تتكوّن النفس البشرية من مجموعة من الخطوط المتوازية والمتعارضة في الاتّجاه.. تُولد مع الطفل، وتبرزها انفعالاته.. تستمد من الوراثة نصيباً ومن رعاية الأُم والمجتمع النصيب الأكبر.
أهم هذه الخطوط هي:
- خطّا الخوف والرجاء:
وهما من أهم الخطوط في بناء النفس الإنسانية.. فالنفس بطبيعتها تخاف وترجو (ويَرجُونَ رَحمَتَهُ ويَخافونَ عَذابَهُ) (الإسراء/ 57).
فالإنسان يخاف الظلمة ويخاف الوحدة ويخاف السقوط ويخاف الطغاة ويخاف السجون ويخاف الفقر ويخاف الموت ويخاف المجهول.
والإسلام يعمد إلى خطّي الخوف والرجاء فينفض عنهما كلّ خوف فاسد وكلّ رجاء منحرف.
ينفض عنهما الخوف من الموت.. والخوف على الرزق.. والخوف من أذى الناس.. والخوف من المجهول.. فهذا الخوف لا مبرر له، فأمره ليس بيده أو بيد أحد.
فالخوف ينبغي أن يكون من الله، ومما يخوّف الله به (لِيَعلَمَ اللهُ مَن يَخافُهُ بِالغَيب) (المائدة/ 94)، (إنّا نَخافُ مِن رَبِّنا يَوماً عَبوساً قَمطَريراً) (الإنسان/ 10).
وكذلك الرجاء.. فالإنسان يرجو النعيم في الأرض والمال والبنين والشهوات والجاه والسلطان والقوّة، والإسلام لا يمنع ذلك، ولكنه لا يريد أن يكون الإنسان أسيراً لهذه الآمال بحيث تسيطر عليه وتستغرق كيانه.. وبالمقابل، يطالب الإسلام الإنسان بأن يرجو ربّه ويتطلع إلى مثوبته ورضاه.
(يا أيَّتُها النَّفسُ المُطمَئِنّة * ارجِعِي إلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرضِيَّة * فَادخُلي في عِبادي * وادخُلي جَنَّتي) (الفجر/ 27-30).
والخوف والرجاء بقوّتهما واختلاطهما بالكيان البشري في أعماقه، يوجهان ويحددان للإنسان أهدافه وسلوكه ومعالم شخصيته.
ومن هذين الخطين المتقابلين المتجاورين يمسك الإسلام بزمام النفس البشرية، فيعدّها ويمنيها، ويخوّفها ويرهّبها.. وفيما بين ذلك يغرس فيها كلّ البذور الصالحة.. التي يقصد إلى غرسها في قرارة النفس الإنسانية.
- خطّا الحبّ والكره:
وهما خطّان آخران أصيلان من خطوط النفس البشرية.. فالإنسان يحبّ نفسه، ويحبّ متعته، ويحبّ السلطان والنفوذ، ويحبّ أن يعمّر ويخلد.. وبالتالي يكره كلّ ما يقف في سبيله للوصول إلى ما يحبّ.
والإسلام لا يحارب النفس ولكنّه يهذّبها ويضبطها.. ويحول دون تحولها إلى شهوة أنانية تستذل صاحبها.. وتصطدم بالآخرين.
يوجه الإسلام الإنسان إلى حبّ الله الذي خلقه في أحسن تقويم، وسخّر له ما في الأرض جميعاً، وحبّ الكون الذي هو من مخلوقات الله، وحبّ الناس. وكذلك الكره.. يوجه إلى قوى الشر في الأرض، إلى الظلم والعدوان والطغيان، وإلى كلّ انحراف عن سبيل الله.
قال رسول الله (ص): "إنّ من عباد الله عباداً ليسوا بأنبياء يغبطهم الأنبياء والشهداء". قيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: "هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب، وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس"، ثم قرأ: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس/ 62).
هذا الحبّ هو الذي يوازن حبّ الإنسان لنفسه، ويضعه في وضعه الصحيح، فلا يظلم ولا يجور ولا يغتصب لنفسه حقوق الآخرين.
وبذلك يتحوّل خطّا الحبّ والكره إلى عامل رئيس في بناء النفس الإنسانية بالشكل الصحيح.
- الواقع والخيال:
والواقع والخيال من الخطوط الموجودة في النفس البشرية.
أمّا الواقع، فكلّ عمل في نطاق الحياة الدنيا، مثل إقامة الدولة، وتنظيمها، وحمايتها، وتنظيم المجتمع بحاجاته المادّية والاقتصادية والسياسية والتعليمية، وكلّ ما يحتاج إليه الإنسان في الأرض، وكلّ الضرورات التي لا يستغني عنها، وكلّ العلوم والمخترعات والتنظيمات.
والواقع اليوم كبير وممتد.. وطموح العلم لا تحدّه حدود لا في المكان ولا في الزمان.. فقد تمدد المكان ليشمل إلى جانب الأرض الفضاء بكلّ اتساعه.. والأجرام بكلّ تنوّعها.. وتمدد الزمان ليشمل المستقبل.. بل إنّ الخمسين سنة القادمة صاروا يعدونها من الحاضر.
والخيال الواقعي.. يدفع الواقع إلى مواطن الكمال.. فيتطلع الإنسان باستمرار إلى تحقيقه. فالرسول (ص) وأصحابه كانوا في واقع صعب وهم يعيشون أحداث غزوة الأحزاب.. حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر، يقول لهم رسول الله (ص) وقد رأى شرارة تنقذف من صخرة في الخندق: "الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إنّي لأنظر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، فقال: الله أكبر، أعطيت فارس، ثم ضرب الثالثة، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن".
وتبلغ درجة اليقين عند أصحاب رسول الله بهذا الخيال فيسألونه: أيهما تفتح قبلاً يا رسول الله؟
هذا الخيال.. الذي تحوّله الطاقة المؤمنة إلى خطّة عمل ومستقبل مطلوب يسعى الجميع إلى تحقيقه.. هو الجانب الآخر المقابل للواقعية المحصورة في نطاق الأرض.. ومستلزمات الناس.
هذا الخيال الواقعي يمتد بالإنسان ليشمل تصوّر الكمال والجمال في العالم الآخر "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". فقدرة النفس على التخيل الواقعي.. جزء من إنجاز الواقع بشكل أكمل وأشمل وأجمل.
- الحسية والمعنوية:
ومن خطوط النفس الإنسانية الحسية والمعنوية.
أمّا الحسية، فهي طاقة الجسد وكلّ ما يتصل بها من زينة الحياة الدنيا كالأكل والشرب، واللباس وزينته، والجنس ولذائذه، والمسكن وتجهيزاته، ووسائل المتعة المختلفة.. كلّ ذلك يحرص عليه الإسلام.. وينكر على مَن ينكره، بل ويعتبر الإعراض عنه مجافاة للفطرة، يقول رسول الله (ص): "أمّا أنا فأُصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوّج النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منِّي".
ولا يشترط الإسلام في هذا الأمر سوى نظافة العلاقة وبعدها عن الحرام.
أمّا الطاقة المعنوية، فهي الطاقة الإنسانية التي يرتفع بها الإنسان من عالمه الأرضي إلى مستوى أعلى، ومن دائرة ملذاته إلى دائرة خدمة الخلق جميعاً، ومن أُفق بني جنسه إلى آفاق بني الإنسان.
والإسلام يهتم أعظم الاهتمام بهذه الطاقة ويجعلها أساس الحياة الإنسانية، وحتى لا يتركها تهوّم في أجواء غير واضحة، فقد ربطها بالعقيدة بكلّ شمولها واتساعها.
فإذا اهتدت الطاقة الحسية بهدي الإسلام، وارتبطت الطاقة المعنوية برباط العقيدة.. عندها يرتبط الحسي والمعنوي في واقع الحياة كما هما مرتبطان في واقع الناس (فِطرَةَ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عَلَيها لا تَبدِيلَ لِخَلقِ اللهِ ذلكَ الدِّينُ القَيِّمُ) (الرُّوم/ 30).
- ما تدركه الحواس وما لا تدركه الحواس:
وهذان خطّان آخران من خطوط النفس البشرية.
أمّا ما تدركه الحواس، فماثلٌ في صفحة الكون المفتوحة، وفي أعماق النفس الظاهرة والمستوردة، وهو الجانب الذي تركز عليه ولا تعترف إلّا به الحضارة المادّية.. فالدين (في نظرهم) تهويم، والحياة مادّة، وحقيقة العالم تنحصر في مادّيته، كما يقول ماركس.. وحقيقة الأشياء ما تراه في أنبوبة الاختبار، كما تقول المادّية الحديثة.
وإذ أنكرت الحضارة المادّية كلّ ما يتعلق بالغيبيات، فإنّ الإسلام يعتبر الإيمان بالغيب ميزته الأولى، قال تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (البقرة/ 1-3).
وبالإيمان بالغيب، بالله تعالى والوحي والجنّة والنار والملائكة والجن وغيرها هي قاعدة الإيمان كله.
وبالإيمان تستقيم الحياة.. وبدونه تصبح الحياة جافة خامدة مادّية يتنازع السيطرة عليها والصراع حولها شياطين الإنس والجن.
وبهذا وذاك ينفذ الإسلام إلى النفس البشرية من المنافذ كلّها، عن طريق إيمانها بما تدركه الحواس، وإيمانها بما لا تدركه الحواس. وربط ذلك كلّه بتوجيه النفس إلى الله خالق كلّ شيء.
- الفردية والجماعية:
والفردية والجماعية خطّان من خطوط النفس البشرية.
أمّا الفردية، فتقوم على أساس أنّ حرّية الفرد لا تحدها حدود.. والجماعية تقوم على أساس أنّ حرّية المجتمع هي الأساس.
ولقد تبنّت بعض النظم الفردية ووسعت من دائرتها حتى أفسدت المجتمع وأفسدت الفرد ذاته..
فعندما تحاصر المخدرات المجتمع الأمريكي على سبيل المثال، لا يستطيع هذا المجتمع مقاومتها بالشكل الصحيح، لأنّ ذلك يعتبر تدخلاً منه في حرّية الفرد. وتبنّت بالمقابل بعض الأنظمة الجماعية ووسّعت من دائرتها حتى سحقت الفرد وأنهت طموحه ما عدا بعض الحرّيات الخاصّة التي تضر أكثر مما تنفع.
والإسلام وحده هو الذي أخذ بيد الفرد وأعطاه كامل حرّيته، ولكنها تنتهي عندما تبدأ حرّية المجتمع، وشبّه رسول الله (ص) الأمر بالسفينة التي يركبها فريق من الناس، أحب بعضهم أن يخرقها تحت شعار الحرّية الفردية، فقال رسول الله (ص): "فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً".
للفرد حرّيته.. وهو مسؤول عن هذه الحرّية (كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت رَهِينَة) (المدثر/ 38).
وللمجتمع حرّيته (والمُؤمِنونَ والمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَوليَاءُ بَعضٍ) (التوبة/ 71)، (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤمِنونَ بِاللهِ) (آل عمران/ 110).
وهكذا تلتقي الحرّية الفردية والنزعة الجماعية، كلتاهما تتحدان في الهدف وتتحدان في العمل وترتبطان بالله عزّوجلّ، في تناغم وترابط يُسعد الإنسان، ويعمِّر الحياة.
- الالتزام والتطوّع:
وهما خطّان متوازيان متقابلان من خطوط النفس البشرية.
والالتزام في الإنسان فطرة.
فالمرأة تحب أن تلتزم ببيتها، والرجل والمرأة يحبان الالتزام بمؤسسات المجتمع، مثل الأسرة وطاعة قوانين الدولة، والالتزام بالتعاليم.. والشاب الأكثر تحرراً وطموحاً يحب أن يلتزم مع شلة الحارة أو صُحبة المكتب أو صُحبة المسجد.
ومن أشدّ التهم التي يشعر بها الإنسان بالخزي إذا وصم بعدم التزامه تجاه بلده أو بيته أو أسرته، أو جماعته أو شلته.
أمّا الخط الآخر المقابل، فهو ميل الإنسان للإحساس بأنّه غير ملتزم وأنّه يؤدي الأشياء، لأنّه هو يريد أن يؤديها لا لأنّها مفروضة عليه! وحتى لا تشرد هذه الخطوط بالإنسان، فقد وضع الإسلام كِلا الخطين في موقعهما الصحيح.
فحثّ الإنسان الملتزم على الوفاء بعقد التزامه مع الجماعة والأُمّة مع ربط ذلك بالشعور بالواجب والإحساس بالمسؤولية وأنّه يفعل ذلك بما يُرضي الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال تعالى: (يا أيُّها الذينَ آمَنوا أَطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرَّسولَ وأُولِي الأَمرِ مِنكُم فإنْ تَنازَعتُم في شَيء فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسولِ إن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيرٌ وأحسَنُ تأوِيلاً) (النساء/ 59).
فكلّ تشريع أو توجيه أو طاعة أو التزام مرتبط بالله، يؤدي لوجهه الكريم.
وأمّا بالنسبة لخط التطوّع (أو عدم الميل للشعور بالالتزام)، فقد عالجه الإسلام، فحببّ للنفس أوّلاً أن تؤدي كلّ ما عليها من الالتزام خالصاً لوجه الله، فيرتفع الأمر من صورة الالتزام القاهر إلى الرغبة الذاتية في الأداء.. ثمّ يدع الباب مفتوحاً للتطوع الحقيقي الذي يصنعه الإسلام ليرتفع في درجات الإيمان (ولِكُلٍّ دَرَجاتٌ ممّا عَمِلُوا) (الأنعام/ 132).
قال تعالى: (وَعَلى الذينَ يُطِيقونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيراً فَهوَ خَيرٌ لَهُ وأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم إن كُنتُم تَعلَمُون) (البقرة/ 184).
وقال تعالى: (وعِبادُ الرَّحمنُ الذينَ يَمشُونَ عَلَى الأرضُ هَوناً وإذا خاطَبَهُمُ الجاهُلونَ قالوا سَلاما * والذينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهُم سُجّداً وقِياما * والذينَ يَقولونَ رَبَّنا اصْرِفٍ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إنّ عَذابَها كانَ غَرَاما * إنّها سَاءَتْ مُستَقَراً ومُقاما * والذينَ إذا أَنفَقُوا لَم يُسرِفوا وَلَم يَقْتُرُوا وكانَ بَينَ ذلكَ قَوَاما * والذينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ التي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ ومَن يَفعَل ذلكَ يَلْقَ أَثَاما * يُضاعَفْ لَهُ العَذابُ يَومَ القِيامَةِ ويَخلُدْ فِيهِ مُهانا * إلا مَن تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَملاً صالِحاً فأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِم حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفوراً رَحيما * ومَن تابَ وعَمِلَ صالِحاً فإنّهُ يَتُوبُ إلى اللهِ مَتَابا * والذينَ لا يَشهَدونّ الزُّورَ وإذا مَرُّوا بِاللَّغوِ مَرُّوا كِراما * والذينّ إذا ذُكِّروا بِآياتِ رَبِّهِم لَم يَخِرُّوا عَلَيها صُمّاً وَعُميَانا * والذينَ يُقولونَ رَبَّنا هِبْ لَنا مِن أزوَاجِنا وذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أعيُنٍ وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمَاما) (الفرقان/ 63-74).
إنّها وسيلة مُثلى للتربية.. تطلب من النفس الطلب وأنت تشعرها بأنّك لا تطلب! إنّما أنت فقط تعرض نموذجاً جميلاً للإنسان! وأنت ضامن بعد ذلك أنّ الإيحاء سيعمل عمله، وسيحاول مَن يحاول أن يكون مثل ذلك النموذج الجميل المعروض أبداً للأنظار.
- السلبية والإيجابية:
والسلبية والإيجابية خطّان آخران متوازيان ومتقابلان من خطوط النفس البشرية.
والسلبية هي الانكفاء على النفس لا يهمّها بعد ذلك ما يحصل.. عمرت الدنيا أو خربت، صلحت الحياة أو ضلت وشقيت.
قد يستذل الإنسان للدولة أو النظام.
وقد يستذل لعادة أو شهوة.
وقد يستذل لتقليد اجتماعي.. تلك عيوب السلبية التي يفقد فيها الإنسان قدرته على التوجيه.. ينقاد ولا يقود، يوجَّه ولا يوجِّه.
مع انتشار دعوة الإسلام في المجتمع المكّي، انضم إليه خلاصة أهل مكّة من كلّ القبائل والطبقات.. كما وأسرع لاعتناقه المستضعفون.. فقد وجدوا في عقيدته وقيمه ضالتهم التي تخلصهم من طوق العبودية ومن ذلّ الحياة.. باستثناء قلّة قليلة من هؤلاء العبيد.. لم يقبلوا على الدين الجديد.. فقد دفعتهم سلبيتهم وحبّهم لشهواتهم.. إلى الالتصاق بأسيادهم الذين يُؤمِّنون لهم الطعام والشراب والملبس والشهوات.. وماذا يريدون بعد ذلك؟
ومقابل هذا الصنف، كانت نماذج أخرى من أمثال: عمار وياسر وسمية وبلال وصهيب وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وغيرهم.. فقد كانت نفوسهم مهيّأة تحتاج مجرد إشارة أو قبسة من نور.. كانوا ينتظرون هذا القبس بلهفة.. فلمّا جاءتهم الإشارة أو ومضة النور من الحبيب محمّد (ص) ومعه تعاليم الربّ.. وعظمة العقيدة.. وتعاليم الإسلام.. اشرأبت نفوسهم إلى النور وانطلقوا بكلّ الإيجابية لمؤازرة الدين الجديد غير عابئين بكلّ ما يصيبهم من بطش الكفر وجبروته.. فبعد أن تتحرر النفس من أسار الطين، تنطلق بمنتهى القوّة للتمسك بالحقّ وهداية الخلق.. وبناء الحياة على أساس الحقّ (ولِلهِ العِزَّةُ ولِرَسولِهِ ولِلمُؤمِنِين) (المنافقون/ 8).. (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحزَنوا وأَنتُم الأَعلَونَ إن كُنتُم مُؤمِنِين * إن يَمْسَسْكُم قَرْحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرْحٌ مِثلُهُ وتِلكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَينَ الناسٍ) (آل عمران/ 139-140).
وللإيجابية عيوب، فقد تنحرف إلى تبجح وعناد وإصرار وتشدد، يريد الإنسان أن يثبت وجوده، وأن يحقق ذاته فيحطِّم.. ويعتدي.. ويرتكب كثيراً من ألوان الشر ليبرز ويشار إليه بالبنان.
ولقد عالج الإسلام هاتين الطاقتين، السلبية والإيجابية، بما يصلحهما.. فهي تسليم كامل مع الله.. وإيجابية كاملة في بناء الحياة.. وبذلك تصلح النفس ويستقيم المجتمع.
المصدر: التربية ودورها في تشكيل السلوك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق