• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التوازن الرقمي واللفظي المترابط في القرآن العظيم

أ.د. دلاور محمد صابر

التوازن الرقمي واللفظي المترابط في القرآن العظيم

يراد بالألفاظ المترابطة: الليل والنهار، الحياة والموت، الدنيا والآخرة، وإلى آخره من الألفاظ.
فمن الأمثلة على التوازن الرقمي - ويمكن أن يقال الرقمي الإعجازي - هو تكرار لفظ الشهر (12) مرّة في القرآن الكريم وهو بعدد شهور السنة، ولفظ اليوم (365) مرّة بعدد أيام السنة في القرآن الكريم.
جذبتني حقاً هذه الأرقام التي وجدتها في كتاب: إعجازات حديثة علمية ورقمية في القرآن للمؤلف الدكتور رفيق أبوالسعود المؤلف سنة 1994.
وقدّم عدد من العلماء المسلمين أبحاثاً كثيرة، كما قدّم العلماء الغربيون عشرة أبحاث في هذا المجال، ويسرد صاحب الكتاب الآنف الذكر بعض الكلمات الواردة في القرآن الكريم، نقلاً عن كتاب الأستاذ عبدالرزاق نوفل، وكالآتي:
الحياة تكررت 145   الموت تكررت 145 مرة
الصالحات تكررت 167 مرة السيئات تكررت 167 مرة
الدنيا تكررت 115 مرة  الآخرة تكررت 115 مرة
الملائكة تكررت 88 مرة  الشياطين تكررت 145 مرة
المحبة تكررت 83 مرة  الطاعة تكررت 83 مرة
الهدى تكررت 79 مرة  الرحمة تكررت 79 مرة
الشدة تكررت 102 مرة  الصبر تكررت 102 مرة
السلام تكررت 50 مرة  الطيِّبات تكررت 50 مرة
المصيبة تكررت 75 مرة  الشكر تكررت 75 مرة
الجهر تكررت 16 مرة  العلانية تكررت 16 مرة
إبليس تكررت 11 مرة  الإستعاذة بالله تكررت 11 مرة
محمد والملكوت وروح القدس والسراج، تكرر كل واحد منها 4 مرات
الرحمن تكررت 57 مرة  الرحيم تكرر 114 مرة، أي الضعف
الجزاء تكررت 117 مرة  المغفرة تكرر 234 مرة، أي الضعف
العسر تكررت 12 مرة  اليسر تكرر 36 مرة، أي ثلاثة أضعاف
قل تكررت 332 مرة   قالوا تكررت 332 مرة
إنّ الدراسة السابقة شملت فقط مائتين تقريباً من ألفاظ القرآن، مع العلم أنّ ألفاظ القرآن تزيد عن السبعين ألف. فكيف لو وضعت كل ألفاظه موضع الدراسة العددية؟ بل كيف لو وضعت حروفه التي تبلغ بضع مئات من آلاف الحروف؟
وبعد اطلاعك على ما أوردته لك من أقوال هؤلاء، يتبيّن أنّ للحاسوب دوراً كبيراً في البحث العلمي.. فإذا أراد المرء أو أي عالم أن ينظم كتاباً فيه جمل ذات معانٍ كثيرة وإعجازات تفوق فهم البشر عن خلق الكون والنفس وخلق الإنسان، وعن صفات الإنسان والجماد من حيوان ونبات والسماوات كلّها والأرضين، بشرط أن يكون منسق الألفاظ – كما شرحته سابقاً كالليل والنهار، الحياة والموت، أو الدنيا والآخرة، وإلى آخره من تلكم الألفاظ التي لا تعد ولا تحصى – وفيه ذلك التوازن الرقمي بما يوازي القرآن الكريم، فهل باستطاعته أن يحافظ على ذلك التوازن الرقمي الذي يبهر العقل؟ ويحتاج إلى كم من السنوات لإعداد هذا النوع من الكتاب؟ فكم من المرّات يجب تغييره ليحصل على هذا التوازن العددي، ودون أن يؤثر أو يغير من معاني تلك الجمل أو مقاصدها التي يريد أن يوضحها مهما بلغ الإنسان من فصاحة في اللغة، ومهما كانت له اطلاعات علمية وتأريخية وجيولوجية وجغرافية وفلكية، لما استطاع أن يخرج بهذا الكتاب حتى لو أعطي له مجال أمده مئات السنين، أين طه حسين لنقول له: تعال وانظر، لقد ظهرت آلة الكومبيوتر وأحصى هذا الجهاز إعجازات رقمية يعجز عنه العقل البشري في القرآن الكريم.
انظر أخي: إنّ عشرات العلماء من المسلمين وغيرهم يشتغلون لعشرات السنين وبعقل الكومبيروتر – وهو العقل السريع جداً – ولم يستطيعوا إلى الآن إكمال كل ما يتعلق بالتوازن الرقمي للألفاظ القرآنية المترابطة، فانظر إلى نفسك وافرض أنّك كلّفت بكتابة موضوع إنشائي لا يقل عن عشر صفحات، وأن يُقال لك بأن تأتي بالألفاظ المترابطة في موضوع إنشائك وبأرقام عددية متوازنة دون أن تؤثر على صلب موضوعك شريطة أن تكون الجمل لها مستويات مرموقة من حيث الفصاحة والبلاغة، فأنا متأكد من أنّك تقلب المعجمات مرات ومرات لحصول على كلمات مترابطة، وما إن تضع تلك الكلمات في جملك إلا وتتفاجأ بأنّه سيخرجك عن الموضوع، وربّما إذا وُفِّقتَ وكوّنتَ بعض الجمل البسيطة قد تستهزئ بنفسك عندما تقرؤها وتقول: سبحان الله، وكأنّ هذه الجمل موضوعة من قبل طفل أو جاهل.. تعال يا أخي المكلف بكتابة الإنشاء سأفاجئك بتوافق عددي وتوازن حسابي آخر في القرآن الكريم لأجعلك تترك القلم، ولا تحاول ذلك أبداً راجعاً، مخفقاً، يائساً، وتشعر بأنّ ما كُلِّفت به أمرٌ مستحيل ليس في قدرتك ولا في قدرة البشر.
فالآن ما هو ذلك التوافق العددي والتوازن الحسابي؟ هو ما ذكره الأستاذ عبدالرزاق نوفل في كتابه (معجزة الأرقام والترقيم في القرآن الكريم):

- توافق عددي وتوازن حسابي:
لو تدبّرنا عدد حروف لفظ الدنيا لوجدناها ستة حروف. وأيضاً حروف لفظ الحياة هي ستة حروف. وعناصر الدنيا هي السموات وما فيها، والأرض وما عليها، فهذه تشير إليها، وتعتمد عليها.
وقد قرَّر القرآن الكريم أنّ الله سبحانه وتعالى قد خلقها في ستة أيام أي ست مراحل وذلك بمثل النص الشريف: (إنّ ربَّكُمُ اللهُ الذي خَلَقَ السّمواتِ والأرضَ في سِتَّةِ أيامٍ) (الأعراف/ 54).
ولو تدبّرنا لفظ الإنسان، لوجدناه يتكوّن من سبعة حروف، ويقرر القرآن الكريم أنّ الله سبحانه وتعالى قد خلقه في سبع مراحل هي: بضعة من سلالة طين، ثم تصبح نطفة، ثم علقة، فمضغة، ثم عظاماً، ثم لحماً، ثم خلقاً آخرعلى شكل الإنسان، وذلك في مثل النص الكريم: (ولَقَد خَلَقنا الإنسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ * ثمّ جَعَلنهُ نُطفَةً في قَرارٍ مَكِينٍ * ثمّ خَلَقنا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقنا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقنا المُضغَةَ عِظاماً فَكَسَونا العِظامَ لَحماً ثمّ أَنشأْناهُ خَلقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أحسَنُ الخالِقِين) (المؤمنون/ 12-14).
أي أنّ الدنيا ولفظها، يتكوّن من ستة حروف، خلقت في ست مراحل، والإنسان وحروفه سبعة، وخُلق في سبع مراحل.
ونجد أنّ فاتحة الكتاب وهي أوّل سور المصحف الشريف ونصّها: (بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم * الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ * الرَّحمنِ الرَّحِيمِ * مالِكِ يَومِ الدِّينِ * إيّاكَ نَعبُدُ وَإيّاكَ نَستَعِينُ * اهدِنا الصِّراطَ المُستَقِيم * صِراطَ الذينَ أنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضّالِّين) (الفاتحة/ 1-7).
تتكوّن من سبع آيات بما فيها البسملة اعتبرت آية.. وهذه تتكرر في كل السور ما عدا سورة (براءة).. ولا تعتبر فيها كلّها أنّها آية.. فالفاتحة سبع آيات بالبسملة، وست بغير البسملة. وآخر سور المصحف الشريف وهي سورة (الناس) ونصّها: بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم (قُل أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ * مَلِكِ النّاسِ * إلهِ النّاسِ * مِن شَرِّ الوَسوَاسِ الخَنّاسِ * الذي يُوَسوِسُ في صُدُورِ النّاسِ * مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاسِ) (الناس/ 1-6)
تتكوّن أيضاً من ست آيات بغير البسملة.
والعدد سبعة، سبق الحديث عن بعض ما ورد فيه، وجاء به، وأسند إليه، في القرآن الكريم، وذلك في مجموعة الإعجاز العددي للقرآن الكريم. أمّا الإضافة إليها، فهي أنّ الإنسان ولفظه، يتكوّن من سبعة حروف، وخلق على سبع مراحل يتساوى معه في عدد الحروف ألفاظ القرآن.. والفرقان.. والإنجيل والتوراة.. فكلٌّ منها يتكوّن من سبعة حروف. وأيضاً صحف موسى، فهي سبعة حروف. وأبو الأنبياء إبراهيم.. يتكوّن أيضاً من سبعة حروف.. فهل هذه إشارة عددية وموازنة حسابية إلى أنّ هذه الرسالة والكتب إنّما نزلت للإنسان.. لمختلف مراحله.. وشتى أحواله. وفي المواجهة.. وعلى النقيض، نجد الشيطان.. ويتكوّن لفظه من سبعة حروف.. فهل ذلك تأكيد لعداوته للإنسان في كلّ مرّة.. ومختلف حالاته.. وأنّه يحاول أن يصدّه تماماً وكاملاً عن الهدى الذي أنزله الله للإنسان كاملاً وشاملاً بنبوة إبراهيم وصحف موسى والتوراة والإنجيل، والفرقان وهو القرآن.. حقاً.. وصدقاً، سبحانه وتعالى (لَهُ الخَلقُ والأمرُ) (الأعراف/ 54).. وهذه أيضاً حروفها سبعة. خلق فوق الإنسان سبع طرائق بالنص الكريم: (وَلَقَد خَلَقنَا فَوقَكُم سَبعَ طَرَائِقَ وَما كُنّا عَنِ الخَلقِ غافِلِين) (المؤمنون/ 17)، وجعل لجهنّم سبعة أبواب كذلك بالنص الشريف: (وإنّ جَهَنّمَ لَمَوعِدُهُم أجمَعِينَ * لَهَا سَبعَةُ أبوَابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنهُم جُزءٌ مَقسُومٌ) (الحجر/ 43-44).
بعد كل هذه الدلائل على عظمة القرآن الكريم، تحاججني أخي الكريم فيما رأيتَ من الإعجازات القرآنية، أليس علينا أن نسلم أنفسنا لله ورسوله؟
إنّ هذا لجزء بسيط جداً فيما اطّلعتَ عليه، حيث نقلت لك الأمثلة الرقمية عن الدكتور رفيق أبوالسعود وعلّقت عليه بنفسي لكي أقنعك بأنّ ذلك كلّه من عند الله، وأنّه ليس بكلام أحد من البشر، مهما كان مستواه العلمي والثقافي.
أخي القارئ، هل سمعت كاتباً أو أديباً بارعاً قط كتب أو ألّف كتاباً أو حتى مقالة مكوّنة من وريقات معدودة فيها هذا التوازن الرقمي واللفظي المترابط كما هو في القرآن؟ فالجواب طبعاً دون شك هو: كلاّ، وحتى لو كان رسول الله (أديباً، أو علامة في العلوم، لما استطاع أن ينجز هذا الكتاب).
واعلم أخي: بأنّه كان أُمّياً، ولا جدال فيه. فبعد كل هذا أتشك في هذا الدين؟ هل ترتاب في أنّ الله قد أنزل القرآن لخير الناس في الدنيا وفي الآخرة، ليكون نبراساً لنا جميعاً: (إنّ هذا القُرآنَ يَهدِي لِلّتِي هِيَ أقوَمُ) (الإسراء/ 9).


المصدر: كتاب قبسات علمية من القرآن والسنّة

ارسال التعليق

Top