1- حرِّية الإختيار:
قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...) (الكهف/ 29).
- التطبيق الحياتي: إذا فكّرتَ تفكيراً حرّاً مستقلاً، فلابدّ أن يقودك إلى الحقِّ لأنّه ينسجم مع الفطرة الإنسانية السّليمة، وأمّا إذا استسلمتَ لهواك، وخضعتَ للتقاليد والعادات والأعراف والشهوات المنحرفة، زاغَ البصرُ وزَلّت القدم.
فالإنسان في الإسلام حرٌ في إختياره بعدما اتّضح له سبيل الرشد (طريق الحق) وسبيل الغيّ (طريق الكفر والإنحراف)، وعليه أن يتحمّل مسؤوليّة إختياره في النتائج الإيجابية المترتِّبة على الرشد والإيمان، وفي النتائج السلبية المترتِّبة على الغي والعصيان.
إذاً أنتَ الذي تصنع مصيرك بنفسك من خلال حُسن أو سوء إختيارك، ويصدق ذلك عليك كفرد وعلى المجتمع كمصير جماعي. ولابدّ من التنبيه والتنبّه إلى أنّ إرادة الله (تالية) وإرادتك (سابقة)، فعلى ضوء المقدّمات تكون النتائج.
ورد في الحديث: "مَن أرادَ عزّاً بلا عشيرة، وغنىً بلا مال، وهيبةً بلا سُلطان، فلينتقل من ذلِّ معصية الله إلى عزِّ طاعته".
وعن الإمام الصادق (ع): "إنّ الله فوّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يُفوِّض إليه أن يُذِلّ نفسه، قال: يتعرّض لما لا يُطيق، أو يدخل في ما يعتذر منه".
2- الحرِّية الفكريّة:
قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ...) (البقرة/ 256).
- التطبيق الحياتي: الله تعالى أعطاك فرصة الإختيار بعدما قدّم لك الأدلّة والبراهين، على أنّ الدِّين هو الحقّ، وأنّ الكفر هو الباطل، وبكلمةٍ أخرى، فإنّ الله لا يريد أن يفرض دينه عليك من خلال (التشريع) بل من خلال (الإختيار).
فالدِّين هو فكر وعلى مقدار أعمالك لعقلك تهتدي لصلاحه وصلاحيّته للحياة، وقد قيل: إنّ قضيّة الإيمان والكفر هي قضيّة إستعمال أدوات المعرفة التي تفتح قلبك على الحقيقة وعينك على الحياة.
فإذا أغمضتَ عينيكَ عن الشمس وأنكرتها فلا يعني ذلك عدم وجودها، بل يعني أنّك عطّلت أداة المعرفة بها والكشف عنها.
إنّ لك كامل الحرِّية في أن تطرح علامات الإستفهام التي تدورُ في ذهنك وتُطالب بالأجوبة الشافية عنها، حتى لا يبقى هناك شيء غامض يوحي لك بالقلق والحيرة، فالله تعالى لا يريد أن تكون لك حجّةٌ عليه.
3- الحرِّية الشخصية:
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ...) (الأحزاب/ 36).
- التطبيق الحياتي: لا حرِّية أمام أوامر الله ونواهيه، بل لابدّ من الإستسلام المطلق؛ لأنّ إرادتك – بعدما آمنت – هي صدى لإرادة الله، فلا إستقلالية لك أمامه، إستقلاليّتك هي أمام الآخرين كلّهم، وهذا هو معنى أنّ (عبوديّتك) لله هي حرِّيّتك الحقيقيّة؛ لأنّها تُحرِّرك من كلِّ القيود المصطنعة.
فبإستجابتك لإرادة الله، تحفظ توازنك، ويحفظ المجتمع نظامه، وتحفظ الحياة قوّتها وإستقرارها وإزدهارها.
فسواء كان حكم الله موافقاً لمزاجك أو مخالفاً له، فلا مجال للإختيار الذاتي، أو الموازنة بين ما تريد وما يريد الله، هذا هو معنى (الإسلام).. فهو أن تختار ما يختاره الله، وأن تشتهي ما يريد لك الله؛ لأنّه لم يأمرك بباطل ولم ينهك عن حقّ، فكلّ ما في أوامره ونواهيه مصلحة لك قدّرت ذلك أم لم تقدِّر.
فأنتَ لستَ أمام قانون وضعي لتعطي رأيكَ فيه، فمصمِّم القوانين هنا ومُرتِّبُها، هو نفسه الذي صمّمك ورتّبكَ وركّبك، فعرفَ ما يُصلحكَ وما يُفسدك، فدعاكَ إلى الأولى ومنعك من الثانية؛ لتسعد في الحياة لا تشقى فيها.
يقول عزّوجلّ: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور/ 51).
وقال جلّ جلاله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء/ 65).
وقال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ...) (النساء/ 125).
4- الحرِّية الجنسية:
قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) (الإسراء/ 32).
- التطبيق الحياتي: للعلاقات الجنسيّة في الإسلام نظام وقناة تأمين وهو (الزّواج) وما عداه فهو إعتداء على حرمات الله، وإنحراف عن القاعدة الإجتماعية التي أرد الله لها أن تحكم تلك العلاقات.
فالزِّنا ليس مسألة فرديّة تخضع للمشاعرالجنسيّة أو نزواتك الغريزيّة، بل هو تمرّد على نظام إجتماعي، ويخطئ من يتصوّرأنّ الزِّنا أمر خاص لا علاقة له بالنظام الإجتماعي الذي يُحدِّد الخطّ الأخلاقي لعلاقاتك مع مجتمعك، حيث لابدّ من مراعاة العفّة والطهارة كقيم عُليا في هذه العلاقات، كما أنّ للزِّنا علاقة خطيرة في إختلاط الأنساب، وفقدان الجوّ الأسري الذي تسوده المودّة والرحمة.
وما يُقال عن الزِّنا، يُقال عن الشّذوذ الجنسي، لواطاً وسحاقاً، وبالتالي فليس في الإسلام (حرمان) بل فيه (تنظيم) و(تقنين)، أي أنّ القيود الشرعية في العلاقات الإنسانية تستهدف حماية الأجواء العامّة من النتائج السلبية.
لم يكن يوسف (ع) يعاني عنّةً جنسية، بل هو كأيِّ شابٍّ ممتلئ رغبة جنسية، لكنّه وقف في مفترق طريق، بين أن يُلبِّي رغبة إمرأة العزيز فيفقد مناعته الأخلاقية، ويخون وليَّ نعمته، وبين أن يرفض الإنحراف. ليحفظ لروحه طهارتها من خلال محافظته على طهارة جسده. فهو لم يكن يرفض المرأة بدليل أنّه تزوّج فيما بعد، ولكنّه رفض أن يعصي الله في علاقة غير مشروعة، ولذلك فإنّه بعد المرور بالتجربة الصعبة والنّجاح فيها، شعر بقوّته أكثر، وبحرِّيّته أكثر، وبقُربه من الله أكثر.
وبالأقوياء الممانعين – كيوسف (ع) وأمثاله – تُبنى الحياة الصالحة.
5- الحرِّية الإقتصادية:
قال تعالى في مجادلة قوم شعيب شعيباً (ع): (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ...) (هود/ 87).
- التطبيق الحياتي: الإسلام يدعو إلى الحرِّية الماليّة من خلال مصلحة الإنسان وتوازن الحياة، وهو يرفض الحرِّية الإقتصادية التي لا تخضع للمفاهيم الإنسانية والأخلاقية. فالإسلام هنا يفصل بين فهمين:
فهم قوم شعيب للملكيّة الفردية: (نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ)، بلا ضوابط.
وفهم شعيب (ع) للحرِّية الإقتصادية: (.. إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ...) (هود/ 88)، أي الإيمان بالحرِّية الإقتصادية على أن لا يستغلّها أصحابها في إفساد الحياة والناس، فإذا تحوّلت إلى عنصر إفساد، وقف الإسلام بحزم ليُقيِّدها.
قال تعالى في الحجر على أموال السّفهاء الذين لا يُحسِنون التصرّف بأموالهم: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا...) (النساء/ 5).
وبناءً على ذلك، فإنّ الإسلام يرى أنّ مصلحة الإنسان في الحياة تفرض بعض التحفّظات والقيود والضّغوط التي تُساهم في تصحيح مسيرته من جهة، وتمنع أيّة عمليّة إفساد في المجتمع من جهة أخرى، ليعيش المجتمع في توازن إقتصادي لا يُهدِّد إستقراره ولا يُعرِّض الناس للإبتزاز والإستغلال.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق