سلوى النجار
◄المرأة المسلمة شريكة في القرار في كل شؤون بيتها، وهي تتحمل مسؤولية بالغة الأهمية في الحفاظ على الموارد المالية للأسرة وحُسن إدارتها والتصرف فيها. من هذا المنطلق، فقد ركز الإسلام على توجيهها وحثّها على أن تكون حكيمةً رزيةً متفهّمةً ظُروف حياتها، راعيةً مال زوجها وأولادها ومجتمعها ووطنها.
الأُم هي أساس الأسرة وهي الراعية في بيتها، وهي التي اسْترْوَحَت نسمات الهداية الرَّبانية من هُدى الإسلام، وخالطت بشاشة الإيمان قلبها وهَذَّبت تعاليم الشريعة السَّمْحَة صفاتها. من هنا، كان لزاماً عليها أن تكون بعيدةً كل البُعد عن التبذير والإسراف، وأن تتفادى الصرف من دون معايير، وأن تحرص على اتخاذ القرارات السليمة التي تُسهم في تلبية احتياجات أسرتها، مع الحفاظ على مواردها من الهَدْر والإسراف، وأن تسعى إلى تمرير هذه الثقافة الإستهلاكية إلى أطفالها. ولمزيد من التوضيح لمضمون هذه الثقافة، وأهم مبادئها وقواعدها، وسبل الالتزام بها، تتحدث إيمان إسماعيل عبدالله (مديرة مشروع الثقافة الإسلامية العالمية تحت شعار "ديني هويتي" في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي).
وتستهل حديثها موضحةً، أنّ الهدف من وجود الإنسان على الأرض، هو عمارتها التي تقتضي العمل والحركة فيها، واستثمار مواردها الاستثمار الأمثل، على أساس من الضوابط العقائدية والقيَم الأخلاقية المرتبطة بالتصور الإسلامي. وعندما يتحرك الإنسان في ظل هذا التصور ويخضع لمنهج الله عزّ وجلّ، فهو يُعبّر عن دوره في عمارة الأرض وتحقيق العبودية لله تعالى. والسلوك الاستهلاكي للإنسان لا يشذ عن هذه القاعدة، لأنّ العملية الاستهلاكية لا يمكن أن تستقيم من دون الاعتماد على ضوابط وقيَم تنظمها، عَدَاً عن كونها في حَدّ ذاتها طاعةً ينبغي أن تتوافر فيها الفضائل التي تحفظها بعيدة عن التبذير والإسراف، بما يُراعي مصلحة الفرد والأسرة والمجتمع.
غير أننا نجد أنّ الفهم الاستهلاكي لدى الأسرة المسلمة، يحتاج إلى تنظيم حقيقين حيث أصبح الإسراف في الإنفاق والاستهلاك ظاهرة اجتماعية خطيرة، لما لها من تأثيرات سلبية عديدة، تُهدد استقرار الأسرة وتماسُك المجتمع. ونظراً إلى أهمية الأمر، من الضروري تسليط الضوء على المبادئ الاقتصادية التي اهتم الإسلام بإرسائها، لتوجيه كل من الفرد والأسرة والمجتمع نحو الأسلوب السليم للإنفاق، والتأسيس لثقافة استهلاكية تتسم بالرُّشد والنضج.
- ترشيد الاستهلاك وحاجة الأسرة إليه:
"ترشيد الاستهلاك" هو مصطلح شائع يجدر النظر إليه، باعتباره ضرورة وحاجة مَاسَّة لبقاء الأسرة مستقرة. ويمكن توضيح المقصود بهذا المصطلح وبيان معناه على النحو التالي، "الترشيد" في اللغة مصدره "رَشَدَ"، أي سعى إلى ترشيده وهُداه، وهو الاستقامة على طريق الخير مع تَصَلُّب فيه، وضده البَغي. واسترشد الرجل أي طلب الرشد، ورَشَدَ الرجل إذا أصاب وجه الأمر، ومنه قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر/ 38). و"الاستهلاك" مصدر "استهلك"، يُقال استهلك المال أنفقه وأنفده، واستهلك الرجل في كذا "أجهد نفسه"، فهو يعني النَّفَاد والإنفاق وبذل الجهد والبيع. واصطلاحاً الاستهلاك هو الاستخدام المباشر للسلع والخدمات التي تُشبع رغبات الإنسان وحاجاته. وترشيد الاستهلاك يعنى الاستخدام الأمثل للمال والموارد، والتوازن في سد الاحتياجات والاعتدال في الإنفاق، ويتم ذلك من خلال توجيه الفرد والأسرة نحو أنماط وعادات استهلاكية تتسم بالتعقل والاتزان والحكمة.
- القرآن الكريم يُحذّر من التبذير:
اهتم القرآن الكريم بتوعية الفرد والمجتمع بالأسلوب السليم للإنفاق والاستهلاك، من خلال آيات كريمة عديدة، تناولت الحث على الترشيد والاقتصاد، والنهي عن التبذير والإسراف، منها قول الله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (الإسراء/ 29). وفي الآية الكريمة تحذير للمجتمع الإسلامي من التبذير والإسراف، حيث نَهَى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن بسط اليد سَرَفاً ونَهَى عن قبضها بُخْلاً، فَدَلَّ ذلك على استواء الأمرَين ذَمّاً وعلى اتفاقهما لوماً. وقول الله عزَّ وجلَّ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف/ 31). وهذا أسلوب واضح وصريح للتوجيه نحو الاعتدال في الإنفاق وتحذير من الإسراف. وقد آخَى الله سبحانه وتعالى بين الشيطان والمبذَّرين، فقال عزّ وجلّ: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء/ 26-27).
وفي السنَّة المطهَّرة أيضاً، نجد أنّ رسول الله (ص)، أوصى بتحري الاعتدال في الإنفاق. فعن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال: "إن الله تعالى يَرْضَى لَكُمْ ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيَرْضَى لكم أن تَعبُدُوهُ، ولا تُشرِكوا به شيئاً، وأن تعتَصمُوا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقُوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (صحيح مسلم). وعن عبدالله بن عمرو، أن رسول الله (ص) قال: "كُلكوا واشربوا، والبَسُوا وتَصَدَّقُوا، في غَيْر إسراف ولا مخيلَة" (صحيح الجامع للألباني).
هكذا تتفق الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في توضيح أحد المبادئ الاقتصادية المنظَّمة للمجتمع المسلم، وهو مبدأ الوسَطيّة والاعتدال في الإنفاق والاستهلاك، وهو مبدأ مهم لتنظيم اقتصاد الأسرة وضبط إنفاقها. ولا شك في أنّ الأسرة في أخذها بمبدأ الاعتدال في الإنفاق والاستهلاك، إنما تُطبّق منهج الله عزّ وجلّ، إذ يقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ...) (البقرة/ 143). والأسرة في حاجة إلى الرجوع إلى هذا الأصل، وإعمال مَنْهَج الوسطيّة في الإنفاق، لأنّ سوء الإدارة، والهَدْر في الأموال والموارد الاقتصادية الذي يَشُوب تصرّفات كثير من الأسر، يْؤكدان هذه الحاجة.
- السبيل إلى الترشيد:
نظراً إلى أهمية تنظيم الموارد المالية للأسرة، وضمان حُسن إدارتها بشكل أمثل، لابدّ من توافُر قدر مناسب من الثقافة الاقتصادية، والفهم الاستهلاكي لدى المرأة بصفة خاصة، وأيضاً لدى كل فرد من أفراد الأسرة، وهي الثقافة التي تقوم على عدد من النقاط المهمة، ومنها:
- يجب على الأسرة أن تَتَّقي الله سبحانه وتعالى في المال والأملاك، وتَعي أنها مستَخْلَفَه فيهما.
- لابدّ من تحرّي القصد في الإنفاق والاعتدال في الاستهلاك، عملاً بقول الله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (الإسراء/ 29). وفي الآية الكريمة توجيه نو الاعتدال وتحذير من الإسراف والتبذير.
- تعليم الأبناء وتوجيههم نحو ثقافة الترشيد الاستهلاكي من منظور إسلامي، وحَثّهم على تفادي الإسراف والتبذير.
- يجب يَعْلَم الأفراد، أنّ دخل الأسرة هو الذي يحدّد أسلوب إنفاقها، لقول الله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق/ 7). وهذا توجيه واضح وصريح من الآية الكريمة، نحو أهمية أن يكون الإنفاق وفقاً لحدود الإمكانات المتاحة من دون إسراف أو تبذير.
- يجب أن يتعلَّم أفراد الأسرة، أنّ هناك أولويات في الصَّرف، بمعنى تقديم الأهم فالمهم فالأقَلَّ أهمية. إذ لا يمكن الإنفاق على الحاجات إلا بعد استيفاء الضروريات أوّلاً، مثل الإنفاق على المسكَن والملبَس والغذاء والتعليم، ثمّ تأتي الاحتياجات، ثمّ الكماليّات.
- تقديم التوعية اللازمة لأفراد الأسرة، حتى يمكنهم التصدّي للمغريات المتوافرة في الأسواق، التي تلعب دوراً خطيراً في استنزاف جانب كبير من موارد الأسرة، بشراء مواد استهلاكية تندرج تحت بَنَد التَّرَف والكماليات.
- أن تجتهد المرأة المسلمة في التمسُّك بالأصول السليمة للإنفاق والاستهلاك، لتصبح نموذجاً إيجابياً مؤثراً في حياة أبنائها، وسَنَداً لزوجها في إدارة الموارد المالية للأسرة بشكل أمْثَل.
- توجيه الأبناء نحو الادّخار وتعريفه لهم وتوضيح أهمّيته، باعتباره مَلاذاً آمناً للحفاظ على استقرار الأسرة وتماسكها في أوقات الأزمات، وتشجيعهم على ممارسته.
ارسال التعليق