• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العمارة ملتقى العلوم والفنون

جاسم الحمود

العمارة ملتقى العلوم والفنون
  هذه الدراسة محاولة لتسليط الضوء على تفاعل العمارة باعتبارها فناً مع الفنون الأخرى من جهة ومع العلوم باعتبارها علماً من جهة أخرى.   تمهيد: تعريف العمارة: العمارة نتاج فني وظيفي، جاء كتلبية لإحتياجات الإنسان في البداية، فكانت العمارة في بدايتها وظيفية، ومع مرور الزمن وتفتح الوعي الجمالي عند الإنسان واعتماد مبدأ الاختيار والمقارنة تطورت العمارة لتصبح ذات طابع فني. الإنسان القديم بنى ما يمكن أن نسميه المسكن الأوّل – بعد سكن الكهوف والمغاور – لتحقيق منافع ضرورية له: كتأمين ملجأ يحميه من الحيوانات المفترسة وعوامل الطبيعة القاسية (برد – رياح – مطر) إلى هنا العمارة وظيفية تفتقر صفة الجمال، وعندما بدأ الإنسان يفكر: أيهما أجمل أنّ تكون فتحة السقف دائرية أم مربعة، السقف مائل أم مستوي، القاطع هنا أجمل أم هناك، مع بداية هذا التفكير يمكن أن نطلق صفة الفن على العمارة. والعمارة ليست فناً خالصاً. بمعنى آخر العمارة لا تخضع لنظرية الفن للفن، ليست فناً يهدف إلى الإمتاع فقط، ليست كالموسيقى أو النحت أو التصوير، بل إنّ العمارة فن تطبيقي يبحث ويجمع ويوظف آخر ما توصلت إليه العلوم والفنون المعاصرة. والمعمار الناجح يجب أن يكون ذا إطلاع كافٍ على مختلف العلوم والفنون التي تتداخل أو تؤثر في مجالات التفكير والتفعيل المعماري، ويجب أن يكون تفكيره واسعاً وتصوُّره فعالاً من أجل امتلاك القدرة على المحاكمة العقلية والنقد المنهجي بتوظيف هذه المؤثرات يستطيع المعمار تكوين صورة واضحة عن طبيعة المجتمع وتركيبته، ومن ثم يقدم الحلول المعمارية المناسبة الخالية إلى حد ما من المشاكل والأخطاء، ويقدّم عمارة مناسبة لعصره ومجتمعه. والنتاج المعماري – (في كل زمان ومكان) – جاء نتيجة تفاعل وتمازج مجموعة من العلوم والفنون ولا تصل إلى المبالغة إذا قلنا أنّ العلوم والفنون انصهرت معاً لتعطي فن العمارة وسنحاول في هذه القراءة تسليط الضوء على بعض العلوم والفنون التي أثرت في نشأة وتطور فن العمارة. تأثرت العمارة بمختلف العلوم المعاصرة لها – في مراحلها الزمنية – سواءً منها العلوم الإنسانية (الطب، علم النفس) أو العلوم التطبيقية والرياضية (الرياضيات – الفلك – علم مواد البناء).   -       علم مواد البناء: عرف المعمار القديم أنواعاً مختلفة من مواد البناء استخدمها في العمارة، ومواد البناء المستخدمة في العمارة اختلفت من منطقة لأخرى ومن حضارة لحضارة تبعاً لعدة عوامل منها: -        المناخ: طبيعة المناخ تفرض استخدام أنواع محددة من المواد تتناسب مع العوامل المناخية للمنطقة، ففي المناطق كثيرة الأمطار يستخدم الحجر بدل اللبن لأنّه أقلّ تأثراً بالماء وعوامل الحت والرطوبة. -        الطبيعة الجيولوجية للمنطقة: يستخدم المعمار ما يتوافر بين يديه من مواد بناء تبعاً لجيولوجية المنطقة ففي بلاد الرافدين العمارة طينية بسبب قلة الصخور والأحجار، أما في وادي النيل فإنّ العمارة معظمها مبنية بالحجارة. نشأت العمارة الطينية في بلاد الرافدين، استخدم المعمار في البداية التراب المخلوط بالماء ثمّ اكتشف ضعفه وعدم تحمله، وعندما خلط مع التراب والماء القش حصل على اللبن الذي يتميز بقوة ومتانة أكثر، وهنا بدأت تظهر معرفة المعمار بمواد البناء وخصائصها وأخذت هذه المعرفة تتطور، فعرف المعمار فيما بعد (شوي) اللبن فحصل على الفخار ذي المقاومة الجيِّدة ثمّ انتقل إلى مرحلة أخرى عرف فيها الخزف. وتعرف المعمار على الخواص الأخرى لهذه المواد واستفاد منها: -        استخدم المعمار القديم جدران سميكة من اللبن تؤدي سماكتها الكبيرة دور عازل حراري فعال. -        عرف المصريون القدماء واليونانيون أنواعاً من (الملاط) تشبه الإسمنت. -        دلت الدراسات الحديثة في بلاد الرافدين على استخدام القار كمادة عازلة للرطوبة. -        في بناء الأسوار. ترك المعمار فاصلاً كل (30) قرميدة من أجل مقاومة التأثيرات الجانبية لعملية تقلص وتمدد المادة المستعملة في البناء. وفي العصر الحديث تمت الاستفادة من خواص المواد على مواد بمواصفات مثالية بطريقتين: أ‌-      التحسين والمعالجة: يتم بهذه الطريقة الحصول على مواصفات أكثر جودة للمادة، بعد دراسة خصائص المادة، مثلاً مادة الحديد عن طريق بعض المعالجات البسيطة والتغيير في نسب التركيب نحصل على حديد بمقاومات متنوعة (ضعيف المقاومة – متوسط المقاومة – عالي المقاومة) الإسمنت أيضاً تعددت أنواعه (إسمنت رغوي يتصف بقلة كثافته – إسمنت مقاوم للحموض – إسمنت ملون)، كما أنّ شكل التصنيع يغير من مواصفات المادة الميكانيكية، فالحديد المحلزن يعطي تماسك أكثر وقوة أكثر من الحديد الأملس. ب‌- المزج والتركيب: بمزج الإسمنت والماء والرمل نحصل على المونة الإسمنتية وبمزج البحص والإسمنت والماء نحصل على البيتون، وبإضافة الحديد على البيتون المسلح العنصر الأساسي في قائمة مواد البناء. تطور علم مواد البناء وخصائصها أعطى العمارة دفعاً للأمام عملياً ونظرياً، حيث استبدلت الجدران الحاملة ذات السماكات الكبيرة – التي تشغل حيزاً من الفراغ المعماري – بالأعمدة البيتونية المسلحة والجدران الخفيفة – قليلة السماكة – ثمّ استعيض عن الأعمدة البيتونية بالأعمدة الفولاذية في بناء الأبراج والأبنية ذات الارتفاعات الكبيرة. التطور العلمي ساعد على التحكم بخصائص مواد البناء وذلك عن طريق دراسة خصائص المادة وتفعيل الخصائص الإيجابية والحد من الخصائص السلبية مثلاً: استخدام الزجاج واجهات المباني بمساحات واسعة له سلبيات منها: -        نقل الحرارة إلى الداخل مما يؤدي إلى إزعاج مستعمل المبنى – وخاصة في فصل الصيف – بدرجة الحرارة المرتفعة. -        نقل الحرارة إلى داخل المبنى، والحرارة تؤثر في الفرش وتنقص عمره العملي. -        سهولة كسر الزجاج وهذا الأمر ترتب عليه أمور كثيرة سلبية. الآن تمّ تصنيع أنواع من الزجاج له إيجابيات الزجاج العادي وخالٍ من سلبياته ويتصف هذا الزجاج بـ"الشفافية": يعطي إمكانية النظر من خلاله بشكل جيِّد. -        نفوذية الضوء: يسمح هذا الزجاج بمرور الضوء إلى داخل المبنى ولا يسمح بدخول الحرارة الناجمة من أشعة الشمس.   -       المتانة والمقاومة للكسر: العلوم التقنية: استفادت العمارة بشكل كبير من العلوم التقنية الحديثة، ظروف المرحلة المعاصرة وما نتج عن الحربين العالميتين من تدمير البنى التحتية في العديد من الدول، بالإضافة إلى مشكلة التزايد السكاني السريع أبرزت إلى الواجهة مشكلة الإسكان ووضعتها في أولوية سلم الاحتياجات الفردية والجماعية، حيث تمت الاستفادة من التقنية في حل هذه المشكلة والتخفيف من آثارها، فظهر التوجه إلى إسكان أعداد ضخمة من البشر في مبانٍ عالية بإرتفاعات كبيرة – نتيجة ضيق المساحات الأرضية وعدم استيعاب التوسع الأفقي العمراني للسكان – قدمت التكنولوجيا الآلات والمعدات والتجهيزات اللازمة لإنشاء مثل هذه المباني. بالإضافة إلى ظهور منشآت حديثة (كالمصانع والمشافي) أدت إلى تشكيل قفزة في إمكانية ونوعية العمارة وظهور منشآت معمارية لم تعرف سابقاً. فصناعة الطائرات مثلاً: صناعة حديثة، وفي مصانع الطيران يتوجب بناء حظائر للطائرات ذات مساحات كبيرة جدّاً دون أعمدة (أو بأعمدة ذات مجازات ضخمة جدّاً) وتسقيفها بشكل آمن اعتمد في هذه المنشآت أسلوب الإنشاء المعدني الذي يعتمد بشكل كبير على التقانة. مما أدى إلى تطور كمي ونوعي في مجال الإنشاء المعدني وعلومه وتطبيقاته العملية. وفي المرحلة نفسها ظهر توجه آخر لحل مشكلة الإسكان من خلال الاعتماد على العمارة مسبقة الصنع التي وفرتها التقانة المعاصرة حيث يتم تصنيع الوحدة المعمارية في المعمل ثمّ تنقل إلى مكان المنشأ، وتركب هناك وقد تكون الوحدة المعمارية جدار أو غرفة أو حتى شقة في بعض الأحيان. علم الطب: استفادت العمارة من الكم والكيف المعرفي الذي قدمه علم الطب عن طبيعة الإنسان (الجسدية) واحتياجاته (المادية) ونلاحظ تأثر العمارة بالمعارف الطبية في فترات تعود إلى ما قبل الميلاد بقرون كثيرة، فمن خلال التنقيبات والدراسات الأثرية، لاحظ الدارسون أن طريقة تخطيط المدن تعتمد كمبدأ أساسي توجيه الشوارع إلى الجهات الأصلية. وهذا المبدأ مطبق في مدن كثيرة تنتمي لحضارات مختلفة. وهذا المبدأ لم يأت عن فراغ أو صدفة بل نتيجة لتوافر قاعدة جيِّدة من المعارف والعلوم الطبية تقتضي تحقيق الشروط الصحية الملائمة للحياة السليمة الطبيعية للإنسان، كما إنّ المساكن القديمة بينت أنّ المعمار القديم أمّن شروط المسكن الصحي من خلال تأمينه الإنارة الطبيعية والتهوية الجيدة والتشميس الكافي هذه الشروط الصحية (الإنارة – التهوية – التشميس) التي أمنها المعمار القديم، شروط أساسية لاتزال إلى يومنا هذا – رغم التطور الزمني – نقطة الانطلاق الأولى في الدراسة المعمارية السليمة الصحيحة. وفي العصر الحديث ومع تطور العلوم الطبية أصبح من البدهيات والمسلمات في عملية التصميم المعماري والتخطيط العمراني تأمين الاحتياجات الفيزيولوجية للإنسان التي تلبي الوظائف: 1- وظيفة التنفس: تؤمَّن هذه الوظيفة بتوفير الهواء النقي والكافي ضمن عناصر البناء. 2- وظيفة التهوية: يجب تأمين تهوية جيِّدة للمبنى بشكل جيِّد ومدروس من خلال الدراسة الصحيحة للفتحات والنوافذ، وسرعة الرياح واتجاهها. 3- وظيفة التشميس: وظيفة صحية أساسية بتأمينها نقضي على الجراثيم، ونؤمن نوعاً من التعقيم الداخلي في عناصر المبنى، وتتحقق هذه الوظيفة بتأمين أشعة الشمس بشكل مناسب للمبنى ودراسة أوقات دخولها للمبنى بحيث لا تكون مزعجة، ويتم ذلك اعتماداً على دراسة حركة الشمس وزاوية ميلانها في كل فصل، وتستخدم عناصر مساعدة لتوجيه أشعة الشمس وتنظيم دخولها للمبنى مثل الكاسرات الشاقولية – التي توضع في الواجهات الجنوبية – والكاسرات الأفقية – التي توضع في الجهتين الغربية والشرقية – إضافة إلى استخدام المظلات. علم النفس: بالرغم من عدم وجود ما يعرف الآن بعلم النفس في الحضارات القديمة إلا أنّ العمارة القديمة منذ بدايات تطورها راعت الاحتياجات النفسية للإنسان إما بشكل مباشر أو غير مباشر، لو نظرنا إلى الإهرامات المصرية في بنائها الهرمي وخطوطها المائلة – الملتقية في نقطة تبدو وكأنها تتجه للسماء – والزيقورة الرافدية المتدرجة بطبقات متراجعة بشكل هرمي، لرأينا كيف ينجذب البصر باتجاه السماء. وهذا الأمر جاء متوافقاً مع طبيعة تلك الشعوب التي تبحث عن الخلود بعد الموت – وهذا تعبير غير مباشر عن حاجة نفسية للراحة – المعابد القديمة (في بلاد الرافدين وبلاد الشام ووادي النيل) جاءت بمقاييس بنائها الضخمة لتبعث في نفس الواقف أمامها شعوراً بالرهبة وضآلة الحجم الإنساني أمام الحجم الهائل لبيت الإله (المعبد). كما أنّ الضوء القليل المنبعث من الأروقة العلوية للمعابد يبعث في النفس إحساساً بالخشوع والهيبة. وفي العصر الحديث صار من الواجب مراعاة الاحتياجات النفسية للإنسان في أبسط أشكالها، هذه الاحتياجات النفسية للإنسان يجب دراستها بدقة وعدم إهمال أي منها مهما كان بسيطاً، لأنّ أيّ إهمال لحاجة منها قد يعطي نتائجاً سلبية تؤثر على الإنسان وتأقلمه مع العنصر المعماري. يجب تحقيق انسجام بين المقياس الإنساني والمقياس المعماري، فبناء غرفة لشخص ما يجب أن يكون مناسباً لحجمه فإذا كانت الغرفة كبيرة ومرتفعة، سيشعر الإنسان أنّه ضئيل وضائع فيها وأن قدراته ستتلاشى في الفراغ الكبيرة. أما إذا كانت الغرفة صغيرة ومنخفضة سيشعر الإنسان أنّه مقيد وسجين وأن حركته محدودة وقدراته مجمدة. هذا الأمر ينطبق على كل إنسان وهناك احتياجات نفسية تختلف باختلاف الشخص (طفل – بالغ – كبير السن – امرأة – رجل). مثلاً: عند تصميم مسكن خاص بعائلة (شقة أو فيلا) يجب أن نراعي الاحتياجات النفسية لمختلف المراحل العمرية في العائلة، وذلك بتأمين أهم احتياجين وهما الخصوصية والجماعية فغرف نوم الأطفال يجب أن تكون قريبة قدر الإمكان من غرف نوم الوالدين ليشعر الأطفال بالأمان والراحة في نفس الوقت يجب أن تكون غرف نوم الوالدين ذات خصوصية. العلوم الرياضية: دلت الدراسات والملاحظات العلمية الدقيقة المطبقة على الصروح المعمارية القديمة على إلمام المعمار القديم بالعلوم الرياضية من خلال استخدام نسب دقيقة ومتناسبة في البناء وتطبيقها على الكل والجزء. عند دراسة المعابد المصرية القديمة (العهد الفرعوني). نجد أنّ المعمار استخدم في تسقيف هذه المعابد أحجار وصل وزن بعضها إلى (40) طناً هذا الاستخدام لا يمكن أن يكون عبثاً أو تلقائياً، وإنما نتيجة معرفة وافية كاملة بحساب الضغوط ومقاومة الأجسام وتوزع الأثقال وطريقة انتقال الأحمال من عنصر إنشائي إلى آخر. كما أنّ العمارة القديمة دلت على إلمام المعمار بعلم البصريات، هرم خوفو مثلاً: أسطح وجه الهرم مقعرة قليلاً نحو مركز وجه الهرم، هذه الفكرة أتت من منطق رياضي دقيق جدّاً حيث إن أثر التقعير يؤدي إلى تصحيح الخداع البصري الذي يجعل الأسطح الكبيرة المستوية تبدو مقببة (محدبة)، وهذا التقعير ضئيل جدّاً بالنسبة لكتلة الهرم ولا تستطيع العين المجردة رؤيته، هذه الفكرة الرياضية لتصحيح الخداع البصري وجدت في مرحلة لاحقة في الأبنية الرومانية، حيث طبقها الرومان على الأعمدة المرتفعة، فجلعوا حواف العمود مقعرة قليلاً في وسطها، وذلك كيلا يبدو العمود محدباً في الوسط. تعددت الآراء حول طريقة بناء الأهرامات ورفع الأحجار الضخمة، والرأي الأرجح أنهم استخدموا المنحدرات الاصطناعية، حيث يتم زلق الأحجار فوق جسور من الخشب حتى تصل مكانها وهذه الطريقة تبرهن على أنّ المعمار كان على دراية كافية بمبادئ القوة والعمل الفيزيائية وتطبيقاتها. ونلاحظ في تسقيف المعابد المصرية إلمام المعمار بعلم الإنشاء المعماري. وذلك من خلال وضع العناصر الرأسية كاملة ثمّ توضع العناصر الأفقية (الأعتاب) واستعمل العتب المكون من قطعتين وهذا يدل على ذكاء المعمار لأنّ استعمال العتب المؤلف من قطعتين يجعله يتلافى انهيار البناء كلياً في حال كان العتب مؤلفاً من قطعة واحدة. علم الفلك: كان القدماء على إلمام جيد بعلم الفلك، في بلاد النيل. وصل علم الفلك إلى درجة جيدة من التقدم، واستفادت العمارة من هذا العلم. هرم خوفو يعتبر بوصلة كبيرة، تدل على تكرار السنة الفلكية والزراعية وفصولها، فمن خلال انعكاس أشعة الشمس على أوجه الهرم يتم تحديد الأيام التي يحدث فيها الانقلاب الصيفي والانقلاب الشتوي وبداية كل فصل من فصول السنة. كما أنّ دراسة تخطيط المدن في بلاد الشام والرافدين ودراسة فتحات المباني تدل على توظيف المعارف الفلكية في العمارة، حيث تدرس حركة الشمس وزوايا ميانها في كل فصل من فصول السنة لتأمين دخول الشمس إلى البناء من خلال الفتحات بشكل مدروس.   -       فن النحت والتصوير: تميزت العمارة القديمة بإبداعات نحتية وزخرفية تعتبر نادرة. معبد رمسيس الثاني يتقدم مدخله أربعة تماثيل للملك رمسيس الثاني ارتفاع التمثال (20م)، وفي الصالة الداخلية صفّان من الأعمدة، كل صف أربعة أعمدة، وكل عمود على شكل تمثال رمسيس الثاني والملاحظ أنّ التماثيل في الواجهة والتماثيل في الصالة الداخلية متطابقة ومتشابهة تماماً – تماثيل الواجهة متماثلة فيما بينها وتماثيل الصالة متماثلة فيما بينها – مما يدل على براعة النحات المنفذ وتمكنه من فن النحت وجدران الواجهة والجدران الداخلية للمعبد – معبد رمسيس الثاني – تعد قطعة فنية أسلوباً وتنفيذاً، بالإضافة إلى قيمتها التأريخية فهي تسجّل من خلال التصوير والزخارف والنقوش وقائعاً كثيرة عن حياة الملك. معبد الملكة نفرتاري ينطبق عليه ما ذكر عن معبد رمسيس الثاني. وبما أنّ العمارة المصرية تميزت باستعمال النسب الضخمة في أبنيتها فإنها أتاحت الفرصة للمعمار أن يبدع فنياً وجمالياً فوظف السطوح الكبيرة والواجهات الواسعة للنقوش والكتابات التي تؤرخ الأحداث المهمة في حياة الملك والدولة، وفي الوقت نفسه تضفي لمسات جمالية على المبنى. وفي بلاد الرافدين استخدمت القطع الخزفية والزجاجية ذات الألوان المتعددة التي تعطي أشكالاً رائعة تغطي جدران المباني. اتسمت القصور الرافدية بالترف الزخرفي فتحولت الجدران الخارجية بمساحاتها الكبيرة إلى لوحات فنية شغلها المعمار بمختلف أنواع الزخارف النباتية والحيوانية واللوحات المعبرة عن حياة الإنسان الرافدي. وهذا الاستخدام لفن النحت أو الرسم (التصوير) لم يكن لغاية جمالية فقط بل لغاية معمارية أيضاً فالسطوح الكبيرة والواجهات الكبيرة – الخالية من الزخارف والرسوم – تعطي إحساساً برتابة البناء وجمود واجهته، أما الزخارف والرسوم فإنها تبعث الحياة في البناء.   -       خاتمة: وهكذا نجد أنّ العمارة تأثرت بالكثير من الفنون والعلوم إلى حد كبير، وصارت مرآة لها، ويمكن لأي باحث أن يعرف مدى تقدم العلوم والفنون في حضارة ما في زمن معيّن من خلال دراسة العمارة في ذلك الزمن، فالعمارة فن وعلم، تؤثر وتتأثر وتشكل الوجه الأهم في الجانب المادي من الحضارة. المصدر: مجلة المعرفة/ العدد 488 لسنة 2004م

ارسال التعليق

Top