• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القانون الدولي جملة من المعايير الدولية

وليم نجيب جورج نصّار

القانون الدولي جملة من المعايير الدولية


القانون الدولي لحقوق الإنسان نشأ كمجموعة قانونية بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه أسبق من ذلك بكثير في التشريعات الوطنية. وهو بالأساس مجموعة من الحقوق الأساسية التي يجب توفرها للفرد في دولته، أي للمواطن في بلده. و"القانون الدولي لحقوق الإنسان هو جملة من القواعد الدولية التعاهدية أو العرفية بوسع الأفراد والجماعات استناداً إليها أن يتوقعوا سلوكاً معيناً من جانب الحكومات أو يدعوا لأنفسهم الحق في مكاسب معينة من تلك الحكومات [...]. وتعد حقوق الإنسان بمثابة حقوق أصلية يمتلكها الأشخاص كافة نتيجة لتمتعهم بالصفة الإنسانية. كما تضم جملة من المعايير الدولية لحقوق الإنسان العديد من المبادئ والخطوط التوجيهية غير المستندة إلى معاهدات". والتراتبية في تصنيف الحقوق تجعل البعض منها أهم من الأخرى، بحيث أصبح التصنيف لهذه الحقوق يشمل حقوقاً أساسية وأخرى غير أساسية، وحقوقاً غير قابلة للانتقاص وأخرى قابلة للانتقاص، وحقوقاً غير قابلة للتصرف وأخرى قابلة للتصرف. "ومن المهم التمييز بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان. وعلى الرغم من أوجه التشابه بين بعض قواعد القانونين إلا أنهما تطورا منفصلين عن بعضهما البعض ووردا في معاهدات مختلفة. وعلى وجه الخصوص فإن قانون حقوق الإنسان يسري، خلافاً للقانون الدولي الإنساني، في وقت السلم، ويمكن تعليق العديد من أحكامه أثناء النزاع المسلح"، إذ إن القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما رأينا يشمل من الحقوق ما تعرف بأنها أساسية وأخرى غير أساسية، وبالتالي لا يمكن توفيرها كلها من قبل السلطة الحاكمة في كل الأزمان.
"ومن حيث المبدأ ينطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان في كل الأوقات، أي في زمن السلم كما في حالات النزاع المسلح. غير أن بعض الحقوق في حالات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة. [...] ولا تخضع بعض حقوق الإنسان لأي استثناء مهما كانت الظروف، وهي تشمل حق الحياة ومنع التعذيب والمعاملة أو العقوبات القاسية والمهينة واللاإنسانية وحظر الرق والاستعباد وحظر القوانين الجنائية الرجعية"، فالحقوق الأساسية لا يمكن التعدي عليها، فيما غير الأساسية يمكن وقفها لبعض الوقت، ولكن لا يمكن وقفها لكل الوقت، وخاصة إذا كانت من الجيلين الأول والثاني، بحيث إن حقوق الجيل الثالث هي مسؤولية دولية عامة لا تقوى الدولة وحدها على توفيرها. كما أن بعض حقوق الجيل الثاني يعتمد توفيرها على إمكانيات الدولة، فهي حقوق تتطلب الإنفاق المادي للدولة لتوفير الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل ومجالات الثقافة، وهي أحياناً تفوق قدرات الدولة. ولكن ما لا يمسّ هذه القدرات تعتبر من الحقوق التي يجب توفيرها للمواطن، وخاصة فرص تنشيط الاقتصاد لتوفير فرص عمل للجميع، أو التعليم الأساسي للأطفال، أو الرعاية الصحية المبدئية؛ حيث إن عدم توفير هذه الحقوق في مستواها الأدنى ينفي وجود الدولة أساساً وتتحول الدولة إلى مجرد أداة قمع ضد مواطنيها.
وأصبحت بعض الحقوق الأساسية وغير القابلة للتصرف أو الانتقاص جزءاً من الحقوق المحمية دولياً، ويعتبر مساسها جرائم دولية، تتم الملاحقة عليها ومحاسبة مرتكبيها ومعاقبتهم، وبالأساس تلك الحقوق التي تمس الحياة أو الجسد أو الكرامة الإنسانية، كالقتل العمد الجماعي، أو التعذيب أو الاضطهاد أو العبودية أو الفصل على أساس تمييزي أو غيرها من الحقوق التي يتم التعدي عليها بشكل مقصود ضد أفراد من جماعة ما من قبل سلطة ما، وذلك بشكل منظم ومنهجي. "وبينما تطور كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان تاريخياً على نحو منفصل، فإن المعاهدات الصادرة حديثاً تضم أحكاماً تنبع من كلا المجموعتين من القوانين. وتتمثل أبرز الأمثلة في اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري بشأن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية". وهذا الأمر فتح المجال للملاحقة الدولية لمرتكبي هذه الجرائم، وأصبح هناك نوع من التلاقي ما بين القانوني الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، في المعاملة الدولية الجنائية لمقترفي الجرائم الدولية، بالتعدي على الحقوق الإنسانية في كلا المجموعتين من القانون الدولي؛ حيث "يرمي كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان إلى حماية أرواح الأفراد وصحتهم وكرامتهم، وإن يكن من زاويتين مختلفتين. لا غرابة إذن أن جوهر بعض القواعد متشابه، إن لم يكن متطابقاً، رغم أن ثمة اختلافات كبيرة من صياغة هذه القواعد. [...] فإن قواعد القانون الدولي الإنساني تعالج قضايا كثيرة تخرج عن نطاق القانون الدولي لحقوق الإنسان [...]. وبالمثل يعالج القانون الدولي لحقوق الإنسان جوانب للحياة في زمن السلم لا يغطيها القانون الدولي الإنساني".
وقد بدأت منظومة حقوق الإنسان في القانون الدولي بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ورغم أن الإعلان رسمياً ليس اتفاقية ملزمة للدول، إلا أن قيمته الأدبية المعاصرة تعتبر أقوى من العرف الدولي، وخاصة بعد أن نشأ عنه العهدان الدوليان: العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. "والإعلان هو بيان لمبادئ عامة. وبما أنه ليس اتفاقية، فإن المعايير السلوكية التي يحددها لديها فقط وضع الأعراف غير الملزمة، ولكن الوثيقة رغم ذلك لها أهمية قانونية وسياسية هائلة، لأنها تزود الأساس ليس فقط للاتفاقيات الدولية الملزمة قانونياً، والتي جاءت من بعد، ولكن أيضاً للعديد من أطر الحقوق الصادرة عن الحكومات الوطنية". ومع تطور الحديث عن حقوق الإنسان، وتطوير القانون الدولي بهذا المجال، فقد أصبحت حقوق الإنسان تصنف في ثلاث مجموعات تسمى كل منها جيلاً، بحيث تعتبر الحقوق المدنية والسياسية هي الجيل الأول، فيما تعتبر الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية جيلاً ثانياً، وتعتبر الحقوق التضامنية مثل البيئة والتنمية والسلم وغيرها جيلاً ثالثاً. ويدور الحديث الآن عن جيل رابع هو جيل الديمقراطية وحقوقها، كأمر ملزم للدول. ورغم أن الحديث لم يصل بعد إلى مستوى الاتفاقيات الملزمة، إلا أنه يمهد لذلك بالتأكيد. وقد تم التركيز على موضوع الديمقراطية في أكثر من وثيقة دولية صدرت بعد انتهاء الحرب الباردة سنة 1989، رغم أن الحديث دولياً عن الديمقراطية وضرورة التحول الديمقراطي بدأ قبيل ذلك بقليل، عندما بدأت أجواء الانفراج تشير إلى انتهاء هذه الحرب. وعندما انهارت الكتلة الشرقية وسقط سور برلين، زاد الحديث عن ضرورات التحول العالمي نحو الديمقراطية، بما سمي بتوسيع الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي في العالم.

المصدر: كتاب مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي

ارسال التعليق

Top