• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حق الطفل في الشريعة

زهير الأعرجي

حق الطفل في الشريعة

   للطفل المولود عن طريق الزواج الشرعي، في الإسلام، حقوقٌ عديدة ثابتة في الشرع الإسلامي، تضمن له بداية حياة قائمة على أساس إنساني سليم.. ومن هذه الحقوق التي على الوالدين تأديتها هي: حق الرضاع، الحضانة، الولاية، النفقة، والميراث.

  - الرضاع: هو من أعجب الغرائز التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، فحالما ينزل الطفل إلى عالم الحياة الدنيا، يبحثُ جاهداً عن التقام ثدي أمه ليرتوي بلبنها.. وقد حرّمت الشريعة الزواج من امرأة أصبحت أمّاً أو بنتاً أو أختاً أو عمة أو خالة أو بنت أخ أو بنت أخت بسبب الرضاع، فيحرمُ من الرضاع ما يحرم من النسب.. فقال عزّ وجلّ: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء/ 23). وعن الصادق (ع): "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا على أختها من الرضاعة. إنّ علياً (ع) ذكر لرسول الله (ص) بنت حمزة فقال رسول الله (ص): "أما علمت أنها بنت أخي من الرضاعة""، وكانت مرضعة الرسول (ص) هي نفسها مرضعة عمه حمزة. وقد ورد الرضاع في القرآن الكريم في مواضع عديدة.. قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) (القصص/ 7)، وقوله تعالى: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ) (القصص/ 12)، وقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ...) (البقرة/ 233)، وقوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ...) (الطلاق/ 6)، وقوله تعالى: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) (الحج/ 2). وقد اشترط مذهب أهل البيت (ع) أن يكون الرضاع متحققاً بصورته الفطرية الصحيحة دون استخدام طريقة أخرى، مثلاً.. صب اللبن في إناء وإرضاعه للطفل. أمّا مقدار الرضاع الموجب للتحريم، فقد قيل خمسة عشر رضعة تامات أو ما كمل له يوم وليلة بحيث يرضع كلّما احتاج إليه.   - الحضانة: هي ولاية الإنسان على الطفل بهدف تربيته، شرعاً. ويقال حَضَن الطائر بيضه إذا ضمَّه إلى نفسه تحت جناحه، وكذلك المرأة إذا حضنت ولدها.. وقد ورد في الحديث الشريف أنّ امرأة جاءت إلى رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله، هذا ابني كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء وإنّ أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال لها رسول الله (ص): "أنت أحقُّ به ما تنكحي". وللطفل منذ الولادة حتى البلوغ ثلاث ولايات: ولاية التربية وولاية على النفس، وولاية على المال. ولما كان الطفل عاجزاً عن النظر في مصالح نفسه جعل الله ذلك إلى ما يلي عليهم، ففوض الولاية في المال والعقود إلى الرجال لأنّهم بذلك أقوم وعليه أقدر، وفوض التربية إلى النساء لأنّهنّ أشفق وأحنى وأقدر على التربية من الرجال وأقوى. وعليه فالوالدان هم أجدر الناس بها، لذلك وزع الشارع أعباء المهمّة عليهما فوكل إلى الأُم تربية طفلها ورعايته، وإلى الأب التصرف في نفس ولده وماله. ويرى علماء مذهب أهل البيت (ع) أنّ الأُم أحقُّ من وصي الأب (بعد موت الأب) بابنها أو ابنتها، بعد بلوغها سبع سنين، وكذلك فإنّ الأُم أحقُّ بأبنائها من الأقارب، بعد زواجها من إنسان آخر.. أما إذا طلقت الزوجة، فإنّها أحقُّ بحضانة ابنها مدة الرضاع وهي سنتان، فإن انقضت فالأب أحقُّ به، أما البنت فالأم أحقُّ بحضانتها إلى سبع سنين، فإن انقضت فالأب أحقُّ بها.. وفي قول آخر أنّ مدة حضانة الأُم للذكور سبع سنين، وللإناث تسع سنين..   - شروط الحضانة: اشترط الشرع الإسلامي جملة أمور يجب توفرها في الأُم أو المرأة التي تحضن الطفل وترعاه: 1- البلوغ: يشترط في الحاضن أو الحاضنة البلوغ، وهي المرحلة التي يكون فيها الإنسان مدركاً للخطابات الشرعية، فيكون أميناً على الطفل، قادراً على تربيته، واعياً على إدراك حجم المسؤولية المترتبة عليه. 2- العقل: لا يحقُّ للمجنون أن يكون مسؤولاً عن رعاية الطفل وحضانته، لأنّ من لم يحسن القيام والاهتمام بشؤونه الشخصية، لا يستطيع الاهتمام بشؤون الآخرين.. فالعقل إذن شرط أساسي من شروط الحضانة.. 3- الكفاءة: وهي القدرة والقابلية على تربية الطفل، والقيام بأموره العامة، ولا قدرة ولا كفاءة للشيخ الطاعن في السن، أو الإنسان المريض مرضاً مزمناً، أو الإنسان الغارق في ارتكاب المحرمات وغيره.. 4- الحرية: وهي أن تكون المرأة الحاضنة حرة وليست مملوكة لأحد، وأن تكون متفرغة لتربية الطفل، فلا يملك وقتها أحد.. 5- الأمانة: أن تكون المرأة ذات سلوك حسن، وسمعة طيبة، أي انها تدرك بحسن تقديرها أنّ الطفل الذي تحضنه أمانة في عنقها، فتحاول جاهدة بذل وقتها، وكل ما في وسعها في تربية ذلك الطفل والاعتناء به.. ولا حضانة لسكير أو مشتهر بالزنا أو لهو حرام.. 6- عدم تزوج الحاضنة: قال علماء مذهب أهل البيت (ع)، إنّ الأُم إذا تزوجت سقط حقها من حضانة الطفل.. ولا فرق في ذلك بين الأُم وغيرها إلا إذا لم يكن للطفل أب حي فحينئذٍ تفضّل الأم على الجد في الحضانة، وإذا طلقها زوجها عاد حقها من الحضانة، لأنّ المانع قد زال فيزول المنع. وقد جُعلت الحضانة، كما يقول الشيخ الطوسي رحمه الله، وفاقاً بالصبي، فإذا تزوجت الأُم خرجت باشتغالها بزوجها وحقوقه عن الحضانة للطفل، وربما منعت الزوج بعض حقوقه لو حضنته، فلهذا سقطت. فإذا طلقت زال المانع فيبقى المقتضى سليماً عن المعارف فثبت حكمه. 7- عدم السكنى مع مبغض للطفل: فلا يجوز للحاضنة أن تُسْكِن الطفل في بيت يبغضه أهل ذلك البيت.. والبغض له تأثير نفسي فعّال في تمزيق نفسية الطفل وتحطيم شخصيته. خصوصاً في سنوات الإدراك والتمييز، فيشعر أنّ العالم الوحيد الذي يعرفه، وهو عالم الأسرة، ضده وضد مشاعره، وضد أحاسيسه الطبيعية المشروعة.. 8- وحدة الدين: اعتبر علماء الإمامية، الإسلام شرطاً للحضانة، فلا حضانة لكافر على مسلم. فالحاضنة هي شكل من أشكال الولاية.. ولا يجوز شرعاً ولاية الكافر على المسلم.. لقوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا) (النساء/ 141). والأساس هو عدم جواز نكاح الكافر (فلا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعاً، وفي تحريم الكتابية من اليهود والنصارى، روايتان، أشهرها المنع في النكاح الدائم، والجواز في المؤجل وملك اليمين. ووحدة الدين بين الزوج والزوجة مهمة جدّاً في تنشئة جيل من الأفراد ذي ذهنٍ صافٍ، وتفكير سليم غير مضطرب، وعقيدة تؤمن بالتوحيد..   - النفقة: اعتبر الإسلام وجوب نفقة الابن على والده، وسبب الوجوب هو أنّ الولد أو البنت هما امتداد للأب، فكلاهما منسوبٌ إليه بالولادة.. فهما منه، فكما تجب عليه النفقة على نفسه، تجب عليه النفقة عليهما.. والنفقة هي صرف المال على إطعام الطفل وإكسائه وإسكانه وتربيته.. وتستمر النفقة على الأطفال أو الصبيان حتى تتزوج الأنثى ويصل الغلام إلى حد التكسب..   - تربية الطفل على العبادة: من الضروري على الأبوين أن يعلّما الطفل العبادات الواجبة في سن مبكرة نسبياً، خصوصاً الصلاة والصيام.. فوجوب الصلاة مقترن ببلوغ الصبي سن الرشد، ولكن الكثير من الأحاديث الشريفة تحبّذ تعليم الطفل الصلاة وهو ابن ست أو سبع سنوات.. ورد عن رسول الله (ص): "مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين، واضربوهم إذا كانوا أبناء سبع سنين، وفرّقوا بينهم في المضاجع إذا كانوا أبناء عشر سنين". وفي حديث آخر ذكر وجوب الصلاة على الصبي إذا عقلها، وغالباً ما يعقل الصبي الصلاة وهو ابن ست سنوات. ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله: "إذا أتى على الصبي ست سنين وجبت عليه الصلاة". فإنّه محمول على الاستحباب والتأديب لأنّ الغرض يتعلق بحال الكمال. وعن الصادق (ع) أيضاً عندما سئل عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: "إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإنّ احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة، وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم". أمّا الصيام، فإن وجوبه يتحقق بشرط البلوغ، ولكن لا بأس بتمرين الصبي على الصيام، حتى لو كان أقل من يوم واحد في البداية. أو يوم أو بضعة أيام في شهر رمضان، عندما يكبر، حتى تكون تأدية الصيام الشرعي بعد بلوغه، أمراً طبيعياً معتاداً عليه.. إنّ نظرة الإسلام الرحيمة للطفل تعبَر في الواقع، عن نظرة الخالق عزّ وجلّ لهذا الكائن الضعيف، فالطفل رمز البراءة والصفاء وجمال الخلق.. وما رحمة الخالق عزّ وجلّ لهذا المخلوق الصغير، إلا تعبير عن رحمته الواسعة، لعموم البشرية الصالحة على وجه الأرض..   المصدر: كتاب الأخلاق القرآنية/الجزء الأول

ارسال التعليق

Top