• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام عليّ (ع).. الشخصية المتألّقة دوماً

أ. مرتضى مطهري

الإمام عليّ (ع).. الشخصية المتألّقة دوماً

قال تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) (الشمس/ 1-2).
تنقسم القوانين الثابتة والقوانين المتغيرة إلى القوانين الأصلية والفطرية مبادىء ثابتة لا تقب التطور والتبدل، امّا القوانين الفرعية فوضعها يتعلق بالظروف الموجودة في كل زمان ومكان، وهي في تبدل وتطور بحكم تبدل الظروف وتطورها. ومثل تلك القوانين بلونيها كمثل الشجرة، فالشجرة ذات جذر وجذع واغصان. الذي يقومّها هو جذرها وجذعها حيث يشكّلان الأساس المحكم لها، وهما باقيان ما تعاقبت السنون والأعوام، أمّا أغصان الشجرة وأوراقها فلا بقاء لها مرّ السنين إذ هي معرّضة للتغير في كل عام، ولا تبقى أوراق السنة الماضية على حالها في السنة التالية. ولا يخفى فإنّ الجذر والجذع هما اللّذان ينتجان تلك الأوراق والأغصان.
هذا المثال يقرّب لنا فهمنا للقوانين.. والحديث عن القوانين متشعب لا تستوعبه  مقالة أو مقالاتان.
انّ القوانين تنقسم إلى قسمين: قوانين ثابتة، وأخرى متغيرة. وأرى انّ هذا التقسيم ينطبق على الشخصيات الإنسانية كذلك حيث انّ بعض الشخصيات ثابتة، وبعثها الآخر متغيرة. واقصد من وراء ذلك انّ بعض الشخصيات تخصُّ عصرها، وتعيش لزمانها فقط، في حين أنّ بعضها الآخر يبقى متألّقاً مهما تعاقبت الأزمنة والعصور، ولا يزيدها تجدد الدهور إلا تجدّداً.
انّ بعض الشخصيات تتألّق في زمانها، وتجذب إليها الأنصار والمحبّين، ولكن عندما تتغير الظروف تفقد تلك الشخصية اعتبارها، ويضعف انشداد الأنصار إليها إذ يصيبهم الفتور، ولا أريد ان اذكر مثالاً هنا لأنكم تستطيعون التشخيص.
انّنا نلاحظ بروز بعض الشخصيات وتألّقها في حقل من حقول الحياة إلى الحد الذي يذيع صيتها في الآفاق فيكثر الثناء والاطراء عليها، وقد يستغرق ذلك عشر سنين أو عشرين سنة أو خمسين، ولكن سرعان ما تأفل فيعفى عليها الدهر. وقد تكون سياسية أو علميّة، والتأريخ زاخر بالأمثلة والشواهد حيث انّ هناك شخصيات علميّة، كان العلماء أنفسهم يقدّسونها، والناس يعبدونها، ولكن سرعان ما انكدر نجمها وذوى بريقها.. ولا أظن شخصاً في هذا الميدان كأرسطو، الفيلسوف اليوناني المعروف حيث كان رياضيّاً، وفلكيّاً، وطبيباً، وبيولوجيّاً.. ولمّا ظهر في عصره اطلقوا عليهِ لقب "معلّم البشر"، وهذا يعني انّه كان استاذاً في كافّة العلوم، وكان متضلّعاً فيها، وبلغت شخصيّته حدّاً لم يجرأ فيه فيلسوف أو عالم أن يبدي رأياً مخالفاً لرأيه. ولو كان كذلك لاعترضوا عليه بسبب رأيه المخالف، ووصل الأمر حدّاً بحيث انّ ابن سينا يذكر في مقدّمة الحكمة المشرقيّة قائلاً: لو كانت لنا أحياناً آراء تخصّنا نحن، فلا نجرأ على اظهارها على انّها آراؤنا، بل كنّا نذكرها في طيّات آراء أرسطو نفسه حتى يقبل بها الناس، ولو لم نفعل ذلك لما تقبّل أحدٌ منّا أي كلام تُشمّ منه مخالفة لأرسطو. وكان ابن رشد الأندلسي متعصّباً لآراء أرسطو، وله موقف عدائي من ابن سينا بسبب مخالفته لآراء أرسطو في كثير من المواطن، وإظهاره لآراء مستقلّة من عندياته.
يقول الأوروبيّون انّ أرسطو هو الذي عرّف الطبيعة وتكلم عنها. وقد عرفوا ذلك من خلال ابن رشد الذي قام بتعريفه لهم عندما انبرى إلى ترجمة آثاره شرحها وذلك في القرن الحادي عشر والثاني عشر حيث موّنهم بتلك الأفكار خلالهما، ولعلّ التطوّر الحاصل في العلوم الجديدة وليد تلك الجهود التي بذلها ابن رشد في ترجمته وشروحه، ولكن هل ظلّت شخصية أرسطو خالدة؟
لا، بل افل نجمه ورمست أفكاره، وقد ظهر في شرق الأرض أناس نسفوا كثيراً من تلك الأفكار بعدما كانوا يكنّون لها فائق الاحترام، وجاؤوا بأفكار جديدة حلّت محلّها. وكذلك في غرب الأرض حيث بلغ الأمر أن بالغوا في اعتباره مسؤولاً عن الانحراف الفكري للبشريّة، ووصموه بالتخلف عندما نسبوا الانحطاط العلمي إليه إذ ذكروا انّه هو سبب الانحطاط العلمي للإنسانية بتأخيرها الفي سنة عن الركب العلمي والحضاري.
والذي نستنتجه من كلّ هذا انّ أرسطو قد نُسخ ولم يعدّ علماً من أعلام الفكر والفلسفة كما كان في عصره، وهكذا أمثاله.
انّنا لا نستطيع أن نعثر على عالم من العلماء من الإسلاميين وغيرهم لم يكن قد نسخ ثمانون بالمائة من أفكاره على الأقل، فهذا ابن سينا قد بليت نصف أفكاره، وهذا ديكارت الذي أصبحت آراؤه موضع هزء وسخرية، وغيرهم كثير.
انّنا عندما نطالع "العدّة" للشيخ الطوسي ونقارنها "برسائل" الشيخ الأنصاري نجدها لا تصلح إلّا أن تبقى محفوظة في المكتبات كآثار قديمة إذ فقدت فيمتها ككتاب من الكتب الدراسية، وهكذا كتب الآخرين من أمثال الشيخ الصدوق والمحقّق الحلي..
انّنا لا نستطيع أن نعثر على عالم من العلماء ظلّ كتابه خالداً حيّاً مائة بالمائة.. ولقد جاء علماء طرحوا أفكاراً نسخت أفكار من قبلهم أوتوماتيكياً، علماً انّهم لم يكونوا قاصدين ذلك بل الأفكار نفسها تنطق به.. ولكن هناك رجال عظام لم يشملهم النسخ والبلى، ولم يعيشوا لأعصارهم فقط، ولم يتألّقوا في فترة من فترات التأريخ، وعليّ (ع) واحد من هؤلاء، فهو الشخصية المتألّقة دوماً وأبداً.
إنّ الآيتين تلوتهما في بداية الحديث، هما (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا)، والذي يبدو من الآيتين انّ الشمس والقمر هما هذان الكوكبان اللذان نراهما، ولكن ورد في بعض الروايات تأويل لطيف لهما يذكر انّ الشمس رسول الله (ص) والقمر عليّ بن أبي طالب (ع)، وهو تابع له يقتبس من نوره.
وقد قال رسول الله (ص) في شأن القرآن: "القرآن يجري كما يجري الشمس والقمر" والمقصود هو كما أنّ الشمس والقمر غير ثابتين في مكان معيّن ينيرانه فقط ولا يتجاوزانه، فالقرآن كذلك لا يخصّ قوماً معيّنين، ولا منطقة معيّنة، ولا فترة محدّدة، بل يشعّ دائماً وأبداً في الأزمان والأعصار، وهو نابض بالحياة ما تعاقب الجديدان، ولا تتصوروا انّه يموت لو أعرض عنه طائفة من الناس لأنّ الله يُيسّر له قوماً آخرين يحتضنونه كأفضل ما يكون، لاسيما وانّ أحد إعجازات القرآن خلوده وحيويته بالرغم من التفاسير العديدة التي تناولته، وبعبارة أخرى موقعه في ظل تعدد التفاسير، فهو قد نزل قبل أربعة عشر قرناً، وأوّل من فسّره هم الطبقة الأولى من الصحابة كعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، بعد ذلك فسّرهُ التابعون مثل السدّى، وابن شبرمة، وهكذا في كلّ مرحلة يظهر علماء يفسّرونه بحسب قابليّاتهم المختلفة. فعلوم الناس في تطور واستعداداتهم متفاوتة، ولقد جاءت تفاسير نسخت ما قبلها من التفاسير، وعندما يظهر تفسير جديد، يرى الناس انّ التفاسير السابقة لم تعد صالحة للقراءة والمطالعة، أمّا القرآن نفسه فهو نابض بالحيوية في كل عصر، وأنّ التفسير الذي يتناوله اليوم يناسبه أكثر من تفسير الأمس، فهو في تقدم لا تزيده كثرة التفاسير وتعاقب السنين إلا حداثة وأناقة. ولقد فسّره العلماء في القرن الأوّل الهجري وكذلك في القرن الثاني، وعندما اتّسع نطاق العلوم في القرن الثالث ظهرت تفاسير جديدة... وفي عصرنا الحاضر تفاسير جمّة يراها الناس أفضل من سابقتها لملائمتها الواقع المعاصر أكثر، وعندما يطالعونها يهزأون بتلك التفاسير المندثرة التي لا يمكن احياؤها أبداً، وهكذا تتصرم القرون، والقرآن على ما هو عليه في تقدم مطّرد رغم كثرة التفاسير التي تبلى كلّما انطوت السنون، ولا غرو فهو كتاب الله الخالد، وكل من طالعه من العلماء والمفكّرين يلتذّ ويشعره انّه من الكتب الممتعة الجديرة بالمطالعة.
يتحدث المستشرق المعروف إدوارد براون في الجزء الأوّل من كتابه "تأريخ الآداب" عن التأريخ الفكري للإيرانيين متطرقاً إلى وضعهم في عصر صدر الإسلام، ولا يخفى فهو يخلط بين الغثّ والسمين في كلامه، وله كلام جيِّد في بعض المواطن، وفي بعضهما الآخر ردي لأنّه ملىء بالأخطاء والاشتباهات، ولا يمكن لشخصي اجنبي مثله أن يصيب في مثل هذه الأمور، بل لابدّ من الخطأ بحكم انتمائه إلى ثقافة أخرى. ومن الطبيعي أن يبدر الخطأ من شخص يلج أبواب حضارة غريبة عليه، ولا ننكر انّ لهذا المستشرق كلاماً موزوناً في بعض المواطن.
يقول هذا المستشرق: لقد حاولت في كتابي هذا أن اتجنب خطأً فادحاً وقع فيه غيري من أبناء قومي وجلدتي. وهذا الخطأ هو تسميتهم للقرنين الأولين للإسلام في إيران بقرني السكوت (ويريد هنا السيرجان ملكم الذي كتب تأريخ إيران) إلى أن جاءت حكومة الطاهريين وبعدها حكومة السامانيين ثمّ الصفّاريين، وخلال ذينك القرنين لم يؤسس الإيرانيون حكومة بل كانت الحكومة بيد العراقيين، ومعنى انّهم لم يؤسّسوا حكومة أي لم يكونوا هم الملوك أو الخلفاء فقد كان بأيديهم نوع من السلطة لعلها كانت تعادل سلطة الخليفة نفسه، وكان بينهم وزراء يتمتعون بسلطة كسلطة الخليفة نفسه مثل البرامكة وآل سهل. والقصد من إطلاق كلمة السكوت على القرنين الأوّلين هو انّ الإسلام قد فرض فرضاً على إيران، وانّ الشخص الإيراني لم يقبله رغبة وطواعية حيث كان منطق القوّة سائداً وبما انّ الخليفة لم يكن من الإيرانيين أنفسهم لذلك خيّم السكوت على إيران خلال تلك الفترة.
هذا كلام السيرجان ملكم الإنجليزي. وقد اخرج كتاباً بعنوان "قرنا السكوت" وقد صُبّت الجهود فيه للطعن بالإسلام ومهاجمته. وظل على حاله إلى أن تصدّى له شخص إنجليزي آخر فخطّأ ما جاء فيه، لكن الإيرانيون أنفسهم لم يرعووا عن غيهم وظلّوا متمسّكين بكلام الأوّل، يقول إدوارد براون: ولكني أحاول أن لا أرتكب مثل هذا الخطأ، لأننا لو ألقينا نظرة على تأريخ إيران خلال تلك الفترة فإنّنا لم نجد شعباً في نشاطه وحيويته كالشعب الإيراني لهذا فالقرنان ليسا قرني السكوت بل قرني النشاط والحركة.
هذا هو الصحيح لأنّنا لو استقرأنا تأريخ إيران خلال العصر الساساني وحتى ما قبل العصر الساساني، حيث كانت إيران في أوج عظمتها من الناحية السياسية والعسكرية، وكانت منافسة للامبراطورية الرومانية لما رأينا فيه علماء بما يعادلون العلماء الموجودين خلال نصف تلك الفترة. والواقع ان ذلك العصر هو عصر تحرر الشعب الإيراني، ولا أريد أن اُدافع عن الحكم العربي الذي كان بنو أميّة على رأسه لأنّ وضع هؤلاء واضح بالنسبة إلينا. لكن رغم وجودهم فإنّ الشعب الإيراني تمتّع بحرِّية من الناحية العلمية والثقافية لم يعهدها من ذي قبل. ولبراون نفسه كلام آخر يتعلق بزرادشت. يقول: كيف تمكن الإسلام أن ينسخ الدين الزرادشتي؟ وكيف حلّت الأبجدية العربية محل الأبجدية البهلوية؟ ويردف قائلاً: ولعل من المستشرقين من يتشبت بمنطق القوة حيث يجعله الوسيلة الوحيدة إلى ذلك لكن التأريخ يدلل على أنّ الشعب الإيراني ترك الدين الزرادشتي رغبة وطواعية وتمسك بالإسلام واختاره ديناً له. ويضيف: انّ الحقيقة هي هذه بعينها، لأننا كأجانب – لا مسلمين ولا زرادشتين – لو وضعنا القرآن أمامنا، ووضعنا كتاب الزند وتفسيره (وهي ما أثر عن زرادشت نفيه كما قيل في حين لم تكن لزرادشت أيّة آثار) فانّنا سنلاحظ عدم وجود نسبة بينهما، ولا مجال اصلاً للمقارنة بينهما وشتّان بين الاثنين، فالقرآن كتاب حيٌّ خالد ولا زال حيّاً حيث انّ الإنسان لا يرى نفسه مستغنياً عنه، امّا آثار زرادشت فإنّها ليست شيئاً ذا بال يستحق الاهتمام والمطالعة.
وكان الإيرانيون واعين على مر التأريخ حيث كانوا يدركون عدم وجود نسبة بين الاثنين ولا مجال للمقارنة بينهما لهذا حقّ لهم ان يختاروا القرآن وهذا دليل على وعيهم.. ودليل على أنّ الشعب الإيراني رغم تعلقه بقوميته، لكن لم يعم التعصب القومي عينيه عن رؤية الحقيقة والتمسك بها، أي: انّه لم يسحق على الحقيقة استجابة للتعصب القومي. ومن الناحية القومية فالمسلّم به انّ الإيرانيين لم يلتقوا مع العرب، ولم يكونوا على وئام معهم في يوم من الأيام، وهذا طبيعي لأنهما ينحدران من عنصرين مختلفين، كما أنّنا نلاحظ هذه الحقيقة جليّة في واقعنا حيث نشاهد ان أهل قريتين كلّاً يتعصب لقريته، وكذلك أهل مدينتين أو بلدين، فكلّ شريحة تتعصب لقريتها أو مدينتها أو بلدها، وهذه من طبيعة الإنسان، ولا يمكن سلبها منه، ولم يتحرر منها إلّا أفراد قلائل، وهناك من الشعوب من يعميه التعصب إلى الحدّ الذي لو رأى الحقيقة بعينها بعرض عنها، ومنها من تحرر من التعصب أي أنّها لم ترتّب أثراً على تعصبها، والشعب الإيراني واحد من هذه الشعوب وله الفخر انّه لم يكن متعصباً، فهو لم يرفض القرآن باعتبار عدم نزوله في بيئته، ولم يعرض عن الحقيقة، ولم يعلن عن رفضه لكل شيء حسنه ورديئه على اعتبار انّه خارج عن إطاره، بل سلّم للحسن واعرض عن الردىء حتى لو كان الردىء يعيش في وسطه، وقد واجه فعلاً كل تمرد على الحق والحقيقة انبثق من بين بعض أفراده، فقد حارب "المانوية"، وحارب "بابك الخرّمي" وقتل "افشين" وهو قائد إيراني.
وهذا انّ دلّ على شيء فانّما يدل على أنّه قد أثبت وعيه من خلال اذعانه للحقيقة حتى لو كانت خارجة عن إطاره، ورفضه للباطل حتى لو انبثق من بين أعضائه، وما قبوله بالإسلام إلّا دعمٌ لما ذكرناه، وتلك – لعمر الله – امارة على وعيه وادراكه. على أي حال فقد كان هدفي ان أوضّح رأي براون بالنسبة إلى القرآن.
وامّا حديثنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فلا يستوعبه مقال ولا كتاب ولا يفيه أحد حقّه... انّ عليّاً (ع) من الشخصيات الخالدة أبد الدهور، ولم يكن ابن زمانه بل هو في كلّ عصر وزمان، وله شخصيّته الفذّة، وله صفاته وحالاته المدهشة، وله كلامه البليغ، لم يزده تعاقب العصور إلّا حداثةً وتجدّداً.
إذاً أصبح واضحاً انّ الشخصيات قسمان: شخصيات خالدة ثابتة، وشخصيات لعصرها فقط ومتغيرة، علي (ع) من الصنف الأوّل.. وقد شغف به حتى غير المسلمين فهذا جبران خليل جبران الكاتب المسيحي اللبناني المعروف، الذي سافر إلى أميركا وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وله كتب باللغة العربية والانجليزية تُعدّ آية في روعتها، قد تعلّق بالإمام تعلقاً كبيراً، وقد رأيتُ في آثاره انّه عندما يتطرق إلى الشخصيات العظيمة في العالم في أي مناسبة من المناسبات، يذكر السيد المسيح (ع) وعلي بن أبي طالب (ع)، ومن كلماته في حقّ الإمام ما مضمونها:
"أنا حائر في لغز هذه الدنيا انّه لماذا سبق بعض الأشخاص زمانهم الذي عاشوا فيه، ثمّ يقول: في عقيدتي فإنّ علي بن أبي طالب (ع) لم يعشق في زمانه، ولم يكن لذلك الزمان وقد ولد قبل زمانه، ويضيف: وفي عقيدتي انّ علي بن أبي طالب (ع) أوّل عربي جاور الروح الكليّة وسامرها..".
يقول الإمام علي (ع) في شأن بعض الافذاذ من العلماء: "اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إما ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً" بعد ذلك يقول: "هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين وانسوا بما استوحش منه الجاهلون".
هذه كلمات رائعة وكم كنت أميل أن استوعب قيمة هذه الكلمات بذلك المقدار الذي اعرفه من اللغة العربية، ويستوعب الآخرون كذلك قيمتها، عند ذلك ندرك انّ هذه العبارات لا يمكن أن تبلى، وهي تدلّل على انّها حقيقة، وكأنّ الوجود كله ينطق بها.
انّه يقول انّ علم هؤلاء لس من لون العلوم المتغيّرة المنسوخة، لأنّهم بلغوا عمق الحقيقة (التي لا بديل لها) وباشروا روح اليقين.
ويقول الإمام (ع) في موضع آخر: "لو كشف لي الغطاء ما ازددتُ يقيناً".
ولا شك فإنّ كل عمل يخصّ الأمور المعنويّة صعب على المترفين لكنّه سهل على أهل الحقيقة بل ومرّ لهم، وهم المقصودون بقوله (ع) "وصحبوا الناس بابدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى" عند ذلك يتبين كم هو صعب حيث تعيش الروح في عذاب أليم لدى مصاحبتها لغير جنسها.. ورجل كعلي بن أبي طالب يعيش مع الخوارج.. انّها قضية لا يمكن تصورها! وأيّ ألم أشد عندما يقابل الإمام معاوية في صفّين! وكم تحمّل الإمام وعانى عندما يكتب إلى أحد أقربائه رسالة يقول له فيها ما مضمونه: لما تنكبّ الدهر عليّ خنتني أنت أيضاً حقاً انّ الموت أفضل له وأكثر راحةً، ويقول مخاطباً الإمام الحسن: "ملكتني عيني وأنا جالس...".

المصدر: كتاب الإسلام ومتطلبات العصر

ارسال التعليق

Top