين إلهية صالحة لأوقاتها أنزلها لصالح عباده، فالإسلام تسليم بجميع الأديان السماوية التي أشار إليها قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 64)، وقوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة/ 136)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة/ 208). فالأديان السماوية كلها حقة لأنّها ناظرة إلى معرفة الله وتوحيده وتقر بالمعاد ولها قوانين صالحة لأوقاتها، أما الشريعة التي جاء بها موسى بن عمران (ع) كانت مطابقة لما يقتضيه زمانه وكان استهداف شريعته الإلهية توجيه الأفكار إلى معرفة الرب وهو صانع العالم الذي لا شريك له وردعهم عن الشرك وكانت شريعته متكفلة للسعادة الدنيوية المادية أكثر من الروحية، وإليه أشار قوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ) (القصص/ 44)، والغرب رمز المادة وقد أنزل الله تعالى عليه التوراة، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) (المائدة/ 44). فالشريعة الموسوية ثابتة لطلب السعادة الدنيوية أكثر من الروحية، وأما الشريعة الروحية فقد جاء بها عيسى بن مريم (ع) قال تعالى: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (المائدة/ 46)، وعندما ارتقى البشر بعقيدة التوحيد جاء بها عيسى بن مريم (ع) مشبعاً بالروحيات التي تفضل السعادة الأخروية على السعادة الدنيوية لحكمة اقتضتها العناية الربانية وإليه أشار الله بقوله: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) (مريم/ 16)، والشرق رمز الروح وهذه الصفة ثابتة لمريم ولابنها عيسى (ع) بشهادة قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) (المؤمنون/ 50)، أي وجعلناهما معاً آية، فبعد أن ثبت الإفراط في الدين الموسوي لطلب السعادة الدنيوية، وظهر وجود التفريط في الدين المسيحي في السعادة الأخروية وهما طرفان يستلزم وجودهما وجود الوسط والاعتدال، وهو دين الإسلام الذي جاء بالإعتدال التام وجمع بين السعادتين وتكفل لجميع مصالح البشر الدنيوية والأخروية ليحوز السعادة المزدوجة من غير إفراط ولا تفريط وضع أساسه على قاعدة المساواة واحترام الحقوق، ولذا صارت الدعوة إلى الإسلام عامة وخالدة وكلف به جميع البشر على اختلاف قومياتهم إلى الأبد لإستجماع الإسلام عناصر الخلود فهو دين صالح لكل عصر وزمان وموافق لكل قوم وأمة، قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) (المائدة/ 48)، فالدعوة الكبرى التي ظهرت من الأنبياء والرسل كانت دعوتهم إلى توحيد الله تعالى وتوطيد العدالة بين الناس، فالدعوة الإسلامية أثبتت صحة ما جاءت به الأنبياء والرسل بأنها دعوة إلى حق فالإيمان به يجب أن يكون الإيمان بالله والإيمان برسالات الله الموجهة إلى العالم البشري والإيمان بيوم القيامة، لأنّ أصول الدين الإسلامي هي كلمة التوحيد الذي قرره الشرع الشريف وهو توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال وتوحيد الآثار الخالي من الشوائب من الحلول والاتحاد والتشبيه والتعطيل وغيرها مما يخل بمقام الألوهية الذي جاء به رسول الله (ص) وهو التوحيد الخالص والاعتقاد بالصانع القديم المنزه عن كل رين وشين والاذعان بتكاليفه الدينية، فبهذا يصبح ثبوت المعاد أمراً ضرورياً فالمعاد الجسماني بهذا الشكل يحقق لنا التصديق بنبوته وهذه هي أصول الدين الإسلامي، وأما العدل والإمامة فهي من شروط الإيمان، وتتحقق الوحدة عند المسلمين في أنّ أصولهم ثلاثة: التوحيد والنبوة والمعاد وهو المجمع عليه فيما بينهم فالإنسان لو نظر بالفطرة العقلية إلى إدراك الفطرة الكونية للعالم وللتنظيم الحكيم فيه علم انّ له موجد أحد لا شريك له فالعقل يحكم انّ الكمال في العالم هو عبارة عن الوجود فالله تعالى خالق للوجود وهي الأمور الكمالية وانّ الشر عبارة عن النقص وهو عدم الكمال وليس هو أمر وجودي. المصدر: كتاب العدل الاجتماعي في الإسلام

ارسال التعليق

Top