• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التفكير الموضوعي ودوره في بناء الذات

علي حسين عبيد

التفكير الموضوعي ودوره في بناء الذات

يُعدّ التفكير وسيلة الإنسان المعنوية للتطور المتواصل، بل ربما هو أهم وسائل الأنسان لتحقيق أهدافه على تنوعها وضخامتها، وقد ربط أحد فلاسفة عصر النهضة وجود الإنسان وكينونته بوجود التفكير حين أطلق مقولته الشهيرة (أنا أفكر، إذن أنا موجود).
من هنا يتطلب التفكير لاستكناه خفاياه وغوامضه جهداً استثنائياً من لدن الإنسان كي يجعل منه معْبَراً راسخاً وأكيداً صوب أهدافه التي تصب في الغالب في حقل المصلحة الفردية ثم الجمعية، إذ حتى الإجندات الفكرية الشاملة تنبت بذور نشأتها في رؤوس الأفراد ثم تنتشر أفقياً وعمودياً لتصبح ذات طابع جماعي فتشكل استراتيجيات فكرية شاملة.
بيد أنّ التفكير سيتحدد بضوابط ومعوقات عديدة منها (وقد تكون أهمها) البيئة المحيطة بالمفكر، أو بمنتج التفكير أياً كان نوعه أو درجة عمقه سلباً أو إيجاباً، كذلك ثمة محددات ذاتية أو باطنية كما يصفها الدكتور ميثم السلمان في كتابه الذي يحمل عنوان (التفكير) إذ يرى انّ كل عناصر البيئة تؤثر بشكل غير مباشر على أهداف المفكر أو على النتائج المرجوة لتفكيره.
ثم هناك مصدات أخرى قد تواجه تفكيرك ومقوماته وأهدافه، إذ انّ الساحة مفتوحة أمام الجميع وستحدث تقاطعات فكرية بين ما تطرحه أنت وبين ما يطرحه الآخرون، من هنا تبدأ مؤشرات الاقناع بالعمل لصالح هذا الفكر أو ذاك، وستلعب الموضوعية دوراً حاسماً في الجانب.
إنّ توخي الموضعية في صنع الأفكار التي يضخها التفكير باتجاه ما، سيضع أهدافك الفكرية في الواجهة الأمامية من الاهتمام والتمحيص والتفاعل ومن ثم الرفض أو القبول، وطالما انك تنطلق من القيم الراسخة في المحيط أو البيئة (الدين والعقائد والعرف السائد وما شابه ذلك...) وانك تستند في صنع تفكيرك على قاعدة موضوعية تأخذ في حسابها ردود الأفعال سلباً أو إيجاباً، فإنك ستكون محل نقاش وقراءة وتمحيص من لدن الهدف الذي تستهدفه بأفكارك، غير انّ هذا لا يعني البتة التقولب المسبق بإطار من التفكير المعروف سلفاً أو المتوقع من لدن الجمهور المستقبِل، لأنّ التجديد في الطرح الفكري سيبقى هو الأهم تماماً كما لو انّ الإنسان يترقب مفاجأة تزيد من اطمئنانه وسعادته وحيويته في التعامل مع الحياة.
إنّ ما نقصده هنا بأهمية توافر عنصر الموضوعية في تفكير الإنسان، هو مستوى الاقناع المتوافر في ما يهدف إليه من نمط تفكيره، ودرجة وفاعلية هذا التفكير الذي سيسهم بطريقة أو أخرى في بناء الذات، فثمة من التفكير ما يحفز الإنسان ويسوقه صوب هدف محدد وفق قدراته التخيلية واستعداده النفسي لذلك، إذ يقول الدكتور ميثم السلمان في كتابه الموسوم بـ (التفكير) بهذا الخصوص:
(يختلف الناس اختلافات واضحة، وخاصة في أساليب التفكير، فنجد انّ البعض يميل إلى تجنب نتائج معينة بدلاً من الاتجاه لتحقيق نتائج أخرى، وبمعنى آخر، يميل البعض إلى تجنب ما لا يريدون بدلاً من التوجه إلى ما يرغبون فعلاً من تحقيقه).
ولعل مرد هذا النكوص يُنسب إلى غياب الاستعداد النفسي لتعاطي التفكير المتجدد الذي يساعد على إيقاد روح الحيوية لدى الإنسان، لذلك نراه بدلاً من البحث عن انماط تفكير جديدة تغطي على الانماط التي فشلت في كسبه أو تطويره، يلوذ جانباً بروح خاملة وذهن غير قادر على التفاعل مع الواقع المتحرك.
لذلك نرى أنّ التفكير الذي يتوخى الموضوعية المستقاة من المحيط البيئي وما شاكله، سيساعد على بناء قدرات الذات، ويدفعها نحو البحث عن انماط تفكير تنطلق من مقومات المحيط الدينية والاخلاقية والعرفية من دون أن تحصر فحواها أو أهدافها في قوالب معدّة سلفاً مما يجعلها فاقدة لعنصر الإبهار والتجدد، ومن هذه الرؤية نرى أهمية توافر العوامل التالية في التفكير الموضوعي:
1- أن يستهدف التفكير رؤى جديدة قابلة بدورها للتجدد مع مرور الوقت.
2- أن يتوخى التفكير موضوعيته المستمدة من الصدق المستند إلى مفردات الواقع ومكوناته.
3- أن يتواءم التفكير مع ثوابت المحيط ومرجعياته في الدين والأخلاق والأعراف مع توافره على المرونة وعدم الخمول والتحجّر.
4- أن يأخذ التفكير بنظر الاعتبار عناصر الصراع الأخرى التي تنتجها أنماط التفكير الأخرى التي قد تكون مناقضة أو متقاطعة معه.
5- أن ينبع التفكير من فطرة الذات الإنسانية النازعة إلى التوافق مع متطلبات الذوات الأخرى.

ارسال التعليق

Top