• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

منهج وإثبات صدق دعوات الأنبياء

هاشم الموسوي

منهج وإثبات صدق دعوات الأنبياء

من خلال إلقاء نظرة على مسيرة الفكر البشري والصراع العقيدي والاجتماعي يتشخص لنا عمق ذلك الصراع واتساع الملحمة بين الفكر الإلحادي والفكر الإلهي الذي آمن بالوحي والنبوة واتصال النبي الإنسان بعالم الغيب والملكوت الأعلى، وكان إنكار النبوة وتكذيب الأنبياء ـ ولم يزل ـ هو محنة الإنسان ومصدر شقائه وعنائه على هذه الأرض، وهذه المسألة العقلية الخطيرة في حياة الإنسان، رغم سهولة الإيمان بها والتصديق بما حملته للإنسان من معارف وهداية، فهي لم تزل لدى التفكير المادي من أعقد مسائل الفكر، وأكثرها صعوبة.
ولقد ركّز القرآن الكريم في جانب واسع من خطابه على محاكمة التفكير المنكر لصدق الأنبياء (ع)، وسوق الأدلة على وجود الله سبحانه وقدرته، ودخل في حوار طوال سنين الوحي مع الجاحدين والكافرين بالنبوة، كظاهرة غيبية في عالم الإنسان، أو مع المنكرين لنبوة النبي الهادي محمد بن عبدالله (ص) ولقد كان لأئمة أهل البيت وبقية علماء الإسلام نضال فكري ضد الزنادقة والملحدين ومنكري نبوة نبينا محمد بن عبدالله (ص)، خصوصاً بعد أن تمنطق التفكير في المجتمع الإسلامي، وامتدت موجة الفكر المترجم، وانتشرت مناهج الشك.
وقد نهض الفكر الإمامي بالعبء الطليعي في الدفاع عن النبوة، كظاهرة غيبية بصورة عامة، وعن نبوة نبينا محمد (ص) وخلود رسالته ومعجزته بصورة خاصة، وتحتفظ المكتبة الإسلامية بتلك المناظرات والمساجلات والآراء والدراسات والأبحاث القائمة على أسس الحجة والدليل والبرهان عبر مستويات التفكير البشري خلال أربعة عشر قرناً، فكان حصة الفكر الإمامي في الدراسات العقيدية وافراً وناصعاً واتسم بالأصالة والعقلانية.
فقد اعتمد المنهج الإمامي في اثبات صدق النبي (ص) على المنهج العقلي الذي يرتكز على أن دعوى النبوة كأية دعوى علمية تحتاج إلى دليل اثبات، وانّ الطريق إلى تصديق النبي (ص) هو العقل والاستدلال العقلي الذي يتوصل إلى الإثبات عن طريق المعجزة الدالة على بعثة النبي، وتأييده بها من الله تعالى.
يتضح من أحاديث أئمة أهل البيت ونصوص الدراسات العقيدية في الفكر الإمامي أنّ الإمامية ترى وجوب النبوة، وان مَن ادعى النبوة وأيدته المعجزة، فهو نبي يجب تصديقه، وانّ محمداً (ص) هو خاتم النبيين قد أيده الله بالمعجزة الخالدة ـ وبمعاجز مؤيدة كثيرة.
وقد كتب الخواجة نصير الدين الطوسي في هذا الشأن قائلاً: (في الطريق إلى معرفة صدق النبي (ص)، وطريق معرفة صدقه، ظهور المعجزة على يده، وهو ثبوت ما ليس بمعتاد، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى).
أما الشريف المرتضى فقد كتب يقول: (صِدق مدّعي النبوة لا يثبت إلا بالمعجز الخارق للعادة على وجه لا يتقدر معه اضافته إلى مُحدَث بحسنه أو صفته المخصوصة، ليعلم الناظر اختصاصه بالقديم تعالى، الذي لا يجوز منه تصديق الكذب).
ويرى الفكر الإمامي أنّ التصديق بالأنبياء قضية استدلالية ومعرفة تحتاج إلى اكتساب كما تكتسب المعارف الأخرى المجهولة لدى الإنسان، وطريق الاستدلال هو العقل الذي يُصدّق ويذعن بعد مشاهدة المعجزة، فإذا جاء النبي بما يعجز البشر عن الإتيان آمن الناس بأنّه معجزة من الله سبحانه وأنّ المؤيد به نبي مرسل.
ولقد كتب الشيخ الصدوق موضحاً طريق المعرفة بالنبي (ص) قائلاً: (أقول إنّ المعرفة بالله اكتساب، وكذلك المعرفة بأنبيائه وكل غائب ... إلخ).
وقد نشأ جدال بين أصحاب المذاهب والآراء العقيدية والفلسفية في: هل تكليف النبي بالنبوة هو تفضل من الله عليه عندما اختصه بها دون غيره، أم استحقاق استحقه ذلك الشخص لخصال خاصة به ... ؟ فانقسم الفلاسفة والمتكلمون الإسلاميون على فريقين اثنين:
قال الشيخ المفيد موضحاً ذلك: (أقول إنّ تكليف النبوة تفضل من الله تعالى على مَن اختصه بكرامته؛ لعلمه بحميد عاقبته، واجتماع الخلال الموجبة في الحكمة بنبوته في الفضل عمن سواه، فأما التعظيم على القيام بالنبوة والتبجيل وفرض الطاعة، فذلك يستحق بعلمه الذي ذكرناه، وهذا مذهب الجمهور من أهل الإمامة، وجميع فقهائنا أهل النقل منا، وإنما خالف فيه أصحاب التناسخ المُعتزين إلى الإمامية وغيرهم، ووافقهم على ذلك من متكلمي الإمامية بنو نوبخت، ومَن اتبعهم بأسره من المنتمين إلى الكلام، وجمهور المعتزلة على القول بالتفضل فيها، وأصحاب الحديث بأسرهم على مثل هذا المقال).
 
المصدر : التشيع (نشأته، معالمه)

ارسال التعليق

Top