• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الخط الجميل.. ينبئ عن ذوق صاحبه

حسين أبو بكر الباقوي

الخط الجميل.. ينبئ عن ذوق صاحبه

أما اسمه: فهو علم الكتابة، والخط، والهجاء وبهذا الأخير عبر عنه ابن مالك في كتاب التسهيل وكذا من تبعه وبالثاني عبر ابن الحاجب في الشافية وصاحب جمع الجوامع، وقد يسمى أيضاً علم الرسم وإن غلب هذا في المصاحف خاصة. أما مسائله فهي قضاياه كقولنا يجب على الكاتب أن يعرف التاء التي تكتب مفتوحة (ت) من التي تكتب مربوطة (ة) كما هو موجود في مصحف عثمان بن عفان.

 

أهمية الخط العربي وضرورة إدخالها في منهجنا التعليمي:

الخط العربي من أبرز الفنون التي تميزت بها ثقافة الإسلام حتى أصبح فنّاً أصيلاً له أهميته بين الفنون.

وللخط دور حيوي، وأثر بالغ في التفاهم والمعرفة، وتجسيد الأفكار وإبراز المشاعر، والخط الجميل ينبئ عن ذوق صاحبه ويشهد على موهبته.

لقد أصبح الكثير منا لا يهتم بأصول الكتابة، وقواعد الإملاء، ولا يكترث بالنقط، ولا يفرق بين همزة الوصل، وهمة القطع، ولا يهتم بالقواعد لكتابة الهمزة، ولا يرى فرقاً بين خط المصحف وخط المعتاد القياسي، إضافة إلى عدم الالتزام بنظام السطر والترقيم فتجده يستقيم على السطر في أوّله ثمّ يعلو وينخفض أو يهبط ثمّ يصعد. فيجب علينا أن نهتم بسلامة كتابتنا إملاءً وخطاً فإنّ ذلك يساعد على فهم المعنى علاوة على إمتاع النظر وإراحة النفس وجذب المشاهد.

أما إذا كان الخط رديئاً فإنّه يثير في النفس شعوراً بالملل لدى قراءته ولا يستطيع القارئ التعبير عن مقاصد الكاتب.

والخط العربي يعتمد على الموهبة الطبيعية أوّلاً، ثمّ التعلم والتدريب اللذين يقومان على العمل المتواصل وليس من المواد الدراسية التي يستطيع الطالب الاستقلال بتحصيلها دون الاستعانة بالمدرس فهو منوط أوّلاً وآخراً بالمدرس الذي يتولى التعليم والتوجيه وهنا يتضح أيضاً ضرورة إدخال هذا الفن في منهجنا التعليمي، فنرغب أن تكون هذه السطور مفتاحاً للجميع إلى هذا الفنّ المهم والله الموفق.

 

تاريخ الخطّ العربي:

يقول ابن النديم: إنّ الناس اختلفوا في أوّل من وضع الخطّ العربي فقيل أوّل من وضع ذلك قوم من العرب أسماؤهم: أبو جاد، هواز، حطي، كلمون، صعفص، قريشات. وقيل أوّل مَن كتب بالعربية ثلاثة رجال من بولان وهي قبيلة سكنوا الأنبار فوضعوا حروفاً مقطعة وموصولة وهم: مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة فأما مرامر فوضع الصور، وأما أسلم ففصل ووصل، وأما عامر فوضع الإعجام. (إنشاء الكتابة عند العرب صفحة 23).

وهكذا تتأرجح حولها الآراء ولا تكاد تستقر، والصحيح ما قال السيوطي في "الإتقان في علوم القرآن": أخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف بسنده عن كعب الأحبار قال: أوّل من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدم (ع) قبل موته بثلاثمائة سنة كتبها في الطين ثمّ طبخه فلما أصاب الأرض الغرق (الطوفان) أصاب كلّ قوم كتابتهم فكتبوه فكان إسماعيل بن إبراهيم – عليهما السلام – أصابه كتاب العرب، ثمّ أخرج من طريق عكرمة أنّ ابن عباس قال: أوّل من وضع الكتاب العربي إسماعيل (ع). وزاد صاحب نثر المرجان بأن فعل آدم (ع) وهو كتابته اللغات كلّها بأنواع الألسن واختلافها في الطين وطبخه ليبقي بعد الطوفان وإصابة كلّ قوم كتابهم بعد ذلك من معجزات آدم (ع) كما أن وضع إسماعيل (ع) الكتاب العربي، أو اهتداءه له من معجزاته الباهرة أيضاً له.

وتعلم إسماعيل (ع) العربية من جيرته جرهم فنزل عليه جبريل (ع) فعلّمه العربية غضة طرية وألقاها إليه صحيحة فصيحة سوية واستمرت على الأعقاب في الأحقاب إلى أن وصلها إلى محمّد (ص) فشرفت بالقرآن العظيم.

وقد روى السهيلي في التعريف والإعلام عن طريق ابن عبدالبر يرفعه إلى النبيّ (ص) أوّل من خط بالعربية إسماعيل (ع). وقال صاحب الابتهاج بنور السراج أوّل من خط بالقلم إدريس (ع).

ولا تعارض بين هذا وبين ما مرّ من أن أوّل من كتب آدم (ع). لأنّ الكتابة أعم أن تكون من قلم وغيره، فأوّل من كتب بالقلم إدريس (ع) وكتابة آدم يكون بغيره كما يدل عليه حديث كعب الأحبار كتبه في طين وإسماعيل (ع) أوّل من كتب العربية بالقلم والله أعلم. اختصرتها مع أدنى زيارة من كتاب "إيقاظ الأعلام بوجوب اتباع رسم المصحف الإمام" للشيخ محمّد حبيب الله الشنقيطي.

فجاء الإسلام وليس أحد يكتب بالعربية غير سبعة عشر إنساناً من ضمنهم: عليّ بن أبي طالب (ع)، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، وعثمان بن عفان.. ثمّ انتشر في مكة والمدينة وجميع البلاد التي افتتحها المسلمون.

 

المصدر: مجلة الثقافة/ العدد 12 لسنة 1998م

ارسال التعليق

Top