• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مستويات القراءة في المجتمع القارئ

د. عبداللطيف الصوفي

مستويات القراءة في المجتمع القارئ
   يقرأ الناس غالباً، كباراً كانوا أم صغاراً، في غياب المعلم، أي إنّهم يستخدمون التعليم في الحياة، بالاكتشاف. غير أنّهم لن يستطيعوا فعل ذلك بشكل صحيح، إلا من خلال معرفتهم بمستويات القراءة، لأنّها تعلمهم كيفية التعلم وسبله، وهي سابقة لمعرفة مهارات القراءة، أي إنّ معرفة المستويات تأتي أوّلاً، ثمّ المهارات ثانياً.

وهناك أربعة مستويات أساسية للقراءة، شبه منفصلة، بعضها عن بعض، لا يذوب واحد منها في آخر، إلا أنّ المستوى الرابع والأخير يشملها جميعاً. وهذه المستويات هي:

 

1-  القراءة الأساسية:

وهو المستوى الأوّل من القراءة، ويمكن تسميته أيضاً بالمستوى الابتدائي، وبه ينتقل الإنسان من الأمية إلى القارئ المبتدئ. وفي هذا المستوى يتعلم الفرد القراءة، ويتدرب عليها، ويتسلح بمهاراتها الأولية.

ويتحقق هذا المستوى أكثر ما يتحقق في المدرسة الابتدائية، وإلى حد ما في المرحلة الإعدادية، إذ إنّ الطفل في هاتين المرحلتين يتعلم القراءة ليتحكم بها، إنّه يتعلم ماذا تقول الجملة، وماذا تعبّرُ عنه، مع ربط الألفاظ بمعانيها، وفهم محتوى النص. ويواجه هؤلاء في هذه المرحلة، صعوبات متفاوتة، تبعاً لخلفيتهم القرائية، في المنزل، أو في الروضة، وجلها صعوبات ميكانيكية، يجب التغلب عليها من أجل القراءة بصورة أفضل.

 

2-  القارئ المبتدئ:

يبدأ القارئ المبتدئ بالاستعداد أو التحضير للقراءة، وهي مرحلة التدريب الأولى التي تمتد منذ ولادة الطفل وحتى بلوغه السابعة من العمر، وتشمل عدة أنواع من التحضير. فمن الناحية الفيزيائية تحتاج إلى نظر وسمع جيدين، كما تحتاج إلى استعداد ذهني، حتى يستطيع الطفل تعلم الحروف وتذكرها، وهي تتضمن القدرة على التحدث بوضوح، واستخدام الجمل بشكل مرتب. أما الاستعداد الشخصي، فيتجلى في القدرة على العمل مع الآخرين، وفي متابعة التوجيهات التي تقدم له، لتحسين قراءته، وتقوية انتباهه. وهناك اختبارات معروفة تُجرى لمعرفة جاهزية الطفل للقراءة، ومدى استعداده لها. أما الأطفال الذين لا يتمتعون بهذه الصفات، وهم قلة بطبيعة الحال، بسبب إعاقتهم الذهنية، فهم يحتاجون إلى رعاية خاصة، حتى يتمكنوا من تعلم القراءة.

ويقوم الطفل في هذه المرحلة بقراءة موادَّ بسيطة تتناسب مع قدراته وإمكاناته. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، يبدأ التلميذ بتعلم الألفاظ المنظورة، بحيث يستطيع، عند نهاية السنة الأولى من المرحلة الابتدائية، تعلم قراءة (300-400) كلمة، مع معرفة معانيها بتدرج. والقراءة في هذه المرحلة، هي لمعرفة ماذا تقول الجمل في النص.

ومع تدرج الطفل وانتقاله إلى الأقسام الأعلى يبدأ بتعلم القراءة لأغراض متعددة أخرى، أي القراءة في الأدب، والتاريخ، والجغرافية، وغيرها. وتتوج هذه المرحلة، بتعليم التلميذ مهارات القراءة، وخبراتها، مع تعلم الكتابة في موضوعات مختارة.

وعندما ينتقل التلميذ إلى المرحلة الثانوية، يكون قد تمكن من قراءة نصوص أدبية واجتماعية وغيرها، في مستوى المرحلة والعمر، من دون تلعثم وينتقل بذلك إلى المرحلة اللاحقة، وهي مرحلة القراءة المؤثرة، أو المتفحصة، دون أن يعني ذلك انفصال المراحل بعضها عن بعض، بل تبقى مراحل متداخلة متلاحقة. وليس من الواجب على كلِّ تلميذ إنهاء المرحلة الإعدادية، حتى ينتقل إلى القراءة المؤثرة أو التحليلية. بل إنّ ذلك تابع لمقدرته، والتوجيهات القرائية التي يتلقاها في البيئة، لذلك نقول: إنّ هذه المراحل هي مراحل تنظيمية، أكثر من أي شيء آخر.

 

3-  استخدام مساعدات المؤلف:

ثمّة ملامح عامة من الناحية التنظيمية يعتمدها كلّ كتاب، مثل: الفهرس، المقدمة، قائمة المراجع. وهناك كتب تتجاوز هذه الحدود، فتقدم تسهيلات أكبر للقراء، كأن تضع كشافات في نهاية الكتاب للأعلام، والقبائل، والأماكن، وغيرها من الأمور التي تساعد القارئ في عملية البحث عنها داخل الكتاب، دون عناء، وهي تختلف من كتاب إلى آخر. وهناك مؤلفون يضعون أسئلة، حول كلّ فصل من فصول الكتاب عند نهايته، الأمر الذي نجده عادة في الكتب المدرسية والكتب التعليمية، بهدف التركيز على المعلومات الهامة التي عالجها، وترسيخها في أذهان القراء، من خلال دعوتهم للإجابة عنها.

ومن الأفضل أن يقوم القارئ، بقراءة هذه الأسئلة، قبل قراءة الفصل وليس بعدها فقط، حتى يعرف الجوانب الهامة التي يعالجها، ويركز عليها في أثناء القراءة وبذلك تكون الإجابة عنها بعد القراءة، أسهل. كما أنّ بعض المؤلفين يضعون ملخصاً لكلِّ فصل عند نهايته، قبل طرح الأسئلة، أو يكتفون بالملخص دون الأسئلة، وهنا يكون من المفيد أيضاً قراءة هذه الملخصات قبل قراءة فصولها، للغرض السابق نفسه. وهكذا، فإنّ قراءة مقدمة الكتاب، والفهرس، والمختصرات، والأسئلة، تعرّف القارئ مسبقاً، بما يريد المؤلف منه معرفته عبر كتابه، ومنها يحصل على معلومات مسبقة هي الأهم حول الكتاب برمته.

ويرى المفكر والناقد الأمريكي، جون سيمون (John Simon)، أنّ على القارئ أن يقرأ الكتاب الذي بين يديه بالمشاركة، وهي قراءة بامتياز، كما يسميها. وتتجلى هذه القراءة في أن يقوم القارئ بكتابة ملاحظات على هامش الصفحات عند القراءة، يسجل فيها النقاط الهامة، حتى يتذكرها. إنّها القراءة التي تجعل القارئ في حالة يقظة دائمة، يجتهد خلالها لمعرفة النقاط الأساسية للموضوع، والجمل المفتاحية، بل الألفاظ المفتاحية أيضاً. ثمّ إنّ علينا ألا نقرأ أي كتاب ببطء أكثر مما يستحق، ولا بسرعة أكثر مما نستطيع فهمه. لذلك، على القارئ استخدام مساعدات المؤلف السابقة الذكر، لتعميق فهمه حول النقاط الأساسية للكتاب، وترسيخها في الذاكرة، ومراجعتها بسرعة عند الحاجة لتذكرها.

 

4-  مصطلح (POQRUA – RRR):

وهو يعكس عدداً من الألفاظ الهامّة الخاصة بالقراءة الجيدة، تدل على نوع القراءة المطلوبة، للفهم والاستيعاب، والتركيز على النقاط الهامّة في النص، وترسيخ المعلومات في الذاكرة. ونظراً لأهميته في هذا المجال، رأينا عرضه هنا، وشرح المقصود من كلِّ لفظة من الألفاظ التي يتكون منها.

·      R = Preview (الاستعراض المسبق) ويقصد به، ضرورة معرفة مادة الكتاب، وموضوعه، قبل البدء بقراءته، وهو أمر بدهي وهام لا يجو إغفاله، بل هو الخطوة الأولى التي نخطوها عند تناول الكتاب بين أيدينا.

·      O = Outline (وضع خط، أو علامة) والمقصود منه، وضع خط أو علامة، تحت الجمل الهامة، أو الأفكار الرئيسية. وبعض القراء يفضل تلوينها بألوان متعددة، وهي تفيد في المراجعة، وتثبيت المعلومات في الأذهان.

·      Q = Question (طرح الأسئلة) وتعني ضرورة طرح الأسئلة على الكتاب، أو على المؤلف، أو حول الموضوع برمته، في أثناء القراءة. ويمكن كتابة هذه الأسئلة على هوامش الصفحات. ثمّ إنّ قراءة كتاب، هي في حد ذاتها، عملية جلوس إلى المؤلف، إذ على القارئ أن يتخيل، وهو يقرأ، أنّ المؤلف يجلس إلى جانبه، بما يمكنه، من النفاذ إلى ذهن المؤلف، وكأنّه يجري حواراً معه.

·      R = Read (اقرأ) أي اقرأ الكتاب، قراءة عادية قصد الفهم، والتركيز، وأنت تجلس فوق مقعد مريح، لكنه لا يجلب النعاس، لأنك أمام عمل هام، إنّه القراءة.

·      U = Underline (ضع خطاً تحت الكلمة) أي ضع خطوطاً تحت الألفاظ المفتاحية، وأنت تقرأ. بعض المؤلفين يطلبون من دور النشر، طبع الألفاظ المفتاحية التي يحددونها بحروف غليظة، وفي مثل هذه الحالة، يمكن للقارئ أن يعتمدها، وأن يضع خطوطاً تحت ألفاظ أخرى يجدها في نظره هامة وضرورية، أو تحت فقرات تهمه.

·      A = Answer (أجب) وتعني ضرورة الإجابة عن أسئلة الكتاب، أو الأسئلة التي يطرحها القارئ فوق الهوامش، لأنّ ذلك يفيد في تعميق الفهم، وزيادة الاستيعاب.

·      R = Recite (تلاوة) وتعني ضرورة الحديث مع الآخرين حول الكتاب الذي تقرأ، أو حول فصل منه، أو عدة فصول، أنهيت قراءتها، أو ضرورةَ تلاوة ملخصاتها بصوت مرتفع، بغرض تركيز المعلومات، وتجريب الذاكرة قصيرة المدى.

·      R = Review (مراجعة) وتفيد بضرورة مراجعة المعلومات، وبخاصة منها الجمل التي وضع تحتها خط، أو المطبوعة بحروف مائلة أو غليظة، نظراً لأهميتها. ويستحسن أن تكون هذه المراجعة أسبوعية، قصد ترسيخ الأفكار في الذاكرة، وهي طريقة يستخدمها الطلبة كثيراً، استعداداً للامتحان، لأنّ النظر إلى الجمل الهامة، بين حين وآخر، يرسخ المعلومات في الأذهان، ويجعلها دائمة الحضور فيها، سهلة التذكر والاسترجاع.

·      R = Review Again (راجع ثانية) بمعنى، يجب عدم التوقف عن المراجعة، فالمراجعة المستمرة، بين حين وآخر، تجعل القارئ دائم التحكم في الموضوع الذي قرأه، فلا ينساه.

·      وهكذا نجد، أنّ المختصر السابق الذكر، يجمع بين جوانبه، سر القراءة التي يصفها المفكر الأمريكي ديف إليس (Dave Ellis) في كتابه: (القراءة للعضلات) بقوله: "إنها القراءة التي تجعلك تدرب كلّ عضلة من عضلات عقلك، وعضلات إرادتك، للتحكم في عادة القراءة، حتى تصبح قارئاً ممتازاً".

 

المصدر: كتاب فن القراءة

ارسال التعليق

Top