• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رمضان.. شهر صناعة الإنسان المسؤول

أسرة البلاغ

رمضان.. شهر صناعة الإنسان المسؤول

• المفروض في كل شهر رمضان يأتي على الأُمة ثمّ يغادرها، أن تغادر معه السلبيات والأخطاء التي توجد في أجواء الأُمّة، وأن يرتفع بعده مستوى إدراك الأُمّة ووعيها، وتتقوى إرادتها، وتتشجع أكثر على الإسراع في المسير.
• لنجعل هذا الشهر منطلقاً سليماً في صراعنا الحضاري مع أعداء الأمة الإسلامية وذلك بمضاعفة السعي والجهد من أجل تحقيق مكاسب وإنجازات حضارية يكون لها دور حاسم في تقدم وبناء الأُمّة حضارياً.
• شهر رمضان شهر الإرادة والتحدي، تحدي الذات الإنسانية في مواجهة الشهوات والأهواء، فبقوّة الإيمان نستطيع مواجهة جميع التحديات الداخلية والخارجية والانتصار عليها.
• إنّ التعاليم الإسلامية الفاضلة تؤكِّد على تجديد العلاقات الاجتماعية والإنسانية في هذا الشهر الكريم. لإعادة التماسك الاجتماعي وتعزيز الروح الجماعية في الأُمّة الإسلامية.
المناسبات الإسلامية محطات للتعبئة الشاملة للأُمّة، وشهر رمضان هو إحدى هذه المحطات المقدسة التي تهيء النفوس لمزيد من البذل والعطاء المبارك في الشهر المبارك، ولعل ذلك راجع إلى أنّ الشهر الكريم يثير في الأُمّة موجة من التساؤل والالتفاف والتفكير نحو الدين.
والمفروض في كل شهر رمضان يأتي على الأُمة يغادرها، أن تغادر معه السلبيات الأخطاء التي توجد في أجواء الأُمّة، وأن يرتفع بعده مستوى إدراك الأُمّة ووعيها، وتتقوى إرادتها، وتتشجع أكثر على الإسراع في المسير، يقول الرسول (ص) وهو يتحدث عن دور شهر رمضان في حياة الأُمّة وتأثيره عليها "إنّ شهر رمضان شهر عظيم يضاعف الله في الحسنات، ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات".
ولابدّ لكل مسلم أن يتوقف عند أبواب هذا الشهر متأملاً، متفكراً في معانيه السامية، وأهدافه التشريعية المقدسة، ليتسنى له الاستفادة القصوى من هذا الشهر الكريم.
والسؤال الملح الذي يراود ذهن كل إنسان مسلم، كيف نحوّل شهر رمضان إلى بؤرة حضارية في حياة الأُمة، وكيف نجعله منطلقاً سليماً وللإجابة على هذا السؤال لابدّ من القول: أنّ الدين الإسلامي هو الحياة بكل أبعادها وشمولها وحيويتها، أنّ الدين هو الحياة ولا يمكن الفصل بينهما، لأنّ الفصل بينهما يعني الفصل بين الشيء ونفسه وهو محال: فالحديث بالتالي عن شهر رمضان هو حديث عن الإسلام بكل جوانبه وآفاقه المختلفة لأنّ شهر رمضان جزء لا يتجزأ من مكونات الإسلام العقيدية الشاملة.
فشهر رمضان في الواقع الإسلامي ليس عطشاً وجوعاً، فقط.. بل تحد وإرادة، وشهر رمضان وإن كان عبادة وصلاة ولكنه أيضاً فعل حضاري واسع ممنهج..
وعلى كل حال.. إذا أردنا به تحوّل شهر رمضان إلى بؤرة حضارية لابدّ من التركيز على المواد التالية:
أوّلاً: شهر البناء والتغيير: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183).
ولا شك أنّ الهدف الرباني من تشريع الصيام في شهر رمضان هو الوصول إلى مدارج الكمال البشري والإنساني وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بـ(لعلّكُم تَتقون) فالتقوى هي الوسيلة الوحيدة التي تستطيع انتشال البشرية من الحضيض وجعلها تعيش في قمة الكمال الإنساني.
فالنفحات الربانية التي يحصل عليها الإنسان المسلم في شهر رمضان يحب أن تتحول إلى وقود روحي وقوة معنوية في إطار البناء الذاتي والتغيير الاجتماعي.
ولكي نجعل من شهر رمضان والتغيير لابدّ من:
- التخلي عن الرواسب الجاهلية العالقة في أذهاننا وتصرفاتنا ومواقفنا حينما نستطيع جعل شهر رمضان شهراً للبناء والتغيير.
- تمتين الصلة بالقرآن الكريم، باعتبار أنّ القرآن الحكيم هو المنهج المتكامل الذي يستطيع القيام بدور البناء والتغيير في حياة الفرد أو المجتمع أو الأُمّة. ولقد أكدت الأدعية على ذلك، ففي الدعاء المشهور جاء "اللّهمّ قربني فيه إلى مرضاتك، وجنبني فيه سخطك، ونقماتك ووفقني فيه لقراءة آياتك برحمتك يا أرحم الراحمين". ولقد جاء في الدعاء أيضاً "ان لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان"، وفي خطبة النبي محمد (ص) الطويلة أن ثواب تلاوة آية واحدة فيه كثواب ختم القرآن في غيره.
- الطموح المسؤول: الإنسان الذي يجعل طموحاته في شهر رمضان طموحات دنيوية ومادية لا يستطيع أن يحوله إلى شهر للبناء والتغيير بينما ذلك الإنسان الذي يجعل طموحه ربانياً فإنّه قادر بإذن الله على تحويله إلى شهر البناء والتغيير لأنّه سوف يتجاوز الكثير من العقبات والمعضلات التي تقف في طريق البناء والتغيير.
ثانياً: شهر الانجازات الحضارية: في الصراع الحضاري التي تخوضه الأُمّة الإسلامية لابدّ من مضاعفة السعي والجهد من أجل تحقيق مكاسب وانجازات حضارية يكون لها دور حاسم في تقدم الأُمّة حضارياً.
ثالثاً: شهر الإرادة والتحدي.. كثيرة هي التحديات التي تواجه الإنسان المؤمن في لحياة.. وقليل من الناس الذين يستطيعون التغلب على هذه التحديات بفعل الأهواء والشهوات وضعف الإيمان.. ولكن في شهر رمضان تتغير المعادلة بشرط أن يكون هذا الشرط المبارك شهراً للتحدي:
- تحدي المشاكل
- تحدي الهزائم
وحينما يكون شهر رمضان شهر التحدي على هذه الصعد حينذاك تتغير المعادلة ويكون بمقدور الإنسان أن يهزم التحديات ويقفز عليها لأنّ الدافع المعنوي الذي يحصل عليه في شهر رمضان بمثابة الحرارة التي تستطيع صهر جميع الجمادات التي تقف في طريقها.. لقد جاء في دعاء مأثور "اللّهمّ أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة وأنت في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل عنه القريب الصديق ويشمت به العدو وتعيين في كل الأمور، أنزلته بك وشكوته إليك داعياً إليك فيه عمن سواك، ففرجته وكشفته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حاجة ومنتهى كل رغبة لك الحمد كثيراً ولك المن فاضلاً.
رابعاً: العلاقات الاجتماعية.. فشهر رمضان موسم للعلاقات ودعوة جماعية لترابط وتلاحم المجتمع، واصلاح ذات البين، ونشر الأفكار والأحكام الإسلامية، كل ذلك في مقابل الانشدادات الذاتية التي تجذب كل فرد باتجاه ذات ومصالحه، وأمام اغراءات التوجه الأناني والمادي، يجب علينا أن نكثف من تذكير الناس وتوجيههم نحو التماسك والتضامن الاجتماعي.
ولو تأملنا نموذج الحياة في الغرب لرأينا كيف يفقد الإنسان هناك احساسه الاجتماعي، وضميره الإنساني، ويتحول إلى مجرد (برغي) صغير في آلة وماكنة ضخمة، تدور بجسمه عجلة الاقتصاد والشهوات لتطحن روحه ونفسيته ومعنوياته ثمّ تلفظه محطماً بائساً لا يشعر بالرعاية والرأفة والحنان.. وإذاً لأدركنا خطورة التوجه الذي تساق إليه مجتمعاتنا.. انّ المجال لا يزال واسعاً والفرصة مؤاتية لتشجيع الروح الاجتماعية في الأمّة، بشرط أن يضاعف الموجهون والواعون جهودهم في هذا المجال.
إنّ نشر الكتب والبحوث والندوات التي تذكر الناس بضرورة التماسك الاجتماعي وخطورة التوجهات الأنانية.. وتستعرض أمامه تعاليم الإسلام الفاضلة بهذا الاتجاه لشيء مطلوب ومهم. لتعزيز الروح الجماعية في الأُمّة الإسلامية.
ونؤكد في هذا الشهر أوّلاً وقبل كل شيء على ضرورة الالتزام ببرنامج تربوي لكل مسلم ومسلمة ليمكننا بواسطته استثمار هذا الموسم العظيم وجني ثمار التغيير من أجوائه المباركة. ولا ندع هذا الشهر الفضيل أن يمر علينا كما يمر غيره من سائر الشهور دون أي تغيير في برامجنا اليومية وسلوكنا الاجتماعي.. ولا أن يقتصر التغيير على الامساك عن الطعام والشراب طيلة النهار ثمّ ننتقم لأنفسنا بالشرب في الليل، أو يكون هذا الشهر الكريم مرتعاً للأكلات الدسمة والموائد الثرية، وفرصة للنوم الطويل والكسل القاتل، وموسماً لجلسات اللهو والبطالة لقتل الوقت والساعات في هذا الشهر العظيم الذي تعتبر ساعاته من أفضل الساعات وأيامه من أفضل الأيام ولياليه من أفضل الليال كما يؤكد الرسول الأعظم (ص).
وختاماً نقول لابدّ أن يتحوّل شهر رمضان إلى مدرسة إيمانية متكاملة، فشهر رمضان شهر صناعة الإنسان المؤمن ولذلك لابدّ أن ندخل هذا الشهر ونخرج منه وطموحنا أن نصيغ أنفسنا من جديد على ضوء قيم الإسلام الحنيف حيث أننا بصياغة أنفسنا نستطيع أن نضمن مستقبلنا الأخروي.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً للإستفادة من هذا الشهر الكريم.

ارسال التعليق

Top