• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف ينبغي أن تربي المدرسة الإسلامية أجيالنا؟

السيد علي فضل الله

كيف ينبغي أن تربي المدرسة الإسلامية أجيالنا؟
◄اهتم الإسلام بتربية الطفل ورعايته، ودعا إلى أن تبقى صورته هي الصورة التي هيّأها الله له منذ خلقه، فهو قد وجد في الحياة يحمل في ذاته صفاء القلب، ونصاعة الشخصية وطهر الضمير، وصدق النظرة إلى الحياة، وأولى كلّ الذين يتولون توجيه الطفل المحافظة على هذه العناصر، فلا تثبت في قلبه النقاط السوداء الآتية من الانحراف الخلقي والروحي، ولا تُشوّه شخصيته من خلال الأجواء الفاسدة التي قد تحيط به، ولا يتأثر صفاء ضميره بالأفكار المشوّهة التي تشوّه نظرته للحياة.   مسؤولية الآباء: وقد جعل الإسلام هذه المسؤولية على عاتق الأمهات والآباء أولاً، هؤلاء الذين جعلهم الله أمناء على حاضر أولادهم ومستقبلهم، فكما أنّ عليهم مهمة بناء الجسم السليم فعليهم أن يهتموا جيداً بكل ما يجعل أولادهم يعيشون سلامة الروح والشخصية وصفاء الفكر كي لا يعانوا من الشقاء في الدنيا، والوقوع في مهاوي السقوط في الآخرة. ولذلك كانت الدعوات موجهة إليهم في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.. فنجد النداء الإلهي الذي يستشير في مضامينه كل معاني العطف والحنان لدى الآباء والأمهات ليجعلهم يشعرون يجدية المسؤولية وهم يحوطون أولادهم، ويفكرون بمصيرهم وبنتائج تربيتهم الحاضرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 6). وهكذا نجد الأحاديث الشريفة قد ألّحت على ضرورة الإحسان إلى الأولاد بتأديبهم والإكرام لهم كمسؤولية في سبيل الحصول على الغفران والرحمة من الله: "أكرموا أولادكم وأحسنوا إليهم ليغفر لكم"، كما أكّدت على تفاصيل المسؤولية تجاههم عندما أشارت إلى مسؤولية تربية الأولاد على الصلاة، والتعبير عن عمق المحبة لهم، والوفاء للوعود التي يوعدون بها، والعدالة فيما بينهم، وعدم تحميلهم فوق جهدهم وطاقتهم، والاهتمام بتعليمهم، وبسلامة نظرة الناس لهم، وإلى شخصيتهم، وبتنميه قدراتهم الجسدية التي تؤهلهم ليكونوا أقوياء في المستقبل: "علّموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً". "من حقّ الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلّمه الكتابة". "أحبوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم فإنهم لا يرون إلاّ أنكم ترزقونهم". "رحم الله من أعان ولده على بره. فقيل يا رسول الله كيف يعينه على بره؟ قال (ص): يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه بشيء". "إن الله يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القبل..". "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل".   انتقال الدور إلى المدرسة: من خلال ذلك نعي أهمية الدور الذي حمله الإسلام للأهل عندما جعلهم أوصياء على تربية أطفالهم ورعايتهم، ولكن ومن الطبيعي أنّ هذه المسؤولية قد باتت بحاجة إلى أن تدرس بطريقة أخرى تحتلف عن الطريقة المباشرة التي كانت تدرس في السابق، وذلك أنّ المدرسة التي كان دورها في السابق دوراً هامشياً في تربية الطفل وتوجيهه، بات لها في الواقع الحالي الدور الأساس. فنحن نرى أنّ الطفل الذي كان يقضي فترة طويلة من الزمن في بيته قبل أن يذهب إلى الكتّاب، بات يدخل الآن إلى المدرسة وهو في سن الثالثة، والطفل الذي كان يقضي فترة الساعتين أو الثلاث في الكتّاب بات يحتاج في المدرسة الحديثة إلى ست ساعات، عدا وقت الواجبات وفترة الاستذكار والتحضير لليوم التالي، والطفل الذي كان يمتلك فرصة التحادث مع أهله والتخاطب معهم في كل ما يشغل تفكيره من اهتمامات وأفكار بات يعود من المدرسة مثقلاً بواجبات تأخذ منه كلّ جهده، والطفل الذي كان قادراً على المشاركة الاجتماعية مع أهله بات عليه أن يعزل نفسه في دائرة غرفته كي يدرس أو يشارك في دروسه مع أستاذ الدروس الخصوصية، والوقت الذي كان متاحاً للعلاقات الأخوية داخل البيت ومع الأهل بات مقتضباً جداً. لأجل ذلك بات دور المدرسة هو الدور الأساس، وباتت الحاجة ماسة لدى الأهل لأن يكون دورهم غير مباشر، وذلك من خلال السعي لاختيار المدرسة الأنسب التي تساهم في الاستفادة من فرصة تواجد الطفل فيها لتربيته وتوجيهه والتعويض عن النقص الحاصل في البيت، حتى يمكن للأهل نتيجة ذلك أن يتخففوا من المسؤولية الشرعية أمام الله ومن الأمانة المودعة عندهم. ولذلك بات على الأهل أن يفكروا جيداً في مدرسة أولادهم لا سيما أمام هذا التنافس الكبير الذي دخل إلى عالم المدرسة، وحيث برز إلى الوجود الكثير من المؤسسات التبشيرية أو العلمانية مستفيدة من الإمكانات المتاحة لديها للمشاركة الفعّالة في بناء جيل المستقبل، واقتطاف النتائج الفكرية والثقافية ونمو الحياة نتيجة لذلك.. ولذلك نشأت الحاجة إلى المدرسة الإسلامية كي تدخل في ساحة التنافس، تلك المدرسة التي تُدخل في برامجها الفكر الأصيل، والمضمون الإسلامي الذي يتفادى كلّ التشوّهات الفكرية والثقافية والسلوكية التي تنتج عن الأجواء التي يراد للجيل المسلم أن يعيش في ثناياها داخل المدرسة غير الملتزمة، أو الملتزمة التزاما مضاداً، ومن هنا كانت الضرورة لتشجيع وجود المدرسة الإسلامية ولتنميتها، لا سيما في بلاد الاغتراب حيث تزداد الحاجة لحفظ هذا الجيل من الجوّ الذي قد يضغط عليه فارضاً نمط فكره وسلوكه..   المدرسة الإسلامية بين الدور والملاحظات: ولكن يبقى – ونحن نخطو الخطوات في سبيل بناء المدرسة الإسلامية – أن نبدي بعض الملاحظات الأساسية التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، لنستطيع تجاوز بعض الأجواء والمشاكل التي يمكن أن تجعل دور المدرسة الإسلامية هامشياً أو صورة معدّلة عن المدرسة الأخرى.. 1-    ما تزال المدرسة الإسلامية تخضع في نظرتها التربوية للواقع الموجود، بحيث باتت تفكر بطريقته نفسها، فيما على المدرسة الإسلامية أن تؤسس لنفسها العناصر الأساسية للتربية في الإسلام، وتركز الأسلوب الإسلامي الخاص للتربية، وذلك من خلال الأحاديث الواردة في هذا المجال.. 2-    إنّ المدرسة الإسلامية لا تزال تنطلق في عملها من عملية التنافس التي قد تواجهها، لذلك غالباً ما تضطر لأنّ تتنازل عن طريقة تفكيرها الخاصة نتيجة هذا المنطق، فيما على المدرسة الإسلامية أن تسعى لتقنع الأهل والناس بمنطقها الخاص، وأن لا تستسلم للخوف في سقوط مستواها، لو أنها التزمت بمنطقها الخاص أمام الارساليات أو المدارس الأخرى العريقة بمنطقها التربوي. وهذا ما قد نلحظه بخصوص تدريس اللغة الأجنبية حيث باتت اللغة العربية بنتيجتها على هامشها نتيجة لضغط الواقع.. ونحن لا نقول إنّ علينا أن نتخطّى الواقع ولا نبالي به، ولكن ما نسعى لتأكيده هو أن نجعل أنفسنا بموقع التخطيط بالطريقة التي لا تتنكر للواقع ولكنها بالوقت نفسه لا تخضع له. 3-    إنّ مادة التربية الإسلامية غالباً ما تتحول في المدرسة الإسلامية كمادة خاصة لها الوقت الخاص والعلامة الخاصة، بحيث يشعر الطالب بثقلها ككلّ المواد الأخرى. كما يخضع تقييم الطالب في حبّه لها، حسب علامته فيها أو نظرته لمدرّس المادة، فيما ينبغي أن تتحول هذه المادة إلى مادة متحركة تشارك مع تقييم السلوك والأخلاق والرغبة في التعلّم والعلاقة المميزة مع المدرسة، ليشعر الطالب أنّ مادة التربية الإسلامية هي مادة الحياة كلّها، وليست تلك المادة الجامدة التي يحشى فيها عقل التلميذ بالمعلومات. 4-    إنّ المدرسة الإسلامية ينبغي أن تتحول إلى محضن روحي وفكري ومسلكي بحيث يعيش فيها الطالب في الصباح أجواء القرآن والدعاء، وفي الملاعب كلمات الذكر، وفي الصف سلوك الأستاذ الإسلامي، وفي النظارة أخلاق الناظر، وفي الإدارة بسمة التفاؤل والحب، ليكون هذا الجو هو بديل كل الأجواء الأخرى التي قد تؤثر في الطالب تأثيراً سلبياً. 5-    إنّ التعاون بين المدرسة والأهل غالباً ما يكون محكوماً بشبح الأقساط، وملاحظات المدرسة على الطالب وعدم مبالاة الأهل، فيما ينبغي أن يكون التعاون قائماً من خلال اللقاءات التربوية المشتركة وتبادل الرأي وحبّ الطالب، لتكون العلاقة أمتن وأعمق. 6-    إنّ النشاطات التي جعلها الإسلام مسؤولية الأهل في تعليم الولد كالسباحة والرماية وركوب الخيل ونحوها باتت مسؤولية المدرسة، التي غالباً ما تجعلها في هامش اهتمامها، فالرياضة لها ساعة واحدة والنشاطات الأخرى إن وجدت فهي تمثل عبئاً، فيما على المدرسة الإسلامية أن تجعل النشاطات اللامنهجية سياسة فيها، لأنها تشارك في صياغة الشخصية وفي تنميتها، وفي جعل دورها في الحياة دوراً فاعلاً. من خلال ذلك نرى أنّ دور المدرسة بقدر ما يكون فاعلاً بقدر ما يخفف الأعباء عن الأهل الذين قد لا يعون دورهم جيداً أو لا يستطيعون ذلك، وبذلك تستطيع أن تضمن المحضن الإسلامي الأساس لبناء جيل المستقبل وجيل الحياة كما ينبغي أن تكون عليه الحياة الكريمة.          المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 49 و50 لسنة 1994م

ارسال التعليق

Top