• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الطفولة في بُعدها الإنساني والإسلامي

العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله

الطفولة في بُعدها الإنساني والإسلامي
◄الكتاب الذي نحن بصدد استعراضه للقراء والقارئات الكريمات، هو من تأليف العلامة محمد حسين فضل الله ويحمل عنوان "دنيا الطفل" ويقع الكتاب في 244 صفحة من القطع الرقعي ومن اصدار "دار الملاك" للطباعة والنشر. يستهل العلامة فضل الله، كتابه المذكور بتعريف الطفولة وموقعها في جسد المجتمع حيث يقول: "للطفولة في بُعدها الإنساني معناها الحيوي في عملية تاسيس الشخصية الإنسانية وتقويتها وغرس البذور الطاهرة النقية فيها، وإعدادها للتحول إلى عنصر فاعل منتج يمارس دوره في بناء الحياة على أساس ثابت". وقد اهتمّ الإسلام كدين في تكريم الطفولة المنسجمة من مبادئه من خلال ترسيخ مجموعة القيم الأخلاقية والتربوية التي تنفتح على الإنسان طفلاَ وشاباً وشيخاً للتخطيط لبناء جيل سليم نفسياً ودينياً وصحياً وتربوياً وأخلاقياً وللعمل على إعداد الإنسان لتحقيق معنى وجوده لكونه الخليفة على الأرض. وقد حمل الإسلام لبلوغ الهدف، أمر التربية على عاتق الأب والأُم لكونهما العنصر الأساسي في التربية وخاصة في المراحل الأولى للطفل، ولكنه لم يلغ دور المجتمع. واعتمد الإسلام في أسلوبه التربوي على خطين: الأول وهو وقائي، بحيث يمنع من وقوع الطفل تحت التأثيرات السلبية التي قد تنشأ من نقاط ضعفه، كما سعى إلى الخط الثاني وهو بناء الشخصية المتحركة والمتوازنة التي تأخذ حاجتها في الحياة، كما أكّد الإسلام على أهمية إنتاج الولد الصالح لأنّه سيشكل الذخيرة للأبوين عند الله، لأنّه هو الذي يمثل استمرار الحياة لأهله حتى بعد مماتهم.   - الطفولة.. المفهوم والمراحل: يعتقد أية الله السيد فضل الله، إنّ (الطفل) في النظرة الإسلامية، طبقا للقرآن الكريم، هو الذي لم يبلغ الحلم، أي الذي لم ينفتح على الجانب الجنسي، لا جسدياً ولا فكرياً، أما بعد البلوغ وخروجه عن حالة الطفولة، فيستطيع ممارسة استقلاله المالي بشرط بلوغه مرحلة الرشد. وتكتسب مرحلة الطفولة أهمية بالغة في تشكيل بعض معالم شخصية الصغير المستقبلية، فهو يخضع لأنماط من السلوك والعادات والخبرات التي تعيش في عمق شخصيته وتساهم في بنائها وصياغتها، لأنّه سريع التقبل والتطبع والتقليد بما لا يستطيع الإنسان الحصول عليها بعد تجاوز هذه المرحلة. وربما يعود ذلك إلى انّ الأرضية الإنسانية للطفل، خالية من أي مؤثر خارج دائرة الوراثة. والحقيقة انّ التركيبة الفطرية للإنسان تختزن من بدايتها الإحساس السليم بالأشياء والقدرة على اكتشاف الحقائق، وذلك لأنها فطرة نقية في شخصية الطفل لم تتلوث بالتوجيه المنحرف والتربية السيئة. كما انّ الطفولة تمثل المرحلة الجنينية التي تستوحي من خلالها ملامح الحاضر وصورة المستقبل، ولذا فإنّ الاهتمام بالطفولة هو الاهتمام بالنمو الطبيعي لحركة المستقبل في الإنسان. وعندما ندرس التعليمات الإسلامية التي تتصل بالطفولة، نجد تأكيداً على التدرج في التعامل مع الطفل حسب المراحل العمرية. والإسلام لم يترك تربية الطفل خاضعة لمزاج الأبوين، بل جعلها ضمن خطة مدروسة. فتربية شخصية الطفل بمختلف أبعادها الجسدية والعقلية والروحية تتطلب مراعاة مستوى النمو لديه، ومتابعة الطفل كحالة دراسية فنراقب تطوره وحركاته، لعلنا نقتطف من هذا الإنسان الصامت، تعبيرات تمكننا من معرفة كيف يذكر ويتأثر ويكتشف الأشياء. ويتطرق العلامة فضل الله إلى مراحل الطفولة، فمرحلة الطفولة والأولى تتحدد بسبع سنين التي يترك فيها الطفل للكشف كل ما حوله بنفسه، وفي المرحلة التالية يأتي دور التربية من الخارج، أما في المرحلة الثالثة فتبدأ عملية التأديب والتوجه وتعلم الواجبات. ولا شك انّ الواحد والعشرين عاماً هي المرحلة التي يتحمل فيها الأهل، مسؤولية التربية حتى بداية مرحلة الرشد، وبعد ذلك لا يبقى الأبوان وحدهما مسؤولين عن الطفل بل يصبح المجتمع بكل مؤسساته مسؤولين عنه. والمهم، أعطى الإسلام العناوين الكبيرة لبناء الشخصية، وترك للتجربة الإنسانية أن تلاحق هذه العناوين في حركتها على الأرض، وذلك ضمن الإمكانات والقابليات. ولما كانت حالة الأُم الانفعالية تنعكس سلباً أو إيجاباً على حالة الجنين، شجع الإسلام الأُم على تهيئة كل الأجواء المناسبة للنمو الطبيعي للجنين. وحين يتحدث السيد فضل الله عن مرحلة الرشد، يميزها عن مرحلة البلوغ إذ تتأخر عنها وبالتالي عن مرحلة التكليف الشرعية، لأنها مرحلة تتصل بتعامل الفرد مع الآخرين وإدارة شؤونه المالية والحياتية. ومن النشاط التي أشار إليها المؤلف: -        التربية تستدعي أن يؤهل الإنسان ولده ليكون المسلم الملتزم. -        أمر الإسلام الأهل أن يدربوا الابن أو البنت، على واجباته الدينية قبل موعد تكليفه بها. -        تعتبر المراهقة حالة تحول مهم في شخصية الطفل بحيث تفرض تعاملاً يختلف عما كنا نعامله سابقاً. -        تشكل المراهقة حالة طبيعية، على الأهل التخفيف من آثارها السلبية ما أمكنهم ذلك.   - تربية الطفل من منظور إسلامي: يحدد العلامة فضل الله، هدف التربية في الإسلام بأنّه إعداد المسلم لتحقيق كل الأهداف الإسلامية التي وضعت بين يدي الإنسان سواء على مستوى إنفتاحه على الله أو إنفتاحه على الناس أو على نفسه، ودور التربية إذن هو أن تؤسس التوازن في شخصية الإنسان بمختلف أبعادها الجسدية والنفسية والذهنية والاجتماعية، وأن تزرع القيم والمفاهيم داخل شخصيته، بالمستوى الذي يتحول فيه الطفل إلى تجسيد حي لتلك القيم. وعموماً انّ هدف الإنسان المسلم في تربية أولاده هو أن يكون على الصورة التي يتمثل فيها الإسلام في عناصر شخصيتهم فكراً وعملاً على الخط المستقيم في خط طاعة الله، بما يحقق الإنسان ذاته وخدمة الإنسانية أيضاً، وكذلك إعداد الفرد للتكيف مع محيطه الاجتماعي. وعندما يتحدث فضل الله عن التربية الواعية فهو يقصد تربية متوازنة لا تترك الإنسان في مهب الريح بل تجعله يتحكم بنفسه بحيث لا تطغى عليه وراثية أو تسقطه المؤثرات الخارجية بسهولة. والتربية الواعية تنطلق من فهم جيد لظروف الولد ثمّ تحاول خلق المناخات الملائمة التي يكتسب الغير من خلالها مختلف القيم التي نريد غرسها وتجسيدها في ذاته، كل ذلك في إطار احترام شخصيته وإثارة الثقة في نفسه. على الأغلب، انّ الأصل هو عدم القسوة، ولكن من الممكن أن نستعمل العنف من موقع الرحمة لا من موقع حالتنا المزاجية التي تختزن الميل إلى القسوة، وإذا درسنا المسألة على ضوء الواقع لا نجد الحياة رفقاً كلها أو عنفاً كلها، وهناك من يحتاج إلى الضغط كي يهدأ ويستقر، لكن الأصل في الإسلام هو الرفق. إنّ المفهوم الإسلامي للتربية يستدعي أن يعتبر الأبوان أولادهما أمانة الله بين أيديهما، وهو أمر يتحقق من خلال الاستماع إليه واحترام عقله وتعليمه احترام الآخر وهو يأتي ضمن سياسة تربوية متكاملة. وعندما نريد التعامل مع الطفل، عليها أن نتقمص شخصيته في أحاسيسه ومشاعره وحاجاته وأحلامه وآلامه، لنبادر إلى الاستجابة لها وضبطها. وأمّا مبدأ الثواب والعقاب فهو يقوم على آليات نفسية تحفز السلوك الإيجابي وتحبط السلوك السلبي، فهدف استخدام الثواب والعقاب هو تنمية شخصيته وإنسانيته وعقله، وهو مبدأ قرآني يتناسب مع الطبيعة الإنسانية.   - دور الوراثة في بناء شخصية الطفل: ويعتقد العلامة فضل الله بأنّ الوراثة تمثل الاستعدادات التي تحكم الذات لو تركت في مسارها الطبيعي، لكن العوامل الخارجية من تربية وتجارب تدخل في تكوين الشخصية بحيث تضعف تأثير الوراثة وتكبتها، ولا تسمح لها بالسيطرة على كل وجدان الإنسان العقلي والشعوري، فلا تظهر تلك الاستعدادات إلا في حالات ضعف الوجدان بين وقت وآخر. ومن هنا فللوراثة دور كبير في إعطاء القابليات الطبيعية التي تهيىء الطفل سلباً أو إيجاباً ولكنها لا تشل حركته ولا تلغي دور التربية التي يفترض أن تفهم وتستوعب هذه القابليات. وإذا فرضنا انّ التربية كانت عميقة التأثير في النفس، فيصعب جدّاً آنذاك إزالتها، وتتغلب على البيئة، كما نجد أنّ البيئة تقف في أحيان كثيرة حاجزاً أمام تأثير التربية القوي.   - دور البيئة الاجتماعية في تشكيل شخصية الطفل: لعل أخطر دور تلعبه البيئة في تربية الطفل عبر رفاق السوء، ولكن هذا لا يعني كبح حرية الطفل في مخالطة الرفاق، بل يؤكد على ضرورة أن ترسخ فيه القناعة ببعض القيم والمثل، قبل أن نترك له حرية خوض تجربته الخاصة، فيجب أخذ جانب الحذر، والبحث عن البدائل التي يكتشف من خلالها حقائق الحياة. والبيئة الاجتماعية تشبه في مضمونها وتأثيراتها، تأثير البيئة الطبيعية، فالبيئة الاجتماعية التي تختزن المحبة والقيم الروحية والأخلاقية والإيمان تترك تأثيراً إيجابياً على شخصية الطفل، بينما البيئة المشحونة بالإنحراف والبغضاء والقسوة وما إلى ذلك، تؤثر سلباً على الطفل، وعلى المربين الاستفادة من هذه الثغرة التي تتركها البيئة في الشخصية الإنسانية، لتهيئة الوسائل العلاجية الملائمة لأي مشكلة يعيشها الطفل. إنّ علينا أن نعطي الطفل بعض الحرية مع دراسة المؤثرات الخارجية من وسائل إعلام وتطبيقها بطريقة أ بأخرى. وللمدرسة أهمية كبرى في تربية الطفل، لأنها تدرب الطفل على تحمل المسؤولية من خلال الواجبات والفروض، وتدريبه على العلاقات الاجتماعية من خلال علاقته مع الرفاق الجدد الذين لا تربطه بهم صلة قربى كما هي حال أخوته في المنزل، وهي أمور تساعد على بلورة شخصية الطفل وتجربته.   - دور الأسرة في بناء شخصية الطفل: يتحدث العلامة فضل الله عن طبيعة العلاقات بين الزوجين فيقول انّ علاقة المودة والاحترام المتبادل هي أفضل العلاقات حتى لو عاشت الزوجات الرتابة والملل،ولهذه العلاقة تأثير كبير على الأولاد وعلى نظرتهم إلى الوالدين وإلى الزواج والمؤسسة الزوجية. وبما انّ الخلاف الزوجي أمر طبيعي وشائع، فمن واجب الزوجين أن لا يتنازعا أمام الأولاد، لأنّ ذلك سوف يترك تأثيراً سلبياً عليهم، لأنّ البيت هو المدرسة التي تزرع في نفوس الأولاد، بذور المعرفة الأولى بالعالم، الأمر الذي يحول تجربة الآباء والأُمّهات إلى درس يتلقاه أبناؤهم باكراً في مفهوم الزوجية أو في مفهوم إنساني او اجتماعي ومن المفاهيم التي يتطرق إليها السيد محمد حسين فضل الله، مسألة هيئة الآباء وطاعة الأبناء. فهو يقول في فقرات مختلفة: -   يريد الإسلام لكل من الأبوين أن يحافظ على ما يحفظ للأبوة أو الأمومة معناهما في ذهنية الطفل على مستوى احترامهما الذي يترك أثراً إيجابياً على مسألة التربية. -        هناك فرق بين هيبة تنطلق من قوة الشخصية وبين هيبة تنطلق من عنف وقسوة وإشعار الطفل بالدونية. -   نفرق بين الطاعة المنفتحة وبين الطاعة العمياء، انّ الطاعة المنفتحة تحمل الإنسان على الخضوع للقانون الذي يمثل الأب أداة تنفيذه في البيت. -        من مسؤولية الأب تنظيم وقته، بحيث يترك فرصة للتواصل مع أولاده. -   إذا كان من اطبيعي أن يقلق الآباء حيال أخطاء أبنائهم فإنّ عليهم أن لا يتركوا لقلقهم مجال التأثير السلبي على أولادهم. -        الابتسام في وجه الطفل، يشعره بالمحبة والحنان والعاطفة. -        مسألة الصدق تدخل كعامل أساس في التربية. -        لا يجوز للأهل أن يتعاملوا مع الطفل على أساس إثارة عامل الخوف فيه. -        يبقى جو الأسرة، الجو المفضل لتربية الطفل. -   المسؤولية التربوية تقتضي أن يهذب الأهل خوف الأطفال بحيث يصبح خوفاً حكيماً، فمسألة الخوف هي مسألة طبيعية وفطرية لدى الطفل. -        لا يجوز إيذاء الطفل لأنّ الإيذاء ظلم إلّا في الحالات التي تستدعيها الضرورة التربوية. -        إذا اعطينا الطفل جرعة أكثر من اللازم من الحب فإننا قد نسيء إليه معنوياً. -        على الأبوين اللذين يريدان أن يحسنا إلى ابنهما أن لا يورثا لأولادهما منازعات وعداوات لا يد لهم فيها. -        الطريقة الفضلى لمواجهة الأسئلة المحرجة مع الطفل هي الجواب بصراحة وبأسلوب ينسجم مع مستواه الذهني. -        للأخلاق التي يتمثلها الأب بسلوكه في حياته العائلية تأثيرها الكبير في معنى القدوة على كل أفراد عائلته. -        لابدّ من استعمال الأساليب الحكيمة من أجل إبعاد الطفل عن تقليد السلوكيات السيئة بالإشارة إلى الجيد منها والرديء. -        لتغير العادات السيئة التي اكتسبها الطفل علينا أن نعرف الأساس الذي قام عليه تكوينها. -   لإزالة أي سلوك سيء لدى الطفل، لابدّ من دراسة كل جوانب شخصيته وكل المؤثرات السلبية أو الإيجابية التي يلتقطها من الخارج. وتحت عنوان "الطفل بين الخادمة والأُم"، يعتبر العلامة فضل الله، انّ إنشغال الأُم عن الطفل وتسليمه للخادمات اللاتي لا علم للأسرة، ما هي أخلاقهنّ وعقيدتهنّ، قد يمثل خطراً على الطفل، ولذلك فهو يدعو الأُمّهات إلى الإبقاء على دورهنّ كأمهات في تربية الطفل، بحيث لا تعطى الخادمات أكثر من دور الخدمة، وأخيراً يعتبر – فضل الله – الأمومة جزءاً من تكوين المرأة وليست مهمة خارج ذاتها.   - النظام المدرسي من وجهة نظر الإسلام: يتناول آية الله فضل الله، هذا الموضوع بدقة، لعملية التخطيط التربوي تحتاج لتطور ثقافي عام، والإسلام قدم لنا الخط العام الذي يفترض أن نستهدي به للوصول إلى أسلوب تربوي يتفق مع ذهنية الطفل ومع تطور الوسائل والمناهج الموجودة لننتقل من التلقين الساذج إلى الانفتاح بعقل الطفل على الإبداع، وانّ الحث على إكتساب العلم لا يعني حشو ذهن الطفل بالمعلومات ليرددها آلياً دون أن تتحول إلى مظاهر سلوكية أو تدفع إلى إبتكارات إبداعية. وفي رأي العلامة فضل الله، انّ المدرسة ليست مجرد ساحة لحشد المعلومات في ذهن الطالب أو الطالبة، بل هي ساحة لتنشئة الإنسان وتأهيله ليصبح إنساناً صالحاً في عمله وفي أخلاقه وفي علاقته مع الناس ومع الحياة، لذلك فإنّ التربية الدينية كالتربية البدنية تتصل بالجانب الروحي والأخلاقي والاجتماعي وبالنسبة للطالب، من الطبيعي أن تتوصل إلى تربيته دينياً لأنّ العلم بلا أخلاق وبلا دين قد يدمر صاحبه والمجتمع. وتحت عنوان "واجبات الطفل" تطرق العلامة فضل الله إلى جملة مفاهيم تناولت رضا الوالدين والإحسان إليهما، ومن تلك المفاهيم والاستنتاجات: -   عملية الإحسان هي عملية رسالة تربوية تمثل إنفعال الإنسان بما يقدمه الآخر إليه من رعاية وحماية واحتضان وخدمة وتضحية. -   البر بالوالدين ليس عملية إلغاء لشخصية الولد أو إلغاء لمصالحة وتحويل شخصيته إلى صدى لشخصية الوالدين واعتبار نفسه ظلالهما. -        لا يستطيع الآباء إعتماد الأسلوب الذي تربوا عليه صغاراً في تربية أبنائهم اليوم.   - حقوق الطفل: سماحة السيد فضل الله من الذين يشجعون الحوار مع الأطفال، من أجل إقناعهم بما فرض عليهم، لأنّ الاقتناع يعمق الفكرة في النفس أكثر من الضغط، ولابدّ أن يحس الطفل بأنّه يعيش ضمن نظام مدروس داخل المنزل يشعر أنّه وجد لمصلحته. ولا شك انّ تربية الطفل على النظام أمر حيوي لمستقبله، لكن لابدّ من أن نمنح الطفل مساحة واسعة يلبي فيها حاجته إلى الحرية، ولابدّ للأهل من التعاطي مع رغبات الطفل، بشيء من الحكمة، بحيث يدرسون تلك الرغبات فيلبون بعضها ويمنعون بعضها الآخر. المهم علينا أن نربي الأولاد على أن يواجهوا صعوبات الحياة كي يتمكنوا من الثبات أمامها. وبالنسبة للعدالة بين الأولاد، فإن إنشداد الأب أو الأُم تجاه أحد أولادهما بشكل خاص، في حال كون هذا الولد أفضل من غيره، أمر طبيعي، ولكن عليهما أن لا يعبرا عن ذلك الإعجاب بالطريقة التي يشعر فيها الولد الآخر بالحرمان أو بالدونية، لكن على الأهل أن يستعملوا أسلوباً حكيماً في علاج نقاط الضعف الموجودة عند أحد الأولاد مقارنة بالآخرين، إذا أرادوا توجيهه. أما الطلاق وتأثيره على الطفل، فقد يكون من حق الطفل أن يتربى في أسرة متماسكة الا أنّ للطلاق تأثيرات إيجابية على الأولاد في حال فشل زواج الوالدين وتحول علاقتهما إلى جحيم لا يطاق بالنسبة للأولاد.   - الذكر والأنثى في التربية: يرى العلامة فضل الله انّه عندما ندرس تكوين الولد والبنت في كل المراحل التأريخية التي مرت بها الإنسانية، نجد أنّ الاختلاف بينهما يعود إلى المعطيات البيولوجية لا التأريخية، فهذا الاختلاف يقوم على اختلاف بين شخصية الأنثى وشخصية الذكر، لكن على الأهل أن لا ينكروا بطريقة ذاتية وأنانية في تربية الولد ذكراً أو أنثى، بل عليهم أن يفكروا بطريقة إنسانية عامة، بحيث يشعرون انّهم يربون إنساناً للواقع الإنساني. وعموماً علينا أن نربي في البنت إنسانيتها التي تلتقي فيها مع إنسانية الذكر في العلم والوعي وتنمية القوة والإرادة التي تستطيع بها أن تسيطر على نفسها وتكون صاحبة قرار في المستقبل. ويعتقد سماحة فضل الله انّ شخصية الأنثى كشخصية الذكر في كل العناصر الإنسانية فما هو سلبي للذكر سلبي للأنثى، وما هو إيجابي له إيجابي لها، أما الخصوصيات التي يفرضها الجانب البيولوجي ويتناسب مع دور الزوجة والأمومة، فإنّ علينا أن نركزها بطريقة متوازنة لا تسقط شخصية الفتاة لصالح ذلك الدور المرصود لها في المستقبل.   - الأطفال والعنف: إنّ القاعدة التربوية الإسلامية لا تجوز اللجوء إلى العنف إلا بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى واكتشاف عدم فعاليتها في معالجة الظاهرة الإنحرافية التي تشكل خطراً على شخصية الطفل في أكثر من جانب، وعندما نجد أنّ العنف ضروري لإنقاذ الطفل لابدّ من أن ندرس أسلوب استخدامه، فلا يجوز أن نستخدم وسيلة أشد، إلا بعد استنفاد الوسيلة الأخف، فلقد حرم الإسلام كل أنواع العنف ضد الطفل إلا في حال كان فيه وسيلة لإنقاذه من خطر محقق على الجسد وعلى العقل وعلى الروح. إنّ على الأب والأُم أن يعاشرا أولادهما على أساس انّ الله جعلهما مستقلين وانّ لهم فكراً وإرادةً وقراراً في كل شؤون حياتهم مما يجعلهما لا يتدخلان إلا من باب النصيحة، فيأتي آنذاك الضغط عليهم بعنوان عاطفي لا سيء إلى شخصية الأولاد ولا يلغيها.   - التربية الدينية للأطفال: وبرأي سماحة فضل الله، انّه علينا أن نلقي بذور العقيدة في نفس الطفل منذ أن يبدأ وعيه للأشياء، بحيث يبدأ تصوره لله كحقيقة يرتبط بها وجوده، وبإمكان الأم أن تستعين ببعض الأمثلة والأجواء التي تبرز عظمة الله وكثرة نعمه عليه. ومن الطبيعي في منهج التربية الإسلامية، أن ينهج الأب أو الأُم بالطفل، النهج الذي يملأ قلبه بالفرح بمختلف الأساليب التي يتحسس فيها الفيض العاطفي الذي يحتاجه للشعور بالأمن، كربطه بالقرآن وبالإيحاء له بقدسية هذا الكتاب. وهذا هو الأسلوب الذي يجب أن تتبعه التربية الدينية لربط الناس بالله بدءاً من مرحلة الطفولة، وهي المرحلة الأكثر حاجة إلى الأمل بالله والثقة بالحياة من خلال الثقة بالله.   المصدر: مجلة الطاهرة/ العدد 141 لسنة 2003م

ارسال التعليق

Top