• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التثقيف الإعلامي للوالدين

مروة عبدالجبّار

التثقيف الإعلامي للوالدين

الإعلام وتأثيره على الأطفال

 

للإعلام أهمية بالغة في الحياة اليومية وله دور فعّال في بناء مجتمع متحضر مبني على أسس علمية بحتة.

والإعلام مرتبط ومتأثر بشكل أو بآخر بالنظم الاجتماعية التي ينتمي إليها.

ويبرز خبراء الاجتماع، أهمية الإعلام القصوى، في التأثير على سلم المعرفة والتطور في المجتمع بل وحتى على استمراره وديمومته.

والإعلام ليس حالة ظرفية، وإنما هو يتولى نقل آراء ومعتقدات جيل إلى جيل آخر، وينمي العلاقة بينهما، وبالتالي فمهمة الإعلام والإعلاميين، يجب أن تستوعب الإنسان منذ مجيئه إلى الحياة بل ومنذ أيام الحمل والولادة والرضاعة وفترة الطفولة المبكرة وحتى الكبر.

ويتضح لنا أنّ الإعلام يستطيع أن يؤثر بطرق عديدة على وعي وسلوك الإنسان في مختلف مراحل عمره، ويحدد وجهات نظره وقناعاته وفهمه للحياة.

ومتى يبدأ الدور الحقيقي لمؤسسات ووسائل الإعلام المختلفة في مجال اهتمامها بالطفل؟

سؤال يتردد كثيراً، خصوصاً بين المهتمين بأمر الطفل، والمشتغلين ببحوث الإعلام، فهناك من يرى أنّ الدور الحقيقي لوسائل الإعلام يبدأ مع الطفل عندما يصل إلى مرحلة الإدراك، وفريق آخر يعتقد أنّ هذا الدور يسبق هذه المرحلة بكثير، إذ يبتدئ من مرحلة تعليم وتثقيف الوالدين، حول الكيفية التي تساعدهما في إنجاب طفل معافى، عند حدوث الحمل وتمتد بعد ذلك أدوار وسائل الإعلام في توجيه الأبوين حتى تصل إلى المرحلة التي تخاطب فيها الطفل مباشرة.

 

مرحلة الحمل والرسالة الإعلامية:

هناك من يشدّد على أهمية الدور الذي يقوم به الإعلام نحو الطفولة، باعتبار أنّ النمو الشامل لشخصية الطفل يجب أن يكون هدفاً رئيسياً من أهداف الإعلام، وذلك بتوفير بيئة واعية موجّهة، تمكن الطفل من إشباع حاجاته المتنوعة، حتى يصل الطفل إلى سنّ تمكنه من إدراك محيطه، حيث يتفاعل مع بيئته فيكتسب المهارات والمعارف.

إنّ مرحلة ما قبل الولادة مهمة وضرورية في حياة الطفل المستقبلية، وتقع على مؤسسات ووسائل الإعلام مسؤولية الأخذ بيد الوالدين حديثي العهد، بهذه المتغيرات الفسيولوجية التي تحدث للأُم، فتشرح وتعلم وتوضح كيفية التعامل مع هذا الضيف الجديد على الأسرة وهو في رحم الأُم.

فخلال مرحلة الحمل، من الواجب على وسائل الإعلام أن توجه رسائلها للوالدين حول كيفية المحافظة على هذا الجنين، وأهم الفحوصات الطبية الواجب على الأُم أن تجريها خلال أشهر الحمل، كلّ هذه الرسائل الإعلامية يجب على أجهزة الإعلام أن تهتم بتوصيلها إلى الأُم والأب بمختلف أوجه التبليغ الإعلامي، في مادة إعلامية مشوقة. وبواسطة خبراء قادرين على التأثير في غيرهم من المستقبلين للرسالة الإعلامية، وبذلك يخرج المولود في الحياة معافى، وكذلك تكون الأُم بصحة جيدة لأنها راعت كلّ التعليمات التي حصلت عليها من خلال وسائل الإعلام.

 

الطفل والبرامج الإعلامية المتخصصة:

وبعد وصول الطفل إلى الحياة مصحوباً بفرحة الأسرة نجد أنّ لهذا الطفل إمكانات قابلة للتطور في نطاق الأسرة التي هي جزء من مجتمع مهتم به، ويتيح له تطوراً بناءً على إنجاز ذلك الدور الذي سيقوم به في المستقبل.

وهنا تبرز أهمية البرامج الإعلامية الموجهة للطفل بتأثيرها الكبير وإسهامها الفعّال في تكوين الطفل، ومن ثمّ الإسهام في بلورة اتجاهاته وميوله ووجدانه وقدراته العقلية والبدنية وسلوكه بصورة عامة. ولكلِّ ذلك ينبغي على الإعلام أن يكون وسيلة جذب للطفل على اختلاف مراحل عمره وبيئته بما يخدم أهداف المجتمع.

وللطفل عموماً، مجموعة من الحاجات، منها الجسدية ومنها الاجتماعية والنفسية، فحاجة التحكم في مشاعره وانفعالاته، وحاجته إلى دفء العاطفة والحنان والحب، واكتساب القيم الاجتماعية، والفضائل الأخلاقية، والحاجة إلى معرفة بعض المعلومات الصحيحة عن الكون وعن الطبيعة، ذلك كلّه يستلزم إعداد برامج إعلامية متخصصة، على أسس نفسية وتربوية علمية، الأمر الذي يحتم منذ البدء إعداد الكادر الإعلامي المتخصص والمدرب للعمل مع الطفل إعداداً يتيح له فهم أبعاد شخصيته وتوظيف الإمكانات الإعلامية في خدمة الرسالة والهدف الذي يسعى إليه أولياء الأمور لتنشئة مواطن يسهم في بناء مجتمع الغد، لأنّ ذلك هو المفتاح الحقيقي للنهضة والتقدم.

 

مقترحات لترشيد الطفل إعلامياً:

إنّ خطة الإعلام الموجهة للطفل لابدّ أن تحمل جملة من المضامين التي تؤكد عدداً من القيم والمبادئ والمُثل العليا ومنها:

-         تحقيق المواد الثقافية التي تناسب الطفل.

-         إعداده لحمل أمانة الغد الفكرية.

-         توجيهه إلى ممارسة الأنشطة والهوايات المختلفة.

-         إثراء مفاهيم القيم الأخلاقية والاجتماعية.

-         تنمية روح الخلق والابتكار والإبداع في شخصية الطفل حتى يصبح قادراً على تطوير مجتمعه.

-         الاهتمام بالمواد الترفيهية التي تحقق ميوله نحو اللعب والانطلاق، وملء وقته بأشياء مفيدة.

-         تقديم الفنون على اختلافها بأشكال مبسطة ومستساغة لدى الطفل وتشجيعه على تذوق الفنون واستيعابها.

-         إلقاء الضوء على التطورات المتلاحقة في العلوم والمعلومات بأسلوب مبسط يتناسب مع عمر الطفل.

-         غرس وتدعيم عادة حب القراءة في نفس الطفل وتدريبه على احترام الكتاب وتقدير قيمته الثقافية والحضارية، مع ضرورة تقديم كلّ ذلك بأسلوب سهل ميسّر يصل إلى قلبه وعقله.

 

الطفل والإعداد الإعلامي:

عموماً نرى من الضروري إعداد الكفاءات الإعلامية المتخصصة في إعلام الطفل المسلم من خلال ما يلي:

1-  تخصيص مناهج دراسية تعالج هذا المجال وتأخذ في اعتبارها سيكولوجية الطفل المسلم واحتياجاته.

2-  تشجيع كافة الكوادر الإعلامية التي تعمل في إنتاج وإعداد وتقديم المواد الإعلامية التي تسهم في إثراء العمل الإعلامي الموجه للأطفال.

3-  الاهتمام بإصدار مجلات متخصصة للطفل تتماشى مع المراحل العمرية للصغار.

هذا ومن المفروض، الالتزام بالثوابت الإسلامية المستسدة من عقيدتنا الإسلامية في إطار منهج إسلامي ينبثق من القرآن الكريم وتعاليم أهل البيت – عليهم السلام – والتراث الإسلامي الصحيح، بتكريس الهوية الحضارية في وجدان الطفل المسلم.

كما يجب التأكيد على الدور الحيوي والهام الذي يضطلع به البيت والمدرسة والمؤسسات في التنشئة الاجتماعية لتحقيق التكامل بينهما وبين وسائل الإعلام المختلفة.

وفوق هذا أو ذاك، يجب تحصين الأطفال بالمفاهيم والقيم والمثل والمبادئ الإسلامية وغرس ملكة الانتقاء لديهم لمواجهة الإعلام الوافد علينا من الخارج عبر القنوات الفضائية الدولية ووسائل البث المباشر من الأفكار والقيم التي لا تتفق مع عقيدة مجتمعاتنا الإسلامية.

ومن المقترحات التي نراها ضرورية لتوعية الطفل إعلامياً، هي:

أوّلاً: إطلاق حرية الصغار في التعبير عن أفكارهم وآرائهم واكتشاف مواهبهم وتنميتها وذلك بمشاركتهم في تحرير المواد الإعلامية التي توجه إليهم.

ثانياً: خلق وعي شامل عند الآباء والأُمّهات حول أهمية القراءة لأبنائهم لحثهم على التعامل مع المكتبات وتنمية قدراتهم عليها باعتبارها وسيلة هامة من وسائل اكتساب المعارف والمعلومات، وبذلك تتعاضد كافة الجهود للقضاء على أمية الطفل.

ثالثاً: الابتعاد عن المواد الإعلامية التي تحتوي على سلوكيات عدوانية أو أخبار الجريمة والجنس التي تثير غرائزهم، والاهتمام بنشر الرسائل الإعلامية التي تدعم روابط التآلف والتآخي والوفاء والإخلاص بين أبناء المسلمين.

رابعاً: إجراء البحوث والدراسات الميدانية التي تقوم باستطلاع آراء الأطفال والمربين عن مضمون صحف الأطفال وطرق إخراجها، والاستفادة من نتائج هذه الدراسات وضرورة التعاون المثمر والبناء بين الخبراء والمتخصصين.

خامساً: توفير الإمكانات المادية والفنية اللازمة لإصدار صحف الأطفال حتى تضمن لها البقاء والاستمرارية مع تهيئة المناخ المناسب لعملية الصدور.

سادساً: في حالة عدم القدرة على تأمين الأطر الإبداعية والفنية والبشرية وتوفير الإمكانات المادية والتقنية لإصدار مجلة للأطفال، فإنّه من الأفضل تكريس الجهود لدعم مجلات الأطفال الأخرى ذات التوجه الإسلامي لمساعدتها على الاستمرار في الصدور.

 

توعية الطفل وتثقيفه:

فلابدّ والحال هذه، التأكيد على أهمية تنشئة الطفل المسلم على الإيمان بالله وتقوية اعتباره بالانتماء الحضاري الإسلامي وتحصينه ضد عوامل الانحراف.

خاصة بعد أن أصبح الفكر الأجنبي، مصدراً أساسياً لمجلات الأطفال وأصبحت شخصيات المغامرات الخيالية الغربية أبطالاً لقصصنا ونماذج يحاكيها أطفالنا المسلمون.

وبالرغم من غزارة وثراء تراثنا الإسلامي، وعظمة مصادره وتنوع فنونه وثقافاته وعمق أصالته، إلا أنّنا في العالم الإسلامي لم نحقق الإفادة المثلى منه فيما يتصل بإعلام الطفل وصحافة الصغار، ولم ننهل بما فيه الكفاية من هذا الرافد الذي لا ينقطع في تثقيف أطفالنا وتوعيتهم.

بل على النقيض من ذلك اتجهنا إلى ثقافات غريبة علينا، ننقل حرفياً منها ونقتبس من شخصياتها الأدبية والفنية لنرسم لأطفالنا صورة الإنسان وحكايات الطفولة.

ولأنّ الإنسان في مرحلة الطفولة يعتبر صنيعة للثقافة والبيئة الثقافية التي يعيش فيها، فإنّ الطفل يتأثر بشكل ملحوظ بما يحيط من مؤثرات ثقافية مسموعة ومقروءة أو مرئية فيتفاعل معها ويسير في ظل نسقها حتى يصبح من الصعب عليه التخلص من آثارها كلياً أو جزئياً لأنها قد صارت جزءاً من بنيان سلوكه، وعنصراً أساسياً لصياغة فكره وأسلوب تفكيره في مواجهة مواقف الحياة المختلفة.

 

النشاط الترفيهي للطفل والبديل الإسلامي:

من العوامل التي تعوق بناء شخصية الطفل المسلم، الإعلام والمناهج الفاسدة وأصدقاء السوء، وتوظيف المنهج الإسلامي يكون بـ:

1-  تقوية جهاز المناعة لدى الطفل، وذلك من خلال التربية الإيمانية والعقلية والبدنية والنفسية والاجتماعية.

2-  إيجاد البديل الإعلامي والتربوي، لأنّ النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.

وتعتبر الرسوم المتحركة من أهم وأخطر المواد الإعلامية التلفزيونية بالنسبة للطفل، لما لها من تأثير مباشر وفعّال على الكثير من نواحي أنشطته الترويحية والمعرفية والفكرية والنفسية، كما تأتي على رأس قائمة البرامج المستوردة للأطفال.

والحديث يتكرر عن أثر التيار الإعلامي على أطفال المسلمين، وكيف يواجه هؤلاء الأطفال، عالم الغد في ظل ثورة المعلومات وتحول العالم إلى قرية صغيرة بفضل وسائل الاتصال المتقدمة، وماذا نقدم لأطفالنا كبديل للمستورد، ذلك البديل الذي نحرص على أن يتضمن، القيم والمثل الإسلامية النبيلة، ففي كلِّ يوم تنشط عقول المختصين والمهتمين بالطفولة لإيجاد البديل الإسلامي من الرسوم المتحركة، وتثمر التجارب عن عدة أعمال، لكنها لا تسدّ الفراغ في وجه السيل المستورد من البرامج والأفلام.

وبالرغم من أنّ المسلمين قد دخلوا متأخرين في مجال صناعة الأفلام المتحركة، التي سبقهم إليها العالم الغربي بسنوات كثيرة، في وقت تقدمت فيه وسائل الاتصال تقدماً مذهلاً.

إلا أنّ المستقبل يدعو إلى التفاؤل في هذا المضمار وهذا ما نسمعه كل يوم عن مخلصين قرروا خوض التجربة وحمل مسؤولية إنتاج أفلام كارتون إسلامية هادفة.

المصدر: كتاب الطفل في الإعلام

ارسال التعليق

Top