من الحوارات التي لها مدلولات عظيمة على الدعوة الإسلامية والتي جرت في العصر الإسلامي الأوّل في حياة الرسول (ص)، ما روى عن الإمام الصادق (ع): "أنّه اجتمع يوماً عند رسول الله (ص) أهل خمسة أديان: اليهود،والنصارى، والدهرية، والثنوية، ومشركوا العرب.
فقالت اليهود: نحن نقول عزير ابن الله، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفناك خصمناك.
(ومن ثمّ تحدث وفد النصارى، ووفد الدهرية، والثنوية، ومشركو العرب) فقال الرسول (ص): "آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت (بالجبت والطاغوت) بكل معبود سواه: ثمّ قال لليهود: إنّ الله قد بعثني للناس كافة بشيراً ونذيراً وحجة للعالمين، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره.
وقال (ص) لهم: "أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجة؟ قالوا: لا. قال: فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيراً ابن الله؟ قالوا: لأنّه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعدما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنّه ابنه.
فقال الرسول (ص): فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاء لهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم. ولئن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة أولى وأحق، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنّه ابنه، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من النبوة... إلخ".
- حوار ونتائج عظيمة:
أيضاً في سيرته العظيمة (ص) الكثير من المواقف الحوارية التي ساهمت في دخول الكثير إلى دين الإسلام، وابتعاد الكثير من العصاة عن سلوكهم المنحرف ورجوعهم إلى الصواب.. من هذه الحوارات ما رواه ابن خزيمة بإسناده: "أنّ قريش جاءت إلى الحصين والد عمران، وكانوا يعظمونه، فقالوا له: كلم هذا الرجل – أي محمداً – فإنّه يذكر آلهتنا ويسبهم. فجاءوا معه حتى جلسوا قريباً من باب النبي، فقال: "أوسعوا للشيخ" وعمران وأصحابه متوافرون، فقال حصين: ما هذا الذي بلغني عنك، أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم؟
فقال النبي: "يا حصين، كم تعبد من إله؟".
فقال حصين: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء.
فقال النبي: "فإذا أصابك الضر من تدعو".
فقال حصين: الذي في السماء.
فقال النبي: "فيستجيب لك وحده وتشركه معهم، أرضيته في الشكر، أم تخاف أن يغلب عليك؟!".
فقال حصين: ولا واحدة من هاتين. قال: وعلمت أني لم أكلم مثله.
فقال النبي: "يا حصين أسلم تسلم".
فقال حصين: إن لي قوماً وعشيرة، فماذا أقول؟
قال: "قل اللّهمّ إني أستهديك لأرشد أمري، وأسألك علماً ينفعني".
فقالها حصين. فلم يقم حتى أسلم. فقام إليه ابنه عمران، فقبل رأسه ويديه ورجليه، فلما رأى ذلك النبي بكى.
أما الحوار الثاني الذي كان له الأثر في ترك المعصية ما رواه الإمام أحمد في مسنده والطبراني من أن رجلاً جاء إلى النبي يستأذنه في الزنى.
فقال النبي: "أترضاه لابنتك؟".
فقال الرجل: لا.
فقال: "وكذلك الناس لا يرضونه".
فقال: "أترضاه لأمك؟".
فقال الرجل: لا.
فقال: "كذلك الناس لا يرضونه". ثمّ قربه، ومسح صدره قائلاً: "اللّهمّ طهر قلبه، وحصن فرجه، واغفر ذنبه".
فقال الرجل: دخلت إلى رسول الله (ص) وما من شيء أحب إلى قلبي من الزنى، وخرجت وما شيء أبغض إلى قلبي منه.
وفي قصص الحوار في العهد النبوي (ص) ما رواه ابن عباس عن "أبى سفيان من أنه كان في الشام عندما وصل كتاب الرسول (ص) إلى قيصر الروم، وكان معه عدد من رجال قريش للتجارة فقال القيصر: انظروا لنا من قومه أحداً نسأله عنه، وكان أبو سفيان بن حرب بالشام مع رجال من قريش في تجارة، فجاءت رسل قيصر لأبي سفيان ودعوه لمقابلة الملك فأجاب، ولما قدموا عليه في القدس قال لترجمانه: سلهم أيهم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنّه نبي، فقال أبو سفيان: أنا، لأنّه لم يكن في الركب من بني عبد مناف غيره، فقال قيصر: "ادن مني، ثمّ أمر بأصحابه فجُعلوا خلف ظهر، ثمّ قال لترجمانه: قل لأصحابه إنما قدمت هذا أمامكم لأسأله عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، وقد جعلتكم خلفه كيلا تخجلوا من رد كذبه عليه إذا كذب، ثمّ سأله كيف نسب هذا الرجل فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب، قال: هل تكلّم بهذا القول أحدٌ منكم قبله؟ قال: لا، قال؛ هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قال: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قال: بل ضعفاؤهم، قال: فهل يزيدون أم ينقصون، قال: بل يزيدون، قال: هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه؟ قال: لا. قال: "هل يغدر إذا عاهد؟ قال: لا، ونحن الآن منه في ذمة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: قاتلتموه؟ قال: نعم، قال: فكيف حربكم وحربه؟ قال: الحرب بيننا وبينه سجال مرة لنا ومرة علينا، قال: فبم يأمركم؟ قال يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، وينهى عمّا كان يعبد آباؤنا ويأمر بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.
فقال الملك: إني سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا، فلو كان أحدٌ قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتم بقول قيل قبله، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فقلت: ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فقلت لا، فلو ان من آبائه ملك لقلت الرجل يطلب ملك أبيه، وسألتك أأشراف الناس يتبعونه أم عفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل، وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه؟ فقلت: لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك: هل قاتلتموه؟ فقلت: نعم، وإنّ الحرب بينكم وبينه سجال، وكذلك الرسل تبتلى ثمّ تكون لهم العاقبة، وسألتك: بماذا يأمر؟ فزعمت أنّه يأمر بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، فعلمت أنه نبي".
- رجل من أهل الجنة:
ويروي الإمام البخاري: أنّ الرسول (ص) جلس في أحد الأيام في مسجده بالمدينة، وكان معه الصحابة رضوان الله عليهم، فأتاه رجل من البادية يقال له ثعلبة إلى المسجد فقال وهو يتخطى الصفوف: أين ابن عبدالمطلب – يعني رسول الله – (ص) فقالوا: هو ذاك الأمهق الأبيض المرتفق. فقال: يا ابن عبدالمطلب.
قال (ص): قد أجبتك.
قال: إني أسألك فمشدّد عليك في المسألة.
قال: سل ما بدا لك.
قال: يا رسول الله من رفع السماء؟
قال: الله.
المصدر: كتاب حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين (رؤية إسلامية للحوار)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق