• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا)

د. جليل علي لفته

(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا)

الوسع هو الجدة والطاقة، والأصل في الوسع هو السعة المكانية، ومن المجاز يسعني ما يسعك، ولا يسعني شيء ويضيق عليك، ووسّع الله عليه العيش واوسعه، وهو في عيش واسع، والتوسيع خلاف التضييق.
والواسع من أسماء الله تعالى، هو الذي وسع رزقه جميع خلقه، ووسعت رحمته كل شيء وغناه عن كل فقر وهو الكثير العطاء الذي يسع لما يسأل.
قال رسول الله (ص): "انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم".
وفي حديث آخر له (ص)، قال: "انكم لا تسعون الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه".
وقال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) (الطلاق/ 7).
أي على قدر طاقته.
وقال تعالى: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) (البقرة/ 236).
هذا ما أورده أهل اللغة في معنى كلمة الوسع.
لا يخفى على المتأمّل انّ الدين الإسلامي يهدف بقوانينه إلى رفاه المجتمع المسلم، وتحقيق أمنه وسعادته وحريته واستقلاله، وقد وضع قوانين شاملة محكمة لجميع الحياة، وعلاج المشاكل التي تحدث للإنسان وهو في سيره لتطبيق منهاج الشريعة، وهذه القوانين ليست من صنع البشر مهما كانوا علماء نفس أو علماء اجتماع أو فلاسفة. فأنّ مثل هؤلاء معرّضون للخطأ والنسيان والغفلة وتسلّط الأهواء والرغبات، فمن رحمته بعث فينا رسولاً كريماً بمنهاج قويم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فالآية المباركة تشير إلى أنّ الحق سبحانه لا يكلّف نفساً إلا ما تطيق وتقدر عليه طاقتها ويظهر من قوله سبحانه (لا يكلّف) كلام جار على سنّة الله الجارية بين عباده ان لا يكلّفهم ما ليس في وسعهم من الإيمان بما هو فوق فهمهم والاطاعة لما هو فوق طاقة قواهم، وهي أيضاً السنّة الجارية عند العقلاء وذووي الشعور من خلقه.
وأنّ في الفقه الإسلامي تشريعات سمحة سهلة مليئة باليسر والتسهيل وليس فيها أي لون من ألوان التحميل فوق الوسع والطاقة، وليس فيها أي تنافر مع طبيعة البشر وذوقهم السليم، وفكرهم الصحيح، ولا مع قواهم وقدراتهم وامكاناتهم المتاحة لهم، وقد جاءت الإعتقادات والمبادئ متطابقة تماماً مع وجدان الإنسان وعقله، وليس فيها أي شيء مما لا يقبله العقل والمنطق، والذوق السوي. الأمر الذي لو كان لكان فيه أشد العسر والتضييق، حيث انّ تكليف الإنسان بالإيمان بما لا ينسجم مع عقله وذوقه هو من أصعب ألوان المشقّات، ويعتبر ارهاباً فكرياً لا يحتمل.
والذي يلاحظ العقائد الإسلامية يراها تسيل عذوبة وصفاءً وانسجاماً مع نوازع النفس الإنسانية، وقد اشترط الإسلام لسلامة الإيمان وصدقه أن يكون الاعتقاد بمبادئه وأصوله ناشئاً من القناعة الكاملة المتأتية من الدليل والبرهان، فلا يقبل إيمان التقليد الأعمى أو التحميل، الأمر الذي يعني انّه يريد للمسلم الإيمان المقبول لدى عقله ووجدانه غير المتصادم معهما، أو غير النابع من قبولهما ورضاهما، أي الإيمان الطوعي لا التحميلي.
وأمّا الأحكام الإسلامية فهي كالإعتقادات صافية سليمة خالية من أي لون من ألوان المشقّة والتحميل والإكراه، ومجافاة الطبيعة البشرية، والإبتعاد عن الذوق الإنساني العام، بعكس ما نراه الآن من الأنظمة المنتشرة، والتي يفرض فيها الدستور على منتسبيه تنفيذ أحكامه بدون جدال وفي كل الأحوال.
فالأنظمة الدكتاتورية تحكم على كل من يخالف دساتيرها بالإعدام أو السجن أو ما شابه ذلك.
أمّا الدين الإسلامي فقد ضمن للإنسان حرّيته واستقلاله، وكلّفه ضمن حدود طاقته وقابليته وحالاته النفسية والجسمية.
قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج/ 78).
والحرج هو الضيق، فانّ الله سبحانه وتعالى لم يشرّع حكماً فيه ضيق ومشقّة على أحد من خلقه، ومعناه أيضاً (إنّ الحكم الواحد يختلف تبعاً لطاقة الفرد وظروفه).
قال الرسول الكريم (ص): "إذا اجتمع أمران أحبّهما إلى الله أيسرهما".
فسواء كان الحرج في أصل الحكم أو حرجاً عارضياً طارئاً عليه، فالشريعة الإسلامية شريعة سهلة سمحة.
فهنا تتجلّى رعاية البارئ سبحانه وتعالى لعباده ورأفته بهم، وتحنّنه عليهم.
فلنقتبس عزيزي المطالع من الأنوار القرآنية قبسات نضيئ بها بعض الدروب التي عمّها الظلام، ونتعرف بها على معاني الرسالة السماوية الغرّاء، التي تفوح جوانبها بالرفق والرأفة واللين والسماحة.
(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 286).
تتجلّى أنوار رحمة الله، بهذه الآية الكريمة، على عباده ولطفه بهم، وهي دعاء المؤمنين على لسان ربّهم يعلّمهم إيّاه وهم يسألون أن لا يؤاخذهم بأخطائهم ونسيانهم، والا يحمّلهم ما لا طاقة لهم به، ولا قدرة لهم عليه فهو الحليم الكريم الذي وسعت رحمته غضبه، وهو العفو الغفور وهم عباده القاصرون والمقصرون فمنه الرحمة ومنه المغفرة والصفح.
وقد أورد المفسّرون عدّة أقوال لتفسير الآية المباركة التي يتنسّم فيها الإنسان نسيم الرحمة والعفو، ويجد ريح المغفرة والحلم. وتفتح له أبواب الأمل والبشرى، فانّ الله قادر على أن يتجاوز عن المسيء ويعفو عن المذنب.
فمن هذه الأقوال (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا) تقديره: قولوا ربّنا: على جهة التعليم للدعاء، وقيل تقديره: ربّنا، على جهة الحكاية والثناء (ان نسينا أو أخطأنا) قيل المراد بنسينا تركنا، كقوله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) (التوبة/ 67).
أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه، وقوله: (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (البقرة/ 44).
والمراد بأخطأنا: اذنبنا، لأنّ المعاصي توصف بالخطأ من حيث أنّها ضد الصواب، وان كان فاعلها متعمّداً فكأنّه تعالى أمرهم أن يستغفروا مما تركوه من الواجبات ومما فعلوه من المقبحات. وقيل معنى قوله (ان نسينا) أي تعرّضنا لأسباب يقع عندها النسيان عن الأمر، والغفلة عن الواجب أو أخطأنا تعرضنا لأسباب يقع عندها الخطأ، ويحسن الدعاء بذلك كما يحسن الإعتذار منه. وقيل ان معناه: لا تؤاخذنا ان نسينا، أي ان لم نفعل فعلاً يجب فعله على سبيل السهو والغفلة، أو أخطأنا أي فعلنا فعلاً يجب تركه من غير قصد، ويحسن هذا في الدعاء على سبيل الإنقطاع إلى الله تعالى وإظهار الفقر إلى مسألته والإستعانة به، وان كان مأموناً منه المؤاخذة بمثله. وقول رابع انّ معناه: لا تعاقبنا ان عصينا جاهلين متعمدين.
(وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)
والاصر في اللغة في العهد الثقيل.
قال تعالى: (وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) (آل عمران/ 81).
وكذلك قال سبحانه: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) (الأعراف/ 157).
أي المواثيق والعهود التي كانت عليهم.
اي اللّهمّ ربّنا لا تحمل علينا عهوداً ومواثيق لا طاقة لنا بها وبحملها وتعذبنا بتركها.
(كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)
أي بني إسرائيل، نحو ما أمرهم الحق تعالى بقتل أنفسهم.
(فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة/ 54).
أو قرض الجلد من النجاسة، فقد كانوا إذا ارتكبوا خطيئة عجلت عليهم العقوبة، ونزل بساحتهم العذاب.
كما قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (النساء/ 160).
فهذا دعاء منه تبارك وتعالى فيه الرحمة للمؤمنين والتوسعة عليهم، وتيسير أمورهم وغض النظر عن سيئاتهم، والتجاوز عن أمور خالفوا فيها واستحقوا العقاب، فمن شأن الكريم أن يلطف بعبده ويرحم، وهو الواسع الرحيم.
(وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)
أي ما يبهضنا حمله، ولا نطيق أمره من الواجبات والتكاليف الصعبة التي لا نتحمّلها.
(واغفر لنا)
أي استر خطايانا.
(وارحمنا) بتلطفك علينا في الدنيا واحسانك في الآخرة.
قال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) (الإسراء/ 15).
عن الرسول الأمين قال:
"رفع عن أمتي تسعة، الخطأ والنسيان، وما اكرهوا عليه، وما لا يعلمون وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه والحسد، والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة".
وإنّ الله سبحانه قد علّمنا ان ندعوه بأنّ لا يؤاخذنا على الخطأ والنسيان والرسول الكريم بيّن في حديثه الشريف انّ أمّته قد رفع عنها تسعة أشياء. وذلك تخفيفاً، وتسهيلاً عليها ورفعاً لوزر الآثام التي يستحقها العبد عن مخالفة المولى في ترك واجب أو فعل محرّم، وقد بنى الفقهاء على هذه القاعدة بنياناً، وشرّعوا قواعد، ومن هذه القواعد قاعدة البراءة العقلية التي لا تبيح العقاب من المولى من دون بيان (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) (الإسراء/ 15)، واستبدال الحكم الأساسي إلى حكم ثانوي.
ولا يخفى انّ الله والرسول بهذا البيان قد وضعا عن الناس أثقالاً واحمالاً لا يطيقونها ولا يتحمّلونها، واتحفاهم بمناهج وقوانين فيها اليسر والسعة والرخصة ما يتلائم وطبيعة الإنسان وحالاته النفسية والصحية، وظروفه المادية؛ ومعلوم انّ ذلك من أفضل السبل، وأحسن القوانين التي يطلبها الإنسان ويطالب بها ويسعى إلى تحقيقها والعمل بها.
والذي يلاحظ العالم الغربي وقانونه يرى أنّ قوانينه صارمة ولا يمكن استبدالها والحيدان عنها، ولا تنظر إلى طبيعة الفرد وقابلياته ومستطاعه وما يقوى عليه وما جبل فيه.
فهلمّ انظر كيف انّهم بادّعائهم المساواة والعدالة والرحمة، كيف خرجوا عن جادّة الصواب بهذه الأسماء الكريمة، وسلكوا سبلاً ملتوية باسم الحرية والعطف والشفقة على الجنس الناعم الرقيق، ولا ندري هل ان من العطف والشفقة على الجنس الناعم ان نكلّفه ما لا يطيق، ونخرجه عن جبلته وخلقته وتكوينه. فهذه المرأة المهتضمة في الإسلام كما يدّعون أخرجت من حصارها وسجنها في البيت وعبودية الرجل فأصبحت بازائه في كل شيء في شق الطرق وتعبيدها، ودخولها في جهاز الشرطة والجيش وما شابه ذلك.
والقرآن أشار إليها قائلاً: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف/ 18).
وبهذا العمل أوقعوا المجتمع في هوّة لا قرار لها من الانحطاط والتخلّف، وقد يدعو هذا إلى القضاء على البشرية، واستئصالها، فامتنعت المرأة عن انجاب الأطفال متنكّرة لخلقتها وطبيعتها متناسية انها غير الرجل من حيث التكوين والوظيفة، ولسان حالها يقول: لِمَ اتحمل أنا عناء الحمل والولادة ولا تتحمّله أنت عني؟ ولماذا لا تشاركني هذا التعب والمشاق؟ ثمّ استدعى أن يقوم الرجل المسكين بتقليد المرأة في لباسها ومشيها، فإذا سار اثنان في الشارع صعب التمييز أيهم الذكر وأيهم الأنثى، ولنسأل من رجال العلم والمعرفة الماكثين حول المختبرات والفحوصات، هل هذا صحيح؟ وهل يمكن أن يتساوى الرجل والمرأة في الوظيفة مع اختلاف التكوين؟ ألا ترون معنا انّ الله سبحانه حين خلق أعطى لكل جنس صفاته الخاصّة وميزاته وقدرته على الأعمال المخصصة له، انسجاماً مع ما يطيق وما لا يطيق، أليس في هذا تغيير في خلق الله ولعب بقوانينه الملائمة لكل جنس خلقه.
ولنا حديث قصير مع هؤلاء الذين يقولون لنا. ان اسلامكم ظلم المرأة وامتهنها، وحاصرها وقيدها، وانتزع حقوقها، فأين الرحمة وأين المساواة؟ وأين اليسر والسماحة في شريعتكم وقوانينكم؟
وجوابنا لهم هو: إنّ الإسلام لم ينتزع كرامتها كما انتزعتم، ولم يشوّش فكرها، ولم يجعلها كالمتاع الرخيص، ولم يرجعها إلى سالف عهدها حيث كانت تباع وتشترى، فها أنتم حملتموها ما لا تطيق، فهي شرطي مرور، وهي عامل بناء، وهي سلعة مبتذلة للمتسكعين الفارغين التائهين في صحاري الزيغ والإنحراف واللهو والعبث بالقيم والمقدرات.
إنّ الإسلام جعلها الريحانة وليست القهرمانة، وجعلها السكن الأنيس ومعدن الراحة، ومأوى السكينة، ومنبع الطمأنينة والراحة لزوجها ولأولادها. نقول لهم هل اعطاؤها حقوقها، والتسهيل عليها، والرحمة بها، وانتشالها من حضيض الظلم هو تحميلها فوق طاقتها، وتعويد يديها المترفتين على العمل الشاق، وارهاق أعصابها الرقيقة بضجيج المعامل والمصانع وهي صاحبة الصوت الأنيس، والجسم الرقيق، والعود المترف أوليس من اليسر واللطف أن تكون المرأة هي الملجأ لأطفالها ولزوجها في ساعات ضنكهم؟ وانها الريحانة العاطرة التي تزيج عنهم اكدار الهموم والأحزان، وترفع عن نفوسهم المتعبة اغشية الآلام والأتعاب.
هذا مثال واحد على منهاج الغرب الآثم المليء بالأخطاء والمنكرات التي لا تحصى.
ولا يخفى على الملاحظ انّ القانون الغربي يغالط نفسه ويتناسى أخطاءه، ثمّ يصوّب سهام حقده على الإسلام ويتّهمه بما ليس فيه.
ولنعد إلى حديث الرسول (ص):
فالخطأ هو كل شيء تعمله خلاف ما أمرت به وأنت غير متعمّد له فهذا ساقط عنك عقابه وعتابه.
والنسيان هو ترك للواجب نسياناً وهذا أيضاً ساقط وزره.
(وما لا يعلمون) ورد في الحديث الشريف:
"رفع عن أمتي ما لا يعلمون" وقد استدلّ فقهاء الإسلام بهذا الحديث على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
(ثم ما لا يطيقون) وهذا أيضاً ساقط عنك لعدم احتمالك ثقله، ولا تقدر عليه بعذر طارئ أو غير ذلك.
(وما اضطروا إليه)، قال تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة/ 173).
وقال سبحانه: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/ 173).
وقال أيضاً: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ... فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/ 3).
ويشمل هذا موارد عديدة منها فعل محرّم أو أكل محرّم أو شرب محرّم، أو بالإكراه أو الخوف من الظالم وغير ذلك، وهذا يسمى في الإسلام بقاعدة إيقاف الحكم الأولي وإبداله بحكم ثانوي، إلى حين دفع الضرر، ودفع الحرج والمشقّة الزائدة، فبدل الحلال حراماً والحرام حلالاً وذلك لحفظ المصلحة، ودرء الفساد، والمحافظة على سلامة الإنسان من مرض أو عدو أو حفظ ماله أو عرضه.
وقد عبّر الفقه الإسلامي عن هذه القاعدة، قائلاً: "عند الضرورات تباح المحظورات".

المصدر: كتاب الشريعة السمحاء (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)

ارسال التعليق

Top