◄ كون وأكوان[1]
1- فرضيات علمية:
القول بأكوان أخرى هو أحد مباحث أهم نظريات الفيزياء النظرية المعاصرة كنظرية ميكانيكا الكم ونظرية الأوتار الفائقة حيث يتبنى عدد من علماء الفيزياء من الباحثين في هاتين النظريتين نظرية الأكوان الممكنة، التي تقول بوجود أكوان ممكنة عديدة ومختلفة.
وهذا الاعتراف بتعدد الأكوان هو ما أدى إلى ظهور "فرضيات علمية عن إمكانية تعدد الأكوان إلى ما لا نهاية، أو ما صار يعرف بفرضية العوالم المتوازنة L’hypothese des mondes paralleles هناك عدة نظريات فيزيائية علمية Theories physiques scientifiques بنيت على أسس مختلفة بيد أنها تلتقي على سيناريو، كان حتى الأمس القريب، محصوراً في مجال الخيال العلمي، والذي يقول: أنّ كوننا المرئي الشاسع، بملياراته التي لا تعد ولا تحصى من السدم والحشود المجرية ومليارات المليارات من المجرات والغازات الكونية وما بينها من مادة وطاقة، خفيّة أو مرئيّة، ليس سوى نموذج لكون عادي مبتذل من بين عدد لا متناهي من الأكوان المتشابهة أو المختلفة المتنوعة، بحيث لا يتجاوز حجمه حجم جسيم أولي صغير في أصغر ذرة مادية معروفة لدينا بالنسبة للكون المرئي ذاته. فهل سيكون بوسع الإنسان أن يتصور وجود أكوان أخرى غير كوننا المرئي، الذي يستحيل علينا نحن البشر سبر أغواره وكشف أسراره؟ في الواقع تطورت هذه الفكرة، والتي تقول إنّ عالمنا الذي نعرفه ونعيش فيه، ليس سوى جزء ضئيل جدّاً من عالم مطلق الأبعاد ولامتناهي، من التخيل الخرافي إلى التفكير العلمي، واقتحمت الحقل العلمي Le champ scientifique في أواسط القرن العشرين، عندما توصلت عدة نظريات كوزمولوجية إلى هذه الفرضية العلمية كنظرية الأوتار الفائقة ونظرية M- ونظرية ميكانيك الكم"[2].
ويقول بول ديفز في كتابه العوالم الأخرى: "أننا لو أخذنا بنظرية ميكانيكا الكم بحرفيتها فإنها تقود إلى أنّ العالم الذي نعيشه، أي العالم الذي ندرك ونعي، ليس العالم الوحيد الممكن. فعلى التوازي معه، هناك ما لا يعد ولا يحصى من العوالم الممكنة، بعضها مطابق تقريباً لعالمنا، وبعضها الآخر مختلف كليّاً، وجميعها مأهولة بعدد هائل من النسخ المشابهة لنا، مشكلة منظومة عملاقة من العوالم الحقيقية المتوازية.
ولتحاشي شبح "الإنفصامية" المرعب لهذا الكون، والمتمثل في التفسير المذكور، يمكن أن نجد للنظرية تفسيراً آخر أكثر حذقاً، على الرغم من أنّ نتائجه ليست أقل ترويعاً للذهن البشري من سابقه. هنا، لا ينظر إلى العوالم الأخرى على أنها حقيقية وموجودة، وإنما على أنها بدائل منافسة كان يمكن أن تحدث، لكنها فشلت في الظهور إلى الوجود. إلا أنّ إخفاق هذه العوالم لا يعني إمكانية تجاهلها، ذلك أنّه من القضايا المركزية في نظرية الكم أنّ العوالم البديلة ليست منفصلة تماماً عن عالمنا، فهي تتداخل معه وتتفاعل مع مكوناته، وهذا ما يمكن التأكد منه تجريبيّاً. وسواء كانت تلك العوالم حقيقية أم شبحية، فإنّ عالمنا ليس في الواقع سوى شريحة بالغة الصغر من مجموعة هائلة من الأكوان الممكنة: الفضاء العظيم (Super Space)[3].
وكلما اختلفت الأدوار والوظائف من فضاء إلى فضاء ومن مكان إلى مكان ومن كوكب إلى آخر، كلما كان ذلك دليلاً على وجود أكوان أخرى يختلف بعضها عن بعض في قوانينه وفي فضائه الخاص به، وفي زمانه الخاص به كذلك.
ويترتب عن هذا أيضاً أنّ "قوانين الفيزياء قد تكون مختلفة في الأكوان المختلفة، فمثلاً في بعض الأكوان قد تكون الشموس أكثر لمعاناً ولكن لفترة حياة أقصر، وقد لا تكون هناك شموس في بعض الأكوان على الإطلاق"[4].
"وهو ما دفع علماء الفيزياء إلى البحث عن طبيعة القانون الفيزيائي ومناقشة "أصناف من القوانين" بدلاً من قوانين عالمنا الراهنة، كما وجه الاهتمام إلى عوالم افتراضية تختلف خواصها كلّ الاختلاف عن عالمنا، وذلك لمعرفة إن كان ثمة شيء ما مميز قد خص به عالمنا، وقد فكر بعض المنظرين بوجود "قوانين حول القوانين"، لتقوم بعملية اصطفاء قوانين عالمنا من مجموعة أوسع، حتى أنّ عدداً منهم كان مستعدّاً لأن ينظر في إمكان وجود حقيقي لعوالم أخرى ذات قوانين مختلفة عن قوانين عالمنا"[5]. تأسيساً على ما ذكره القرآن الكريم من أنّ السماوات سبع، من السماء الدنيا التي تحيط بالأرض من كلِّ جانب بما فيها من كواكب ونجوم ومجرات وشمس وقمر، إلى السماوات العلى.
2- من حيث الخلق والدور والوظيفة:
لم يرد لفظ كون أو أكوان في القرآن الكريم، وإنما ورد ذكر السماوات والأرض وما فيهن، والسماوات والأرض وما بينهما. في إشارة إلى مجموع ما خلق الله سبحانه وتعالى من سماوات وأراضين، ومن كواكب ونجوم، ومن ملائكة وإنس وجن، ومن شجر وزروع وكروم، ومن خلق آخر كثير؛ بعضه يمشي على بطنه، وبعضه يمشي على رجلين، وبعضه يمشي على أربع... إلخ.
كما ورد ذكر ملكوت السماوات والأرض:
(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف/ 185).
وأنّ هذا الملكوت إنما هو بيد الله سبحانه وتعالى، وليس بيد أحد غيره.
(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (المؤمنون/ 88-89).
(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يس/ 83).
والملكوت[6] هو ما أظهره الله لنبيه إبراهيم (ع) لكي يكون من الموقنين:
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام/ 75).
ولم يرد لفظ العالم كذلك، وإنما ورد لفظ "العالمين":
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة/ 2-3).
(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الجاثية/ 36-37).
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان/ 1).
وهو ما يعني أنّ العالمين إنما تعني الوجود الذي أوجده الله كله... أو كما يقول القرطبي في الجامع لأحكام القرآن نقلاً عن قتادة: "العالمون جمع عالم، وهو كلّ موجود سوى الله تعالى ولا واحد له من لفظه مثل رهط وقوم". وأنّ العالمين تعني الخلق أجمعين... تعني السماوات والأرض وما بينهما:
(قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (الشعراء/ 23-24).
وإذا ما نظرنا إلى السماوات والأرض وما بينهما من حيث الخلق يمكن القول بأنّ الكون كله يجتمع في عبارة السماوات والأرض، وما فيهن، وما بينهما. وهذا هو العالم كلّه أو الكون كلّه، الذي يضم سبع سماوات طباقاً من السماء الدنيا إلى السماء السابعة وما فيهن، ولسبع أراضين وما فيهن، وما بين السماوات والأرض كذلك، بما في ذلك من ملائكة وإنس وجن، ومن دواب وشجر وسهول وبحار وأنهار، ومن شمس وقمر وكواكب ونجوم ومجرات ومن فضاء يتوسع إلى غير ذلك مما خلق الله مما نعلمه وما لا نعلمه. أي يمكن القول بكون واحد يضم السماوات والأرض وما فيهن وما بينهما.
وإذا ما نظرنا إلى الكون من حيث تعدد سماواته وما فيهن، ومن حيث الدور والوظيفة، ومن حيث السنن والنواميس التي تحكم سماواته وأراضيه أي إذا ما نظرنا إلى ما تقوم عليه هذه السماوات المتعددة وما فيهن من نواميس ومن وظائف وأدوار، وإلى اختلاف هذه النواميس والوظائف والأدوار، من سماء إلى سماء، أدركنا أنّ الكون أكوان، وأنّ لكلِّ كون وجوده الخاص به، ولكلِّ منها فضاؤه الخاص به، ولكلِّ منها دوره ووظيفته ولكلِّ منها نواميسه وخصائصه التي قد تتفق أو تختلف عن غيرها من النواميس أو عن غيرها من الوظائف، من فضاء إلى آخر ومن سماء إلى أخرى ومن كون إلى آخر. أي لكلِّ منها وظيفته الخاصة به التي منها ما قد يشترك فيها مع غيره من الأكوان، ومنها ما لا يشترك فيه مع غيره، بل هو يختص بها وحده دون غيره. ولكلِّ منها زمانه الخاص به، الذي يختلف عن زمان غيره من الأكوان، فلا تشبه السماء الدنيا السماوات العلى، ولا يشبه زمان السماء الدنيا زمان السماوات فوقها..
وعندما نقول بأكوان أخرى أو بتعدد الأكوان فإنّ هذا لا يعني أنّ هذه العوالم أو الأكوان منفصلة تماماً عن كوننا أو عن عالمنا الذي نحيا في جزء منه، وهو جزء بالغ الصغر بالنسبة لغيره، ونجهل أكثر ما يحيط به من فضاء واسع ومن كواكب ونجوم ومجرات... إلخ، بل إنّ هذه الأكوان هي بناء فوق بناء وطبقة فوق طبقة، بعضها نراه، وبعضها الآخر لا نراه. وبعضها نعرفه، وبعضها الآخر لا نعرف عنه شيئاً. بعضها ندرك ما فيه، أو بعض ما فيه، وبعضها الآخر لا ندرك منه شيئاً، بعضها يمكن أن نصل إليه، وبعضها الآخر لا يمكننا أن نصل إليه. بعضها أخبرنا عنه، وبعضها الآخر لم نخبر عنه شيئاً. أي أنّ تعدد العوالم أو الأكوان لا يعني أنّ هناك انفصالاً بين كون وكون أو أنّ هناك انقطاعاً في المكان أو في الزمان، بل تواصل وتداخل وتوافق وتفاعل وانتظام وانسجام.
ولا نعني بتعدد الأكون، كذلك، وجود أكوان أخرى موازية لكوننا الذي نعيش فيه نحن البشر، أو أكوان أخرى ذات أرض وسماء وشمس وقمر... إلخ. ولا نعني وجود شكل لحياة أو لحضارة فضائية كحياتنا، أو كحضارتنا على الأرض. وإنما نعني أنّ هناك أكوان أخرى غير كوننا هذا، ولكنها ليست ككوننا هذا. أي ليست ذات أرض كأرضنا التي نعيش عليها، أو ذات سماء كسمائنا الدنيا التي تحيط بنا من كلِّ جانب. ولكنها أكوان أخرى تكونها السماوات الأخرى مع السماء الدنيا، وهي سماوات أخرى أو أكوان أخرى ذات وظائف أخرى غير تلك التي تختص بها السماء الدنيا.
3- سبع سماوات أم سبعة أكوان "من السماء الدنيا إلى السماوات العلى":
جاء في القرآن الكريم ذكر السماء كمفهوم جامع، أو كاسم جامع للسماوات السبع، بحيث يطلق لفظ السماء على السماء الواحدة وعلى السماوات السبع كلها، أي أنّ السماوات كلّها تشترك في لفظ السماء الذي يشمل جميعاً:
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة/ 29).
(وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (الحجر/ 14-15).
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذاريات/ 47).
كما جاء ذكر السماء الدنيا تمييزاً لها عن باقي السماوات، ولعلاقتها المباشرة كذلك بالأرض، بما فيها وبما عليها وبما يحيط بها. ثمّ جاء ذكر السماوات العلى، وهي ما فوق السماء الدنيا إلى السماء السابعة.
حيث تبدأ هذه السماوات السبع بالسماء الدنيا:
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) (الملك/ 5).
وهو ما يعني أنّ السماء الدنيا بشمسها وقمرها ونجومها وكواكبها – وهو ما نراه بأبصارنا وآلاتنا ومناظيرنا – إنما هي كون من أكوان أخرى متعددة ومختلفة بعضها عن بعض، لأنّ للسماء الدنيا حقيقة ليست لغيرها، ولها وظيفة ليست لغيرها، ولها دور تؤديه ليس لغيرها من السماوات، ولها رسالة تؤديها ليس كرسالات غيرها من حيث العلاقة بالأرض وما عليها من بشر وشجر وبحار ودواب... إلخ.
ومن السماء الدنيا إلى السماوات العلى:
(تَنْزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا) (طه/ 4).
وهو ما يدفع إلى القول بأنّ السماوات العلى أو السماوات العليا هي من أكوان أخرى غير كوننا الذي تضمه السماء الدنيا بأرضها وشمسها وقمرها... إلخ، لأنّ السماوات العلى ليست كالسماء الدنيا، وأنّ وظائفها وأدوارها ليست كوظائف وأدوار السماء الدنيا.
بل هي سماوات لها وظائفها وأدوارها الخاصة بها أيضاً، ومنها تلك السماوات التي ملئت حرساً شديداً وشهباً، لا يدخلها أحد إلا بإذن، ولها أنظمتها الخاصة بها، ونواميسها التي ليست لغيرها:
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) (الجن/ 8-9).
(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) (الرحمن/ 33).
ولأنّ السماوات سبع وكلّ سماء منها تختلف عن السماوات الأخرى، ولأنّ الله أوحى في كلِّ سماء أمرها. وأنّ هذا الأمر يختلف من سماء إلى سماء، وهو ما يجعل كلّ سماء تختلف عن غيرها في أمرها... في نواميسها... في قوانينها... في وظيفتها ودورها. فإنّ السماوات السبع إذاً هي سبعة أكوان، وكلّ كون فيها يختلف عن غيره في وظيفته ودوره وفي نواميسه وقوانينه وفي زمانه كذلك الذي يختلف عن زمان غيره. مثلما تختلف السماوات من سماء إلى سماء، ومثلما يختلف أمر كلّ سماء عن غيره في السماوات الأخرى. أي أنّ الأكوان قد تكون سبعة أكوان كما هي السماوات السبع مختلفة بعضها عن بعض، لكلِّ منها فضاؤه وزمنه ووظائفه ودوره ونواميسه الخاصة به، الذي تختلف به عن غيرها من السماوات.
ولذلك يمكن القول بكون واحد، ويمكن القول بأكون متعددة، بعضها نعلمه، وبعضها لا نعلمه، والقرآن يذكر السماء، ويذكر الأرض، ويذكر السماء الدنيا، ويذكر السماوات كما يذكر السماوات العلى، ويذكر السماوات السبع. وهذه كلها قد تكون أكواناً بعضها فوق بعض، ولا يعني أي منها الآخر ولا يقوم بدوره أو بوظيفته، فالسماء الدنيا ليست هي السماء، أو ليست هي كلّ السماوات، بل هي سماء من السماوات... هي السماء التي تحيط بكوكب الأرض من كلِّ جانب متضمنة بين طياتها الشمس والقمر والكوكب والنجوم والرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض. والسماوات العلى ليست كالسماء الدنيا من حيث الدور والوظيفة.
وتعدد السماوات من السماء الدنيا إلى السماء السابعة قد يكون تعدد أكوان، لأنّ كلَّ سماء من السماوات السبع إنما تختلف عن الأخرى في وظيفتها ودورها. فليست السماوات العلى كالسماء الدنيا، وليست السماء السابعة كالسماء الدنيا. وهو ما يعني أنّ هناك أكواناً متعددة يختلف بعضها عن بعض، من كون إلى آخر، من حيث التكوين، ومن حيث الدور والوظيفة. وإن كنا لا نرى إلا كوننا هذا الذي نعيش فيه بأرضه وسمائه الدنيا، وشمسه وقمره. بينما هنالك ما لا نراه وما لا نشاهده من سماوات أخرى متعددة لا نعلم ما فيها وما بينها.
والقول بتعدد الأكوان هو أقرب للحقيقة الدينية من القول بكون واحد، لأنّ القرآن الكريم يخبرنا كيف خلق الله سبع سماوات، ويخبرنا عن السماء الدنيا وعن السماوات العلى ويخبرنا عن الجنة والنار، ويخبرنا عن خلق الأرض، وعن خلق نعلمه وعن خلق لا نعلمه. وأقسم الله بما نبصر وبما لا نبصر، وبما نعلم وبما لا نعلم... إلخ. وهذه كلها أدلة واضحة على وجود أكوان متعددة، يختلف بعضها عن البعض الآخر في سننه وقوانينه، وفي وظائفه وأدواره في الدنيا والآخرة.
الهوامش:
[1]- الكون: الحدث، وقد كان كوناً وكينونة، والتكوّن، التحرك، والكائنة: الأمر الحادث، وكوّنه فتكوّن، أحدثه فحدث، والله مكوّن الأشياء: يخرجها من العدم إلى الوجود، والكون: واحد الأكوان.
[2]- موقع الحوار، جواد بشارة، الكون والأسئلة الجوهرية، ص1-10-2-10.
[3]- بول ديفز، العوالم الأخرى، ترجمة د. حاتم النجدي، الطبعة الثالثة، ص18، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق – 2006م.
[4]- جون جريبين، نحو فهم أشمل للقوى الكونية، ترجمة صلاح الدين إبراهيم، ص11.
[5]- بول ديفز، الله والعقل والكون، ص29.
[6]- الملكوت هو عزّ كل شيء وسلطانه وجماع أمره كله.
المصدر: كتاب التأملات في انتظام الأكوان وقوام الكائنات
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق