• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مستقبل الصحافة المكتوبة وفن الخط

إبراهيم فرغلي

مستقبل الصحافة المكتوبة وفن الخط

في نهاير شهر ديسمبر 2012، أصدرت مجلة (نيوزويك) الأسبوعية الأمريكية الشهرية النسخة الورقية الأخيرة من هذه المطبوعة، التي صدر عددها الورقي الأوّل في العام 1937، والتي قررت إدارتها، عبر محررة المجلة (تينا براون)، إبتداءً من مطلع هذا العام، تحويلها إلى مطبوعة رقمية تصدر بعنوان (نيوزويك جلوبال)، وهو ما قد يمثل إشارة البدء لهذا النوع من التحول في تاريخ الصحافة المطبوعة بين عصرين من العصر الورقي إلى العصر الرقمي.

حين طالعت العدد الورقي الأخير للمجلة، تأمّلت تاريخاً مطولاً من كفاح الصحافة الأمريكية، وما أثارته أو اهتمت به على مدى نحو سبعة عقود ممثلة في موضوعات المجلة التي اختارت نماذج منها لتغلق بها نهاية رحلة طويلة حفرت خلالها لنفسها مكانة مميزة كمجلة أسبوعية سياسية شاملة، تقدم تحليلاً عميقاً" للما وراء الخبر في الولايات المتحدة والعالم، مع زميلتها الأسبوعية (Time)، قبل التحول إلى الشكل الرقمي الجديد بكل ما يعنيه ذلك من دلالات على التحولات الثقافية والتكنولوجية التي يشهدها العالم الغربي. لكنني في أثناء تصفح المجلة، مرقت في ذهني أسئلة عديدة عابرة، عن مستقبل القراءة في عالمنا العربي، ومدى تأثرها بالوسائط الإلكترونية الجديدة، وكيف يمكن الإنتقال إليها في مجتمعات لا تزال ترتفع بها نسب الأُمّية بشكل كبير. ومع ذلك، فقد كانت لدي شواهد تقول إنّ الثورة العالمية أو العولمية للوسائط القرائية الجديدة مثل الحواسب الشخصية و(الكايندر) و(الآيبود) أو الحاسبات اللوحية وسواها، أصبحت بدورها واقعاً يومياً جديداً في العالم العربي بعد التوسُّع اليومي في استخدام المستهلكين العرب لتلك الوسائط وخصوصاً من الشباب.   - دار نشر عربية تتحوّل للرقمية تذكّرت واقعة صغيرة شبيهة بما حدث للنيوزويك. فعلى سبيل المثال، وخلال الدورة الماضية من معرض الكويت للكتاب، كنت أبحث عن ترجمة عربية لرواية تركية علمت أنّها نشرت في إحدى دور النشر السورية. وحين سألت، أخبرني أحد الموجودين من الناشرين السوريين أن هذه الدار توقفت عن النشر الورقي قبل عام، وتحوّلت إلى النشر الرقمي فقط. هذه الدار هي دار قَدمُس للنشر، وهي دار اختصّت في نشر أعمال معرفية وأعمال أدبية مترجمة عن لغات عدّة بينها التركية. ودارت في ذهني أسئلة عن مدى وجود قُرّاء للوسائط الرقمية في العالم العربي تجعل ناشراً عربياً يقرِّر التحول للنشر الرقمي. بطبيعة الحال، هناك بعض المؤشرات الأولى التي يمكن أن نرى من خلالها أنّ هناك بالفعل لوناً من الإقبال على القراءة الإلكترونية، من خلال الزيادة الرهيبة في عدد مستخدمي أجهزة الآيفون والآيباد والأندرويد التي تمتلك إمكانات تحميل برامج إلكترونية عديدة بينها تلك المختصة بتحميل الكتب الإلكترونية، إضافة إلى دخول عدد كبير من المستخدمين العرب الذين تقدر بعض المصادر أعدادهم بنحو 4ر65 مليون مستخدم وهي تقريباً نسبة تعادل خمس عدد سكان الوطن العربي. ومع ذلك، فالرقم مرشح للزيادة، خصوصاً أنّ المنطقة العربية واحدة من أكثر المناطق في العالم من حيث نمو عدد مستخدمي الإنترنت (هناك تقرير من إعداد عمر خرسه يقدر هذه النسبة بنحو 2500 في المائة خلال الفترة من العام 2000 وحتى 2011). من جهة أخرى، فإنّ إحصاءات أخرى قدرت معدلات الإستخدام اليومي للإفراد العرب للإنترنت مابين ساعتين ونصف إلى أربع ساعات ونصف، وهي نسبة مرتفعة. وإذا ما تمّ ترشيد استخدام هذه الفترات الزمنية وتوجيهها نحو القراءة، فالنتيجة ستكون جيِّدة حتماً.   - مزايا وعيوب عبر الإنترنت حاولت الإتصال بالدكتور زياد منى الذي أكّد لي صحة ما سمعته عن تحول دار النشر التي يديرها من النشر الورقي إلى الإلكتروني، فقلت له: "ألا ترى أنّ هذه خطوة مبكرة بعض الشيء في مجتمعات لا تزال تعاني من قلة نسب الإقبال على القراءة؟"، فقال: "لا شك في وجود تهيب حقيقي لدى كثير من الناس من التقنية الجديدة، خاصة لدى الجيل المتقدم على الشباب، لكن مجرد التواصل مع هذا النمط من الإنتاج يمنح القارئ فرصاً غير محدودة، وهو يتمتع بمميزات كثيرة لا تتوافر في النشر الورقي، وعلى غير ما يتوهم البعض". سألته أن يوضِّح لي بعض تلك المزايا التي شجّعته على اتخاذ مثل هذا القرار، فقال: "النشر الإلكتروني، إن أُعِدَّ على نحو صحيح، وليس في هذا الأمر أسرار وإنّما معرفة المتطلبات التقنية الضرورية، للوحات القراءة، يمنح القارئ فرصة تصفح أي كتاب يُبتاع، لكن مع خواص مهمة للغاية منها على سبيل الذكر لا الحصر، وضع علامة إلكترونية أو أكثر في صفحة القراءة، وتمييز نصوص محددة وكتابة ملاحظات تبقى في موقع الكتاب المعني، وتغيير حجم الخط (الفونت)، حيث يتغير وقتها عدد صفحات الكتاب الذي يمكن أن يحوي رسوماً وكل ما يمكن توافره في الكتاب الورقي. إضافة إلى ذلك، فبإمكان القارئ تغيير لون صفحة القراءة والتحكُّم في درجة سطوعها، وكذلك خاصية قلب لون الأحراف والخلفية للقراءة الليلية، حيث يتحوّل الحرف إلى اللون الأبيض والخلفية إلى اللون الأسود. في الحقيقة، إنّ النشر الإلكتروني للوحات القراءة (Reading Tablets) لا حدود له، ولا شك في أنّ المستقبل سيحمل المزيد من التطور الإيجابي في هذا المجال.   - مخازن رقمية بلا وزن من الأمور الأخرى التي تميِّز النشر الإلكتروني، مقدرة لوحة القراءة على تحميل عدد كبير جداً من الكتب، وبكل اللغات، حيث تتحول اللوحة إلى مكتبة متنقلة، خفيفة الوزن، غاية في الأناقة. وكلما ازدادت المنافسة، انخفض سعر الأجهزة كما نرى الآن، إضافة إلى ظهور أحجام مختلفة منها (Ipad Mini) التي تحوي المميزات ذاتها، لكنها أصغر حجماً وأقل وزناً.. وسعراً. في الوقت نفسه، فإنّ التطبيقات الأخرى المتوافرة لوضعها في لوحة القراءة ومن ذلك على سبيل المثال مختلف القواميس والمعاجم والمنراجع ودخول الإنترنت... إلخ، توافر مكان عمل (إلكتروني) مميز، وفي الوقت ذاته متنقل للشخص لا يمكن أن يتوافر في وسيلة أخرى". لكن الدكتور زياد منى يستدرك موضحاً أنّ المزايا لم تكن هي وحدها السبب في التفكير في هذه الخطوة، بل وجود معوقات كثيرة في إنتقال الكتاب العربي بين الدول العربية، ويقول: "من أكبر المشكلات التي تواجه انتشار الكتاب العربي، إضافة إلى ضعف محتواه وضحالة الأبحاث العلمية، عدم وجود شركة توزيع كتب في بلادنا. فعلى سبيل المثال، إذا رغبنا نحن في شركة قَدمُس إرسال كتب إلى الأردن، علينا نقل النسخ إلى لبنان، وتسليمها لشركة توزيع متخصصة في بيروت، ترسلها إلى الأردن، عبر سورية! لا شك في أنّنا نتحدّث هنا عن عالم سريالي، لكنه القائم والمتحكِّم فينا. معنى ذلك أنّ على القارئ انتظار معارض الكتب كي يحصل على كتاب صدر في بلد عربي قريب أو بعيد، أو دفع ثمنه أضعافاً بسبب كلفة النقل البريدي المرتفعة إن كان في عجلة من أمره. ويضيف إلى مشكلة إنتقال الكتاب العربي مشكلة أخرى هي قرصنة الكتب، موضحاً "أنّه لا وازع ضميرياً ولا مانع قانونياً في بلادنا، يعاقب مَن يستحوذ على ممتلكات غيره الفكرية على نحو غير قانوني (والتعبير الشعبي: السرقة). نعم، هناك قوانين في بلادنا تعاقب الجاني، لكن الحركات والثورات التي تشهدنا بلادنا هي إحدى نتائج غياب حكم القانون، إضافة إلى وضع قوانين جائرة تساعد الغني ضدّ الفقير. أمّا النشر الإلكتروني، وفق تجربتنتا الممتدة سنوات طويلة مع (الكتاب العربي الإلكتروني)، تؤكِّد إستحالة قرصنة أي كتاب من الموقع وعدم إمكانية نسخه... إلخ، هذا إضافة إلى أنّ الإصدار الإلكتروني يتجاوز الجغرافيا والسياسة والفكر، ومزاجات أجهزة الرقابة في بلادنا، وكذلك سرعة الحصول عليه بعد دقائق قليلة من ظهور في موقع الدار". ويوضِّح الدكتور منى أنّ لقاء جمعه بأحد المثقفين العرب المهتمين بمشروعات رقمنة الثقافة العربية وهو مؤسِّس شركة صخر محمد الشارخ جعله يبدأ التفكير في الموضوع، وذلك في منتصف التسعينيات في القاهرة. المنعطف الذي أدخلني عالم النشر الإلكتروني في مطلع التسعينيات كان ذلك اللقاء، المصادفة، التي كانت خيراً من ألف ميعاد، عندما سألني الأخ الكبير أبو فهد: هل أنت على استعداد لوضع إصدارات داركم (قَدمُس) في موقع شركة (صخر) للقراءة مجاناً؟ الطلب فاجأني. أنا القادم حديثاً إلى بلادنا، بعد إقامة تزيد عن ربع قرن في ألمانيا، حيث لا شيء مجانياً في تلك المجتمعات الإستهلاكية؛ لكنني لم أتردد في قبول ذلك، مع أنّ معلوماتي في ذلك الوقت عن النشر الإلكتروني كانت لا شيء. هناك التقيت مع مجموعة من خيرة الشباب العربي المتخصصين في عالم النشر الإلكتروني، من مصر ولبنان والعراق وفلسطين وغيرها من أقطار عالمنا العربي المنكوب. وبدأت التجربة الصعبة، إلا أنّنا نجحنا في نهاية المطاف في التغلب على المصاعب والمشكلات الناتجة من جهلي بقواعد النشر الإلكتروني وتقانته.   - الكتاب العربي الإلكتروني أمّا المشروع الأخير الخاص بإنتاج الكتب إلكترونياً، فعنه يقول: "مع تطور التقنية الإلكترونية، وريادة شركة أبل في إنتاج لوحات إلكترونية مخصصة على نحو رئيسي لقراءة الكتب والصحف، عرضت علينا شركة (الكتاب العربي الإلكتروني) الإنتقال إلى هذا العالم الجديد، ولم يكن وقتها قد أنتجت أي شركة أخرى لوحة قراءة، لكن عددها الآن يزيد على الثلاثين، تعمل وفق لغات مختلفة أهمّها (ISO) لشركة أبل، و(أندرويد) غيرها لشركات أخرى. لم أتردد لحظة في مواكبة التقدم العملي الذي أرى أنّه يمكن أن يفيدنا نحن العرب، ويتم على أيد عربية، وهذا هو الأمر الأهم هنا. الإبداع الجديد المهم الذي أنجزته شركة (الكتاب العربي الإلكتروني) التي يساهم في قسم كبير من رأسمالها رجل الأعمال الكويتي السيد مبارك الرفيدي الذي أفسح دخوله هذا المجال في الشركة تقديم ضمانات إضافية للقراءة الذين يودون إبتياع النسخ الإلكترونية هو تصميمها تطبيق قراءة خاصة باللغة العربية. فمن المعروف أنّ الآي باد وغيرها من لوحات القراءة تستخدم تطبيقات (Applications) خاصة بالقراءة مثل (Ibooks, Dlreader, Bluefire Reader)، لكن هذه لاتينية، أي أنّها تقلب الصفحة من اليمين إلى اليسار. شركة (الكتاب العربي الإلكتروني) أصدرت تطبيقاً خاصاً للكتب العربية (Arabic Ebook Reader)، حيث يقلب الصفحة من اليسار إلى اليمين، ويفعل العكس عند تصفح الكتب اللاتينية". إلى هنا ينتهي كلا الدكتور زياد منى الذي ستظل تجربته موضعاً للإختبار خلال الشهور وربّما السنوات القليلة المقبلة حتى نتبين بالفعل مدى إمكان نجاح مثل هذه التجربة في عالمنا العربي. ولا يبدو أنّ مشروع قَدمُس سيكون الأخير. فقد أعلن الكاتب اللبناني السماح إدريس إخيراً كذلك عن توقف الطبعة الورقية من مجلة الآداب بعد 60 عاماً من صدورها. وأكّدت رنا إدريس، مديرة دار الآداب، أنّ قلة الإقبال على القراءة الورقية مقابل القراءة الإلكترونية عقب الثورات هو السبب في هذا القرار.   -         الخط العربي والثقافة الرقمية ومنذ بدأت التفكير في موضوع النشر الإلكتروني ودوره المرتقب في إحتلال مكانة الكتابة الورقية والمطبوعة. وأنا أُفكِّر في مستقبل بعض الفنون مثل فن الخط الذي كان حتى عهد قريب الوسيلة الوحيدة التي نعرفها للكتابة، وبسببها راج فن الخط العربي كواحد من أبرز روافد الفنون المرتبطة بتراث اللغة والثقافة العربية والإسلامية. فالخط، والخط العربي ربّما على نحو خاص، هو حامل لأبعاد ثقافية وإجتماعية وحضارية تشترك فيها الأُمّة والمجتمع كلّه. كما أنّ الخط الذي يكتب به كل منّا حتى بعيداً عن الخط كلون من ألوان الفن تختلف أشكاله مع إختلاف كل فرد أو ذات نفسية في صياغته وتشكيله، إذ أنّه وكما يشير معصوم خلف "هناك جزء عميق وكبير متعارف عليه يمثِّل القيمة الكلِّية أو الفلسفة الكلِّية والمطلقة للمجتمع، فإن كل تشكيل لحرف معيّن، 7يعبِّر عن الخصائص النفسية الداخلية (بطرق معروفة لدى أهل الإختصاص)، فإنّ الحرف أو الخط في حالته المثالية والمطلقة، لا يحمل خصائص الفرد فقط، وإنّما يحمل الإنطلاقة الحضارية للأُمّة جميعاً، وهو ما نجده في القواعد والمعايير والقوانين الأساسية التي يقوم عليها فن الخط". واليوم أصبحت فكرة الخطوط المرسومة باليد في سبيلها للإنقراض مع التزايد المستمر لإستخدام الحاسب الآلي وأجهزة الطباعة الآلية، فهل ستتسبب الثقافة التقنية والإلكترونية في تغييب هذا الفن للأبد يوماً ما؟ لا يمكن الإجابة عن السؤال بشكل مطلق بعد، لأن فن الخط العربي له رواد لا يزالون يمارسونه، ويتعلّم عليهم دارسون محبون لهذا الفن الذي يمثل خصوصية من خصوصيات ثقافتنا، ويجد هوى لدى ثقافات عديدة. وصحيح أنّ أجهزة الطباعة اليوم تمتلك جميعاً أنواعاً مختلفة من الخطوط عن طريق برامج جاهزة لتلك الخطوط وبينها بعض الخطوط الكلاسيكية مثل الكوفي والأندلسي التي تحتوي على إمكانات جمالية وتعبيرة وزخرفية تعبر عن التغيرات الثقافية التي مرّت بها الحضارة العربية. لكن تظل تلك الخطوط في النهاية مجرد برامج نادرة الإستخدام. كما أنّ نظم التعليم المختلفة وبينها حتى النظم الغربية المتطورة التي تعتمد على استخدام الطلبة المبكر للحواسب الآلية تلزمم هؤلاء الطلبة بتعلم الكتابة بخط اليد باللغات المختلفة التي يتعلّمونها. لكن الأحرى بنا أن نحافظ نحن على ارتباط الأفراد بلغتهم قراءة وكتابة وتأكيد قيمة الخط العربي لدى الأجيال الجديدة، إذ وكما يقول خلف مرّة أخرى: "إنّ الخط العربي هو تشكيل خطي، حامل لقيم صوتية، لكن صياغته في الواقع، تضيف إلى هذه القيمة الصوتية قيمة فكرية وحضارية وأخلاقية وفلسفية، فإذا أخذنا على سبيل المثال الحرف (أ)، كتعبير لصوت معيّن، فإنّ وقوفه واستناده إلى السطر عمودياً ودون سائر الحروف، بالإضافة الى وجوده الدائم والأبدي في مقدمة الكلمة، يضفي عليه خصائص وجدانية تنتمي إلى ثقافتنا، كأن يكون هو الدعامة الأساسية في بناء الأحرف كلها، إذ يمثل مفهوم القيام على الأمر، والسند والدعم والبداية المكرسة لما هو علوي وسماوي، آت من الغيب، ونازل منه، أو متنزل منه، ومن هنا يأتي حضوره في بدايةالكلمة، أو في وسطها، حيث يلعب دور الدعامة الضرورية لغوياً وفكرياً للكلمة، لذا نجد أنّ هذا الحرف يتكرر كثيراً في الخط العربي والكلام العربي. أمّا الحروف الأخرى دون الألف، فنجد أنّها تعتمد بشكل أساسي على الإنحناء، كحروف، ص، ض، ع، و، ح، ف... والإنحناء يعبر عن المرونة والطواعية، كما يعبر عن الإحتواء الذي يمثله الحضن المحتاج إلى الإمتلاء بالشعور والإحساس بالرخاء، فهو بحاجة إلى الآخر، أي الفرد القارئ، الذي يمثل جزءاً لا يتجزّأ من الحرف نفسه، والذي يشعر بالحنين نحو الحرف، من دون أن يفهم أنّ سبب ذلك هو النداء العميق الذي يخرج من الإنحناء الآسر، بصورة فكرية، أو لا شعورية، لا نقوم بفهمها إلا على شكل حنين". ولعل هذا ما يثير أيضاً تأثر بعض وسائل التواصل التي مثلت جزءاً مهماً في الثقافات جميعاً هي المراسلات والرسائل.  

ارتئينا أن نعزز موضوعنا بمقال يرتبط في فحواه مع الموضوع المرفق آعلاه:

الصحافة الورقية.. هل تبقى؟ علي غازي العدواني رغم الثورة التكنولوجية المتسارعة وازدياد أعداد المنضوين تحت رايتها، إلا أنّ المطبوع الورقي لا تزال له نكهة خاصة، وقُرّاء لا يستغنون عنه، ومعلنٌ يجد في صفحاته الواسعة ما لا يجده في صفحة الجريدة الإلكترونية التي لا تتعدى مساحتها مساحة سطح شاشة الكمبيوتر.. ولكنّ هذا التفوّق الورقي لا يعفي المطبوعات الورقية من تطوير نفسها ومواكبة متطلبات الأجيال الجديدة التي لم تتعوّد على القراءة من الورق، فمعظم المطبوعات الورقية صار لها مواقع على الشبكة العنكبوتية يستطيع القارئ الإلكتروني من خلالها التواصل معها والتفاعل مع ما تنشره سلباً أم إيجاباً. وهذا يعني أنّ المطبوع الورقي ليس في منأى عن هذه التقنية التي تضيف له من دون أن تفقده جمهوره الذي لا تتوافر لديه ميزة التواصل مع الإنترنت، والأهم أنّها لا تفقده المعلن الذي يُعدُّ سرَّ بقاء هذه المطبوعات واستمرارها. آخر الإحصاءات تؤكِّد أنّ مستخدمي شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة حوالي 5ر67 في المئة، وفي أوروبا نحو 3ر35 في المئة. أمّا في الشرق الأوسط، فلا تتجاوز نسبة مستخدمي الإنترنت 5ر7 في المئة، أي إنّ الغالبية العظمى من شعوب الشرق الأوسط لم تدخل عالم الإعلام الإلكتروني لأسباب واعتبارات لا مجال للخوض فيها في هذا المقام. أخيراً، يبدو أنّ هناك توجّهاً لدى الجهات الرسمية في كثير من بلدان الشرق الأوسط، والعربية منها خصوصاً، إلى وضع تشريعات رقابية على النشر الإلكتروني، تصل إلى حدّ حجب بعض المواقع غير الملتزمة بهذه التشريعات، يعني أنّ الحرِّيّات التي تتميز بها الصحافة الإلكترونية – حتى الآن – قد تواجه صعوبات في المستقبل القريب إذا ما أقرّ تشكيل إدارات تراقب النشر الإلكتروني.

ارسال التعليق

Top